“عام على الانقلاب”.. إعادة الاقتصاد السوداني إلى الصفر

27 أكتوبر 2022

صبيحة الانقلاب العسكري في الخامس والعشرين من أكتوبر العام الماضي، كانت خزانة البنك المركزي السوداني تحتوي على 1.2 مليار دولار وضعتها الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك لبناء احتياطيات نقدية من مساعدات دولية.

في ليلة الانقلاب العسكري كان جنرالات الجيش والدعم السريع يتطلعون إلى السيطرة الكاملة على الاقتصاد مع تزايد نهم العسكريين للسيطرة على المؤسسات المدنية وتنفيذ مشاريع عملاقة مثل المطارات والطرق وصفقات الموانئ.

كانت بعض الأموال المودعة لدى البنك المركزي حتى صبيحة الانقلاب جزء من دفعيات المانحين لبرنامج ثمرات والبالغة قدرها 400 مليون دولار. توقف البرنامج الدولي المعني بتوزيع الأموال مباشرة إلى الشرائح الضعيفة بمقدار خمسة دولارات شهريا للفرد بسبب الانقلاب العسكري.

تلاشي النمو

واعترف مسؤول في مفوضية الضمان الاجتماعي الحكومية مطلع أكتوبر الجاري في محفل لتدشين الوجبات المدرسية بتفشي الفقر بين السودانيين إلى درجة عدم الرغبة في إرسال الأطفال إلى المدارس لصعوبة الوفاء بالوجبة والمعينات. من بين أكثر الاقتصادات التي كانت ستشهد نموا متسارعا اعتبار من نهاية هذا العام جاء الاقتصاد السوداني مخيبا للآمال في منتصف 2022 جراء الانقلاب العسكري والفراغ الحكومي وهجرة الاستثمارات الصغيرة إلى دول الجوار وتركيا.

وذكر مسؤول سابق في اتحاد أصحاب العمل السوداني في تصريح لـ(عاين)، أن ترليونات الجنيهات عزفت عن الاستثمار في السودان بسبب المخاوف الأمنية والاقتصادية وتقلبات سعر الصرف و”حالة اللا حكومة”.

يرى المسؤول السابق أن بعض رجال الأعمال سحبوا ثلاثة ملايين دولار من أموالهم المتداولة في الأسواق المحلية للاستثمار في كينيا وإثيوبيا وغادروا السودان في الشهور الأولى للعام الحالي وجراء ذلك خسر سوق العمل وظائف قد توفرها استثمارات تبلغ قيمتها مليوني دولار.

يستغرب المحلل الاقتصادي، محمد إبراهيم أحمد، تناقض السياسة التي يدير بها الانقلابيين الاقتصاد،  ويقول أحمد لـ(عاين)، إن” وزير المالية جبريل إبراهيم دعا إلى زيادة الإنتاج عبر دعم المنتجين والقطاع الإنتاجي وفي ذات الوقت طالب في اجتماعات البنك الدولي الأسبوع قبل الماضي البنك الدولي بالتدخل في القطاع الزراعي وهذا يعني أنه تراجع عن تعهداته الأولى لأن البنك الدولي لا يدعم المنتجين”.

"عام على الانقلاب".. إعادة الاقتصاد السوداني إلى الصفر

محو الإصلاحات

يرى المحلل الاقتصادي، أن رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك تجاهل نصائح غربيين بعدم تعيين جبريل وزيرا للمالية واستجاب لضغوط جنرالات الجيش الذين دعموا تعيين جبريل إبراهيم وحمدوك الذي يعمل دائما من الظل “محى كليا جميع الإصلاحات التي حققها خلال العام 2021 نتيجة سياسات مدمرة نفذها جبريل إبراهيم”.

يتعرض الجنيه السوداني لضربات موجعة في أسواق التداول المحلية بالعاصمة السودانية كونها عملة تعتمد على الاستدانة من البنك المركزي لتغطية العجز في الموازنة بدلا عن القطاعات الإنتاجية حسب المحللين في البيانات الاقتصادية منذ 2017.

قال مصدر من البنك المركزي السوداني لـ(عاين)، إن السلطة الحاكمة تسعى إلى طباعة( 800 مليون ورقة)  من فئة الألف جنيه وأرسلت ممثلين عن البنك المركزي إلى الإمارات وألمانيا الشهر الحالي.

علق هذا المصدر على هذه الخطوة ووصفها بـ “الكارثة” لأن البنك المركزي لا يملك التغطية الفعلية لضخ هذه العملات إلى الأسواق المحلية سواء من الذهب أو الاحتياطي.

ومع عزلة دولية تتزايد المخاطر بشأن الديون الخارجية البالغة 59 مليار دولار حيث تراجع المانحين الدوليين عن تعهدات لحكومة عبد الله حمدوك عقب الانقلاب العسكري مع اقتراب شطب نحو 14 مليار دولار والانتقال إلى تسوية بعض الديون العالقة.

ذكر نائب محافظ البنك المركزي السوداني السابق، فاروق كمبريسي لـ(عاين)، أن تعقيدات الديون الخارجية تضاعفت بعد الانقلاب العسكري وعاد السودان “خطوات إلى الوراء” في ذات الوقت خسر قروض ومساعدات اقتصادية كانت ستتدفق اعتبارا من هذا العام بقيمة 4.3 مليار دولار.

وأضاف: “كنا نخطط ليباع الدولار الأمريكي في السوق الموازي نهاية هذا العام بسعر 325 جنيها وليس 580 جنيها كما يحدث حاليا”.

نقصان الصادرات

تأثرت الصادرات السودانية بالانقلاب العسكري حسب ما يقول حسن عبد الله العامل في صادرات المنتجات بين الصين والسودان مشيرا في مقابلة مع (عاين)، إلى أنه في ذروة انشغالات المصدرين العام الماضي بتصدير القطن والسمسم والذرة والفول السوداني أُغلقت الموانئ بسبب الاضطرابات لم تتحسن الأمور بعد إعادة فتحها لأن المؤسسات الحكومية كانت قد شهدت حركة اضرابات واسعة.

يضيف عبد الله : “حركة الصادرات بين السودان والصين تشكل حوالي 600 مليون دولار سنويا لا يمكن تحقيق هذه النسبة في العام 2022 بسبب شلل المؤسسات وارتفاع تكلفة النقل نتوقع أنها نقصت بنسبة 50% هذا العام حسب متابعتنا لحركة الصادرات في الموانئ السودانية”.

وتابع: “بلغت تكلفة ترحيل شحنة مواشي من كردفان إلى بورتسودان عبر شاحنة واحدة 500 ألف جنيه في العام 2022 العام الماضي كان 350 ألف جنيه الزيادات طرأت بسبب مضاعفة أسعار الوقود والضرائب الحكومية”.

"عام على الانقلاب".. إعادة الاقتصاد السوداني إلى الصفر

انهيار الموازنة

مع عجز متفاقم في الموازنة السنوية التي انهارت منذ يونيو الماضي، وفي النصف الأول من التنفيذ لجأ وزير المالية جبريل إبراهيم إلى زيادة ضرائب الأرباح على النشاط التجاري من 15% إلى 30% أي بنسبة 100% لكن هذه الزيادات جوبهت بالرفض من قطاع التجار بإغلاق الأسواق التي امتدت إلى 16 ولاية سودانية منذ أسبوعين.

يقول المحلل في قطاع الموازنة محمد عبد الرحمن في تصريح لـ(عاين)، إن العجز بلغ حوالي 55 ترليون جنيه ومع توسع حركة إضرابات العمال في المؤسسات الحكومية شعرت السلطة الحاكمة بالعجز الكامل في تغطية الفصل الأول “الأجور” وقررت طباعة العملة.

ويوضح عبد الرحمن، أن السودان كان يأمل في الحصول على مئات الملايين من الدولارات من المملكة العربية السعودية والإمارات لكن ضغوط أمريكية بحق هذين البلدين حال دون ذلك لأن الادارة الأميركية تشترط نجاح الانتقال المدني وترفض السماح باندماج العسكريين في المجتمع الدولي.

وتابع: “في ذات الوقت نُفذ الإنفاق الأمني والعسكري بشكل كامل دون أي عجز مع وضع بنود للطوارئ الأمنية نفذت بالكامل أيضا وتجاوزت الـ 1.5 مليار دولار هذا العام”.

"عام على الانقلاب".. إعادة الاقتصاد السوداني إلى الصفر

الذهب مجرد بريق

ورغم أن مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية مبارك أردول، اعلن عن تحقيق إيرادات بلغت 1.3 مليار دولار في الربع الأول من هذا العام لكن نائب محافظ البنك المركزي فاروق كمبريسي، يرى أن هذه النسبة عادية والسودان بلغ أعلى من هذه النسبة في إيرادات الذهب أكثر من مرة خلال السنوات الماضية.

ويقول كمبريسي إن إيرادات الذهب لم تنعكس على تحسين الوضع المعيشي بالتالي أي حديث عن الإيرادات والانتاج غير واقعي و “عبارة عن فقاعة”. جراء الانقلاب العسكري يشعر السودانيون بحطام اقتصادي على خلفية تجميد مساعدات وقروض بقيمة 4.3 مليار دولار كان يتوقع وصول ملياري دولار هذا العام تنفق جزء كبير منها في السكك الحديدية والبنية التحتية.

بدا أن تغلغل العسكريين في حكم هذا البلد لن ينتهي قريبا مع اصرار الجنرالات على تقاسم السلطة مع المدنيين، وبينما يضع المدنيون شروطا بأيلولة الشركات الاقتصادية العسكرية إلى وزارة المالية يرفض الجيش هذا الشرط. ويؤكد المحلل الاقتصادي محمد إبراهيم أحمد، أن انقاذ الوضع الاقتصادي يتطلب العمل لفترة ثلاثة سنوات قادمة للعودة إلى المسار الصحيح وحتى القروض الدولية ليست مجانية بل هناك مقابل.

ويضيف : “الحل الاعتماد على موارد الذهب والزراعة مع التفاوض بجدية مع المؤسسات الدولية لتفادي الشروط القاسية لأن السودانيين لا يمكنهم تحمل أعباء اضافية من شروط البنك الدولي”.