كيف حافظ الاسلاميين على سيطرتهم داخل الجيش السوداني؟

22 – سبتمبر 2022  

بينما يدفع قائد الجيش السوداني الذي استولى على السلطة عبر انقلاب عسكري، بتطمينات من وقت لآخر بعدم سيطرة تنظيم الإسلاميين على مفاصل القيادة واتخاذ القرار داخل المؤسسة العسكرية، يظل تسلسل الأحداث منذ تاريخ الاطاحة بالرئيس المخلوع عمر البشير في أبريل 2019 يقول غير ذلك.

وتزيد التبديلات والترقيات والاحالات للمعاش المستمرة منذ وقت داخل الجيش وسط القادة الكبار حالة الارباك وضبابية موقف المؤسسة العسكرية من شعارات الثورة السودانية التي لا تستثني المؤسسة من مطالب الإصلاح العاجلة.   

حالة الارباك التي تعمدها قادة الجيش تضع معارضي السلطة الحاكمة في السودان والتي يسيطر عليها قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان عبر الانقلاب العسكري منذ 25 أكتوبر 2021 في شكوك بوجود صفقة بين الإسلاميين وكبار الضباط في المؤسسة العسكرية تسمح للبرهان المضي قدما للتخلص من التيارات المؤيدة للديمقراطية مع خطط للإسلاميين في ذات الوقت للاطاحة بالبرهان عن الحكم في وقت لاحق.

“طموحات الإسلاميين بدفع ضباط في الجيش لتنفيذ الانقلاب لم تتوقف منذ 11 أبريل 2019 -تاريخ الاطاحة بالرئيس عمر البشير- لكن هناك مخاوف من عدم قبول الشارع والمجتمع الدولي بهذا الانقلاب خاصة في ظل استمرار الاحتجاجات الشعبية المناهضة للعسكريين”. يقول متخصص في شئون الجيش السوداني -طلب عدم ذكر اسمه لـ(عاين) ويضيف:..

كيف حافظ الاسلاميين على سيطرتهم داخل الجيش السوداني؟

..”خلال الفترة ما بعد أبريل 2019 وحتى العام 2021 أعلن الجيش احباط محاولتين للانقلاب العسكري الأولى نفذتها مجموعة بالتزامن مع الاعتصام المدني قرب القيادة العامة في مايو 2019 حيث أٌتهم رئيس هيئة الأركان آنذاك الفريق ركن هاشم عبد المطلب بالتخطيط للاستيلاء على السلطة بدعم من الاسلاميين وانتهى به الأمر معتقلا لدى القضاء العسكري وأفرج عنه لاحقا”.

 والانقلاب الثاني  ما سُمي بـ“انقلاب بكراوي” في سبتمبر 2021 أي قبل انقلاب البرهان بأقل من شهر وهو جنرال يقود مؤسسة عسكرية بمثابة “نخبة متقدمة من القدرة على القتال العسكري ويطلق عليها الجيش “سلاح المدرعات” وتقع القاعدة العسكرية جنوب العاصمة السودانية واقتيد بمعية عسكريين آخرين إلى المحاكمة أمام القضاء العسكري وصرح خلال هذه الجلسات أنه تحرك لانقاذ البلاد من طموحات قائد الدعم السريع للاستيلاء على السلطة وإعادة هيبة القوات المسلحة، ولم يعرف لقائد الانقلاب أي ميول سياسية.

المواقيت المتعددة التي دفع بها قائد الجيش بتطميناته مخاطبا اهتمامات وهموم الثورة السودانية والمجتمعين الاقليمي والدولي، جميعها ارتبطت بتحولات سياسية عديدة أثناء تقلده منصب رئيس مجلس السيادة في حكومة الثورة الأولى والثانية، لكن كل ما يخص تعهداته بالعمل وفقا لشعارات ثورة ديسمبر انتهت إلى انقلاب عسكري نفذه مع قادة آخرين في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي.  

وضعت تحولات الجنرال البرهان بالانقلاب على السلطة المدنية وما يقوم به من تغييرات داخل الجيش وحالة التوتر البائنة بينه وقائد الدعم السريع، تحت تأثير نفوذ الإسلاميين داخل الجيش السوداني.   

كيف حافظ الاسلاميين على سيطرتهم داخل الجيش السوداني؟
يعتبر بنك امدرمان الوطني الأكبر في السودان وهو مملوكًا للقوات المسلحة السودانية بنسبة لا
تقل عن 86,9% وتتم التغطية على هذه الملكية من خلال العديد من طبقات الملكية للشركة. وهذا يمنح
الجيش السوداني إمكانية الوصول للتمويل الدولي ويسهل قدرته على تحويل الأموال دون رقابة.
المصدر : C4ADS

يغري كل ذلك الجنرال البرهان للاندفاع نحو السلطة لتحقيق طموحاته الشخصية مسنودا من تنظيم الإسلاميين ودعم كبار الضباط في الجيش ومن اعادهم بعد الانقلاب إلى الخدمة المدنية لاسيما الذين يديرون مؤسسات الجيش الاقتصادية وباقي مؤسسات المنظومة الأمنية. وفق ما تقول مصادر متطابقة لـ(عاين)، وتتابع المصادر “لجوء قائد الجيش إلى هذا التوجه  يأتي على خلفية ان تنظيم الإسلاميين  في الجيش لم يعد يملك الأوراق التي تمكنه من الاستحواذ على السلطة عبر انقلاب عسكري”.

مخاوف اقليمية

يثير وجود ضباط في الجيش السوداني يدينون بالولاء للحركة الاسلامية مخاوف مصر ودول الخليج خاصة السعودية والإمارات سيما في ظل التدهور الأمني من احتمال عودتهم إلى السلطة بانقلاب عسكري.

 ولذلك سعت هذه الدول منذ 11 أبريل 2019 عقب الاطاحة بنظام البشير إلى “طلبات مشددة قدمتها للبرهان بإبعاد العناصر الموالية للإسلاميين من القوات المسلحة”.

تلقت هذه الدول بحسب مصدر عسكري تحدث لـ(عاين)، تطمينات من البرهان بأنه سيعمل على تجحيم نفوذ الإسلاميين في مفاصل الدولة المدنية والعسكرية لكن عملية وأد الديمقراطية التي قام بها عبر انقلابه العسكري أثبتت غير ذلك”

يعزز مسؤول سابق في مكتب رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الافادات المتعلقة بوجود الإسلاميين في المؤسسة العسكرية بالقول إن “قادة الجيش عطلوا ابعاد الإسلاميين من المؤسسات الحكومية”.

وقال المسؤول، إن “المنظومة الدفاعية التي تدير الشركات العسكرية يهيمن عليها ضباط كبار موالين للإسلاميين والمجتمع الإقليمي يعلم هذا الأمر لكنه يعتقد أن اسلاميين تحت السيطرة أفضل من قوى مدنية تدعم الديمقراطية في السودان”.

“من القضايا التي تشغل الإسلاميين في السودان هي حماية الرئيس المخلوع من الاحالة الى المحكمة الجنائية في لاهاي وعدم وضع منظومة الصناعات الدفاعية في أيدي المدنيين والقوى الليبرالية واليسارية التي تدعم الاحتجاجات الشعبية المناوئة للعسكريين والإسلاميين معا”. يقول المحلل السياسي محمد فضل، لـ(عاين)،

 ويضيف “الحركة الاسلامية تعمل على حماية البشير من الذهاب إلى لاهاي عبر المؤسسة العسكرية التي رفضت طلبات المدعي العام في عهد الحكومة الانتقالية وبعد الانقلاب العسكري بضغوط من اسلاميي المؤسسة العسكرية”.

ويتابع فضل : ” كذلك يعتقد الاسلاميون أن منظومة الصناعات الدفاعية من صميم ابتكارهم ومشروعهم لذلك يمارسون الضغوط باستمرار داخل المؤسسة العسكرية لتعيين ضباط يدينون بالولاء للإسلاميين ولا توجد رغبة للتنازل عنها لصالح أي حكومة مدنية في ظل استمرار العسكريين الحاليين ضمن أي عملية سياسية”.

ويعتقد المسؤول السابق بمكتب رئيس الوزراء، الذي تحدث لـ(عاين)، مشترطا عدم الكشف عن هويته- أن الاعتقاد بعدم وجود الاسلاميين بقوة في المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية والشرطية “وهم كبير”.

فيما يقول مصدر عسكري آخر لـ(عاين)، إن “البرهان أحد كبار الضباط الذين تعهد بالحفاظ على زمرة النظام القديم في المؤسسة العسكرية لأن هذا الحلف يتيح له الحكم وفي نفس الوقت يضمر الاسلاميين الشر تجاهه ويريدون الاطاحة به إذا وجدوا فرصة لتحقيق ذلك”.

فيما يصف المحلل السياسي، محمد فضل، تأثير الإسلاميين على الجيش بـ الضعيف، عكس تأثيرهم على جهاز المخابرات والشرطة. وحاليا هاتين المؤسستين تقعان تحت سيطرة الجيش الذي يعد الطرف الأقوى في المنظومة العسكرية في مرحلة ما بعد البشير.

ويستبعد فضل في مقابلة مع (عاين)، وجود “عناصر مؤثرة من الإسلاميين داخل الجيش”. واستدرك : “الجيش بطبيعته غير قابل للايديولوجيا لكن هذا لا يعني أن الجيش مؤهل لتحقيق الديمقراطية في السودان وقد يبرم كبار ضباطه تحالفات سرية مع الإسلاميين”.

كيف حافظ الاسلاميين على سيطرتهم داخل الجيش السوداني؟

التخلص من الإصلاحيين

في لحظات مد وجزر الثورة السودانية الأولى احال الجيش ضباطا موالين لنظام المخلوع عمر البشير، وفي فترات لاحقة اعيد آخرين عرفوا بانتمائهم للتنظيم الاسلامي وأُبعد آخرين موالين للثورة السودانية وجرى كذلك مؤخرا ترقية آخرين يدينون بالولاء لقائد الجيش وترفيع ضباط الدفعة 40 إلى رتبة اللواء وبطبيعة الحال سيكونون قادة الوحدات العسكرية ويعرف عنهم ولائهم المتشدد للحركة الاسلامية ويطلق على الدفعة “حماة الدين”.

جرى تفسير قوائم الترقية والإحالات التي صدرت عن الجيش السوداني في أغسطس الماضي بأنها خطة لقائد الجيش للتخلص من الإصلاحيين داخل المؤسسة العسكرية،

وأبرز من غادروا الجيش، نائب رئيس هيئة الأركان للإدارة والتدريب، منور عثمان، والفريق عصام كرار، قائد القوات البرية ولم يكن مفاجئا إسناد رئاسة هيئة الأركان تدريب إلى الفريق عبد المحمود حماد حسين العجمي وهو من المقربين من البرهان.

وتقول السيرة الذاتية للفريق عثمان منور نقد، إنه تلقى تدريبا عسكريا رفيعا إلى جانب دراسات عسكرية استراتيجية، ولديه ميول إلى الحكم الديمقراطي. ورغم تبريرات انتهاء خدمته العسكرية حسب السن القانونية لكن ما حدث أن البرهان تخلص من عسكريين كانت الآمال معلقة عليهم لترجيح كفة الإصلاحات في المؤسسة العسكرية- طبقا لمصدر عسكري تحدث لـ(عاين).

ويؤكد المصدر، أن الفريق ركن عبد المحمود حماد حسين العجمي حماد، الذي اسندت اليه رئاسة هيئة الأركان تدريب فهو شديد الكراهية للمدنيين ولا يعترف بوجودهم في السلطة ودائما ما كان يثير التوترات خلال قيادته لسلاح المدفعية عطبرة في العام 2020 ورفض تسليم المهمة للحاكم المدني.

ويرى المصدر العسكري، أن البرهان وضع حماد في هذا الموقع حتى يحتاط لشر يضمره الاسلاميين لأن حماد لديه ولاء شديد للبرهان ولا يميل إلى تنظيم الاسلاميين. ويؤكد المصدر العسكري أن الاحالات والترقيات في الجيش عملية دورية لكن في ذات الوقت تستغل لصالح تصفية حسابات بواسطة كبار الضباط وهذه المرة جرى تسريح الاصلاحيين لصالح صعود البراغماتيين من هم أكثر ولاءاً للبرهان.

واستبعد المصدر الأحاديث التي تدور عن وجود نفوذ الإسلاميين في “الدفعة 40” لضباط الجيش الذين جرت ترقيتهم في أغسطس الماضي. وأشار  إلى أن الترقيات لم تشمل جميع الضباط.

كيف حافظ الاسلاميين على سيطرتهم داخل الجيش السوداني؟
قادة المجلس العسكري

سيناريوهات لا تتجاوز “حميدتي”

لا تدور الأحداث داخل الجيش السوداني بمعزل عن قوات الدعم السريع وقائدها محمد حمدان دقلو الشهير بـ حميدتي، وبين مناورات التقارب بين قادة الجيش والتنظيم الاسلامي لا يُخفى العداء البائن بين الاسلاميين وقوات الدعم السريع المؤثرة في المعادلة الامنية بالبلاد.  

“ثلاثة سيناريوهات متوقعة في المرحلة المقبلة  تتعلق بوصول كبار الضباط الموالين للحركة الاسلامية مرحلة تنفيذ الانقلاب، والسيناريو الثاني أن يتمكن قائد الدعم السريع الجنرال محمد دقلو المعروف بـ حميدتي بانقلاب تحت غطاء الجيش باستمالة كبار الضباط إلى حلفه”. وفقاً لـ متخصص في شئون الجيش السوداني تحدث طلباً عدم ذكر اسمه لـ(عاين).

ويضيف ” السيناريو الثالث أن يتمكن كبار الضباط الذين يتمتعون بالمهنية والولاء للقوات المسلحة بالإطاحة بالمكون العسكري وإبرام صفقة مع المدنيين وحميدتي لأن عدم وجوده في أي تغيير جديد قد يؤدي إلى حرب أهلية“.

وبالنسبة للمتخصص في شئون الجيش السوداني، فإن سيناريو تحالف حميدتي مع بعض ضباط الجيش قد يجنب البلاد الانتقال إلى مرحلة الصدام بين الجيش والدعم السريع لذلك ربما يكون السيناريو الأرجح في ظل قلق المجتمع الدولي الكبير على عدم استقرار الوضع في السودان.

واستدرك : “إذا شعر المجتمع الدولي والرأي العام داخل المؤسسة العسكرية إن البرهان عقبة في طريق الاستقرار قد يتخلصون منه لإزالة الاحتقان في الساحة السياسية والعسكرية وتقديم وجه جديد من العسكريين”.

تقارب 

خلال الأسبوع الماضي لاحظ السودانيون وجود تقارب بين قائد قوات الدعم السريع وقوى الحرية والتغيير وأظهر الجنرال محمد حمدان دقلو ترحيبه بمشروع الإعلان الدستوري المدعوم من “الحرية والتغيير”  كما مضى دقلو إلى أبعد من ذلك وأعلن في تصريح صحفي الجمعة أنه اتفق مع البرهان على رئاسة مدنية لمجلس السيادة ومجلس الوزراء.

وسألت (عاين) مصدرا عسكريا حول التحولات التي طرأت على قائد قوات الدعم السريع مبتعداً عن الجيش والقائد العام وحليفه عبد الفتاح البرهان؟ أجاب المصدر بالقول إن:”دقلو قريب من الإمارات وبعيد عن الإسلاميين في السودان فهو يخشى من عودة وشيكة للاسلاميين عبر انقلاب عسكري”.

ويوضح: “دقلو لا يمكنه الوثوق في الإسلاميين مجدداً ويجد نفسه مقربا من قوى الحرية والتغيير وهي قوى مدنية لا تعادي الإمارات وتطمح في دعم أبوظبي لأي حكومة ناتجة عن تسوية مرتقبة خاصة وأن الإمارات عضو في الرباعية الدولية التي ترعى الحوار غير المباشر بين العسكريين والمدنيين في الوقت الراهن”.