النفط في حرب السودان.. إنتاج متأرجح ومؤسسات تنهار

عاين- 3 ديسمبر 2025

يقترب قطاع النفط في السودان يوما بعد آخر من الانهيار، بسبب الهجمات العسكرية في الحرب المستمرة في السودان بين الجيش والدعم السريع على مقربة من منشآت حيوية في هذا القطاع غربي البلاد.

وتنقل خطوط الأنابيب المملوكة للسودان الخام من الحدود مع دولة الجنوب إلى موانئ التصدير في بورتسودان نظير رسوم مالية من مارس 2024 حتى مايو 2025، توقف النقل بسبب الوضع الأمني في السودان خلال الحرب وإعلان وزارة الطاقة في بورتسودان تعطل خطوط النقل بسبب الأضرار الأمنية.

أما حقول النفط السودانية الواقعة في غرب كردفان فهي الأخرى لم تعد بمعزل عن خطوط القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع والأخيرة عقب السيطرة على حقل بليلة قبل عامين ونصف من قبل قوات الدعم السريع. ويقول عاملون في هذا القطاع إنها قد “تشن هجوما على حقل هجليج الذي ما زال تحت سيطرة الجيش السوداني في ولاية غرب كردفان”.

شواغل أمنية بين جوبا وبورتسودان

“الوضع الأمني ينعكس على منشآت النفط، ويؤثر في الإنتاج في البلدين المتجاورين كما إن العلاقات بينهما تأثرت خلال الحرب فالخرطوم ترى أن جوبا لم تتخذ موقفا محايدا من قوات الدعم السريع سيما مع استضافتها مشاريع إماراتية قد تكون على صلة بقوات دقلو خلال الأشهر الأخيرة”. يقول عضو تجمع العاملين في النفط بالسودان  لـ(عاين).

وفي أغسطس 2025، اعترضت الإمارات ناقلة نفط من بورتسودان في ميناء الفجيرة أثناء التزود بالوقود قبل الإبحار إلى سنغافورة كان الإجراء له تأثير بالعلاقة بين أبوظبي والخرطوم.

فيما يشير الباحث في شؤون الطاقة والاقتصاد هاني عثمان في مقابلة مع (عاين) إلى أن السودان يتعامل مع النفط القادم من جنوب السودان ضمن الحسابات السياسية واضعا في الاعتبار أهمية اتخاذ حكومة سلفاكير موقف مناوئ لقوات الدعم السريع. وأشار عثمان، إلى أن: “شحنات النفط مستمرة رغم الهجمات التي أثرت في المنشآت في هجليج بولاية غرب كردفان الشهر الماضي، والتي تعرضت إلى هجمات بالطائرة المسيرة منتصف نوفمبر الماضي، واضطرت الشركات إلى تعليق نشاطها لبعض الوقت”.

خط الأنابيب من أعالي النيل

وتابع: “تضخ جنوب السودان من حقل بالم نحو 110 ألف برميل يوميا إلى الأراضي السودانية وصولا إلى موانئ بشائر شرق البلاد وكلا البلدين حريصان على ضمان الانسياب ليحصلا على الإيرادات”.

ووضعت الحرب بين الجيش والدعم السريع صادرات النفط القادمة من جنوب السودان عبر السودان أمام تحديات هائلة، وتقول الشركات العاملة في هذا القطاع إن “الموثوقية تراجعت عما كانت عليها قبل ثلاث سنوات”.

وينوه عامل في شركة تدير عملياتها من حقل هجليج لـ(عاين)، إلى إن الخام القادم من جنوب السودان قد يتعرض للتوقف في أي لحظة طالما أن الأمور معقدة بين الأطراف الـ 3 وهي الجيش السوداني والدعم السريع وحكومة سلفاكير.

تأثير إماراتي على قطاع النفط

فيما قال مصدر دبلوماسي لـ(عاين): إن “الحكومة في بورتسودان أبلغت وزير خارجية جنوب السودان موندي سياميا كامبا الذي أجرى مباحثات مشتركة مطلع أكتوبر 2025 في بورتسودان وسلسلة لقاءات مع مسؤولين من مجلس السيادة وحكومة كامل إدريس أبلغته بالعمل على ضمان علاقات مرنة وودية مع الخرطوم، حتى تضمن جوبا استمرار المصالح الاقتصادية، ومن بينها صادرات النفط”.

السودان خسر نحو 320 مليون دولار جراء توقف تصدير نفط جنوب السودان عبر الموانئ الواقعة شرق البلاد خلال الحرب

باحث اقتصادي

وأضاف الدبلوماسي مع التشديد على عدم الإفصاح عن اسمه: “بورتسودان تعتقد أن جوبا تحتاج إلى إيرادات النفط، وتواجه انقساما داخل نظامها بسبب موالاة بعض المسؤولين إلى أبوظبي والتلويح بإنشاء بنية تحتية صحية في ولايات تقع على الحدود بين البلدين لاستقبال مصابي المعارك من قوات دقلو”. واستدرك قائلا: “لقد طلبوا في بورتسودان من وزير الخارجية الجنوب سوداني موندي سياميا كامبا حسم الشواغل الأمنية التي تُقلق نظام عبد الفتاح البرهان خاصة على الحدود بين البلدين”.

ويرى الباحث الاقتصادي أحمد بن عمر في مقابلة مع (عاين) إن السودان خسر نحو 320 مليون دولار جراء توقف تصدير نفط جنوب السودان عبر الموانئ الواقعة شرق البلاد خلال الحرب.

ويرى بن عمر، أن تمرير النفط من الدولة المجاورة جنوبا عبر السودان لم يعد ذات جدوى اقتصادية، بل أداة ضغط سياسية؛ لأن الحكومة في بورتسودان يمكن أن تهدد بوقف الصادرات.

حقول سودانية على مرمى الهجمات

أما حقول النفط السودانية الواقعة في غرب كردفان والتي تضخ الخام للسودان، وساعدته لسنوات طويلة في الحصول على الوقود بشكل سلس تأثرت بالعمليات العسكرية، على الرغم من حفاظ الجيش السوداني على حقل هجليج غرب كردفان من توغلات الدعم السريع التي تستحوذ على غالبية مدن هذه الولاية.

ويقول العامل في حقل هجليج مع شركة نفطية، أيمن ملدو لـ(عاين): إن “الإنتاج تراجع بشكل كبير لأن الوضع متذبذب والشركات العاملة رفعت تكاليف التشغيل، وبينما كانت الآليات تعمل بواقع 25 ألف دولار لليوم قفزت خلال الحرب إلى ضعف هذه التكلفة؛ بسبب ارتفاع تكلفة التأمين”.

صورة متداولة لحريق في مصفاة الخرطوم – ارشيف

ويكمل قائلا: “الشهر الماضي استهدفت قوات الدعم السريع حقل هجليج الذي يخضع لسيطرة الجيش السوداني جنوب غرب البلاد بطائرات مسيرة.. نحن نعتقد بما في ذلك الشركات العاملة أن هذه التطورات ستكون لها ما بعدها ربما تخطط هذه القوات لاجتياح حقول النفط الرئيسية التي بحوزة الحكومة في بورتسودان في هذه المنطقة”.

وتابع أيمن ملدو بالقول: “الهجوم دمر بعض معدات التحكم وأجهزة حيوية، ورغم العمل على استعادتها تشعر الشركات أن الأمور مقلقة جدا، وأنها تخاطر في منطقة قد تتحول في أي وقت إلى مواقع قتالية ساخنة”.

فقدان حقل بليلة

ويقول الباحث في شؤون الطاقة والاقتصاد هاني عثمان لـ(عاين): إن “الجيش السوداني خسر مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان بالكامل منذ الأول من ديسمبر الجاري جراء توغل قوات الدعم السريع، وهذه التطورات لن تكون بمعزل عن التخطيط حميدتي وشقيقه بالهجوم على حقل هجليج وهو آخر معاقل القوات المسلحة السودانية في غرب كردفان”.

وأردف عثمان: “الشركات تشعر بالقلق من هذه التطورات، ولا أعتقد أنها تعمل بالطاقة القصوى في هجليج كما إن الجيش لم يخطط حتى الآن بالطريقة المُثلى لحماية حقول النفط في المنطقة”.

وكانت قوات الدعم السريع سيطرت على حقل بليلة النفطي في غرب كردفان خلال أكتوبر 2023، ولا تعول الحكومة في بورتسودان على الحقل الواقع تحت سيطرة هذه القوات بشكل كبير كما لم تسفر العملية عن أي محاولات للجيش السوداني لاستعادة السيطرة على المنطقة الاستراتيجية اقتصاديا.

حقل نفطي في ولاية الوحدة بجنوب السودان- الصورة: يوناميد

ويقول مهندس النفط محمد عبده، لـ(عاين): إن “حقل بليلة في غرب كردفان وصل ذروة إنتاجه قبل سنوات إلى 70 ألف برميل يوميا قبل أن يتراجع إلى 16 ألف برميل يوميا؛ بسبب الإهمال وتراجع الصيانة الدورية والاضطرابات السياسية والأمنية التي تؤثر في أداء وزارة الطاقة السودانية”.

ويرى عبده، أن الاحتياطي النفطي في حقل بليلة لا يقل عن 1.4 مليون برميل في باطن الأرض بينما أدت الحرب إلى تدهور كبير لهذه المنشآت النفطية الواقعة جنوب غرب كردفان وهي التي درجت على تغذية مصفاة الجيلي في الخرطوم بحري بشكل رئيسي خلال فترات ما قبل الحرب.

وأردف: “الحرب تسببت في توسيع استيراد السودان للوقود إلى بنسبة 90% بعد أن كان قد اقترب من وداع استيراد البنزين نتيجة تصاعد الإنتاج المحلي من حقول النفط الواقعة غرب البلاد”. ويعتقد المهندس في قطاع النفط محمد عبده أن إصرار قوات الدعم السريع للسيطرة على مدينة بابنوسة يعود إلى الاقتراب من حقل هجليج في غرب كردفان.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *