“أقصى الكُل”.. هل أوشك (البرهان) على الانفراد بحكم السودان؟

عاين- 27 مايو 2025

منذ صعوده إلى قمة السلطة في السودان خلفاً للرئيس المخلوع عمر البشير، وإلى اليوم، شكلت قوة السلاح قاسم مشتركاً في خطة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، لتوطيد أركان حكمه والانفراد بتشكيل المشهد.

وخلال خمس سنوات قضاها رئيساً لمجلس السيادة الانتقالي، واجه البرهان العديد من العقبات والمطبات على طريقه لحكم السودان، بدءا من الاحتجاجات الشعبية الرافضة للحكم العسكري والمنادية بالسلطة المدنية الديمقراطية، وصولاً إلى الحرب التي جعلته حبيساً لأشهر داخل قيادة الجيش السوداني في وسط الخرطوم يحاصره مسلحو قوات الدعم السريع، قبل أن يخرج ويحول المعادلة الحربية لصالحه.

وبعد عامين من الحرب المدمرة، تحول السودان إلى ساحة للغة البنادق، حيث اضطرت القوى المدنية الفاعلة لمغادرة البلاد، وقيدت السلطة التي يقودها الجيش دعاوى قضائية في مواجهتهم عقب تبنيهم مواقف رافضة للحرب وداعية إلى تحقيق السلام في السودان.

ومع تقدم الجيش السوداني عسكرياً في جبهات القتال، أجرت الحكومة التي يقودها تعديلات واسعة على الوثيقة الدستورية في فبراير الماضي، تلخصت في تكريس السلطة في يد مجلس السيادة ورئيسه، مما أدى إلى تغيير في نظام الحكم من برلماني يتمتع فيه رئيس الوزراء بسلطات كبيرة وفق ما أقرت قوى الثورة في وقت سابق، إلى نظام حكم رئاسي.

وخلال مايو الجاري، أعلن الجيش سيطرته العسكرية على كامل العاصمة السودانية الخرطوم، وتبع ذلك تعيين السياسي السوداني كامل إدريس رئيساً للوزراء في خطوات أحادية من مجلس السيادة ورئيسه عبد الفتاح البرهان، تكشف ملامح المرحلة المقبلة من الحكم في السودان، في ظل تراجع النفوذ العسكري والسياسي لقوات الدعم السريع، أحد أكبر منافسي الجيش على الحكم.

مواجهة بالسلاح

طبيعة العقبات التي اعترضت طريق البرهان كانت وفق محللين كفيلة بالعصف بأحلامه في حكم السودان، لكنه تخطى جزءا كبيرا منها، مما طرح تساؤلات بشأن الكيفية التي واجه بها تلك المحطات الصعبة في مسيرته، والقوى والتي وقفت خلفه، ومهدت طريق عودته إلى القصر الرئاسي في الخرطوم، بصلاحيات مفتوحة للحكم، بعدما تمكن من إقصاء جميع خصومه.

ويقول الصحفي والمحلل السياسي عبد الله رزق، أن “البرهان قضى الخمس سنوات الماضية في صراع بشكل رئيسي ضد القوى المدنية التي فجرت ثورة ديسمبر. تحالف في بداية الأمر مع قوات الدعم السريع، للانقلاب على الشراكة معها، ثم انقلب على الشراكة مع الدعم السريع، والتي أفرزت الحرب الجارية منذ عامين”.

البرهان اعتمد على الجيش وعسكرة الصراع، وهو صراع غير متكافئ مع قوى لا تعتمد غير الوسائل السلمية، قدر له أن يواجه بنفس سلاح قوات الدعم السريع، وليس هناك مشهد ليشكله فما زالت الحرب سجالاً

 محلل سياسي

وشدد رزق خلال مقابلة مع (عاين) أن البرهان يعتمد على الجيش، وعلى عسكرة الصراع، وهو صراع غير متكافئ مع قوى لا تعتمد غير الوسائل السلمية، فهو لم ينتصر عليها في ميدان الصراع السلمي الديموقراطي، بينما قدر له أن يواجه بنفس سلاحه قوات الدعم السريع، وهو صراع متكافئ من حيث نوع السلاح، مقارنة مع القوى المدنية، وينتظر منه أن يحسم هذا الصراع لصالحه.

لكنه يرى أن “الحرب ما زالت سجالا، ولم تحسم بعد، وحتى ذلك الحين، ليس أمام البرهان غير الاستمرار في الحرب أو اللجوء إلى التفاوض، لكن ليس هناك ما يشكله كمشهد سياسي. عقبة الدعم السريع ما زالت قائمة تحد من سيطرته على الوضع وإعادة تشكيه”.

ووصل البرهان محطة المواجهة العسكرية مع حليفه قوات الدعم السريع، بعدما واجها سوياً حركة الشارع السوداني بقوة السلاح، حيث فضا الاعتصام السلمي أمام القيادة العامة للجيش بالخرطوم، وقتل مئات المتظاهرين السلمين.

وفي 25 أكتوبر 2021 نفذ قائد الجيش عبد الفتاح البرهان انقلاباً عسكرياً، أطاح به بشركائه المدنيين (تحالف الحرية والتغيير) من السلطة المدنية، وعزل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، لكن لم يمض طويلا نشب خلاف مع حليفه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي، فاندلعت الحرب، فظل البرهان عالقاً ومحاصرا داخل قيادة الجيش في الخرطوم 4 أشهر بعد اندلاع القتال، لكنه تمكن من المغادرة في عملية غير واضحة المعالم حتى الآن، وسط تسريبات بتدخل جهات خارجية لإجلائه.

اعتمد البرهان على قدرات الجيش السوداني لتجاوز عقباته، بعدما أدارت دول العالم ظهرها له في بداية اندلاع الحرب، وكان الرئيسان المصري والقطري فقط من يجيبان على اتصالاته عندما كان محاصراً في القيادة العامة

 خبير أمني

لكن الخبير الأمني اللواء معاش بدر الدين عبد الحكم، قال لـ(عاين) إن البرهان اعتمد على قدرات مؤسسة الجيش وحدها في مواجهة العقبات منذ تسلمه السلطة في العام 2019 حتى مرحلة اندلاع الحرب الحالية، فقد أدارت جميع الدول له ظهرها في بداية القتال، فعندما كان عالقا في القيادة العامة يحاول الاتصال بزعماء العديد من دول العالم، ولا يجيبون عليه، وكان يرد على مكالماته أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فقط.

وشدد عبد الحكم أن الانفتاح على العالم بدأ بعد خروج البرهان من القيادة العام للجيش في أغسطس من العام 2023م، وقد ساعد ذلك في دعم مقدرات القوات المسلحة، ومكنها من الانفتاح.

ويشير إلى أن البرهان واجه ضغط من ضباط وجنود الجيش الرافضين إلى تمدد قوات الدعم السريع، إذ نفذوا ضده ثلاث محاولات انقلابية على الأقل، والتي من بينها تلك التي قادها رئيس الأركان هاشم عبد المطلب، وبكراوي.

عسكرة الصراع

غير أن الصحفي والمحلل السياسي عبد الله رزق لا يرى مشهداً سياسياً مدنياً يُشَكَّل، فليس بمقدور البرهان فعل شيء في القصر الرئاسي غير إدارة الحرب، والتفكير في حكم خارج مقتضيات الحرب، وخارج حكومة الحرب، وهي حكومة عسكرة بالضرورة، وليست مدنية بأي حال، وتمثل امتداداً لنظام الرئيس المخلوع عمر البشير واتجاهاته.

ويقول لـ(عاين): “ليس ثمة قوى خفية تقف خلف البرهان، فهو جزء من لجنة البشير الأمنية التي سعت لقطع الطريق أمام انتفاضة ديسمبر، والحفاظ على النظام بعد التحفظ على رأسه في مكان آمن. لذلك يقف فلول النظام مع البرهان ويدعمونه”.

فيما يرى المحلل السياسي فايز السليك، أن البرهان لم يتجاوز عقبة، إلا بمصيبة وعقبة أكبر. بدأ بمجزرة القيادة العامة، ثم الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021، والمصيبتان كانتا بمشاركة قوات الدعم السريع، ثم كانت الحرب.

ويقول السليك في مقابلة مع (عاين) “فعلياً أو واقعياً البرهان رئيس للسودان، لكن ماذا قدم؟ وماذا جنى المواطنون منه؟ اعتبر فترة البرهان هي أسوأ فترات حكم في تاريخ السودان منذ الاستقلال حيث بلغنا مرحلة انقسام الدولة وتمزيق المجتمع”.

ويضيف: “نعم ظل البرهان حاكماً، لكن بلا قيمة، واعتمد في ذلك على اللعب على التناقضات وبناء التحالفات التكتيكية مع بعض القوى لضرب القوى الأخرى، مستغلا رمزية بعض مؤسسات الدولة، لا سيما الصلبة منها مثل الجيش والأجهزة الأمنية والعدلية في تقوية نفسه، ويكون محوراً أصلياً في أي حلف”.

وتابع: “تقف خلف البرهان الحركة الإسلامية في حلف تكتيكي وعلاقة طفيلية لن تدوم؛ لأن سقفها الزمني مرهون بانتهاء الحرب. بينما مسألة العودة إلى القصر الرئاسي مرتبطة بتأهيل وسط الخرطوم عمرانيا وصحيا، وهو أمر بات وشيك، ولا أتوقع هجوم جديداً من الدعم السريع بطريقة مباشرة إلا عن طريق المسيرات، وهنا الأمر سيان في الخرطوم أو بورتسودان، وربما تنتهي مرحلة البرهان مع انتهاء الحرب، والسيناريو الأقرب هو انقسام السودان”.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *