ما الذي حدث في “اردمتا”؟

عاين- 19 نوفمبر 2023
بينما كنت أختبئ أعلى شجرة في أحد مخيمات منطقة “اردمتا” شرقي مدينة الجنينة في ولاية غرب دارفور عندما هاجمت قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها المنطقة، رأيت خالي يُقتل وكذلك جاري في الحي من قبل المسلحين. يروي إسماعيل محمد وهو أحد الناجين من أعنف عمليات القتل وهجمات حرب السودان.
“بقيت في مكاني حتى حلول المساء، وبعد أن هدأت الهجمات دفنا ٢١ من القتلى في مقبرة جماعية تقع في الناحية الشمالية الشرقية للمعسكر غرب- السويق- وكانت هناك جثة لامرأة لم نتمكن من دفنها بسبب الهجوم من جديد”. يقول إسماعيل لـ(عاين).
وعقب سيطرتها على قيادة الفرقة (15) التابعة للجيش السوداني في منطقة اردمتا، هاجمت قوات الدعم السريع الأحياء السكنية في المنطقة، والتي معظمها مخيمات نازحين يومي الرابع والخامس من نوفمبر الجاري.

ما الذي حدث في "اردمتا"؟
“بعد أن سقطت قيادة الجيش هجم علينا جنود الدعم السريع ورجال المليشيات بالخيول والدراجات النارية، كانو يقتلون الرجال والأطفال الذكور بطريقة همجية. وظللنا نجري داخل المعسكر، لكن هم يلاحقوننا في كل مكان فقدت ٤ من أبنائي في أثناء تلك الهرولة، ولم أعرف مصيرهم حتى الآن”. تقول الناجية، فاطمة عبد الله لـ(عاين) وهي التي احتمت بمخيمات اردماتا هربا من القتال السابق في حي الجبل الذي تسكنه بمدينة الجنينة.
منطقة اردمتا الواقعة في الجزء الشمالي الشرقي لمدينة الجنينة يقسمها وادي كجا إلى منطقتين، وتتوسطها قيادة الفرقة 15 مشاة.
وتعتبر أردمتا من أكثر المناطق بولاية غرب دارفور هدوءا واستقرارا، ولم تتأثر طيلة السنوات الماضية بالأحداث الأمنية والاشتباكات القبلية التي شهدتها عدة مناطق بمدينة الجنينة.
بعد اندلاع الاشتباكات بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، والتي تحولت إلى حرب أهلية بين مجموعة “المساليت” الأهلية، والمجموعات العربية في مدينة الجنينة في الرابع والعشرين من أبريل الماضي، كانت اردمتا قبلة للمواطنين الذين يبحثون عن الأمن والاستقرار.
بعد اشتداد وتيرة الاشتباكات داخل مدينة الجنينة وارتفاع حدة التوتر الأمني بين الجيش والدعم السريع طُرحت مبادرة مجتمعية تضم الإدارات الأهلية ونقابة الأطباء ومنظمات المجتمع المدني، ونصت على بقاء الجيش في منطقة اردمتا التي يسيطر عليها بينما يكون الدعم السريع مسيطرا على الأجزاء الشرقية والجنوبية لمدينة الجنينة، وجسر حي النسيم يكون هو المنطقة العازلة بين القوتين.

ما الذي حدث في "اردمتا"؟
قتل جديد
كل هذا الهدوء تلاشى بعد سقوط قاعدة الجيش الرئيسية في المنطقة 4 نوفمبر الجاري، بالنسبة لـ “إسماعيل محمد” والآلاف من سكان اردمتا. “لدينا جهاز راديو يسمى (تكويا) يعمل على التقاط الأصوات من الأجهزة اللاسلكية التي تستخدمها قوات الدعم السريع حيث سمعناهم يقولون غدا الصبح سنبدأ القتال من حي (مقطاع الكبري) إلى نهاية معسكر (اردمتا) للنازحين”. يقول إسماعيل لـ(عاين)،
ويضيف: “بعد أن سمعنا هذا الكلام قررنا الفرار بأي طريقة، لكن عندما طلعنا في منطقة عالية داخل المعسكر رأينا أنوار السيارات حول المعسكر من جميع الاتجاهات، واستمر الحصار حتى الصباح الذي بدأوا فيه هجومهم العنيف واجتياح المعسكر عبر الخيول والدراجات النارية والسيارات.. إنهم يقتلون الناس من في كل مكان داخل المعسكر .. وكنا نجري بالاتجاه العكسي عندما يبدأون الهجوم على نقطة ما، وأيضا كنا نقفز على أسوار المنازل عندما يقتربون منا”.
وبينما لم تتوفر إحصائية دقيقة لعدد القتلى، تقول مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وأطباء سودانيون. إن نحو 800 شخص قتلوا في هجمات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها على منطقة اردمتا.
“كانت أعداد قوات الدعم السريع التي هاجمت منطقة اردمتا ومقر القيادة العامة للجيش كبيرة جدا، وبدأوا عمليات اطلاق كيف الأمر الذي أدى لسقوط قيادة الجيش سريعا وانسحاب معظم عساكره إلى الأحياء”. يقول عبد الفضيل وهو معاشي في القوات المسلحة لـ(عاين).
ويضيف: “بعد سقوط القيادة كثفت قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها قصفها داخل الحي الذي كنت أقطنه في اردمتا ما أدى لسقوط عدد كبير من القتلى.. سمعنا أكثر من مرة اثناء القصف والهجوم ان هناك 10 إلى 15 شخص سقطوا في مكان واحد”.

تبادل اتهامات
وواجهت قوات الدعم السريع اتهامات بارتكاب عمليات عنف وقتل على دوافع عرقية، وتنديد دولي من قبل مسؤولين في الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الأمر الذي اضطرها إلى إعلانها عن تشكيل لجنة تقصي حقائق حول الانتهاكات. وقالت انها “لن توفر الحماية لأي فرد ثبت تورطه في ارتكاب أي انتهاك لحق بالمدنيين الأبرياء”.
ويتهم أبناء أهلية المساليت قوات الدعم السريع بقتل أبنائهم في بلدة (اردمتا) بدوافع إثنية عندما هاجمت قوات الدعم السريع قيادة الجيش الفرقة (15) في يومي الرابع والخامس من نوفمبر الجاري.

ما الذي حدث في "اردمتا"؟
ويقول أحمد بحر الدين وهو مسؤول محلي، وأحد الناجين لـ(عابن) إن “الدعم السريع استهدفت أبناء المساليت بدوافع إثنية، وقام بتصفية عدد من الأفراد وأعيان القبيلة بينهم الفرشة محمد أرباب واثنان من أفراد أسرته”، وأشار إلى أن العملية جاءت بالتزامن مع مهاجمة الدعم السريع القاعدة العسكرية شمال شرق مدينة الجنينة التي استولى عليها بعد انسحاب الجيش إلى بلدة كلبس ومنها إلى دولة تشاد الحدودية.
ويضيف بحر الدين: إن “معظم القتلى صُفُّوا بعد اعتقالهم في بلدة اردمتا المجاورة لقيادة الجيش شمال شرق المدينة.. الضحايا هم من النازحين الذين فروا من مجازر الدعم السريع في شهري مايو ويونيو الماضيين، وذهبوا إلى أردمتا، واحتموا بالفرقة 15 مشاة وتعرضوا مرة أخرى للقتل”.
بالمقابل، يقول الناطق الرسمي باسم المجموعات العربية، مسار عبدالرحمن: لـ(عاين): إن “ما حدث هو صراع بين الجيش والدعم السريع ونحن لا علاقة لنا به”.
وأشار عبد الرحمن إلى تداعيات الحرب وآثارها. وقال خلال رده على سؤال مشاركة أبناء المجموعات العربية في القتال إلى جانب الدعم السريع: “نحن كمجتمع لنا عناصر في الجيش، وفي الدعم السريع”. وكشف مسار، عن وجود مليشيات لها عداء مع المجموعات العربية تم استنفارهم وحشدهم داخل مقر قيادة الجيش بأردمتا.
وأضاف: “هذه المليشيات بعد انتهاء معركة القيادة يوم الجمعة بقتل 10 من أبناء القبائل العربية في الطريق بين اردمتا وأم دوين وتم حرقهم وحدثت ردود أفعال لبعض ذويهم”.

ما الذي حدث في "اردمتا"؟
ونقل شهود لـ(عاين) من مدينة الجنينة، أنه وعقب مقتل والي الولاية خميس عبدالله في الرابع عشر من يونيو، احتمى مسلحون يتبعون لقوات التحالف السوداني التي يقودها الوالي القتيل، بجانب مليشيا تعرف محليًا بـ”كولمبيا” بحامية الجيش في منطقة اردمتا، ووضعوا ثلاثة ارتكازات عسكرية في الطريق الرابط بين اردمتا والجنينة.
وينفي مسؤول عسكري في قوات الدعم السريع بولاية غرب دارفور مهاجمة قواته لمناطق المدنيين في المنطقة ويقول لـ(عاين): “ولم تهاجم قواتنا قرى المدنيين في المنطقة لأن كل المدنيين ابتعدوا قبل ثلاثة أيام من منطقة المواجهات العسكرية وما تبقى هم مقاتلين”.
وأضاف: أن “قوات الدعم السريع على استعداد لطلب تحقيق دولي بشأن الجرائم”.
وأقر المسؤول العسكري بقوات الدعم السريع بوجود قتلى وسط المدنيين في أثناء تبادل إطلاق النار بين الطرفين، لكن ليس بالحجم الذي يروّج له، ومعظم القتلى هم عسكريون، لأن الدعم السريع حريص أن لا يلحق ضرر وسط المدنيين أخبرناهم مسبقاً بالابتعاد عن منطقة الاشتباكات”.
وأشار المسؤول العسكري، إلى انتشار مليشيات خارج نطاق الدعم السريع تستغل الأوضاع الأمنية، وتمارس النهب والقتل”.
فرار
بينما تتبادل الأطراف الاتهامات، يفرّ “إسماعيل محمد” من حقيقة الموت الذي شاهده بعينيه، ويقول لـ(عاين): “قررنا الفرار من أردمتا إلى دولة تشاد المجاورة في مجموعة تتكون من ٧٠ شخصا بما فيهم الجرحى والنساء والأطفال، وبعد ٢ كيلومتر وجدنا قوات الدعم السريع في الطريق.. تم إطلاق النار حولنا ما أدى إلى تشتيتنا لمناطق مختلفة ولم نعرف من الذي تم قتله”. ويضيف: “بعد ساعات من السير على الأقدام عبرت إلى الحدود التشادية مع ١٩ فقط من رفاقي”.