“حريق المعرفة”.. حزن في السودان بعد قضاء نيران الحرب على مكتبة عريقة

 16 مايو 2023

صدمة كبيرة سيطرت على الأوساط الثقافية في السودان بعد أن التهمت نيران الحرب الجارية واحدة من أكبر المكتبات في البلاد بمركز البروفسير الراحل محمد عمر بشير للدراسات السودانية في جامعة أمدرمان الأهلية- وقضت على أهم صرح معرفي يتضمن كتب ووثائق ومخطوطات نادرة تتعلق بالتاريخ والإرث الثقافي لهذا البلد.

وتداول نشطاء على نطاق واسع اليوم الثلاثاء صوراً لمكتبة مركز محمد عمر بشير وهي محترقة ومدمرة بالكامل وقضت النيران على جميع الكتب في داخلها، تاركة أثرا من حاملات الكتب والإصدارات “رفوف” واقفه تكسوها آثار اللهب شديدة السواد.

وقضت نيران المعارك على إرث تاريخي عكف على جمعه عشرات الباحثين في مجالات علمية مختلفة خاصة الادب والتاريخ، ومحت ذكريات جميلة تشكلت على جدران المعرفة وسط مرتادي المركز خلال الفترة التي أعقبت إنشائه في العام 1993م، حاملا اسم مؤسس جامعة أمدرمان الأهلية محمد عمر بشير.

ذاكرة السودانيين

ويقول مدير جامعة أم درمان الأهلية البروفسيور المعتصم أحمد الحاج في مقابلة مع (عاين) “ضاع جهد 37 عاماً في بحث وجمع الكتب والوثائق النادرة خلال عمل ممنهج على مدار 10 أيام كان دافعه محو ذاكرة السودانيين، ولم يكن اقتحام الجامعة وحرقها بهدف السرقة”. 

ويشير المعتصم، الى أن أكثر ما يدعو للحسرة هو أن المركز يضم مكتبات شخصية، لشخصيات وطنية ذات إسهامات سياسية وثقافية مثل محمد عمر بشير، وعضو مجلس السيادة إبراهيم يوسف سليمان، وحسن الدرديري، وزينب البكري وغيرهم، إذ قضت عليها النيران وليس هناك أي أرشيف الكتروني، وحتى إذا وجد فإن الجامعة استبيحت بشكل كامل ولم يتبق فيها أي شيء غير مبانيها.

ويضيف: “تم هذا العمل داخل منطقة تسيطر عليها قوات الدعم السريع وقد قمنا بإخطارهم لكنهم لم يهتموا بحديثنا، وتركوا الجامعة تستباح بشكل كامل تحت سمعهم وبصرهم، في عمل ممنهج ليس بدافع السرقة وإنما لقصم ظهر الجامعة الاهلية التي تحظى برمزية عالية كمنارة للتعليم الأهلي في البلاد”.

مخطوطات يدوية

ويقول الباحث، عبد القادر إسماعيل أحمد، إن الذي حدث في مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية، “كارثة واحساس بالخسارة صعب يتخيلها أي شخص لم يزر المركز من قبل ولم يشاهد ما بداخله”. 

ويضيف إسماعيل خلال منشور على حسابه بفيسبوك “المركز به أرشيف نادر مثل محاضر مؤتمر الخريجين، ومكتبات أشخاص رحلوا واوصوا بإحالتها اليه خدمة للباحثين، بجانب وثائق ذات قيمة كبيرة تم جمعها من خلال عمل بحثي ميداني واصدارات نفدت من الأسواق، فهي من الصعب ان تقدر بثمن”.

وتابع “يضم المركز مكتبة بروفيسور محمد عمر بشير الشخصية والتي تحتوي مخطوطات بخط يده ووثائق نادرة مستحيل تجدها في مكان آخر. لم اعرف لماذا حرقوه؟، لماذا تحرق مكتبة ويدمر أرشيف، وتبيد بيدك ذاكرتك وذاكرة وطنك. تحدث أشياء في هذه الحرب ليس لها أي تفسير”.

المركز يقوم بتدريس مادة الدراسات السودانية كمادة إجبارية لطلاب السنة الأولى بجميع كليات الجامعة الأهلية، وينظم الندوات وورش العمل في الأنشطة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية

وإلى جانب كنوزه المعرفية، كان المركز يقوم بتدريس مادة الدراسات السودانية كمادة إجبارية لطلاب السنة الأولى بجميع كليات الجامعة الأهلية، وينظم الندوات وورش العمل في الأنشطة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بجانب الاهتمام بالأنشطة البحثية في مختلف مناحي المجتمع السوداني.

ويُصدر المركز مجلة دورية تحت مسمى “محاور العلمية الثقافية”، الى جانب انجاز عدد من الإصدارات الثقافية والأدبية والتاريخية لبعض الأدباء والشخصيات.

مؤلفات مبهرة

وتحسرت فاطمة ضوء البيت، أحد خريجات جامعة أمدرمان الأهلية بشدة على حرق مركز محمد عمر بشير، واستدعت ذكرياتها معه وما تلقته من معارف فيه بعد أن خدمها العاملين فيه دون كلل او ملل.

وتقول: “يحتوي المركز على مجموعات نادرة من كتب شخصيات مهمة مثل محمد عمر بشير، والشيخ الدرديري، وعزت فرحات، وإبراهيم يوسف سليمان، وزينب البكري وحماد توفيق وغيرهم. أتذكر جيدا لآخر مرة تواجدت فيه، وكيف إني مررت حول هذه الكتب التي ابهرتني بوجودها وأثرها حتى عزمت على أنه سيكون من الأماكن التي سأزورها كثيراً خلال تواجدي”.

وتضيف على تدوينة على موقع فيس بوك: “لم أكن أدري بأنها كانت آخر النظرات لي معها، يا ليتني لو جلست طويلاً آنذاك.. أوجعتمونا في الجامعة الأهلية وجع كبير لا يندمل”.

مسح الهوية

وكتب الناشط السياسي، سيد الطيب على صفحته بفيس بوك “حتى كيزان الجامعة الأهلية أمثال أنس عمر-قيادي اسلامي-  يعلمون أن هذا المركز ليس فيه سوى كتب نادرة وبحوث ووثائق ودراسات. فما الذي يريده تتار العصر؟.. بالطبع يريدون مسح الهوية والتاريخ والإرث الثقافي”.  

فيما يقول الحسن عثمان – أحد خريجي الأهلية إن “تاريخ جامعة أمدرمان الاهلية معروف محفوظ لكل سوداني، وكذلك مواقف طلابها ضد الحكم الدكتاتوري منذ تأسيسها. لا أحد يستطيع حرق تاريخها أو تزييفه، الفكرة لا تموت والتحية لكل من ينتمي لهذا الإرث الكبير”.

ويؤكد مدير الجامعة الأهلية، البروفسور المعتصم أحمد الحاج أنهم مصرين على بقاء هذا الصرح صاحب الرمزية التاريخية واعادته لسيرته الأولى كمنارة للتعليم الأهلي الشعبي في السودان، لافتاً الى ان هذا الامر يمثل تحدي كبير يقع على عاتق خريجي ومحبي الجامعة والوطنيين.