«قيد الإنتظار».. ضحايا حرب دارفور وترقب محاكمة المجرمين
18 سبتمبر 2021
” قتلوا عمي أمام ناظري، ضربوه بالعصي ثم أطلقوا عليه وابلا من الرصاص .. حرقوا كل قريتنا واضطررنا للإختباء في المزارع، كنا نفقد يوميًا أهالينا بشكل مريع، ولم نجد من يوفر لنا الحماية” تقول النازحة حنان حسن خاطر، وهي تحكي لـ(عاين) ما رأته من فظائع غارات الإبادة الجماعية في دارفور غربي السودان.
وتعيش حنان التي فقدت عائلتها وأجبرت على النزوح بعيداً عن موطنها الأصلي في مخيم كلما مع آلاف النازحين الذي أفقدتهم الحرب منازلهم ومزارعهم وأحبائهم.
“القانون الجنائي السوداني غير مؤهل لذلك نسبة لعدم احتوائه على مواد جرائم الحرب والإبادة الجماعية لحظة وقوع الجريمة” كمال الجزولي
فمنذ أن اندلعت الحرب في إقليم دارفور منذ 17 عامًا، يعيش مواطنو الإقليم حياة غير مستقرة بسبب النزوح المتواصل والتهجير من القرى، وفقدان الأرواح والمزارع والأمان، وظلت آمالهم معلقة لسنوات طويلة في الحصول على العدالة والعودة للحياة الطبيعية، خاصة بعد زوال نظام الرئيس المخلوع عمر البشير وأعوانه.
والطريق نحو تحقيق العدالة في الجرائم التي ارتكبت في الإقليم يبدأ بحسب نازحين بالاستجابة للمطالبات الدولية المستمرة بتسليم رموز النظام البائد المتورطين في الإبادات الجماعية وجرائم الحرب إلى المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي.، وفي مقدمهم الرئيس المخلوع عمر البشير واثنين من معاونيه.
آمال تحقيق العدالة
ازدهرت آمال الضحايا، مؤخرا بعد زيارة المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، لمناطق النزاعات التاريخية في دارفور ولقائها النازحين وضحايا الحرب في مطلع يونيو الماضي.
ورحب النازحون بتلك الزيارة التي اعتبروها خطوة في طريق تحقيق العدالة بضرورة تسليم المتهمين في الجرائم ضد الإنسانية للمحكمة الجنائية الدولية. وقدموا مذكرة لبنسودا تتضمن مطالبهم الماثلة في تسليم المجرمين ونزع سلاح المليشيات التي استعان بها نظام البشير لاستدامة الأمن في مناطقهم خاصة بعد رحيل بعثة اليوناميد قبل قرابة العام.
وفي يوليو الماضي أصدرت الدائرة التمهيدية الثانية في المحكمة الجنائية الدولية، قرارا بالاجماع على اعتماد التهم الـ 31 الموجهة للمتهم علي كوشيب الذي سلم نفسه للمحكمة يونيو من العام الماضي، وقبل أسبوع قررت الدائرة الإبتدائية الأولى بدء محاكمة كوشيب في أبريل من العام الماضي.
“كنا نلجأ إلى المزارع للاختباء من الفظائع التي تتم في الغارات على القرية، وبعد أن يتم حرق المزارع نذهب إلى الجبال لحماية أنفسنا، ولكن الطائرات المقاتلة لم ترحمنا”. نازحة
ويُعبّر النازحون بمعسكرات النزوح عن حنقهم من الجرائم التي تعرضوا لها من قتل واغتصاب وحرق للمنازل والمزارع، حيث يطالبون بضرورة تسليم المجرمين والمتهمين للمحاكمة الدولية عوضًا عن المحاكمة الداخلية التي لا يرون أنها قادرة على الإيتاء بالعدالة لهم كضحايا ما زالوا يعيشون آثار الحرب.
وبينما يرى الضحايا أن زيارة فريق المحكمة الجنائية تأخرت لـ17 عامًا عاشوا فيها ويلات الحرب، والجرائم لا تسقط بالتقادم، لا تنسى النازحة حنان حسن خاطر بخيت، تفاصيل ما حضرته من غارات تتم على قريتها بواسطة المليشيات والطيران، وتقول لـ(عاين): “كنا نلجأ إلى المزارع للاختباء من الفظائع التي تتم في الغارات على القرية، وبعد أن يتم حرق المزارع نذهب إلى الجبال لحماية أنفسنا، ولكن الطائرات المقاتلة لم ترحمنا”.
محاكمة داخلية
وثار جدل كبير حول إمكانية محاكمة المتهمين بالجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، داخل السودان. “القانون الجنائي السوداني غير مؤهل لذلك نسبة لعدم احتوائه على مواد جرائم الحرب والإبادة الجماعية لحظة وقوع الجريمة” كمال الجزولي
وبهذا الصدد يقول الخبير القانوني، كمال الجزولي لـ،(عاين)، إن القضاء السوداني ظل طوال الثلاثين عاما الماضية، مدجنا لصالح السلطة التنفيذية وأصبح منقادا للحزب الحاكم. واستدرك: “لكن ذلك ليس سبب رفضنا للمحاكمة الداخلية، السبب أن ذلك غير ممكنا لأن القانون الجنائي السوداني غير مؤهل لذلك نسبة لعدم احتوائه على مواد جرائم الحرب والإبادة الجماعية لحظة وقوع الجريمة، ويستحيل قانونيًا معاقبة شخص على أي فعل بدون وجود قانون يجرمه، فقد تم تضمين مواد القانون الجنائي الدولي في القانون الجنائي السوداني بعد حوالي 6 سنوات من وقوع تلك الجرائم”.
محاكم هجين
وفي ذات السياق، يتحدث عضو هيئة محامي دارفور، صلاح الدين آدم، عن إمكانية إنشاء محاكم هجين جزءا منها وطني والآخر من المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة الأفراد الأقل تورطًا في تلك الجرائم، حسب ما ينص نظام روما، وأوضح أن محاكمة المطلوبين ال5 في المحكمة الجنائية لا يوجد لها بديلا قانونيا سوى تسليمهم ومحاكمتهم دولياً.
ويشير الليموني، إلى أن ذلك مسببا بعدم وجود قانون يجرّمهم، مضيفا أن هنالك جرائم وقعت بعد تضمين مواد القانون الدولي في القانون الجنائي السوداني، ويجب محاكمة مرتكبيها لضمان تحقيق العدالة.
وبعد زيارة بنسودا ومن بعدها المدعي العام الجديد كريم أسد خان، ينتظر مجتمع النازحين وصول محققي الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية في وقت قريب للتحقيق في كل قضايا انتهاك حقوق الإنسان ولمناقشة الحكومة السودانية الحالية في تنفيذ أوامر القبض التي لم تنفذ بعد، حسب ما قالت بنسودا في زيارتها، وذلك حسب ما يقتضيه نظام روما الأساسي في أي قضية جنائية للوقوف على مسرح الجريمة والاستماع إلى الضحايا.
وبرر المتحدث بأسم المحكمة الجنائية الدولية، فادي العبد الله، تأخير البت في القضايا أمام المحكمة الجنائية، بأن الجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب يتطلب اثباتها اثبات وقوع عدد كبير من الحوادث المتعلقة بها، كي يمكن القول فعلا بانها جرائم متطلبات المحكمة من حيث جسامة الحوادث وما يدل على وجود خطة خلفها.
وهناك سبب آخر حسب العبد الله الذي تحدثت إليه (عاين) متعلق بحقوق الدفاع الذي يحق له الاطلاع مسبقا على كل الادلة التي ينوي الادعاء تقديمها امام قضاة المحكمة اضافة الى انه الحق في أخذ وقت كاف في الاستئناف. ويضيف العبد الله، ” هناك ايضا اجراءات حماية الشهود ومسالة نقلهم للمحكمة”.
الحكومة والتسليم
وتلت زيارة بنسودا لمعسكرات النازحين، زيارة المدعي العام الجديد كريم خان، للسودان وعقد لقاءات مع الحكومة السودانية في بحث إجراءات تسليم المطلوبين، ورافقه وفد رفيع من المحكمة الجنائية الدولية للقاء بالحكومة والدبلوماسيين وممثلي منظمات المجتمع المدني. وعقد مجلس الوزراء بعد ذلك جلسات لبحث المصادقة على نظام روما في الاجتماع المشترك ومن ثم إكمال إجراءات التسليم.
وفي هذا الاتجاه يعلق الخبير القانوني كمال الجزولي في حديثه لـ(عاين)، بأن مجلس الوزراء يوافق على التسليم الدولي، ونبه إلى احتمالية تعثر ذلك في الاجتماع المشترك بين مجلسي الوزراء والسيادة، محذرا من احتمال رفض المكون العسكري في مجلس السيادة باعتبار الموقف السابق للجنة الأمنية المجلس العسكري بعدم التسليم.
وضع أمني هش
ووفقا لتقارير دولية، فان الوضع الأمني في دارفور ما زال متأزما باستمرار الصراعات والنزاعات التي تخلف الجرائم والضحايا، حيث شهد العامين الأخيرين عددا كبيرا من أحداث العنف والقتل، خاصة بعد رحيل قوات البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في دارفور (يوناميد) في ديسمبر من العام الماضي وفقًا لطلب الحكومة الانتقالية على أن تتولى الأخيرة مسؤولية الأمن وحماية المدنيين، واعتمدت في ذلك على مُخرَج اتفاقية جوبا لسلام السودان بتشكيل قوات مشتركة من الأجهزة النظامية الحكومية وقوات الجبهة الثورية بعد دمجها وتم تحديدها بحوالي 12 ألف فرد، ولكن غياب اليوناميد وتأخير تشكيل القوات السودانية المشتركة زاد من تعقيد الوضع الأمني بالإقليم.
وبحسب تعميم صحفي أصدرته المنسقية العامة للنازحين واللاجئين فإن عدد النازحين في الشهرين الماضيين يقدر بـ 26 ألف نازح كانوا قد عادوا لقراهم الأصلية للبدء بالراعة ولكنهم واجهوا هجمات متكررة من رجال المليشيات هدفت لإتلاف المزارع وإجلاء الناس من المساكن صاحبتها اعتداءات وصلت للقتل والنهب والإغتصاب.
وكان رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس)، فولكر بيرتس، كشف في إحاطته بمجلس الأمن الثلاثاء 14 سبتمبر عن نزوح مئات الآلاف من الأشخاص في جميع مناطق السودان التي تشهد نزاعات، مشيًرا في تقريره إلى انتشار العنف مجددا في إقليم دارفور، وأوضح إن الترتيبات الأمنية تمثل مصدر قلق رئيسي.
مخاوف النازحين
ويزيد الوضع الأمني المتدهور من شكوك النازحين في إمكانية تحقيق العدالة لهم، ويتخوف نازحون، من الانفلات الأمني الذي لا زالت تعيشه مناطق دارفور واستمرار الإفلات من العقاب.
ويقول مراقب المنسقية العامة للنازحين واللاجئين مطر يونس لـ(عاين)، إن المخرج من حالة الفوضى الأمنية الحالية يتمثل في ضرورة تسليم المتهمين ليلقوا عقابهم أولاً لإنهاء الإفلات من العقاب، ومن ثم شدد على أهمية نزع السلاح المنتشر في كل إقليم دارفور وتسريح المليشيات التي تهدد أمن المواطنين، ورغم درايتهم بإقرار اتفاقية جوبا لسلام السودان لتسليم المطلوبين، إلا أنه يرى أنها وزعت حصص ومناصب على القادة دون اهتمام بإحلال السلام الشامل في دارفور وكل السودان.