فصائل مُسلَّحة في كنف الجيش.. توترات ومصالح متقاطعة
عاين- 30 أبريل 2025
في الوقت الذي تمكن فيه الجيش السوداني من كسب حلفاء عسكريين للقتال معه ضد قوات الدعم السريع، تنذر توترات بتفكك هذا التحالف الهش، لا سيما التصريحات الأخيرة لقائد قوات درع السودان أبوعاقلة كيكل في مواجهة وزير المالية الذي يقود حركة العدل والمساواة الحليفة مع الجيش.
وعُرف عن كيكل عدائه الشديد للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا، وجاء تكون قوات درع السودان بعيد التوقيع على اتفاق السلام، وذكرت مصادر عسكرية وقتها لـ(عاين)، أن هذه القوات تأتي ضمن مخطط يستهدف بشكل أساسي الترتيبات الأمنية في اتفاق جوبا بغرض إغراق القوات المسلحة بعناصر تنظيم الإخوان في عمليات الدمج والتسريح.
المخاوف من اقتتال داخلي تعززها التصريحات المتواترة لقائد درع السودان واتهامه فصائل أخرى تقاتل مع الجيش بالاستغلال الانتهازي للظروف الراهنة لتحقيق مكاسب مالية شخصية وفئوية. ويعتبر الباحث المتخصص في شؤون الحركات المسلحة السودانية، حسن النويري، تصريحات أبو عاقلة كيكل، تعكس شعوراً متنامياً بالتهميش وعدم الرضا يسود أوساط بعض الفصائل المسلحة التي انضمت إلى القتال إلى جانب الجيش السوداني في مواجهة قوات الدعم السريع.
ويشير النويري في مقابلة مع (عاين) إلى أن هذه الفصائل تشعر بأنها لم تحظ بالاعتراف الكافي بدورها العسكري والسياسي في هذا الصراع، وترى أن قادة حركات دارفور التاريخية يحتلون مواقع السلطة والنفوذ بفضل خطاب المظلومية والسلاح الذي يمتلكونه.
“المخاطر الكبيرة التي تطرحها المليشيات المسلحة في السودان تتجلى بوضوح في اتخاذها مواقف سياسية واضحة وطرحها لمطالب خاصة بها، لا سيما في ظل استمرار الصراع”. يقول الخبير العسكري عمر أرباب لـ(عاين). ويضيف: “هناك أسئلة مهمة وملحة تطرح نفسها بقوة حول ما إذا كانت هذه المطالب والمواقف تعكس صراعًا داخليًا مكتومًا داخل القوات المسلحة نفسها، أو إذا كانت تمثل أجندة منفصلة تسعى هذه المليشيات لتحقيقها على حساب وحدة الجيش واستقراره”.
ويشير أرباب إلى أن المليشيات في السودان غالبًا ما تنشأ وتتكون بناءً على أسس قبلية وعرقية ضيقة، وتأتي في الأساس لتمثيل مكونات اجتماعية معينة، مما يجعلها تحمل في داخلها بذرة الصراع والانقسام منذ البداية. وأكد أن وجود هذه المليشيات المتعددة الولاءات والأجندات يعتبر من المسائل التي تهدد الأمن القومي السوداني بشكل كبير ومباشر”.
الخلافات بين الفصائل المتحالفة مع الجيش يمكن أن تتطور بأشكال مختلفة، وقد تؤدي إلى توترات صراعات داخلية تزيد تعقيد المشهد الأمني والسياسي الهش
خبير عسكري
وجود عدو مشترك يقاتل ضده الجميع- بحسب أرباب- يمكن أن يوحد هذه المليشيات المتناحرة في الوقت الحالي على نحو مؤقت، لكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن الخلافات العميقة بينها لن تتطور وتطفو على السطح في المستقبل القريب. وهذه الخلافات يمكن أن تتطور بأشكال مختلفة، وقد تؤدي إلى مزيد من التوترات والصراعات الداخلية التي تزيد تعقيد المشهد الأمني والسياسي الهش.
عوامل عدة يعتقد الباحث المتخصص في شؤون الحركات المسلحة السودانية، حسن النويري، قد تدفع باتجاه تصعيد هذا الصراع الداخلي المحتمل، بما في ذلك الانتشار الواسع للأسلحة في أيدي مختلف المكونات المسلحة، والصراع المحتدم على السيطرة على الموارد الاقتصادية والمناطق الاستراتيجية ذات الأهمية، والتعبئة القبلية والجهوية التي يمكن أن تغذي الصراعات وتوسع نطاقها.
إلى جانب ذلك يرى النويري، أن عناصر الإسلاميين داخليا، يسعون بشكل حثيث لإضعاف التحالفات الحالية داخل معسكر الجيش وتقويضها من الداخل، بينما تسعى قوات الدعم السريع وحلفاؤها من جانب آخر إلى تفكيك معسكر الجيش وإضعافه من خلال استغلال أي خلافات داخلية.
“دور أبوعاقلة كيكل في هذه المرحلة الحرجة قد يكون بمثابة سلاح ذي حدين بالنسبة للجيش. فبينما يسعى الجيش للاستفادة القصوى من قواته في حربه الشرسة ضد قوات الدعم السريع، فإنه يراقب في الوقت نفسه بحذر شديد إمكانية تحول كيكل إلى قوة مستقلة ذات طموحات خاصة قد تخرج عن سيطرته ونفوذه في المستقبل القريب. هذا التخوف المشروع يثير تساؤلات جوهرية حول ما إذا كان الجيش يخشى تكرار تجربة تكوين قوة عسكرية موازية كما حدث مع قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، وما إذا كانت حاجته إلى قوات كيكل مؤقتة، وتنتهي بانتهاء المعركة الحالية”. تقول أستاذة العلوم السياسية والباحثة المتخصصة في مجال الأحزاب السياسية والحركات المسلحة السودانية، عزة مصطفى لـ(عاين).
وترى مصطفى، أن “نفوذ كيكل يعتمد بشكل كبير على حاضنته الاجتماعية في منطقة الجزيرة، التي تاريخياً لم تشتهر بحمل السلاح أو الانخراط في الصراعات المسلحة. ومع ذلك، فمن المتوقع أن تشهد المنطقة سيناريوهات متعددة ومتغيرة بعد انتهاء الحرب الدائرة. وفي تقديري الشخصي، فإن مطالب كيكل الحالية هي مطالب مرحلية تكتيكية ستتلاشى تدريجياً بانتهاء هذه المرحلة الراهنة من الصراع”.
تحركات كيكل تسعى إلى تحجيم وتقليل دور حركة العدل والمساواة والقوات المشتركة الأخرى المنضوية تحت الجيش
باحث في تحليل النزاعات
البعد الأهم لتصريحات كيكل الناقدة للحركات المسلحة، في اعتقاد الباحث المتخصص في مجال السلام الاجتماعي وتحليل النزاعات، جمال كنو، يتعلق بصراع الامتيازات وتقاسم السلطة والنفوذ بين مختلف القوى السياسية والعسكرية المتنافسة في السودان. ففي رأيه، يسعى كيكل من خلال هذه التصريحات إلى تحجيم وتقليل دور حركة العدل والمساواة والقوات المشتركة الأخرى المنضوية تحت لواء الجيش، واللتين تعتبران من القوى المؤثرة في المشهد السياسي والعسكري، وتحاولان الحفاظ على المكاسب والمواقع التي حققتاها بموجب اتفاقية جوبا لسلام السودان.
ولا يغفل كنو الجانب الشعبي في دوافع كيكل، بكسب تأييد شعبي واسع في منطقة الجزيرة التي تعتبر حاضنته الاجتماعية الرئيسية، وتقديم نفسه كمدافع شرس عن حقوق ومطالب سكان المنطقة، وذلك بهدف تعزيز موقفه التفاوضي في أي مفاوضات مستقبلية مع السلطة المركزية في الخرطوم.
ويقول كنو في مقابلة مع (عاين):” تصعيد كيكل يقرأ أيضا مع رغبة بعض القيادات داخل الجيش السوداني، وخاصة تلك المحسوبة على التيار الإسلامي المتشدد، في استعادة نفوذها ومكانتها التي تراجعت بعد سقوط نظام البشير، وتقويض دور القوى الأخرى الصاعدة، وذلك من خلال خلق أزمات داخلية وإدارتها بطريقة تخدم مصالحها وأهدافها.”
ويحذر جمال كنو بشدة، من أن هذه التطورات الخطيرة قد تؤدي إلى مزيد من الانقسامات والتشظي داخل معسكر الجيش الموحد ظاهرياً، وإلى صراعات عرقية وإقليمية جديدة، خاصة في ظل الاتهامات المتزايدة الموجهة لقوات درع السودان بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق ضد سكان ينتمون إلى مناطق تعتبر تقليدياً موالية لحركة العدل والمساواة.
لكن أستاذة العلوم السياسية عزة مصطفى، ترى أن الجيش والحركة الإسلامية لا يرغبان حالياً في نشوب صراع داخلي مسلح بين الفصائل المتحالفة معه في هذه الحرب. ولكن إذا وُضعوا أمام خيارات صعبة ومحدودة، فمن المرجح أن يضحوا بحركة العدل والمساواة وزعيمها جبريل إبراهيم، وليس بكيكل وقواته، نظراً لقدرته الكبيرة على الحركة والتأثير الميداني الأكبر في مناطق واسعة.
وتستبعد مصطفى أن “يتطور الخلاف الحالي إلى صدام مباشر وعسكري بين الجيش والقوات التابعة للمشتركة أو أي قوات أخرى تقاتل إلى جانبه. فالمواجهة مع كيكل ستفتح جبهة حرب جديدة هم في غنى عنها في ظل استمرار الصراع مع قوات الدعم السريع. وترى أنه “في حال تغير موازين القوى بسيطرة الجيش على كامل أراضي السودان أو التوصل إلى تسوية سياسية شاملة تنهي الحرب، قد لا يكون لكيكل دور بارز في الاتفاق النهائي وتقاسم السلطة. وقد يُفسر تحركه الحالي على أنه محاولة استباقية لضمان موقعه وحصته في أي تقاسم للسلطة أو الموارد مستقبلاً”.