السودان 2025: صحافة تحت التهديد والقيود

عاين- 31 سبتمبر 2025

تشهد بيئة العمل الصحفي في السودان خلال عام 2025 استمرارًا لخطورة غير مسبوقة على الصحفيين، وسط تصاعد الانتهاكات التي تشمل القتل والاعتداء الجسدي، والاعتقال التعسفي، والحجب الإلكتروني، وحملات التشهير والملاحقة القانونية، إلى جانب قيود صارمة على التراخيص والإعلام الميداني.

وتؤكد تقارير حقوقية محلية ودولية أن البلاد أصبحت من أخطر الأماكن في العالم لممارسة الصحافة، مع تراجع حرية الإعلام إلى مستويات قياسية.

خلفية الحرب والانتهاكات الممتدة منذ 2023

اعتُقل واحتُجز العشرات بشكل تعسفي من قبل كلا الجانبين، بعضهم لأسابيع أو أشهر في مواقع مجهولة دون توجيه تهم رسمية، مثل الصحفي الرشيد محمد هارون الذي احتجزته قوات الدعم السريع في يوليو 2023.

وتعرضت مقرات وقنوات البث التلفزيوني والإذاعي للنهب والتدمير والهجوم المتكرر، إذ سيطرت قوات الدعم السريع على مقر التلفزيون الحكومي في أم درمان في 15 أبريل 2023 واحتجزت العاملين فيه لأسابيع.

وتعمد الطرفان قطع أو تعطيل خدمات الإنترنت والاتصالات بشكل متكرر في مناطق النزاع مثل دارفور والخرطوم، مما أعاق تدفق المعلومات المنقذة للحياة للمدنيين وقدرة الصحفيين على ممارسة عملهم.

ويضطر الصحافيون داخل السودان إلى العمل في السر وإخفاء هوياتهم، إذ يلاحقون ويعتقلون من قبل طرفي الصراع بسبب تغطيتهم للحرب والانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون، واضطر بعض الصحافيين إلى التوقف عن ممارسة عملهم.

وفي عدة مدن غربي السودان، يعاني الصحافيون السودانيون لالتقاط شبكات الاتصال لمراسلة وسائل الإعلام التي يعملون فيها، بسبب انقطاع الاتصالات جراء الحرب.

كما وثقت نقابة الصحفيين السودانيين مقتل ما لا يقل عن 32 صحفيًا منذ بداية الحرب حتى أكتوبر 2025، فيما تعرّض العديد منهم لاعتداءات جسدية وإصابات بطلقات نارية وتهديدات بالقتل أو العنف الجنسي.

ولا يزال الصحفي معمر إبراهيم معتقلا لدى قوات الدعم السريع عقب سقوط مدينة الفاشر بشمال دارفور.

كبر عملية نزوح صحفيين

وأصدرت منظمة “مراسلون بلا حدود” تقريرها السنوي في 3 مايو 2025 بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، مؤكدة أن السودان يشهد أكبر عملية “نزوح صحفي” في تاريخه الحديث، حيث فرّ أكثر من 400 صحفي، وتحولت معظم المنصات الإعلامية للعمل من المنفى خارج البلاد. وفي ذات التقرير، تراجع تصنيف السودان إلى المركز 156 عالميًا، ما يعكس بيئة إعلامية أكثر انغلاقًا وخطورة مقارنة بالعام السابق.

في 10 مايو 2025، اعتُقل الصحفي منير التريكي من منزله بمنطقة نوري بالولاية الشمالية على يد جهاز المخابرات العامة، وأُفرج عنه بعد 48 ساعة، في واقعة تُعد انتهاكًا لحرية الصحافة والعمل الصحفي.

جانب من المؤتمر الصحفي لاعلان نتيجة الانتخابات 29 أغسطس 2022

قالت نقابة الصحفيين السودانيين، إن المصوّر إبراهيم نقد الله تعرض لاعتداء وحشي في القاهرة فجر 14 مايو 2025 من قبل شخص كان رفيقًا له سابقًا في السودان، بسبب موقفه المدني الرافض للحرب، معتبرة الاعتداء جزءًا من حملة شيطنة تستهدف القوى المدنية المعارضة وتعد انتهاكًا لسلامة الصحفيين وحرية التعبير.

في 25 مايو 2025، قالت نقابة الصحفيين السودانيين إن الإعلامي عبد الجليل محمد عبد الجليل أُختطف من منزله بمدينة كسلا تحت ظروف غامضة، ودون تهمة أو أمر قضائي، في واقعة تُعد انتهاكًا صارخًا لحرية الصحافة والتعبير.

يوليو 2025

في 25 يوليو 2025 قيدت السلطات السودانية المكالمات الصوتية والمرئية عبر تطبيق واتساب بقرار من جهاز تنظيم الاتصالات لدواعٍ أمنية، مع استمرار عمل الرسائل النصية.

سبتمبر 2025

في سبتمبر 2025، أصدرت وزارة الثقافة والإعلام السودانية قرارًا بإيقاف الصحفية لينا يعقوب، مديرة مكتب قناتي «العربية» و«الحدث» في السودان، وسحب تصريحها الصحفي، مؤكدة أن القرار يستهدفها شخصيًا دون إغلاق مكاتب القناتين.

أكتوبر 2025

في 2 أكتوبر 2025، اختُطِف الصحفي مصطفى فضل المولى المعروف بـ«أبو قوته»، المدير العام لهيئة إذاعة وتلفزيون ولاية وسط دارفور، على يد قوات الدعم السريع.

السلطات قامت بـ تقليص مدة تصاريح العمل الإعلامي لبعض المنصات والمراسلين

أشارت تقارير حقوقية في أكتوبر 2025 إلى أن السلطات قامت بـ تقليص مدة تصاريح العمل الإعلامي لبعض المنصات والمراسلين لتصبح صالحة لمدة أسبوع واحد فقط بدلاً من عام كامل، مما يضع ضغوطاً مستمرة على الفرق الصحفية لمراجعة الجهات الأمنية بشكل دوري.

نوفمبر 2025

في 5 نوفمبر 2025، قالت نقابة الصحفيين السودانيين إنّ نحو 20 صحفيًا وصحفية كانوا موجودين في مدينة الفاشر ومعسكر أبو شوك قبيل اندلاع المواجهات، حيث نجا 12 منهم ووصلوا مدينة طويلة، فيما قيد اثنان بالاعتقال والأسر، وفُقد الاتصال مع 7 آخرين بينهم صحفيتان، بينما ظهر المصور إبراهيم جبريل بابو لاحقًا في فيديو يظهر أسرى لدى قوات الدعم السريع، كما وُثق احتجاز 4 صحفيين آخرين قسريًا قبل اجتياح المدينة.

في 10 نوفمبر 2025 أصدرت وزارة الثقافة والإعلام السودانية قراراً يمنع قناة سكاي نيوز عربية من العمل في السودان، في إطار التقييد وبررت الوزارة القرار بأن القناة لا تملك تصريحاً رسمياً لمزاولة النشاط الإعلامي داخل الأراضي السودانية، واعتبرت ممارسة طاقمها للعمل دون ترخيص مخالفة قانونية صريحة.

في نوفمبر الماضي قالت نقابة الصحفيين السودانيين إنّه تم تسجيل 556 حالة انتهاك استهدفت الصحفيات والصحفيين، شملت الاعتقال التعسفي والمنع من العمل والبلاغات الكيدية، كما قُتل خلال عامين 32 صحفيًا، فيما تتعرض الصحفيات لهجمات رقمية شرسة تهدف لإسكات الأصوات الناقدة.

ديسمبر 2025

في مطلع ديسمبر 2025، تعرّض رئيس تحرير صحيفة «التيار» عثمان ميرغني لحملة منظمة شملت تهديدات صريحة بالقتل وتحريضًا مباشرًا على العنف بسبب آرائه السياسية، حيث قال إنه يتلقى مئات المكالمات والرسائل التي تهدده بالقتل.

في ديسمبر 2025، تعرض موقع صحيفة “دروب الإلكترونية” (droobb.com) للحجب داخل السودان، وفق تقرير لجنة حماية الصحفيين الصادر في 9 ديسمبر، في خطوة اعتُبرت جزءًا من التضييق المستمر على الفضاء المدني وإسكات التقارير المستقلة التي توثق الانتهاكات في البلاد. ورغم أن الموقع لا يزال يعمل تقنيًا وينشر تحديثاته بانتظام، إلا أن الوصول إليه من داخل السودان يقتصر على مستخدمي برامج كسر الحجب (VPN)، مما يحد من وصول المعلومات للمواطنين المتأثرين بالنزاع.

السودان لا يزال من أخطر الدول على الصحفيين عالميًا:

وأكّدت تقارير لجنة حماية الصحفيين (CPJ) الصادرة في ديسمبر 2025 أن السودان لا يزال من أخطر الدول على الصحفيين عالميًا، ويحتل المرتبة الثانية في المنطقة بعد غزة. وسُجل مقتل ما لا يقل عن 6 صحفيين إضافيين خلال عام 2025، ليصل إجمالي الضحايا منذ اندلاع النزاع إلى 32 صحفيًا بحسب آخر إحصاء لنقابة الصحفيين السودانيين في أكتوبر 2025. ويعكس مؤشر حرية الصحافة لعام 2025 هذا الواقع المتدهور، حيث تراجع ترتيب السودان إلى المركز 156 عالميًا مقارنة بالعام السابق.

كما أصدرت لجنة حماية الصحفيين تقريرها الختامي في 9 ديسمبر 2025، وصنفت السودان كأحد “أكثر السجون والمقابر للصحفيين”، مشيرة إلى مقتل ما لا يقل عن 6 صحفيين إضافيين خلال عام 2025، ليصل إجمالي الضحايا منذ بداية الحرب إلى 32 صحفيًا.

وفي 18 ديسمبر 2025، أدانت نقابة الصحفيين السودانيين حملة تحريض وتنميط خطيرين استهدفت الصحفي ناصف صلاح الدين، شملت تهديدات صريحة بالتصفية الجسدية، واعتبرتها تحريضًا مباشرًا على العنف وانتهاكًا لحقه في الحياة والسلامة وحرية العمل الصحفي.

أرقام وخلاصات عامة حتى نهاية 2025

وانخفض ترتيب البلاد في مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2025 إلى المركز 156 من أصل 180 دولة، بعد أن كان 149 في العام السابق.

وتُعدّ بلاغات النشر التي تُسجّل ضد الصحافيين، وسيلة ترهيب لهم،إلى جانب الفصل التعسفي، والنهب المسلح لمنازلهم، والتهديدات الشخصية عبر الاتصال أو الرسائل، والتهديدات العامة كحملات التحريض ضد الصحافيين على مواقع التواصل، والمنع من التغطية بالقوة من قبل السلطات، وكذلك تعديل قانون جهاز المخابرات العامة، بما يعطيه المزيد من السلطات والصلاحيات، ومن ثم يهدّد الحريات العامة، وتعقيد إجراءات الحصول على إذن العمل للصحافيين والمراسلين.

كما انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي قوائم بأسماء صحفيين اتهمتهم بالانحياز لأحد الأطراف، مما عرضهم لتهديدات مباشرة وحملات كراهية، واستخدم الطرفان الدعاية والمعلومات المضللة لتطويق التغطية الإخبارية وطمس الحقائق. وفي ظل هذه الظروف الخطرة وتهديدات السلامة، أجبرت أكثر من 400 صحفي على الفرار من البلاد إلى دول الجوار، بينما انخفض عدد الصحفيين العاملين داخل السودان بشكل حاد منذ بدء الحرب.

كما تشير التقارير الحقوقية إلى أن عدد الصحفيين العاملين في السودان تراجع بشكل حاد من نحو 1500 قبل الحرب إلى ما يقارب 250–300 صحفي فقط، نتيجة القيود الأمنية والملاحقات المستمرة.

فضلا عن اعتقال واحتجاز ما لا يقل عن(239) صحفيا وصحفية، وتعرض عشرات آخرين للضرب والتنكيل والملاحقة والتهديد وبلغ العدد الكلي للانتهاكات ضد الصحفيين منذ اندلاع الحرب (556)حالة موثقة.

وفي موازاة ذلك، أدت الحرب إلى انهيار بيئة العمل الصحفي، حيث يوجد أكثر من (1000) صحفي وصحفية خارج دائرة العمل، معظمهم في مؤسسات الإعلام الرسمي، يتقاضون ثلث رواتبهم أو أُحيلوا إلى التقاعد دون تسوية.

وتُعد المأساة أشد وطأة على الزملاء والزميلات في المنفى. فقد لجأ أكثر من (500) صحفي وصحفية إلى خارج البلاد، يواجهون قيودا قانونية وضغوطا متعددة، ومع ذلك لا يزال كثيرون منهم يواصلون نقل الحقيقة، وكشف الانتهاكات بحق المدنيين في السودان، وسط غياب التغطية الدولية الكافية. للبحث

وبحسب نقابة الصحفيين السودانيين، قُتل خلال سنوات الحرب 33 صحفيًا وصحفية، وتشرّد الآلاف بين لاجئ ونازح، فيما تعرّض كثيرون للاعتقال ولا يزال بعضهم رهن الاحتجاز والاختفاء القسري، في وقت تواصل فيه الأطراف المتحاربة

إخضاع الصحفيين لمحاكمات طوارئ تفتقر للعدالة وقد تصل عقوباتها إلى الإعدام، كأداة ترهيب لإسكات الإعلام ومنع دوره الرقابي.

وقالت تنسيقية المهنيين والنقابات السودانية، في سياق أوسع من القيود المفروضة على الحريات العامة والعمل المدني، إن القرار رقم (9) لسنة 2025 أعاد تشكيل المكاتب التنفيذية للنقابات دون انتخابات أو موافقة الجمعيات العمومية، معتبرة أن ذلك يعكس تقييدًا للحريات النقابية، ويأتي ضمن نمط متكرر من الإجراءات الحكومية التي تستهدف إحكام السيطرة على الفضاء العام، بما في ذلك الإعلام المستقل والصحفيين، عبر قرارات إدارية وأمنية تقوض استقلالية المؤسسات المهنية وتحد من أدوارها الرقابية.

ورغم هذا الواقع القاسي وما يحيط بالعمل الصحفي من مخاطر جسيمة، يواصل عدد من الصحفيين السودانيين أداء دورهم المهني في نقل الحقيقة وحماية الكلمة، متجاوزين التهديدات والقيود المفروضة عليهم. وفي هذا السياق، برزت تجارب لصحفيين ومنصات إعلامية مستقلة حازت على جوائز وتقدير مهني إقليمي ودولي، في تأكيد على استمرار الصحافة السودانية في أداء دورها الرقابي والمهني رغم محاولات إسكاتها.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *