عام ونصف على مجزرة الابيض.. هل يفلت متهمي الدعم السريع من المحاسبة؟
بالرغم من الأدلة الدامغة في قضايا شهداء الثورة السودانية إلا أن هنالك تباطؤاً في تحقيق العدالة ومحاسبة الجناة المتورطين في ارتكابها، وبعد ما يقارب مرور العام ونصف على مجزرة الابيض في الـ29 يوليو 2019م بولاية شمال كردفان، الا أن القضية مازالت موضوعة أمام القضاء بالرغم من اكتمال التحريات المتعلقة بها ومعرفة الجناة المنتمين لقوات الدعم السريع.
عرفت هذه القوات منذ بداية تشكلها بارتكاب العديد من الجرائم في مناطق متفرقة من السودان، بالتركيز على أقليم دارفور باعتبارها القوات التي أنشأت من أجل إنهاء التمرد في الإقليم أبان عهد النظام البائد، كما امتد تأثيرها إلى ما بعد ثورة ديسمبر ونجاح السودانيين في تغيير النظام، وتاكيداً لذلك فقد شهدت الفترة الانتقالية العديد من الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع اضافة إلى جرائم الحرب في إقليم دارفور.
ما تزال قضايا شهداء الثورة السودانية منذ فض أعتصام القيادة العامة ماثلة بالنسبة للالف الذين بفضل ثورتهم السلمية استطاع السودانيين تخطى حكم الإسلاميين الذى أمتده إلى الـ30 عاما، الا أن الانتهاكات مازالت مستمرة بأيدي المليشيات المسلحة، ساعدها على ذلك الضعف الذي يشهده الجهاز القضائي في تحقيق مبدأ محاسبة الجناة في الجرائم التي ارتكبتها مجموعات عسكرية نظامية وغيرها والتي كانت تمثل أعمدة النظام السابق. و كما يحدث في الوقت الراهن مازالت المحاكم السودانية على طاولتها العديد من قضايا القتل والاختفاء على أيادي قوات الدعم السريع كحادثة بهاء في 16 ديسمبر الماضى، والشهيد حنفي
ضحايا الثورة في انتظار العدالة
منذ الثالث من يونيو 2019م والذي يوافق حادثة فض اعتصام القيادة العامة ووقوع أبشع أنواع العمليات الدموية بعد سقوط قتلى وجرحى أثناء فض اعتصام المحتجين أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم. والتى أدت إلى مقتل أكثر من 128 معتصماً، على أقل تقدير،وأصيب مئات آخرون، بينما لا يزال مصير عدد آخر مجهولاً.
جاءت سلسلة من الأحداث السياسية على راسها أعلن أنسحاب قوى إعلان الحرية والتغيير ووقف كافة الاتصالات مع المجلس العسكري كما دعت إلى العصيان المدني الشامل والمفتوح، بالاضافة الى تأجيل المباحثات الجارية آنذاك بين العسكريين وتحالف الحرية والتغيير لا سيما أن تجمع المهنيين السودانيين قد أعلن رفضه القاطع لما وصفه بالمساومة التي تقودها ألاجسام والهيئات المكونة للحرية والتغيير.
خرج المئات من طلاب وموطنى ولاية شمال كردفان من غير ترتيب معلن جراء سوء الأوضاع المعيشية في التاسع والعشرين من يوليو لعام 2019م في تظاهرة سلمية مطالبين بضرورة رفض ما أسفرت عنه مفاوضات تحالف الحرية والتغيير والعسكريين ووصفته بتقسيم السلطة خلال الفترة الانتقالية، وطالبت بالكشف عن مرتكبي مجزرة القيادة العامة وتقديمهم للعدالة، بالاضافة للمطالبة بتوفير الخدمات الاساسية من خبز ومياه و توفير المواصلات من واماكن سكنهم.
جاء ذلك قبل يوم واحد من أستئناف التفاوض المقررة في 28 من يوليو لبحث المسائل المتعلقة بتشكيل حكومة مدنية في المرحلة الانتقالية والتى لاحقاُ في أغسطس 2019، بدأ السودان على أثرها مرحلة انتقالية تستمر 39 شهرا، يتقاسم خلالها السلطةَ كلٌّ من المجلس العسكري، وقوى إعلان الحرية والتغيير، وتنتهي بإجراء انتخابات.
تقدم طلاب المدارس ومئات المواطنين صفوف الاحتجاجات التي عرفت بمجزرة الابيض والتي راح ضحيتها 6 قتلى 5 منهم طلاب بالمرحلة الثانوية ومايفوق 100جريح برصاص قوات الدعم السريع المتمركزة نواحي البنك الفرنسي. والتى أستخدمت انواع مختلفة من الاسلحة، وكالعادة مازالت هذه القوات تفلت من المحاسبة على الرغم من الادالة والبينات التى توضح مدى الانتهاكات التى تمارسها ضد المدنيين.
أسرة الشهيد سالم الفاتح سالم
جلست عاين مع أسرة الشهيد سالم الفاتح سالم احد الذين أقتيلوا بشمال كردفان في محاولة للتعرف على سير المحكمة والوقوف حول مدى التغييرات التي شهدها الجهاز القضائي عقب سقوط نظام البشير، ويعلق والد القتيل بعد طول أنتظار في أن يفصل القضاء في أنصاف أسرته والقصاص إلى مقتل الابن قائلاً :”تحدثنا مراراً من خلال المنصات الاعلامية من قنوات وصحف الا أن قضية شهداء الثورة مازالت عالقة بالرغم من وضوح حيثيات القضايا، ومعرفة الجاني منذ البداية عن طريق الأدلة الجنائية.
تحدث فريق عاين إلى محامي الاتهام في هذه القضية الاستاذ عثمان حسن أحمد والذى أوضح قائلاً:” عقب الـ29 يوليو تم تقييد بلاغ ضد مجهول بالرغم من معرفة كل مواطنى الابيض من الذى أطلق النار على المتظاهرين، ولكن عبر المتابعة استطعنا تحديد من هم المسؤلين،من الحادث وعددهم 9 أفراد من قوات الدعم السريع المتمركزة بالبنك ومن ثم بدأت إجراءات التحرى في مواجهتهم”.
ويضيف عثمان:” بعد مرور شهرين تمت إحالة القضية إلى المحكمة والتى واجهنا فيها بعض المعاكسات ومحاولات لتعطيل البلاغ والتي أدت بهيئة الدفاع إلى مقابلة رئيسة القضاء وقد جاء توجيهها بضرورة المباشرة في انعقاد الجلسات ومتابعة سير القضية لضمان توفير محاكمة عادلة. وقد بدأت جلسات المحكمة بالفعل في يوليو 2020م والتى بلغ عدد جلساتها 13 جلسة قدمت فيها هيئة الاتهام كل البينات والمستندات الطبية، بالاضافة الاستماع إلى شهود العيان.
ومن خلال الجلسات الاخيرة طالبت هيئة الدفاع عن المتهمين جلسة لا ستجواب المتهمين أعقبها جلسة لمشاهدة الفيديوهات والتسجيلات في الـ10 من ديسمبر الماضى، وبناءاً عليها وجهت المحكمة الاتهام تحت المادة21/ 130من القانون الجنائي1991م الاشتراك في تنفيذ أو أرتكاب جريمة القتل العمد. ويعلق المحامي بالقول في هذا الشأن:” ترى هيئة الاتهام ماتم تقديمه من بينات وبشهادة الخبراء بالإضافة الأدلة التي تم جمعها من التحري كافية في تحقيق العدالة للشهداء”.
حصانة قادة الجيش
ووفق التحقيق الذي أعده مركز الارشيف السوداني بالشراكة مع مختبر تحقيقات مركز حقوق الإنسان في جامعة كاليفورنيا في مايو من العام 2019م والذى يوضح مدى تعرض المدنيين والطلاب الذين يحتجون على الحكم العسكري ويدعون إلى الانتقال إلى الحكم المدني لهجوم عنيف من قبل أفراد قوات الأمن.
فقد بدأت احتجاجات الأبيض في 29 يوليو مرتجلة. وقد جرت قبل يوم واحد فقط من تعيين قادة المعارضة المدنية والجيش من المجلس الانتقالي لتجديد المحادثات حول تقاسم السلطة خلال الفترة الانتقالية. وكان الجانبان قد وقعا بالفعل اتفاقا في 17 يوليو يحدد مؤسسات المرحلة الانتقالية وإنشاء مجلس مدني – عسكري مشترك. ولكن قبل التوصل أخيرا إلى اتفاق لتقاسم السلطة في 17 أغسطس، توقفت المحادثات بسبب الخلاف على نسب التمثيل في المجلس السيادي الذي تم تشكيله لحكم البلد. كما اختلف الجانبان على الإعلان الدستوري الذي من المفترض أن يحدد هياكل الفترة الانتقالية، وإعادة نشر القوات، وحصانة قادة الجيش الذين كانوا على صلة بجرائم ضد المتظاهرين.
إصلاح الجهاز القضائي
وفي ما يتعلق بالجهاز القضائي يقول:” لحق بالجهاز القضائي الخراب عن طريق سياسة التمكين وأستبعاد النزيهين والشرفاء مثله مثل العديد من المؤسسات والأجهزة الحكومية الأخرى، والتي تحتاج إلى عمليات أصلاح شاملة، وفي هذه القضية الماثلة ومع اكتمال الأدلة إلا أن هنالك عراقيل واضحة من بعض القضاة المعروفين بولاية شمال كردفان بهدف تعطيل أجراءات البلاغ. مما أدى إلى أستبدال القاضى ومباشرة مولانا محمد حسن رحمة”
ويشير إلى ضرورة مراعاة وأعادة النظر حول المعايير والموهلات التي يجب توفرها في العاملين داخل الجهاز القضائي حتى يضمان ذلك حياد وأستقلالية القضاء بعيداً عن الولاءت والانتماءات الحزبية على حد وصفه