السودانيون في ليبيا.. مواجهة الكراهية وخطر عصابات الاتجار بالبشر
عاين- 5 يونيو 2025
“كان زوجي السوداني الوحيد من بين مرضى الكلى الذين يتلقون عمليات الغسيل في مركز العلاج بإحدى المدن الليبية، ودخوله تم بعد عناء واستجداء للأطباء ومسؤولي المركز العلاجي، ومع بداية علاجه رفض المرضى الليبيون الذين يتعالجون في ذات المكان بقاءه بالقرب منهم خشية أن يكون لديه أي مرض معدي الأمر الذي استجابت له إدارة المستشفى، وعزلت المريض السوداني”. تقول السودانية حليمة سيمان- اسم مستعار- والتي لجأت إلى ليبيا مع آلاف السودانيين بعد اندلاع الحرب في السودان.
لم تكتف إدارة المستشفى بعزل المريض فقط، بل وبينما يتلقى المريض السوداني علاجه عبر آلة غسيل الكلى توقفت ماكينة أخرى كانت تعالج مريض ليبي الأمر الذي اضطر إدارة المستشفى على وقف متابعة الغسيل للمريض السوداني وسحب الآلة إلى المريض الليبي- تروى السيدة السودانية لـ(عاين)، وتقول “هذه المواقف أثرت نفسياً على زوجي”.
وخلال الفترة الأخيرة، ظل السودانيون الذين فروا من الحرب في السودان إلى ليبيا يتعرضون لمضايقات واسعة في ظل تصعيد نشطاء مدنيين ومنظمات ليبية ضد الأجانب بشكل عام والسودانيين تحديدا نظرا لأعدادهم الكبيرة في المدن والبلدات البلدات الليبية. ويُقدّر عدد اللاجئين السودانيين، في ليبيا بحوالي 210 آلف شخص، بحسب تقديرات المفوضية السامية للاجئين يناير 2025، ويدخل السودانيون إلى ليبيا عبر مهربين متواجدين بين الحدود السودانية الليبية، ومعظمهم لا يملكون وثائق رسمية.
حليمة سليمان التي تقول إنها تشعر بعدم الأمان، تجد نفسها مضطرة للخروج من منزلها ومجابهة العنصرية يومياً بسبب مرض زوجها، وتروي السيدة في البداية كانت المستشفيات ترفض إدخال زوجها الذي يخضع لغسيل الكلى بشكل دائم، ويخبروهم أنه لا يوجد مكان شاغر أو سرير للعلاج، وأضافت “بعد أن ساءت حالة زوجي الصحية عدنا مرة أخرى وطلبت من المدير الطبي أن يسمح له بتلقي العلاج، ولكنه رد عليها أن السودانيين تسببوا في تكدس المستشفيات، وبالكاد يعالجون الليبيين، ولا يهمه إن مات زوجها أو عاش، حينها كان فاقداً للوعي، أصرت على البقاء في المشفى، وسمحوا لهم بتلقي العلاج بعد أن احتجزوا جواز زوجها إذا عجزوا عن دفع نفقات العلاج”.
تعليم معدوم
وتحكي ذات السيدة في مقابلة مع (عاين) أنها قررت أن تبحث عن مدرسة لأبنائها تفاجأت برفض مديرة المدرسة للفترة المسائية وعدم السماح لهم بالدراسة، بعدها قابلت مدير المدرسة للفترة الصباحية أخبرته بقصتها، فطلب منها المستندات الأطفال، ولكن مديرة المدرسة اعترضت بشدة، ووجهت لها عبارات مهينة لكونها لاجئة سودانية، وتركت فكرة تعليم أبنائها جانبا، ولا تأمل أن يحدث ذلك قريباً.
ومن أكثر المواقف المرعبة التي تعرضت إليها، تقول ” في أحد الأيام كانت درجة الحرارة مرتفعة جدا، وليس لدينا مروحة أو مبرد هواء تركنا الباب مفتوح بغرض التهوية داهمنا مسلحون داخل منزلنا وأخذوا هواتفنا، وطالبونا بإخراج الأموال والذهب تحت تهديد السلاح أحدهم قال لنا أنتم سودانيين ويجب أن لا أجدكم في هذا المنزل غداً، وإنهم لا يريدون لاجئين سودانيين.
“بعد هذا الموقف بدأت تراودني فكرة الهجرة عبر البحر، رغم خطورتها على أطفالي وزوجي المريض”، تقول سليمان وتتابع: “ما يزيد الوضع تعقيداً أن المنظمات لا تساعدنا فقط تلقينا سجادات وبعض الأواني من منظمة الهجرة الدولية، ومبلغ (500) دينار ليبي، ويستخدم زوجي حوالي (15) نوع من الأدوية هذا المبلغ لا يكفي لشراء نوعين من منها”.
ركوب البحر
تبدو أوضاع السودانيين في ليبيا، الأكثر تعقيداً بين جميع الدول المجاورة بعد اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، وتتجه أعداد كثيرة منهم إلى الهجرة عبر البحر.
“تعرض ابني للضرب من مواطن ليبي، ووصفه بالأسود بينما هو متوجه إلى المسجد للصلاة؛ لأنه لاجئ سوداني”، تروي السيدة نعمات عثمان- اسم مستعار- في مقابلة مع (عاين) وتقول: “أصيب ابني الثاني بجروح بالغة في يديه جراء الطعن بآلة حادة من قبل مسلحين ليبيين، حاول مقاومتهم طعنوه بالسكين، وأخذوا هاتفه وأمواله وهذه المجموعة تستهدفه للعمل معهم في ترويج الممنوعات والمخدرات لذلك تترصده باستمرار”.
يشعر الشاب سليم الطيب بالخوف في مدينة مصراتة، حيث يعيش في بلد غير آمن بعد أن هرب من الحرب في السودان. السلطات الليبية تعتقل السودانيين، خصوصاً في طرابلس، وتفرج عنهم بعد فترة، لكنها تجردهم من أموالهم وهواتفهم وكل ما يملكونه. ويشير الطيب وهو اسم مستعار لـ(عاين)، إلى أن فرص العمل قد تكون أفضل في مصراتة، لكن تكاليف المعيشة مرتفعة. ويؤكد أنهم لم يأتوا إلى ليبيا للتنافس مع الليبيين على الرزق، بل لجأوا إليها بسبب ظروف الحرب. يحاول بعض السودانيين الهجرة إلى أوروبا، بينما يرغب آخرون في العودة إلى السودان إذا استقرت الأوضاع.
متفلتين وتجار بشر
يعترف مدير منظمة الحد من الهجرة والعودة الطوعية للجاليات السودانية، مالك الديجاوي، بوجود انتهاكات متعددة ضد السودانيين في ليبيا، تأتي بشكل خاص من المتفلتين وتجار البشر، حيث تسعى الحكومة للقبض على هؤلاء المهربين. ويشير إلى أن ليبيا تُحكم بالأعراف، وغالباً ما تتبرأ الأسر الليبية من أبنائها المهربين بعد طلب المساعدة، حيث تتضح مواقف هذه الأسر عندما تُبلغ السلطات عن اختطاف أبنائهم وطلب الفدية.
كما يؤكد الديجاوي أنه رغم وجود خطاب كراهية ضد الأجانب، وخاصة السودانيين، في الآونة الأخيرة من قبل بعض الناشطين الذين نظموا وقفات احتجاجية تطالب بخروج الأجانب، إلا أن معظم الليبيين يتعاملون بشكل جيد مع السودانيين ويستقبلونهم. ويواجه السودانيون بعد هروبهم من الحرب إلى ليبيا تحديات تتعلق بالحصول على العمل والعلاج وتعليم أبنائهم، بينما تسعى الحكومة الليبية إلى دمجهم في مجالي الصحة والتعليم. وعلى الرغم من الصعوبات، يسعى عدد كبير من اللاجئين للاندماج في المجتمع الليبي بسبب تشابه التقاليد.
ويواجه السودانيون تحديات التحول إلى لاجئين غير شرعيين يوضح الديجاوي في مقابلة مع (عاين)، وبدا الآلاف من السودانيين يهاجرون إلى أروبا ومواجهة أخطار الهجرة غير الشرعية فيما لا تستطيع مفوضية اللاجئين تحمل هذه الأعداد الهائلة من السودانيين الذين لجأوا إلى ليبيا بعد الحرب، مع الأخذ في الاعتبار أن المفوضية لديها مكتب واحد في ليبيا بمدينة طرابلس، ويرى أن الحكومة الليبية تكترث لأوضاع اللاجئين خاصة السودانيين، إذ وضعت قرارات لإدماجهم في المجتمع، ويوجد عدد من منظمات المجتمع المدني بينها الهلال الأحمر ومنظمات أخرى بالتعاون مع المنظمات الدولية يوزعون سلات الغذاء على اللاجئين السودانيين في ليبيا، ولكن للأسف دولة ليبيا أوقفت نشاط بعض المنظمات كانت تساعد على الغذاء والمستلزمات الأساسية.
بدأ الآلاف من اللاجئين السودانيين في ليبيا بالهجرة نحو أوروبا عبر مسارات تشمل ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، وموريتانيا
مدير منظمة الحد من الهجرة والعودة الطوعية للجاليات السودانية
يؤكد الديجاوي عدم وجود أي تعاون بين المبادرات والسفارة السودانية، حيث إن التوترات السياسية في ليبيا تؤثر بشكل مباشر على العلاقة مع السفارة الواقعة غرب البلاد والقنصلية في الشرق. لذا، فإن الجالية السودانية هناك أكثر نشاطاً. ويشير الديجاوي إلى أن مخاوفهم قد تحققت، حيث بدأ عشرات الآلاف من اللاجئين السودانيين في ليبيا بالهجرة نحو أوروبا عبر مسارات تشمل ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، وموريتانيا. كما انتقلوا من دول أوروبية مثل تركيا وبعض دول أوروبا الشرقية، وذلك في إطار رحلات التهريب التي شهدت تطورات جديدة مثل استخدام الطائرات الشراعية والمناطيد لعبور الحواجز والأسلاك الشائكة بين المغرب وإسبانيا والدول الأوروبية، لضمان وصولهم، خاصة بعد أن أصبح ما يدفعونه للمهرب يصل إلى 150 ألف دولار للرحلة غير المضمونة. ويضاف إلى ذلك الحملات التي بدأت فيها ليبيا بتقنين أوضاع المهاجرين غير الشرعيين وسط ضغوط لنشطاء ليبيين بعد استفحال ظاهرة الهجرة غير النظامية التي باتت تهدد الأمن القومي الليبي، والتغيير السكاني كما يقول النشطاء، وبالمقابل نجد المخاطر الكبيرة التي يتعرض لها المهاجرون من الوفاة إلى التوهان في الصحاري والغابات ونيران حرس حدود بعض الدول والبحر والتجمد وسط الثلوج إلى الانتهاكات من قبل تجار البشر والمهربين بحسب الديجاوي.
استغلال السودانيين
“أحيانًا تُثير الحكومة الليبية هذه الاحتجاجات. وتستخدمها كأداة لكسب ود أوروبا والشعب الليبي، أو للضغط من أجل الحصول على مكافآت”. تقول خبيرة في شؤون الهجرة الليبية تفضل عدم الكشف عن هويتها نظرًا لظروفها الأمنية لـ(عاين).
وتتابع الخبيرة وهي ليبية الجنسية: “لدينا ميليشيات تدعي أنها مناهضة للهجرة – فهي تشارك في الاتجار بالبشر وتقوم في الوقت نفسه بمداهمة مناطق الهجرة لكسب ود الحكومة”.
ومع تزايد انعدام الأمن في ليبيا، تزايدت أيضًا عمليات الاتجار والتهريب -وفقا لخبيرة الهجرة التي تقول: إن “تزايد معدلات الجريمة داخل ليبيا يشكل أحد الأسباب الرئيسية للاستياء تجاه المهاجرين. وأصبح الجنوب الليبي لامركزيًا بعد أن فقدت السلطات المركزية سيطرتها على بقية البلاد. دفع فقدان الحوافز الاقتصادية في الجنوب الكثيرين إلى الانخراط في أنشطة إجرامية، وازدادت عمليات التهريب بشكل هائل”.
هناك الكثير من الحوافز المالية المتعلقة بأعمال التهريب والاتجار بالبشر، لذلك يستمر استغلال السودانيين
خبيرة هجرة ليبية
وتابعت:” هكذا نمت شبكات تهريب المهاجرين بشكل هائل في عام 2014؛ وأصبحت صناعة تبلغ قيمتها مليارات الدولارات بحلول عام 2016-وبحسب تقرير صادر عن مؤسسة تشاتام هاوس، في عام 2016، بلغت نسبة الاتجار بالبشر في الناتج المحلي الإجمالي لليبيا 5.1%.”
وتضيف: “لقد أصبحت التجارة مربحة للغاية؛ حيث ظهرت الآن شبكات إجرامية معروفة، وقد أصبحت اليوم متشابكة مع المؤسسات نفسها، وهناك الكثير من الحوافز المالية المتعلقة بأعمال التهريب والاتجار بالبشر، لذلك يستمر استغلال السودانيين.” وأشارت إلى أن ليبيا ليست طرفًا في اتفاقية الأمم المتحدة رقم 51. لا يتمتع اللاجئون بأي حقوق في ليبيا، كما أن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين غير معترف بها رسميًا.