واشنطون حول حرب السودان.. (واجهنا الإمارات)

عاين- 21 مايو 2025 

بينما لم تتطرق رسميًا، جولة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مؤخرًا إلى ثلاث دول خليجية هي السعودية والإمارات و قطر  إلى الحرب الدائرة في البلاد، أبلغت مصادر دبلوماسية سودانية (عاين)، إن الأزمة السودانية كانت حاضرة على طاولة مشتركة بين الرياض وواشنطن خلال زيارة ترمب إلى السعودية، وأبلغت الرياض الرئيس الأميركي حول إمكانية لعب دور مؤثر مع الإمارات لوقف النزاع المسلح في السودان.

وواجه نواب في الكونجرس الأمريكي أمس الثلاثاء وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، حول موقف بلاده من موقف الإمارات في حرب السودان، وقال أحد النواب موجها سؤاله لوزير الخارجية: “”خذ الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال – إنهم شريك مهم في الشرق الأوسط، ولكن يجب أن نكون واضحين بأنهم يدعمون حاليًا كيانًا يقوم بإبادة جماعية. هل تمكنت من رسم هذا الخط الواضح في محادثاتك مع الإمارات العربية المتحدة لمعالجة قضية توريد الأسلحة تحديدا؟”.

ورد الوزير الأمريكي:” دائما في الدبلوماسية، تريد أن تكون حذرًا فيما تقوله علنًا”. وتابع: “”لقد عبرنا ليس فقط للإمارات العربية المتحدة، ولكن للدول الأخرى بأنهم يحولون الحرب في السودان إلى حرب بالوكالة، وأنها تزعزع استقرار المنطقة، وأنها في الواقع تخلق بيئة، ليس فقط في السودان ولكنها تهدد بزعزعة الاستقرار”.

فيما أشار السناتور الأمريكي كوري بوكر، إلى ضرورة تضغط بلاده بقوة على الذين يغذون الصراع في السودان. وقال:” نحن نضغط بقوة على أولئك الذين يغذون الصراع، القيادة الأمريكية حاسمة لإنهاء هذا… يمكننا تحقيق ذلك وليس فقط تخفيف المعاناة ولكن إنهاء هذا”.

وتابع:” إيجاد حل دبلوماسي للصراع هو شيء يمكننا القيام به”.

وقال المصدر الدبلوماسي: “السعودية أبلغت ترمب بضرورة التحدث مع حاكم الإمارات محمد بن زايد، والرياض أوصلت رسالتها عبر الرئيس الأميركي عن عدم رضاهم بالدور الذي تقوم به أبوظبي في السودان”.

ويؤكد مصدر دبلوماسي سوداني آخر لـ(عاين): أن سياسة الولايات المتحدة الأميركية خاصة بعد صعود ترمب إلى البيت الأبيض تقوم على استراتيجية النظر إلى الأزمة السودانية من خلال “دول الخليج” خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

وخلال القمة الخليجية الأميركية التي غاب عنها حاكم الإمارات محمد بن زايد المتهم بالتقارب مع الجنرال محمد حمدان دقلو “حميدتي” أكد ولي العهد السعودي محمد بن سليمان أن حل الأزمة السودانية ما زال ممكنا عبر إحياء منبر جدة لإجراء محادثات بين الجيش وقوات الدعم السريع ووقف إطلاق النار.

وتعثرت جهود دولية طوال العام 2024 في وقف القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بينها مفاوضات جنيف التي قاطعتها القوات المسلحة مشترطة تنفيذ الدعم السريع اشتراطات مسبقة، كما انهار المشروع البريطاني في مجلس الأمن بسبب الفيتو الروسي.

مصالح الولايات المتحدة في السودان تنحصر في أمن البحر الأحمر وضمان عدم وصول روسيا وإيران إلى هناك

سيلمان بلدو

الباحث في السياسات الأميركية بأفريقيا سليمان بلدو يقول لـ(عاين): إن “الولايات المتحدة لم تعد تكترث خاصة بعد وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض بالعون الإنساني والديمقراطية والحكم المدني في الدول المضطربة أو الغارقة في نزاعات مسلحة بقدر اهتمامها بالبحث عن مصالح تجارية مباشرة”.

وأضاف بلدو: “لقد رمت الإدارة الأميركية حقوق الإنسان والمساعدات التي كانت تخصصها للدول الفقيرة عبر النافذة، وحلت محلها المصالح المباشرة لذلك فإن حرب السودان بالنسبة لواشنطن تمر عبر دول الخليج وهي السعودية والإمارات وقطر”.

ويرى بلدو، أن مصالح الولايات المتحدة في السودان تنحصر في أمن البحر الأحمر وضمان عدم وصول روسيا وإيران إلى هناك والمصلحة الثانية عدم السماح بانهيار الدولة، حتى لا يتعرض الساحل والممر المائي الدولي حركة الملاحة التجارية إلى تهديدات مباشرة.

وأردف: “المصالح الأميركية أيضا تتعلق بعدم السماح بصعود الإسلاميين المتطرفين إلى السلطة في السودان”. ولفت إلى أن حرمان ملايين المواطنين من الغذاء والخدمات الأساسية لم تعد من الأمور ذات الأهمية بالنسبة للإدارة الأميركية.

ويعتقد بلدو، أن طريقة تعامل الولايات المتحدة مع حرب السودان تعتمد على الضغوط التي تمارسها عبر حلفائها في المنطقة وهي السعودية والإمارات لحل التناقضات الخاصة بها إزاء الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وتابع: “يعتمد الموقف الأميركي وهو الموقف الذي يشكل أهمية دولية بالنسبة لحرب السودان على حل التناقضات بين معسكرين الأول السعودية والإمارات من جهة، ومن جهة أخرى معسكر تركيا وقطر ومصر”.

ويرى سليمان بلدو، أن الإدارة الأميركية في عهد الرئيس السابق جو بايدن ارتكبت “أخطاء جسيمة” في استراتيجتها لوقف الحرب في السودان، وقبل ذلك بالتعامل مع الجنرالين عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان عقب مذبحة اعتصام القيادة العامة وعقب الانقلاب العسكري بالسماح لهما ليكونا جزءًا من العملية السياسية ومستقبل البلاد.

مصالح الحلفاء أولوية

ويقول الباحث في الشؤون الدبلوماسية مصطفى بشير لـ(عاين)، إن الإدارة الأميركية لم تضع الملف السوداني ضمن الأولويات خلال جولة دونالد ترمب في دول الخليج منتصف هذا الشهر.

ويرى بشير، أن ترمب لديه استراتيجية واحدة تسمى “إرضاء الحلفاء التجاريين” من خلال هذه الدول الشريكة معها اقتصاديا وماليا، كان بالإمكان نقاش حرب السودان وإمكانية وقف إطلاق النار، ومن المؤسف والخطير في نفس الوقت أن حرب السودان لا تشكل أولوية حتى لدول الإقليم ناهيك عن الولايات المتحدة.

ويعتقد بشير،  أن الإدارة الأميركية وضعت إطفاء حريق السودان على عاتق المملكة العربية السعودية بإحياء منبر جدة مرة أخرى في غضون الأشهر القادمة، وهذا رهين بالتفاهمات بين أبوظبي والرياض وطي خلافاتهما على الأقل بشأن الملف السوداني.

الإدارة الأميركية الحالية منحت تعطيل حرب السودان إلى حلفائها في دول الخليج

بكري الجاك

وأكملت حرب السودان أكثر من 750 يوماً خلال منتصف مايو 2025، وأودت بحياة 130 ألف شخص من المدنيين وفق إحصائيات غير رسمية وتدمير هائل للبنية التحتية بالعاصمة السودانية والفاشر والجزيرة.

وتستمر موجات النزوح في مناطق شتى بالبلاد ومع انتقال المعارك العسكرية إلى كردفان بدأ المدنيون في مغادرة منازلهم إما قسريا تحت تهديد قوات حميدتي أو اقتراب القتال وتوقف الحياة العامة.

السودان ليس أولوية

“الدلائل تشير إلى أن الإدارة الأميركية الحالية منحت تعطيل حرب السودان إلى حلفائها في دول الخليج والمؤشرات تقول كذلك إن الإدارة الأميركية قررت منح دول الخليج اليد العليا في مصير السودان ومستقبله بما في ذلك وقف الحرب”. يقول المتحدث باسم تحالف القوى المدنية بكري الجاك لـ(عاين). ويضيف: “الدور الأميركي السعودي لوقف الحرب خلال منبر جدة جاء مخيبا للآمال والدول لا تعمل وفق عواطف وأمنيات الشعوب، بل وفقا للمصالح”.

وحول عدم أولوية الأزمة السودانية لدى الولايات المتحدة الأميركية ومصالحها رد الجاك قائلا: “عدم ذكر اسم السودان في القمة الخليجية الأميركية ربما لأنه ليس على أولويات واشنطن”.

ومع توغل الحرب نحو العام الثالث يمارس نواب في الكونغرس الأميركي منذ مطلع مايو الجاري ضغوطا على الإدارة الأميركية لتعيين مبعوث رسمي إلى السودان وعدم ترك هذا البلد يتمزق مع نزوح 13 مليون شخص ومذابح تطال المدنيين خلال النزاع المسلح.

يشير المتحدث باسم قوى صمود بكري الجاك، إلى أن هذه الضغوط ربما تنجح في حمل الإدارة الأميركية إلى تسليط الضوء على السودان وتعيين مبعوث يعمل على إنهاء الحرب.

الإدارة الأمريكية مهتمة بتعيين شخص مناسب مبعوثا للسودان

وزير الخارجية الأمريكي

وخلال جلسة أمام الكونجرس أمس، قال وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، أن إدارته مهتمة بتعيين شخص مناسب لهذا الدور المهم. وتابع: “أُكد على أهمية أن تلعب الولايات المتحدة دورًا أقوى في الملف السوداني، بدلًا من الاكتفاء بالدعم الرمزي”.

ولم تعيّن الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترمب مبعوثا خاصا للسودان خلفا لمبعوثها توم بريلو المعين من إدارة الرئيس السابق جو بايدن.

إبعاد الإسلاميين

يشرح الباحث في السياسات الأميركية بأفريقيا سليمان بلدو دوافع أخرى للولايات المتحدة أكثر راديكالية مشيرا إلى أن هناك ضغوطا على قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان للتخلص من الإسلاميين وهو أمر صعب وفقا للمعطيات الداخلية.

ويعتقد بلدو، أن الهجوم بالطائرات المسيرة على بورتسودان لم يحظ بـالإدانات الدولية المؤثرة أو ممارسة الضغوط على الدول التي تساند الهجمات؛ لأنها واحدة من أدوات الضغط على قائد الجيش عبد الفتاح البرهان للتخلص من الإسلاميين.

كما أن الولايات المتحدة الأميركية وفق -سليمان بلدو- لا ترغب في أي دور سياسي للدعم السريع في مرحلة ما بعد الحرب، و”هذان المساران بالنسبة لواشنطن قد يساعدان على إطفاء النزاع المسلح في السودان”.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *