الدعم السريع تلجأ إلى حملات (تجنيد قسري) بمناطق سيطرتها
عاين- 17- يونيو 2025
بعد فقدان قوات الدعم السريع سيطرتها على مناطق في وسط السودان، لا سيما العاصمة الخرطوم، اتجهت قيادة القوات لعمليات استنفار واسعة لحشد المقاتلين في ولايات إقليم دارفور الخاضعة لسيطرتها، وصاحبت هذه العملية انتهاكات واسعة بحق المدنيين الذين وصف بعضهم عمليات التجنيد بـ(القسرية)، وسط رفض واسع من المكونات الأهلية لانخراط أبنائها في القتال .
تأتي هذه الخطوة بعد سلسلة من الهزائم المتتالية، حيث فقدت القوات السيطرة على مدن ومناطق سودانية هامة، بما في ذلك العاصمة الخرطوم. في المقابل، تتوسع دائرة سيطرة قوات الجيش والحركات المتحالفة معه في شمال كردفان، مع انتقال القتال إلى ولاية غرب كردفان. بالإضافة إلى الانخفاض الملحوظ في عدد المقاتلين بعد انسحاب القوات من العاصمة ومواقع استراتيجية أخرى، انخرط الآلاف منهم في أنشطة تجارية، بعيدا عن مناطق القتال.
ولجأت قوات الدعم السريع مؤخرا لاستخدام الطيران المسير في حربها ضد الجيش السوداني، وأصابت طائراتها أهداف عديدة في عدد من المواقع المهمة لاسيما مدينة بورتسودان العاصمة الإدارية البديلة للحكومة التي يسيطر عليها الجيش.
وفي مايو الماضي أصدرت الإدارات المدنية التابعة لقوات الدعم السريع بمناطق سيطرتها، قرارات الطوارئ والاستنفار العام في ولايات إقليم دارفور ولاية غرب كردفان، وشملت القرارات مختلف فئات المجتمع، مصحوبة بتوجيهات وصفت بالصارمة تلزم الشباب والقطاعات التجارية والأهلية بالمشاركة في الجهود العسكرية الجارية. وبررت الإدارات المدنية القرارات لمواجهة التحديات الأمنية المتصاعدة، والحفاظ على الأمن القومي وسلامة المواطنين ومكتسبات الثورة، محذرةً كل يرفض أو يعترض تنفيذ أوامر التعبئة.
وبالتزامن مع عمليات التعبئة والاستنفار شنت قوات الدعم السريع حملة اعتقالات واسعة في ولايتي جنوب وشرق دارفور، طالت عناصر في تنظيم الحركة السلامية، بجانب عناصر عسكرية في الشرطة والجيش والأمن رفضوا العمل إلى جانبها، وخيرتهم ما بين الانضمام إلى صفوها أو السجن.
فرار مئات الشبان من مدينة الضعين بعد أن وضعتهم الدعم السريع امام تلاث خيارات، الانخراط في القتال، أو دفع مبالغ مالية كبيرة، أو البقاء في السجن
مواطن من الضعين
وكشف “خميس علي آدم” وهو أحد سكان الأحياء الشمالية في مدينة الضعين، عن فرار مئات الشباب، والتجار وقيادات العمل الطوعي، من مدينة الضعين والمحليات، بعد تسريب كشف بأسماء مستنفرين.
أوضح خميس في مقابلة مع (عاين) أن الخيارات كانت معقدة بالنسبة لهم، حيث اضطروا لترك منازلهم وعائلاتهم في ظل ظروف معيشية وأمنية صعبة. كان أمامهم ثلاث خيارات: الانخراط في القتال، دفع مبالغ مالية كبيرة، أو البقاء في السجن.
في سياق مشابه، أفاد أحد الأطباء في جنوب دارفور أن حملات الاستنفار كانت موجهة بالأساس نحو الأطباء والكوادر الطبية، مما أجبرهم على المشاركة في هذه الحملات من خلال دفع مبالغ مالية كبيرة. وأوضح الطبيب، الذي طلب عدم ذكر اسمه لـ(عاين)، أنه حاول عدة مرات مغادرة دارفور، لكنه لم ينجح، مما أجبره على الاستمرار في العمل، خاصة بعد أن زادت قوات الدعم السريع من رقابتها على المعابر الحدودية.
في الأسبوع الماضي، أعلنت شبكة أطباء السودان أن قوات الدعم السريع اعتقلت حوالي 178 شخصًا، من بينهم كوادر طبية، في مدينة الضعين، التي تعد مركز ولاية شرق دارفور. وعُرض على المعتقلين خيارين: الانضمام إلى القتال في صفوف القوات أو دفع فدية مالية مقابل الإفراج عنهم.
أظهرت استطلاعات أجرتها (عاين) مع قادة مجتمع في ثلاث مدن بدارفور أن حملات الاستنفار شملت الغرف التجارية والزراعية والرعوية والإدارات الأهلية في ولايات جنوب وغرب ووسط دارفور، بالإضافة إلى ولاية غرب كردفان. وقد تم إلزام هذه الجهات بتقديم الدعم المالي ودفع ما يُعرف بضريبة الحرب مقابل حماية ممتلكاتهم، والتزام الإدارات الأهلية بتقديم المقاتلين لضمان تأكيد ولائهم لقوات الدعم السريع.
مكونات اجتماعية تعارض عملية الاستنفار، معتبرة أن هذه العملية ليست سوى فخ للشباب ومحرقة لهم
قيادي أهلي
“عمليات التعبئة والاستنفار التي تقوم بها قوات الدعم السريع وضعت القيادات الأهلية والمجتمعات المحلية في موقف حرج للغاية خاصة أن الإدارة الأهلية هي المعنية بتجميع المقاتلين، وفي نفس الوقت جمع الأموال”. يقول قيادي أهلي فضل حجب اسمه لـ(عاين).
يشير القيادي الأهلي إلى وجود مكونات اجتماعية تعارض عملية الاستنفار، معتبرة أن هذه العملية ليست سوى فخ للشباب ومحرقة لهم. ومع ذلك، لا تستطيع هذه المكونات التعبير عن اعتراضها بشكل مباشر، لأنها تخشى أن تدفع ثمنًا باهظًا كما حدث في مناطق المالحة، النهود، وأم كدادة، التي تعرضت لاستباحة قوات الدعم السريع بشكل انتقامي بسبب تأييد الجيش.
أشار القيادي الأهلي إلى أن قوات الدعم السريع هددت بفرض عقوبات في حال تنفيذ الاستنفار، مما أثر سلباً على العلاقات الاجتماعية بين المكونات في مناطق سيطرتها. وحذّر من أن ذلك قد يؤدي إلى انقسامات داخل هذه المكونات، وقد يغير مواقفها الداعمة لمشروع الدعم السريع.
استخدام آخر الأوراق
يظهر توجه الدعم السريع نحو الاستنفار والتعبئة والجنيد القسري، وجود أزمة حادة داخل صفوفها. وقد لجأت القوات إلى استخدام ورقة الاستنفار بعدما استنفدت جهود التجنيد، التي كانت تعتمد على تقديم حوافز مالية، بسبب النقص الكبير في أعداد المقاتلين بعد الخسائر الفادحة التي تعرضوا لها في العاصمة الخرطوم. وفقا للخبير العسكري محمد علي إيدام.
يقول إيدام لـ(عاين): “على الرغم من فتح الدعم السريع لمراكز التجنيد داخل وخارج البلاد، إلا أنها بدأت في تجنيد المواطنين، مما يدل على احتياجها المُلح لمزيد من المقاتلين بعد انسحاب المقاتلين والمليشيات المساندة نتيجة استمرار الحرب لفترة طويلة”.
أشار المحلل السياسي محمود حسن محمود إلى أن قرار الاستنفار يدل على فهم قيادة الدعم السريع والتحالف السياسي لحجم التهديدات الأمنية المباشرة التي تواجه مواقع سيطرتهم في إقليم دارفور بعد مغادرتهم العاصمة الخرطوم، واصفاً هذه الخطوة بأنها تمثل “آخر العلاج بالكي”.
يؤكد محمود في حديثه مع (عاين) أن هذه التطورات تخلق توازنات جديدة في ميزان القوى، حيث تركز الفصائل المتحالفة مع الجيش على فك الحصار عن مدينة الفاشر، بالإضافة إلى استعادة باقي ولايات دارفور لتعزيز موقفها السياسي والعسكري في تعاونها الاستراتيجي مع الجيش.