“عشان نسلم، بنتلملم”.. فنانون سودانيون يتحدون في مصر
“بنتلملم عشان نسلم”، تحت معاني هذا الاقتباس من قصيدة الشاعر السوداني المعاصر، عاطف خيري، نجح فنانون سودانيون اضطرتهم الحرب إلى مغادرة بلادهم إلى دولة مصر، في لم شملهم تحت مظلة “اتحاد تجمع الفنانين السودانيين في مصر”.
وأجبرت الحرب الدائرة في السودان منذ الخامس عشر من أبريل الفائت، عشرات الفنانين السودانيين لمغادرة البلاد على وقع المعارك التي أدت إلى هدم العديد من المكتبات والمراكز الثقافية والمواقع التراثية والمتاحف، وجرى نهب بعض هذه الأماكن، وإحراق أماكن أخرى عمداً، فيما يبدو وكأنه محاولة لإعادة كتابة تاريخ السودان وإرثه المتجذر.
“لن تتمكن أي قوة عسكرية أو مدفعية أو قصف من محو فنون وتراث الشعب السوداني، ربما تكن الممتلكات المادية قد دُمرت، لكن الثقافة والإرث سيظلان إلى الأبد داخل الشعب، هذا محفوظ، وسيبقى كميراث دائم. لا أحد يستطيع أن يمحو وجدان هذا الشعب”. يقول الموسيقار السوداني علي الزين لـ(عاين).
ومع اندلاع الحرب في البلاد وتأثيراتها البالغة على مناحي الحياة، يقاوم الفنانون السودانيون، فممارسة الفنون بالنسبة لهم ليست محض وظيفة، بل هي أسلوب حياتهم و ملجأهم وطريقتهم للتعبير عن أنفسهم وتمثيل الثقافة والهوية السودانية.
تجمع وتأسيس
في أواخر شهر مايو، اجتمعت مجموعة من الفنانين من مجالات إبداعية مختلفة مثل الموسيقى والتشكيل والفنون المسرحية والسينمائية، وتوصلوا إلى فكرة إنشاء جسم يكون بمثابة ملجأ لهم، للاجتماع وتقنين عملهم بمصر، ومساعدة البعض على الإبداع والتعافي ومحاولة المضي قدمًا. هذه المجموعة أنشأت جمعية ثقافية سرعان ما تحولت إلى اتحاد تجمع الفنانين السودانيين في مصر، بمساعدة المصريين الذين رحبوا بهم و بمشروعهم، وكذلك بعون اتحاد الفنانين العرب.
“في البداية، أنشأنا مجموعة ثقافية، ولكن لعدة أسباب، قررنا أنه سيكون من الأفضل تحويلها إلى اتحاد؛ وهي ليست مرتبطة باتحاد الفنانين في السودان، بل مؤسسة جديدة تضم الفنانين السودانيين في مصر. ويهدف الاتحاد إلى تقديم الدعم النفسي للفنانين – وخاصة أولئك الذين فروا من الحرب، ومساعدتهم على العمل في مصر بطريقة قانونية، وخلق مساحة للمبدعين السودانيين للتجمع والعمل معًا والمضي قدمًا”. يقول وصانع الأفلام ورئيس قسم المشاريع بالاتحاد، محمد عليش في مقابلة مع (عاين).
فيما يوضح الموسيقار، علي الزين، رئيس قسم الموسيقى، أن الاتحاد هو “وطن” لكل الفنانين السودانيين في مصر، مكان يجتمعون فيه للتعافي والحفاظ على توازنهم. ويضيف:”عندما يكون المرء في بلد اجنبي يحتاج أن يكون في محيطه الأصلي ليشعر بالأمان والتوازن ويتمكن من التعبير عن نفسه وعن الآخرين”.
لا تضم المجموعة فنانين مخضرمين وأسماء كبيرة فحسب، بل إنها أيضًا ملاذ آمن للموسيقيين الشباب الذين فقدوا منازلهم ومشاريعهم وجاءوا إلى مصر بحثًا عن مأوى من الحرب والعنف، والذين لا يزال الكثير منهم تحت تأثير الصدمة و البعض يشعر بالتوهان والخوف من أن تجبرهم الظروف للتخلي عن حياتهم المهنية الواعدة والبحث عن مجال عمل آخر لتغطية احتياجاتهم.
الموسيقية “سمية صلاح”، المعروفة باسم “نياريز”، والتي أمضت شهرًا كاملاً في منطقة الحرب قبل أن تهرب من الرعب. أخبرت نياريز (عاين) إنها أصيبت بصدمة شديدة وشعرت كما لو أنها فقدت قيمتها كإنسانة بعد أن شهدت الحرب – بما فيها من أعمال العنف والقتل – ولم تسترد إحساسها بالقيمة إلا بعد مجيئها للتجمع، وعزف الموسيقى مرة أخرى و”محاولة جلب الجمال وتقديم شيء جيد للسودانيين الذين فقدوا هذا الجانب من السودان”.
“أنا أبذل قصارى جهدي – مثل كل الشباب السودانيين – بدون ميزانية وبناي قديم”. تقول نياريز. وتضيف: “[قد لا أملك الكثير] ولكني أحمل الكثير من الموسيقى في ذهني، وفي قلبي، و أحمل وطني في قلبي”.