«وجه آخر للحرب ».. مأساة السودانيين العالقين بحدود مصر

 عاين- 17 أغسطس 2023

مات زوج السيدة فريدة المريض بالسرطان دون أن تلقي عليه تحية الوداع الأخيرة، أثناء محاولتها العبور من معبر وادي حلفا الحدودي في السودان إلى الأراضي المصرية، بسبب بطء إجراءات الحصول على التأشيرة التي باتت مستحيلة. وأثناء إنتظار “فريدة” الطويل تلقت أيضا نبأ مقتل ابنها في مدينة كادقلي بولاية جنوب كردفان جراء المعارك التي اندلعت هناك مؤخرا.

تسكن فريدة محمد أحمد بمدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، وعند اندلاع الحرب واشتداد دوي المدافع والدانات قررت الفرار مع أبنائها  إلى قرية أم كدادة التي تبعد عنها حوالي 221 كلم. “مكثنا هناك لأكثر من شهر، ثم عدنا إلى مدينة الفاشر مرة أخرى، كانت الأوضاع تزداد سوءاً”. تقول فريدة عيسى، في مقابلة مع (عاين).

«وجه آخر للحرب ».. مأساة السودانيين العالقين بحدود مصر

قبل إندلاع الحرب، سافر زوج فريدة لتلقي العلاج من مرض السرطان بمصر. وتقول إنها تلقت خبر تدهور حالته الصحية فور عودتهم إلى مدينة الفاشر. وقتها، “شعرت بضرورة السفر إلى مصر لمؤازرة زوجي الذي كان يكابد آلام مرض السرطان اللعين. تقول عيسى. وعبر رحلة غير غير آمنة ومليئة بالمخاطر، استغرقت أسبوعاً كاملاً تمكنت فريدة من الوصول إلى وادي حلفا، أملاً في اللحاق بزوج على وشك لفظ أنفاسه الأخيرة.

كانت فريدة تأمل في إجراءات ساهلة على الحدود السودانية المصرية، لكنها فوجئت بصفوف اللاجئين الطويلة والشمس الحارقة مع انعدام الخدمات.وعلى مدى ستة أسابيع، لم تتمكن فريدة من الحصول على تأشيرة دخول للأراضي المصرية بسبب الأعداد الكبيرة للمواطنين وبطء الإجراءات وتوقفها في كثير من الأحيان.

تقول فريدة، التي بدأ على وجهها التأثر العميق: “مات زوجي دون أن نودعه.. مات أثناء محاولتنا الحصول على تأشيرة الدخول إلى مصر”. كانت الفاجعة الأخرى لفريدة عندما تلقت نبأ مقتل ابنها بمدينة كادوقلي بولاية جنوب كردفان جراء الصراع الذي اندلع هناك. تقول إنها “تستعد للعودة إلى مدينة الفاشر مرة أخرى. وتشير إلى أنها سعت للحصول على التأشيرة للقاء زوجها، إلا أنه توفى الآن.

وبسبب الحرب بين الجيش والدعم السريع، في الخرطوم العاصمة وإقليم دارفور وأجزاء من جنوب كردفان، نزح أكثر من 3 ملايين شخصاً، فيما عبر الحدود إلى دول الجوار أكثر من 986 شخص، توجّه أغلبهم إلى مصر وليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وأثيوبيا، بحسب منظمة الهجرة الدولية.

«وجه آخر للحرب ».. مأساة السودانيين العالقين بحدود مصر
العالقين

ولا يزال آلاف السودانيين الفارين من الحرب عالقين في مدينة وادي حلفا بالولاية الشمالية بالقرب من معبر أرقين الحدودي مع مصر في انتظار الحصول على التأشيرة من القنصلية المصرية وسط بطء شديد في إنجاز إجراءات الدخول. وبحلول العاشر من يونيو الماضي، أصبح على جميع السودانيين الحصول على تأشيرة دخول إلى مصر، بعد أن جمدت السلطات المصرية أبرز بنود اتفاقية الحريات الأربع الموقعة بين البلدين والمتصلة بإلغاء تأشيرات الدخول للأطفال والنساء والرجال فوق 50 عاماً.

حينها قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبوزيد في تصريح صحفي إن مصر وضعت سياسة جديدة  تطالب جميع السودانيين بالحصول على تأشيرات قبل دخول البلاد، بعد اكتشاف أنشطة غير مشروعة منها إصدار تأشيرات مزورة”. ويقول أحد الشبان العالقين على الحدود المصرية لـ(عاين)، إنه وأسرته قاموا بالتقديم في سجلات القنصلية المصرية في 23 مايو الماضي ثم كرروا التسجيل في الـ 28 من نفس الشهر.

وبحسب مواطنين في مدينة وادي حلفا تحدثوا لـ(عاين) فإن الحصول على التأشيرة يستغرق أسابيع طويلة بعد التسجيل في كشوفات الراغبين في الدخول لمصر. والأربعاء، توفيت إحدى النساء العالقات في مستشفى وادي حلفا بالولاية الشمالية، إثر سقوطها في صف التأشيرة أمام القنصلية المصرية، بسبب ضربة شمس، بسبب ارتفاع درجة الحرارة التي تصل لـ 40 درجة مئوية.

معاناة يومية يعيشها السودانيين الراغبين في  الدخول للأراضي المصرية “وتشتد المعاناة بسبب أن المنطقة ليست  مُعدة لاستقبال هذه الأعداد الكبيرة من المواطنين”. يقول أحد الشبان في المعبر الحدودي. ويضيف: “لحظة وصولنا وجدنا أعداد كبيرة من العالقين لم يتمكنوا من الحصول على التأشيرة”. ويتابع: “نخرج منذ ساعات الفجر الأولى لنقف في صفوف الانتظار الطويلة مع اشتداد الحرارة، بينما يخلو المكان إلا من مظلة صغيرة لا تقي أعداد المواطنين الكبيرة أشعة الشمس الحارقة”.

كانت القنصلية المصرية، تتيح الدخول للنساء والرجال فوق الـ50  والأطفال دون الـ 16 عاماً دون تأشيرة، لكن السلطات اكتشفت بعض التجاوزات في طرق الحصول على التأشيرة مما قاد  لخلق مشكلة على المعبر. يوضح هذا الشاب العالق والذي سبقته والدته في الدخول إلى الدولة المصرية. ويقول لـ(عاين):”نأمل من الحكومتين السودانية والمصرية، الوصول لحل عاجل لمشكلة السودانيين العالقين رأفة بالأوضاع المأساوية على الحدود”.

مأساة مريضة سرطان

في أحد مراكز الإيواء المعدة لاستقبال النازحين العالقين إلى حين الحصول على التأشيرة تحاول سيدة مريضة بالسرطان، التقاط أنفاسها بصعوبة بالغة بسبب عدم قدرتها على استنشاق الأكسجين. تستخدم هذه السيدة، جهاز صناعي لتزويد خلايا جسدها المريض بالأكسجين الضروري، خاصة وأن الجهاز الذي تستخدمه ضاعت إحدى أدوات تشغيله أثناء رحلتها من الثورة بمدينة أمدرمان إحدى مدن العاصمة الخرطوم إلى وادي حلفا.

«وجه آخر للحرب ».. مأساة السودانيين العالقين بحدود مصر

وتقول وهي بالكاد تستطيع التنفس في مقابلة مع (عاين)، أنها “تنتظر إكمال إجراءات الحصول على التأشيرة لإجراء عملية عاجلة بسبب تدهور حالتها الصحية التي تفاقمت بسبب الحر والازدحام الشديدين على المعبر الحدودي”. وتقول هذه السيدة المريضة بسرطان الغدد الليمفاوية، انه وبسبب تأخر حصولها على التأشيرة المصرية، تشعر بتراجع حالتها الصحية ما يستدعي سرعة دخولها للأراضي المصرية لتلقي العلاج.

وتشير السيدة مريضة السرطان إلى أنها اطلعت القنصلية المصرية على حالتها الطبية، إلا أن رد القنصلية جاء صادما ” لا استثناءات لتيسير دخول المرضى إلا إذا كان المريض محمولاً على عربة إسعاف”. وبرغم مشقة الانتظار تحت أشعة الشمس الحارقة التي تسبب لها مشكلات صحية إضافية، ترجو من السلطات المصرية سرعة الاجراءات لتسهيل دخولها إلى  مصر لتلقي جرعاتها العلاجية، حيث انقضت ثلاثة أشهر منذ أن تلقت آخر جرعة.

أما فاطمة القادمة للمعبر من منطقة صالحة جنوب أمدرمان، والتي شهدت معارك ضارية بين الجيش والدعم السريع، تقول انها أتت إلى وادي حلفا بهدف الدخول إلى مصر بعد أن تم قبول ابنتها في إحدى الجامعات المصرية.

تقول فاطمة، أنها غادرت إلى مدينة سنار في البداية للمكوث هناك، إلا أن إبنتها تلقت الموافقة بالقبول. في جامعة الفيوم بدولة مصر. وقالت في مقابلة مع (عاين): “السلطات المصرية سمحت لآلاف السودانيين بالدخول لأراضيها، لكن عليها فتح الباب لدخول السودانيين العالقين من المرضى والطلاب السودانيين على الحدود”.

وأضافت:”تم قبول أبنتي في الجامعة برسوم عالية من أجل الالتحاق بالصفوف الدراسية هناك.. من الصعب علينا إلغاء فكرة السفر، على الرغم من عدم معرفتنا بمواعيد سفرنا”.

«وجه آخر للحرب ».. مأساة السودانيين العالقين بحدود مصر

تشرد وإيواء  

وبعد أن ازدحمت منازل المُضيفين في وادي حلفا، بالنازحين الذي يرغبون في  السفر إلى مصر، أنشأ سكان مدينة وادي حلفا نحو (56) مركزا لإيواء آلاف  النازحين.يقول عضو غرفة طوارئ وادي حلفا عدي محمد أحمد لـ(عاين): “استخدمنا المدارس والمساجد والزوايا وبعض المرافق الحكومية لإيواء النازحين”.

وتسعى غرفة الطوارئ بوادي حلفا إلى تقديم الخدمات الأساسية مثل الطعام والشراب ودورات المياه النظيفة. “نعاني من عدة مشكلات في مراكز الإيواء في مقدمتها بالمشكلات الصحية، مع عدم توفر العلاج والخدمة الطبية الجيدة والمياه الصالحة للشرب مع تزايد أعداد النازحين يومياً”. يوضح أحمد. ويتابع:”السعة الفعلية لمركز الإيواء تتراوح بين 100 إلى 500 شخص، إلا أن الزيادة مطردة في أعداد الوافدين أدت لوجود حالات تشرد في شوارع  المدينة”.

تسعى لجنة الطوارئ بوادي حلفا لحل مشكلات النازحين العالقين للاتصال مع الجهات الرسمية والمتطوعين والخيرين والمنظمات الطوعية العاملة في الشأن الإنساني. ويشير أحمد، إلى أنهم يعملون على توفير مآوي شاملة للخدمات الأساسية. “لا تزال المدينة تزدحم  بطالبي التأشيرة بينما تتأخر القنصلية المصرية بوادي حلفا في إجراءات منح التأشيرة لعدة أشهر في بعض الأحيان”. يوضح أحمد. ويضيف: القنصلية كانت تراعي الحالات الخاصة للمرضى من أمراض السرطان والقلب والكلى، إلا أنها توقفت عن ذلك”.

حالة وفاة يومياً

وأكد أزدياد معدلات الوفاة بين العالقين السودانيين، بمعدل وفاة يومياً سواء في مراكز الإيواء أو في منازل المُضيفين أو في صفوف التأشيرة أو على المعابر الحدودية. وبحسب عضو لجنة الطوارئ، فإن عدد الوفيات في مراكز الإيواء تجاوز الـ (30) حالة، بينما تجاوز عدد الوفيات في المنازل الـ (50) حالة.

وأوضح أن أغلب حالات الوفاة هي لمرضى كانوا ينوون السفر إلى دولة مصر للعلاج وبسبب تأخر إجراءات سفرهم تدهورت حالتهم الصحية ما أدى لوفاتهم. ولفت أحمد، إلى أن مستشفى مدينة وادي حلفا له إمكانات محدودة لا تمكنه من توفير العناية الطبية الكاملة للمرضى، عدا حالات الطوارئ مع استمرار نقص الإمدادات الطبية وانعدام أدوية الأمراض المزمنة.