النجاة معدومة.. مقاتلون سودانيون في روسيا

عاين- 4 ديسمبر 2025

يُخبر وسيط ينشط في عمليات استقطاب وتجنيد الشبان السودانيين في الجيش الروسي للقتال معه في حربه ضد أوكرانيا محرر (عاين) وبكل صراحة بأن نسبة النجاة ضئيلة جدًا، تصل إلى 15% فقط لجهة أن جميع المستقطبين يتم الدفع بهم مباشرة لخطوط المواجهات العسكرية الأمامية. فيما يقول وسيط آخر متحدثا عن المخاطر، بأن احتمال الوفاة والإصابة تصل إلى 80% مع شرط عدم السماح للمتطوع في الجيش الروسي بتغيير رأيه أو العودة إلى بلاده.

وتنشط شبكات تقصت حولها (عاين) في عمليات استقطاب بعض الشباب السوداني، الذين تُعرض عليهم عقود للخدمة العسكرية في روسيا، مع وعود مالية والجنسية الروسية، وتتنوع طرق الاستقطاب بين الإغراء بالراتب والابتزاز الوحشي داخل مراكز الاحتجاز الروسية، كما يكشف أحد المقيمين بروسيا الذي أُجبر على الاختيار بين جبهة القتال أو الترحيل القسري.

 ومن ضواحي مدينة جدة في السعودية، وصل السوداني “عبدالله” (32 عاماً، اسم مستعار) إلى موسكو بتأشيرة سياحية، ثم وقع عقداً عسكرياً دفعه إلى المشاركة في القتال في أوكرانيا. وبحسب روايته، كان التركيز الأساسي على الراتب الشهري البالغ 2,400 دولار وحافز بداية الخدمة 20,000 دولار، فوقع العقد على الفور.

تشكل القصص الشخصية للشباب السودانيين حجر الزاوية في الكشف عن آلية التجنيد الروسية، حيث تتنوع الدوافع بين البحث عن لقمة العيش والهرب من واقع السودان المأزوم، حتى لو كان الثمن هو المغامرة بالحياة.

“لم أكن أبحث عن المجد، كنت أبحث عن حياة كريمة لعائلتي. والديّ بحاجة إلى علاج، وأسرتي تمر بضائقة مالية شديدة”. يقول “عبدالله” (32 عاماً، اسم مستعار) لـ(عاين) من داخل الأراضي الروسية.

الصورة أنشئت عبر الذكاء الاصطناعي

بعد اندلاع الحرب في السودان، غادر عبد الله إلى السعودية بحثاً عن مصدر دخل يسند أسرته: “نحن أسرة كبيرة، والوالد والوالدة كبار في السن، ويحتاجون علاجاً ومصاريف كثيرة”، يقول عبدالله. عمل لفترة وجيزة كسائق، لكنه فقد وظيفته قبل خمسة أشهر، وظل بلا عمل طوال تلك الفترة، ما جعله يشعر ـ كما يصف ـ بـ“إحباط كبير وخوف من المستقبل”.

في إحدى الليالي، وبينما كان يتصفح على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، صادفه منشور لشخص سوداني يُدعى وائل محجوب، يعرّف نفسه كمتطوع في الجيش الروسي، ويدعو الشباب للالتحاق مقابل راتب “مجزٍ” مع وعود بتسهيل كل الإجراءات. يقول عبدالله: “رأيت منشور وائل، كان يقول إنه في الجيش الروسي، ويدعو الشباب للتطوع، وإنه سوف يساعد في كل الخطوات.” يشير عبدالله إلى أنه تواصل معه مباشرة. وأحاله “وائل محجوب” إلى شركة تتولى استخراج فيزا سياحية مقابل رسوم مالية. وبعد وصوله إلى روسيا، جرى استقباله في المطار، ثم نُقل إلى موقع التعاقد.

ويضيف عبدالله: “وقّعت العقد بحضور  وائل محجوب… وصراحة لم أهتم بتفاصيل العقد غير المرتّب.” وبحسب ما أفاد عبد الله (عاين)، ينص العقد على راتب 2400 دولار وحافز يصل إلى 20 ألف دولار. بعدها خضع لتدريب لمدة 14 يوماً، وهو الآن ـ وفق قوله ـ “في الطريق إلى جبهة القتال”.

شباب آخرون في الانتظار

من العاصمة السودانية الخرطوم السودان، تروي إفادة “أحمد” (24 عاماً، اسم مستعار)، كيف أصبح التجنيد العسكري في روسيا حلاً جماعياً لمجموعة من أصدقائه؛ فبعد أشهر من متابعة منشورات على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” لشبان سودانيين ذهبوا إلى روسيا وتلقوا رواتب مجزية ونالوا الجنسية الروسية، كما يقول، بدأ يفكر في الانضمام. لم يكن وحده؛ خمسة من أصدقائه شاركوه الفكرة، وتحوّل الحديث بينهم إلى قرار عملي بالتقديم.

يتذكر أحمد نقطة البداية، ويقول لـ(عاين): “المنشورات كانت كثيرة.. شباب يحكون إنهم استلموا مرتبات مجزية، وحصلوا على الجنسية الروسية، وهذا ما شجعنا.”

تواصل الشبان الستة مع وسيط. يؤكد أحمد أن العملية كانت “أسهل من المتوقع”: لم يُطلب منهم سوى صورة من جواز السفر، ولم تُفرض عليهم أي رسوم مقدماً، حتى ثمن الفيزا تتحمله الجهة التي ستتولى الإجراءات.

اتفقوا على راتب 2400 دولار شهرياً لمدة عام، إضافة إلى حافز 15 ألف دولار يُسلَّم ـ حسب ما قيل لهم ـ في الشهر الأول. ويضيف أحمد: “نحن الآن ننتظر الفيزا… وأول ما تصل، سنسافر مباشرة.”

الصورة أنشئت عبر الذكاء الاصطناعي

لكن الجانب الأكثر حساسية في القصة بالنسبة لأحمد، كان داخل عائلته. وهو يعلم جيداً أن أسرته لن تقبل ذهابه إلى جبهة حرب. لذلك لجأ إلى رواية بديلة:  “قلت لأهلي أنني حصلت على  عمل حارس مبنى… اقتنعوا، لأنه يستحيل تقبلهم فكرة ذهابي مقاتلاً في الجيش الروسي.”

بهذه الطريقة، يحاول أحمد تأمين موافقة الأسرة من دون كشف الحقيقة، بينما ينتظر  مع أصدقائه الخمسة وصول تأشيراتهم للسفر.

 ابتزاز و”مسلخ ذهني

عمليات التجنيد في الجيش الروسي ليس كلها مبنية على الإغراء، فالشباب السودانيون المقيمون في روسيا يواجهون نوعاً آخر من الاستغلال.

أعاد علي “اسم مستعار” سرد تجربته بوضوح قاسٍ في مقابلة مع (عاين)، راوياً كيف تحوّل من مقيم قانوني في روسيا إلى محتجز تُستخدم معاناته كأداة ضغط لجرّه نحو التجنيد العسكري في الجيش الروسي. يؤكد “علي” إن مشكلته بدأت حين انتقل إلى مدينة أخرى داخل روسيا للعمل، فداهمت الشرطة مقر الشركة، وطلبت أوراق العاملين. يكرر “علي” أن وضعه القانوني كان سليماً. ويقول: “أنا أملك فيزا سارية وإقامة سارية، ومن حق الأجانب تعديل أوضاعهم، هذا كلام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.”

ويتابع علي: “لم يلتزموا بما يقوله قانونهم بشأن أوضاع المقيمين الأجانب. فبدلاً من غرامة عادية، جرى اقتيادي إلى مركز احتجاز مع ثلاثة آخرين داخل غرفة ضيقة لا تتجاوز مترين في مترين، مضاءة بإضاءة قوية وتحت مراقبة كاميرا”. ويزيد: “بقينا هناك 31 يوما في الاحتجاز، يومين منهما دون أكل أو شرب… وجرت بحقنا محكمة صورية في يوم عطلة رسمية”.

في الجلسة السريعة صدر بحق علي قرار بالترحيل والغرامة والمنع من دخول روسيا لخمس سنوات.  قبل أن يظهر العرض الحقيقي وفقا لـ علي:  “ سألوني إذا وافقت بالانضمام إلى لجيش الروسي… كل هذه القرارات ستلغى.. هنا فهمت الهدف.”

الصورة أنشئت عبر الذكاء الاصطناعي

 طوال فترة الاحتجاز التي استمرت لـ31 يوما كنت تحت الضغط لم يكن مادياً فقط، بل نفسياً أيضاً. فقد وُضعت في غرفة مراقبة مستمرة، مع إضاءة لا تُطفأ، وبدون أي فرصة للخروج، _مسلخ ذهني- حسب وصف علي.

عاد علي إلى السودان، بلا هاتفه، بلا إقامته، وبملابسه التي يرتديها فقط، مؤكداً أنه لم يفكر يوماً في القتال، ولا يريد ذلك: “لست مستعداً بأن أكون جزءاً من حرب بين الإخوة.. لدي أصحاب روس وأوكران، وأتمنى السلام للطرفين”.

 بحث فريق (عاين).. شبكة التجنيد والوسطاء

 الشبكة التي تقف وراء عملية التجنيد، تستخدم واجهة إلكترونية جاذبة وشركات مدنية روسية ذات سمعة جيدة كغطاء لنقل المقاتلين إلى جبهات المعارك.

يظهر وائل محجوب، صاحب صفحة فيسبوك تحمل اسمه، بوصفه أحد أبرز المروّجين لفكرة الالتحاق بالجيش الروسي. في منشور مطوّل، يدافع “محجوب” عن وصف السودانيين الملتحقين بالجيش الروسي بـ”المرتزقة” ويقدم “وائل” محتوى دعائياً واضحاً، مستعرضاً حوافز مالية.

“راتب شهري 2400 دولار، مكافأة بداية الخدمة 10 آلاف دولار أو 15 ألفاً وفق الشركة الوسيطة، وإمكانية الحصول على الجنسية خلال ستة أشهر”. يقول وائل في منشوره، ويشير إلى مكافأة نهاية الخدمة 50 ألف دولار عند إكمال عام، لكنه يوضح لاحقاً أن الشركات “الربحية” تستحوذ على هذه المكافأة مقابل توليها كامل الإجراءات.

وبحسب محجوب، توقف التقديم عبر الرابط الحكومي المباشر، وأصبحت العملية تتم فقط عبر «شركات سياحية أو أمنية متعاقدة مع وزارة الدفاع». ويذكر بالاسم ثلاث شركات بينها “Express to Russia” و“PGS”، محذراً في الوقت نفسه من وجود شركات “ضعيفة الخدمة”.

ويعتمد محجوب على خطاب يربط بين اليأس الاقتصادي في السودان والرغبة في الهجرة القتالية، قائلاً إن كثيراً من السودانيين يطلبون منه المساعدة على التقديم، وإنهم “يعرفون الخطورة تماماً”، ويستخدم خطابه كذلك لإعادة صياغة المخاطر باعتبارها “جزءاً طبيعياً من الحياة”، مقارنة بما يصفه بانعدام الأمان داخل السودان.

نجاة معدومة.. 15% فقط

تؤكد محادثة مع وسيط آخر ، أجراها محرر (عاين)، أن التجنيد يتم عبر شبكات متعددة وبشروط قد تكون أكثر قسوة وصراحة: حيث يعرض الوسيط مكافأة 25,000 دولار أمريكي عند توقيع العقد “مقابلا لثمن الحياة” وفقا للوسيط  الذي يشير إلى أن القتال سيكون في “الخطوط الأمامية.. أرض الخنادق”. ويقر الوسيط بشكل لافت بمدى خطورة المهمة: “نسبة النجاة ضئيلة جداً جداً 15%.”

يذكر الوسطاء أسماء شركات مثل “إكسبريس تو روسيا” و*”بي جي إس”  ليتولوا إجراءات السفر والتعاقد. فريق (عاين) أجرى بحثاً حول الكيانات التي وردت أسماؤها في إفادات بعض الشباب المنضمين للجيش الروسي، وفي منشورات شبكات التواصل بوصفها قنوات للتقديم للعمل أو “للتطوع” للقتال في روسيا. ركّز الفريق على شركتين وواجهتين أساسيتين: Express To Russia، والكيان الذي يظهر في المنشورات برقم الاتصال الروسي +7-495-204-14-65.

بحث فريق (عاين) خلص  إلى عدة نتائج، بأن شركة Express To Russia تعمل — بحسب موقعها الرسمي — كوكالة سفر وتأشيرات، ومسجّلة تحت اسم «OOO Express» في العاصمة الروسية موسكو. ويظهر عنوانها في دلائل وكالات السفر الروسية، كما تحتفظ بحضور رقمي مستقر وتقييمات عملاء في مواقع مثل Trustpilot، وجميع أنشطتها المعلنة تتعلق بالتأشيرات السياحية، دعوات السفر، وخدمات الترجمة.

فيما لم يتمكن فريق بحث (عاين) من العثور على، أي وثائق أو بيانات رسمية تربط الشركة بوزارة الدفاع الروسية، أو عقود تشير إلى دور في تجنيد أجانب، أو أي نشاط معلن يتجاوز خدمات السفر التقليدية.

 الكيان الثاني المرتبط بالرقم +7-495-204-14-65، أظهر التتبع أن الرقم مستخدم عبر الإنترنت منسوباً إلى شركة تُدعى Bi-G-J-S Group، وهي مدرجة في أحد الأدلة التجارية الروسية، لكن دون وجود موقع رسمي واضح أو بيانات تسجيل تجاري يمكن التحقق منها في السجل الروسي.

الصورة أنشئت عبر الذكاء الاصطناعي

كذلك توصل بحث فريق (عاين) إلى غياب المعلومات المؤسسية الموثوقة، وتعدد الإشارات إلى هذا الرقم في منشورات غير رسمية تستهدف الشباب الراغبين في السفر، يجعل هذا الكيان عالياً في درجة الشك.

صمت سوداني رسمي

بينما تتضح خيوط شبكات التجنيد، وتتزايد أعداد الشباب السودانيين المغامرين بحياتهم، تتجاهل السلطات السودانية الحديث حول الأمر. (عاين) حاولت الوصول إلى مؤسسات الحكومة السودانية لطلب تعليق رسمي أو توضيح موقفهم من ظاهرة تجنيد الشباب السودانيين في حرب روسيا- أوكرانيا، بينها وزارة الخارجية السودانية، التي أرسلنا لها استفسارات رسمية، لكن الإيميل المخصص للتواصل ظهر غير نشط/معطل.

أما السفارة السودانية في موسكو: تم التواصل عبر الإيميل الرسمي، لكن الإيميل المخصص للتواصل ظهر غير نشط/معطل.

وزارة الإعلام السودانية: تم إرسال طلب رسمي للتعليق وتأكيد استلام الوزارة لاستفساراتنا في يوم 22 نوفمبر 2025، لكننا لم نتلق رداً حتى الآن.

 هذا الصمت أو التقاعس الرسمي يترك الشباب السودانيين فريسة لشبكات التجنيد دون أي تحذير، ويؤكد تقييم الباحث الاجتماعي بأن الظاهرة تتفاقم “في ظل غياب أي تحرك لا من وزارة الخارجية أو السفارة السودانية في روسيا.

خطاب روسي رسمي يتجاهل السودانيين

منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، أعادت روسيا تشكيل آلية التعامل مع المقاتلين الأجانب عبر خطاب رسمي يصفهم دائماً بـ«المتطوعين». ففي مارس 2022 أعلن الرئيس فلاديمير بوتين أمام مجلس الأمن القومي أن «آلافاً من المتطوعين من الشرق الأوسط» أبدوا استعدادهم للقتال «من تلقاء أنفسهم، وليس من أجل المال». وفي تصريحات مكمّلة قال وزير الدفاع سيرغي شويغو إن وزارته تلقت «نحو 16 ألف طلب» من أجانب للانضمام إلى القتال في دونباس.

لكن هذا الخطاب تغيّر لاحقاً. ففي سبتمبر 2023 نفى بوتين «أي حاجة لمرتزقة أجانب»، قبل أن يدعم في يونيو 2023 مقترح وزارة الدفاع بإلزام المجموعات شبه العسكرية – مثل فاغنر – بالتوقيع على عقود رسمية مع الدولة. وقدّم الكرملين ذلك بوصفه «الضمانة الاجتماعية الوحيدة» لهم. وفي يناير 2024 أصدر بوتين مرسوماً يتيح منح الجنسية الروسية لأي أجنبي يقاتل ضمن العقود الحكومية، فيما صادقت الحكومة في أكتوبر 2025 على قواعد تمنع ترحيل المقاتلين الأجانب المتعاقدين أو تسليمهم لدولهم.

هذا التحوّل التشريعي – كما يشرحه محللون قانونيون روس – يهدف إلى تحويل وجود الأجانب في الجبهات من «مرتزقة» إلى «جنود نظاميين بعقود»، إذ تنص المادة 15 من القانون الاتحادي على أن الخدمة العسكرية للأجانب لا تتم إلا عبر عقود مع وزارة الدفاع.

مع ذلك، لا يخلو الملف من انتقادات حادة. فقد وثّقت منظمات حقوقية روسية، بينها «مركز حقوق المهاجرين» و*«مصلحة حقوق السجناء» *، حالات إكراه واسعة لمهاجرين وسجناء أجانب على التوقيع، بما في ذلك التعذيب والحرمان من الماء. وترى الحقوقية أولغا رومانوفا أن هذه الممارسات «غير قانونية» وتتعارض مع التشريعات الروسية ذاتها. كما كشف تقرير لـمركز «إدم ميموريال» عن ضغوط على سجناء من آسيا الوسطى للانضمام مقابل إغراءات مالية أو تخفيض العقوبات.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتن- الصورة: وكالات

على الجانب السياسي، يتحدث نواب في مجلس الدوما – مثل أندريه كارتابولوف – عن المقاتلين الأجانب باعتبارهم «وطنيين يحبون روسيا ويريدون مساعدتها»، نافياً صفة «المرتزقة». ويشير المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إلى أن أي أسئلة حول التجنيد «من اختصاص وزارة الدفاع»، متجنباً الاعتراف بعمليات تجنيد قسرية.

في ما يخص السودانيين تحديداً، لا توجد أي تصريحات روسية رسمية تذكرهم بالاسم. وتشير تقارير صحفية دولية إلى نشاط سابق لشركة فاغنر في السودان، لكن موسكو لم تؤكد ذلك قط، وتنحصر تصريحاتها العامة في الحديث عن جنسيات أخرى مثل سوريا وكوبا.

بهذا المشهد المتشابك، يبدو تجنيد الأجانب في روسيا خليطاً بين مسارات رسمية قائمة على عقود حكومية، وأخرى ظلّية تعتمد على وسطاء وضغوط اقتصادية، في ظل غياب شفافية رسمية حول الأعداد أو الجنسيات المشاركة فعلياً في الحرب.

تصنيف الفئات المستهدفة.. وملاحقة قانونية 

الفئات الأكثر هشاشة أمام هذا النوع من التجنيد يصنفها الباحث الاجتماعي عادل عمر  على فئتين الأولى، الشباب الفقراء والعاطلين عن العمل والمهاجرين، الذين تنقّلوا بين ليبيا ومصر والخليج أو روسيا نفسها، بحثاً عن رزق. “أي فرصة تمنحهم المال، تعتبر منفذاً محتملاً لديهم، حتى لو كانت تلك الفرصة عبر بوابة الحرب”. يقول عادل لـ(عاين).

أما الفئة الثانية – وفق تحليله – تضم الشباب داخل السودان نفسه، تحديداً في المناطق الفقيرة والمتأثرة بالحرب، هؤلاء ممكن استقطابهم بسهولة عبر وسطاء ووعود برواتب كبيرة وبالجنسية الروسية”.

يُشير القانوني عبدالرحيم محمد، إلى أن روسيا نجحت في خلق إطار قانوني يشرعن وجود هؤلاء المقاتلين، عبر تحويلهم من “مرتزقة” إلى “جنود بعقود”: حيث تسمح مراسيم بوتين منذ نوفمبر 2022 للأجانب بالتوقيع على عقود عسكرية، وتسهل عليهم الحصول على الجنسية الروسية في فترة وجيزة، وهو الحافز الأقوى الذي يُغري الشباب السوداني. ويصف المحامي هذا التحايل القانوني بأنه “ارتزاق مقنع”.

يؤكد المحامي أن المبالغ الضخمة التي يُروَّج لها (كـ 50,000 مكافأة نهاية خدمة)، هي على الأغلب وعود تسويقية من الوسطاء وليست بنوداً ثابتة في قانون الخدمة العسكرية الروسي، مما يجعل المتعاقدين عرضة للخداع.

ويشير عبد الرحيم، في مقابلة مع (عاين) إلى تناقض هذه التشريعات مع الممارسات الموثقة، حيث أقرَّت منظمات حقوقية روسية بحالات إجبار وحشي للمهاجرين والسجناء على توقيع العقود، وهو ما يتطابق مع قصص كثيرة في الواقع.

 وينوه المحامي، أنه على الرغم من أن العقود تمنحهم حماية كـ “جنود نظاميين” داخل روسيا، فإن مشاركة أفراد من جنسيات أجنبية بعقود خاصة في صراعات لا تخص دولتهم قد تضعهم تحت طائلة قوانين “الارتزاق” في بلادهم الأصلية والقانون الدولي، مما يعرضهم للملاحقة لاحقاً.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *