“درع السودان” .. خبايا مليشيا عسكرية تتحرك بحرية في مدن السودان
1 مارس 2023
تحت الأنظار، تتحرك مليشيا ما يسمى بـ”درع السودان” في مدن رئيسية بالبلاد بينها العاصمة الخرطوم بكامل عتادها وهي تنشط في عمليات تجنيد واستقطاب حاد وسط السكان، في وقت تغض السلطة الانقلابية الطرف حول هذه التحركات الأمر الذي يثير تساؤلات عديدة.
صمت جنرالات الانقلاب تجاه هذه التحركات يثير الشكوك بشأن علاقة خفية تربط المليشيا بدوائر وسط الجيش السوداني ذات ولاء لنظام الاخوان المسلمين المخلوع، وهو افتراض تدعمه وتعززه أفادت مهتمين ومعلومات حصلت عليها (عاين).
إلى جانب ذلك، تكشف هوية بعض العناصر التي تصدرت المشهد كقيادات لهذه القوات الغموض تجاه الجهات التي تقف خلف هذه المليشيا، فغالبهم ضباط متقاعدين كانوا ضمن صفوف الجيش السوداني ولديهم انتماءات للحركة الإسلامية التي حكمت السودان لثلاثة عقود وتم عزلتها بثورة شعبية في أبريل 2018.
وجرى الإعلان عن قوات درع السودان في منطقة بجبال الغر بسهل البطانة وسط البلاد في السابع والعشرين من ديسمبر الماضي، وأعلن أبو عاقلة محمد أحمد كيكل عن نفسه قائداَ للمليشيا، وكان ذلك بعد أسابيع من إعلان المتحدث الرسمي للجيش السوداني سابقا العقيد معاش الصوارمي خالد سعد عن تشكيله برفقة ضباط متقاعدين حركة مسلحة من داخل الخرطوم باسم “كيان الوطن” والتي اختفى اثرها بعد أيام قليلة عقب اعتقال سلطة الانقلاب لمؤسسيها والإفراج عنهم لاحقاً.
وكثفت المليشيا نشاطها خلال الشهرين الماضيين في مناطق وسط السودان، لاسيما منطقة البطانة وسنار والجزيرة ونصبت خيام في مدن رئيسية لتجنيد مواطنين للانضمام الى صفوفها، ووصلت مطلع هذا الأسبوع منطقة حطاب شمالي الخرطوم بكامل عتادها، لكن توتر بينها والسكان المحليين حال دون إقامة الفعالية وفقا لما كان مخطط لها.
صنع استخباراتي
وبحسب معلومات حصلت عليها (عاين) من مصدر عسكري، فإن قوات درع السودان تأتي كبديل للحركة التي أسسها الصوارمي برعاية الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش، وهي تأتي ضمن مخطط يستهدف بشكل أساسي الترتيبات الأمنية في اتفاق جوبا بغرض إغراق القوات المسلحة بعناصر تنظيم الإخوان في عمليات الدمج والتسريح.
“تسببت حركة الصوارمي في حرج كبير للمؤسسة العسكرية كونها نشأت في قلب العاصمة الخرطوم ويقودها ضباط بارزين في القوات المسلحة مما دفعها لاعتقالهم صورياً بغرض إبعاد الشبهات وإطلاق سراحهم خلال فترة وجيزة، ومن ثم التفكير في صناعة مليشيا تتولى أمرها عناصر مغمورة من الصف الثالث للإخوان المسلمين في الجيش، فكان الخيار هو درع السودان” يقول المصدر العسكري.
ووفقاً لذات المصدر، فإن قائد المليشيا أبو عاقلة كيكل كان ضابطاً في الجيش السوداني ووصل حتى رتبة الرائد قبل إحالته للتقاعد، وشارك بفاعلية مع القوات المسلحة في حربها ضد الحركات المسلحة في إقليم النيل الأزرق وجنوب شرق البلاد، ويعتقد بأنه كان حلقة وصل في تزويد حلفاء النظام البائد في الدول المجاورة بالأسلحة.
وتضم المليشيا ضباط متقاعدين بينهم وليد الشوبلي وآخرين من حركة الصوارمي، الجيلي محمد سليمان والعقيد معاش محمد رحمة الله، وهو ما يؤكد أن درع السودان جاءت كامتداد لما يسمى بكيان الوطن.
ويشير المصدر، الى أن هذه المليشيا يقودها 16 من الضباط الفنيين المتقاعدين من الدفعتين 40 و42 في القوات المسلحة السودانية و المعروفتين بولاء ضباطها الصارم لتنظيم الحركة الاسلامية، بينما تدار أنشطة قوات درع السودان عبر خلية مقرها معهد الاستخبارات العسكرية بالخرطوم، وفق المصدر ذاته.
مصدر عسكري: خلية معهد الاستخبارات العسكرية تدير هذه المليشيا وكل أنشطة الإسلاميين ولديها تواصل مع ضباط سودانيين متقاعدين في تركيا، بجانب استثمارات ضخمة في موريتانيا وتركيا، وتعمل هذه المليشيا بعتاد الجيش
ونوه المصدر العسكري، إلى أن خلية معهد الاستخبارات العسكرية تدير هذه المليشيا وكل أنشطة الإسلاميين ولها امتدادات وتواصل مع ضباط سودانيين متقاعدين في تركيا، ولديها مشاريع استثمارية ضخمة في موريتانيا وتركيا، وربما يتم استغلالها في تمويل قوات درع السودان، بينما تعمل المليشيا حاليا بعتاد ومهمات تتبع للجيش.
دمج الجيوش
وتلاحظ ايضاً وجود قاسم مشترك بين درع السودان وكيان الوطن، فكلاهما يطالب بإلغاء اتفاق جوبا للسلام في السودان بزعم أنه اعطى امتيازات سياسية واقتصادية لأقاليم سودانية على حساب الأخرى وتهميش شمال ووسط البلاد ما يُعتقد انه قلق الاستخبارات العسكرية من اتفاقية السلام ورعبها من ملف الترتيبات الأمنية على وجه التحديد والذي ما زالت تماطل في انفاذه.
وفي هذا السياق، يرى الضابط المتقاعد في الجيش السوداني خليل محمد سليمان، أن هذه المليشيا تكونت خصيصاً لأجل ملف الترتيبات الأمنية في محاولة لإدراجها ضمن الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام في السودان، إذ يريد فلول النظام البائد تعويض ما فقدوه وضم كتائبهم من كوادرهم ضمن برنامج الدمج المرتقبة.
ضابط متقاعد: “درع السودان” مليشيا تتبع للإسلاميين وهي بمثابة ظهور رسمي وعلني لكتائب الظل والأمن الشعبي الخاصة بالنظام الإخواني.
“درع السودان في الاساس مليشيا تتبع للإسلاميين، وهذا أمر واضح كالشمس، وقادتها هم إسلاميين من الصف الأول نعرفهم جميعاً، وهي بمثابة ظهور رسمي وعلني لكتائب الظل والأمن الشعبي الخاصة بالنظام الإخواني البائد بعد أن كانت تعمل في الخفاء وبشكل سري”، يقول خليل سليمان في مقابلة مع (عاين).
ويرى سليمان، أن السماح لهذه المليشيا بحرية الحركة يعتبر تقنين للفوضى وإعطاء الضوء الأخضر لعودة عناصر النظام البائد بزي عسكري، وهي محاولة لفرض أمر واقع.
مهمات عسكرية
عضو لجنة تفكيك التمكين المجمدة عروة الصادق، يقول إن “المليشيا تعمل تحت غطاء نظامي سواء بعلم قائد الانقلاب او بدون علمه، فمعلوم أن المهمات العسكرية الجديدة من ملبوسات واحذية وذخائر والمركبات لها صلة بسلاح الأسلحة أو منظومة الصناعات الدفاعية أو التصنيع الحربي وهي مؤسسات نظامية تتبع للجيش ولا يمكن أن يخرج منها شيء دون علم”.
مسؤول سابق: هذه المليشيا لها مستوى تسليح متقدم لا تملكه الا الدولة مثل مضادات الطائرات والثنائي ودوشكات خارقة للدروع ودانات الأربجي، وهو تسليح لا يمكن أن تستحوذ عليه مليشيات او عصابات دون علم الدولة
ويضيف الصادق في مقابلة مع (عاين): “هذه المليشيات لا تعمل تحت جنح الليل وإنما في وضح النهار وبأسماء معلومة وليست مستعارة ولم تتوارى بل تتواجد في الإعلام ولها ناطق رسمي كان قد تحدث باسمها في مؤتمر صحفي مثل الجنرال الصوارمي خالد سعد وهو ضابط معروف في الجيش السوداني وتقلد مناصب رفيعة خلال عمله في المؤسسة العسكرية منها المتحدث الرسمي”.
عروة الصادق: القوى الثورية الديمقراطية التي تطمح في الوصول للحكم المدني، مطالبة بتحجيم الدور العسكري القبلي لهذه المليشيا التي اتخذت مناطق البطانة ونهر النيل ووسط الجزيرة وغرب كردفان وسنار مقرات لها وأماكن للتدريب والتأهيل
وشدد الصادق، على أن القوى الثورية الديمقراطية التي تطمح في الوصول للحكم المدني، مطالبة بتحجيم الدور العسكري القبلي لهذه المليشيا التي اتخذت مناطق البطانة ونهر النيل ووسط الجزيرة وغرب كردفان وسنار مقرات لها وأماكن للتدريب والتأهيل، حيث وصلت هذه القوات الى مرحلة “ضرب النار” والتي تعني الجاهزية لأمر ما.
“للأسف كل ذلك يتم بعلم الشرطة والأجهزة الأمنية في الولايات والعاصمة الخرطوم، بينما يتم الترويج لمشروع هذه المليشيا عبر منصات إعلامية تدعي الاستقلالية ولكن في واقعها تتبع لقوات نظامية وأخرى مملوكة لفلول نظام الإخوان البائد ولم يتم حتى استفسارها رغم ترويجها لمحتوى عنصري جهوي يهدد الدولة السودانية”. يقول عروة.
ويتابع: “هذه المليشيا لها مستوى تسليح متقدم لا تملكه الا الدولة مثل مضادات الطائرات والثنائي ودوشكات خارقة للدروع ودانات الأربجي، وهو تسليح لا يمكن أن تستحوذ عليه مليشيات او عصابات دون علم الدولة، الشيء الذي يؤكد أن تحركات ما يسمى بقوات درع السودان تأتي برعاية حكومة الأمر الواقع الانقلابية، وهذا امر يستوجب التوقف والمساءلة والا سوف نجد أنفسنا تحت وابل الرصاص داخل المدن”.
شبح فتنة قبلية
بدوره، يقول المحلل السياسي أحمد حمدان، إن هذه القوات ذات التوجهات الإسلامية تتحرك ليس تحت مظلة قادة الانقلاب وإنما بموافقته وحمايته، ففي الوقت القريب حصلت هذه المليشيا على تصديق رسمي من محلية رفاعة بولاية الجزيرة ونصبت خيمة بغرض تجنيد المواطنين وهذه مخالفة تستوجب السجن.
“نشاط المليشيا يعكس تحول في خطط و تكتيكات تنظيم الإخوان المخلوع للعودة إلى المشهد، من صراع سياسي مدني الى العنف العسكري”. المحلل السياسي أحمد حمدان
ويقول حمدان في مقابلة مع (عاين): أن “نتيجة الاستقطاب الذي تنشط فيه هذه المليشيا فتنة قبلية مجتمعية في المدى القريب وتمهيداً ربما إلى حرب أهلية مدمرة، فهي تعكس تحول في خطط وتكتيكات تنظيم الإخوان المخلوع للعودة إلى المشهد، من صراع سياسي مدني الى العنف العسكري”.
ويضيف حمدان: “هذا لن يكن مثل الحرب الكلامية التي كانت تديرها ابواق الاخوان المسلمين عقب سقوط التنظيم والتي لم تسفر عن أي نتائج، وانما هي مليشيات تعمل على استقطاب المواطنين وتعبئتهم بخطاب عنصري بغيض، وهذا هو مكمن الخطورة.
“أنشئت هذه المليشيا خصيصا لتكون ضد الحركات الموقعة على اتفاق جوبا، وقوات الدعم السريع وهذا عمل جهات نظامية وهي تسعى لتدارك موقفها بعد أن فلتت قوات الدعم السريع التي صنعتها في وقت سابق من يدها”. يقول المحلل السياسي أحمد حمدان.
ويرى أن هذا التحول يعتبر آخر أوراق فلول النظام البائد في سبيل مسعاهم الى العودة لسدة الحكم، ولجأوا لاستخدامها بعد فشلهم في كافة المحاولات السابقة بما فيها الانقلاب العسكري الذي نفذه عبد الفتاح البرهان بمعية جنرلاته في 25 أكتوبر 2021م، فالعنف كسلوك موجود في أدبيات تنظيم الإخوان المسلمين، وقد تم استدعاؤه في هذه المرحلة التاريخية”.
لكن الصحفي المختص في شؤون الجماعات الإرهابية، علي الدالي، يرى أن نظام الإخوان البائد أراد استدعاء العنف من أدبياته للعودة الى دوائر السلطة عبر قوات درع السودان والتي تعمل على دغدغة مشاعر السكان في وسط وشمال البلاد برفع خطاب التهميش السياسي وإعطاء امتيازات لأقاليم بعينها دون الأخرى.
“خطة الإسلاميين هذه ستواجه فشل حتمي نظراً لاختيارها العنف كوسيلة لتحقيق مطالب في مناطق مشهود لها تاريخياً بأنها مسالمة ولم يسبق لها حمل السلاح سواء الناري او الأبيض في سبيل الحصول على الحقوق الأساسية والخدمة أو رفع المظالم عن كاهلها”، يقول الدالي في مقابلة مع (عاين).
ويضيف “تعرض سكان الشمال سوف ينبذون هذه المليشيا ولن تنطلي عليهم، وقد بدت ملامح الرفض الأهلي لهذه المليشيا بقبيلة البطاحين التي أصدرت بيانا ضد هذه التحركات”.
وتابع الدالي: “درع السودان ولد في بيئة غير مناسبة لتكاثره وتقدمه وسيجد نفسه في عزلة كبيرة ونبذ من قبل السكان الذين تزعم أنها تتبنى مطالبهم، فما نشاهده من جموع في لقاءات هذه المليشيا هي حشود مصنوعة بواسطة ما يعرف بسماسرة الحشد الذي نشطوا بكثافة في عهد النظام البائد”.
“نحن بحاجة لهزيمة المخططات الخبيثة” يقول الضابط المتقاعد في الجيش السوداني، خليل محمد سليمان. ويضيف “تلاحم الشارع بشكل مدني واستمرار الثورة سيهزم هذه المخططات الخبيثة الرامية الى إعادة فلول النظام البائد للمشهد السياسي والعسكري”.
كلامك داكلوغلط ولوعاوزتتعرف عن الدرع برسلك واتس