المدنيون الفارون من معارك “النيل الأزرق” يعانون في صمت
عاين- 21 أبريل 2025
نقص في الغذاء والإيواء والدواء، تقابله حملة اعتقالات واحتجاز تعسفي، تلك المعطيات ترسم واقعاً قاسياً يعيشه آلاف النازحين في ولاية النيل الأزرق جنوب شرق السودان، ومع تراجع الوضع الإنساني نتيجة تصاعد العمليات العسكرية، يطلق هؤلاء النازحون صرخات استغاثة للجهات المحلية والدولية للتدخل العاجل لإنقاذ حياتهم.
وتفاقمت الأزمة بحسب متابعات (عاين) عقب عودة العديد من اللاجئين السودانيين من دولتي جنوب السودان وإثيوبيا إلى ولاية النيل الأزرق نتيجة تردي الأوضاع الإنسانية والمعيشية في مخيمات اللجوء هناك، مما خلق ضغط كبيراً على معسكرات النزوح في الولاية، بينما يعاني الذين ما زالوا في مخيمات اللجوء بدولة جنوب السودان أوضاعاً مماثلة.
وظلت اللاجئة من النيل الأزرق أم مهلين الحسين، تتنقل بأطفالها الأربعة على مدار 4 سنوات بين المخيمات داخل دولة جنوب السودان بحثاً عن وضع أفضل، وهي حاليا تعيش بين مخيمي جندراسة ويوسف باتل، واللذان يشهدان اكتظاظاً كبيراً باللاجئين من مختلف الدول خاصة إثيوبيا ونازحين من دولة جنوب السودان، مع تفشي للأمراض الوبائية.
نواجه وضعاً إنساني سيئ في مخيمات اللجوء بدولة جنوب السودان، وهناك نقص في الغذاء والأدوية، مع تفشي الوبائيات
لاجئة سودانية
وتقول الحسين لـ(عاين): “الوضع متدهور للغاية تنتشر الأمراض، ولا يوجد علاج، كما ينعدم الغذاء بعد خفض المساعدات الإنسانية بصورة كبيرة، فالوضع كارثي، خاصة وأن تدفق النازحين إلى المخيمات في دولة جنوب السودان مستمراً؛ بسبب الاشتباكات العسكرية التي تشهدها ولاية النيل الأزرق، بين الجيش والحركة الشعبية – شمال.
آلاف النازحين بالداخل
وتمددت حرب 15 أبريل 2023 إلى ولاية النيل الأزرق لأول مرة في أغسطس 2024 بعد تسلل قوات الدعم السريع عبر محلية سنار من خلال منطقة الدالي والمزموم بعد دخول الجيش مدينة سنجة، ووصلت إلى محلية التضامن بولاية النيل الأبيض على الحدود مع دولة جنوب السودان، ووقتها دارت معارك في مناطق “بوط – رورو- أحمر موقي – قلي الجعليين – قلي الفونج” بولاية النيل الأزرق تمكن الجيش من صد هجمات الدعم السريع.
وتطورت الأوضاع بعد إعلان التحالف بين قوات الدعم السريع والحركة الشعبية – قيادة عبد العزيز الحلو في فبراير الماضي، حيث التقت قوة الدعم السريع، مع جيش الحركة الشعبية في ولاية النيل الأزرق التي يقودها جوزيف توكا التي كانت متمركزة في محلية باو، وخاضا معارك مشتركة سيطرت خلالها على منطقة فجغة والعديد من البلدات الواقعة في الجزء الجنوبي الغربي من مدينة الدمازين.
يرتفع معدل وفيات الأمهات وسط النازحين في ولاية النيل الأزرق، إذ تم حصر 122 حالة وفاة مؤخرا لأمهات حوامل في المنطقة
متطوعة
وبحسب حصيلة ولائية رسمية، تأوي ولاية النيل الأزرق نحو 120 الف نازح ونازحة فروا إليها من المناطق التي شهدت أعمالاً قتالية في وقت سابق، مثل سنار، وسنجة والدالي والمزموم وبوط، ويتوزع هؤلاء النازحون في مخيمات مختلفة، إذ يوجد 7322 نازحاً في مدينة الروصيرص، وتحتضن قرية شمار التابعة لمحلية السريو شمالي الدمازين 4350 نازحاً ونازحة.
ويعيش النازحون في كل المخيمات ومراكز الإيواء في ولاية النيل الأزرق، ظروفا وأوضاعا متشابهة، حيث نقص الغذاء وسوء الإيواء، فهم إما يقيمون في خيام من المواد البلدية، غير قادرة على حمايتهم من الطبيعة القاسية خاصة في فصل الخريف الذي تهطل فيه الأمطار بمعدلات عالية في المنطقة.
ويقول عضو لجان مقاومة شمار، محمد شعيب لـ(عاين): إن “أوضاع النازحين في بلدته هي الأكثر سواءً، خاصة وأن المنطقة لم تصلها أي مساعدات محلية أو خارجية، فهناك ندرة في السلع الأساسية وانعدام الأدوية المنقذة للحياة، مما تسبب في ازدياد المرض وارتفاع نسبة الوفيات، في ظل عدم وجود مستشفى قادر على استقبال العدد الهائل من النازحين”.
تمارس حكومة النيل الأزرق والمستنفرين اعتقالات تعسفية بحق النازحين، حيث اختفى مؤخرا 13 نازحاً، وسط تقارير تؤكد وفاة 9 منهم تحت التعذيب
متطوعة
ومع تدهور الوضع المعيشي والإنساني، تنفذ الأجهزة الأمنية الحكومية بما في ذلك المستنفرين في ولاية النيل الأزرق حملة اعتقالات واحتجاز تعسفي للنازحين، بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع والحركة الشعبية – شمال، وكشفت حليمة برغوت -اسم مستعار- لمتطوعة في الولاية لـ(عاين)، عن اختفاء 13 شخصا بينهم امرأتان، حيث اقتادتهم جهات عسكرية قبل عدة أشهر بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع، ولا يعرف مصيرهم حتى الآن، وسط معلومات مؤكدة بشأن وفاة 9 منهم تحت التعذيب في المعتقل.
وقالت برغوت: “إلى جانب الاعتقالات يتدهور الوضع الإنساني للنازحين في النيل الأزرق في عدة جوانب، حيث ترتفع الوفيات وسط الأمهات الحوامل عند الولادة والأطفال حديثي الولادة، وتم حصر 122 حالة وفاة لأمهات عند الولادة، بينها 65 طفلا حديث الولادة، وعلى المنظمات والجهات الإنسانية المعنية التدخل بشكل عاجل لإنقاذ حياة آلاف، خاصة النساء النازحات اللاتي يواصل الموت حصدهن”.
وتمد المعاناة نفسها إلى اللاجئين السودانيين في مخيمات كايا، وجندراسية بدولة جنوب السودان، مع استمرار التدفق إلى هناك مع اتساع رقعة المعارك العسكرية في النيل الأزرق، والتي يخوضها حلف الجيش والحركة الشعبية قيادة مالك عقار، مع حلف قوات الدعم السريع والحركة الشعبية – شمال قيادة عبد العزيز الحلو، كما يعانون نقصاً في الغذاء والأدوية، مطالبين مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، بالتدخل وتوفير الحماية والغذاء اللازم لهم.
وفي العام 2011م اندلعت حرب ضارية في ولاية النيل الأزرق بين الجيش والحركة الشعبية قطاع الشمال التي كانت موحدة يقودها مالك عقار في ذلك الوقت، مما تسبب في فرار مئات المواطنين إلى دولة جنوب السودان إلى إثيوبيا، لكن بعد اتفاقية سلام السودان الموقعة في جوبا في أكتوبر 2020 بدأ اللاجئون السودان العودة الطوعية إلى مناطق ملكن – تنفونا -الفوج – أولو – القرود والروم جنوبي الدمازين، لكن هذه المناطق تشهد معارك جديدة هذه الأيام، مما يهدد بنزوح ولجوء السكان العائدين مجدداً.
لجوء للمرة الثانية
وقال بابكر سليمان وهو ممثل للاجئين في معسكر كايا في تصريح لـ(عاين): إنه “بعد حرب 2011 فر نحو 100 الف مواطن من ولاية النيل الأزرق إلى مقاطعة المابان في دولة جنوب السودان، وبعد اتفاقية جوبا في 2020 بدأ اللاجئون عودة طوعية إلى مناطقهم الأصلية، وبحلول عام 2022 تجاوز عدد النازحين 25 الف شخص.
ويشير إلى أنه بعد الهجمات الأخيرة في ولاية النيل الأزرق اضطر السكان إلى اللجوء إلى المرة الثانية لدولة جنوب السودان، حيث تعاني مخيمات جندراساويوسف باتل وكايا نقص في الخدمات الأساسية.
واتهم ممثل اللاجئين بابكر سليمان، قائد الحركة الشعبية شمال قطاع النيل الأزرق جوزيف تكا، والقيادي الأهلي أحمد العمدة بالسعي إلى توسعة معاناة النازحين في المنطقة التي عانت تدميراً كبيراً بسبب الحرب الطويلة، وقد بدأت بعض المنظمات الأجنبية في إعادة الإعمار، لكن الهجمات الأخيرة قطعت هذا الطريق.
غير أن القيادي في الحركة الشعبية – شمال قيادة عبد العزيز الحلو، عبد الله إبراهيم، نفى أن يكون حراكهم العسكري الحالي يستهدف استقرار المواطنين في ولاية النيل الأزرق.
وقال عبد الله في حديثه لـ(عاين): إن “المعارك التي نخوضها في ولاية النيل الأزرق، ما تزال في بداياتها فقط، وهي تستهدف قوات مالك عقار وفلول النظام البائد والمستنفرين، وعلى الفلول عدم التخفي وراء المواطنين واستخدامهم كدروع بشرية، عليهم مواجهة قواتنا”.
وفي يوم 16 مارس الماضي، أعلنت قوات الدعم السريع عن تقدمها عسكرياً في محور ولاية النيل الأزرق، وأنها اقتربت من العاصمة الدمازين بعد معارك مع الجيش، وعرضت صورا لأسرى العمليات العسكرية، دون أن توضح المناطق التي دخلتها، بينما لم يصدر الجيش أي تعليق. وتبعد المناطق التي سيطرت على قوات الدعم السريع والحركة الشعبية في محلية باو نحو 65 كيلومتراً من الدمازين.