“الجواز السوداني لا يعبر بكاودا” .. أزمة وثائق على طريق النجاة من كادوقلي

عاين- 26 ديسمبر 2025

بعد رحلة نزوح استغرقت شهراً كاملاً تمكنت أم خيال بدر من الوصول إلى عاصمة دولة جنوب السودان جوبا، قادمة من كادوقلي في ولاية جنوب كردفان التي تخضع إلى حصار شديد من قبل الحركة الشعبية – شمال قيادة عبد العزيز الحلو، وقوات الدعم السريع، وذلك بعدما خاضت مغامرة كبيرة بالسير عبر طرق وعرة شديدة الخطورة، في سبيل النجاة من الحرب المحتدمة في جنوب كردفان.

ولم يكن أمام أم خيال خيارات كثيرة، فهناك مسارات محدودة تمر جميعها بمناطق سيطرة الحركة الشعبية – شمال، وعندها اصطدمت بأن سلطات الجيش الشعبي لا تعترف بالجواز السوداني كوثيقة سفر، وعلى النازحين الراغبين في العبور إلى دولة جنوب السودان التخلص منه، واستخراج وثيقة سفر من السلطات المدنية في كادوا أو دولو أو أي من مناطق السيطرة الأخرى، وهي إجراءات تأخذ وقتاً طويلا؛ مما عرقل عبور آلاف الفارين لأسابيع وأشهر، وفق ما روته هذه السيدة لـ(عاين).

ومع تزايد الحصار والتصعيد العسكري في ولاية جنوب كردفان، يواصل السكان الفرار من مدينتي الدلنج وكادوقلي وهما الأكثر تأثرا بهذا الصراع، وينزح غالبيتهم جنوبا نحو مناطق سيطرة الحركة الشعبية – شمال والوصول إلى منطقتين رئيسيتين هما أم دولو وكاودا لإكمال الإجراءات، بينما يعبر بعضهم إلى معسكر إبدا للاجئين في دولة جنوب السودان، وسط صعوبات كبيرة يعيشونها بسبب محدودية المسارات التي يسلكونها.

وجهزت الحركة الشعبية – شمال مركزا لاستقبال النازحين الفارين من الدلنج وكادوقلي في منطقتي تنقلي وأم دولو، من ثم يُنْقَلُون إلى ثلاثة معسكرات في مقاطعة إنبونق الخاضعة لسيطرتها، وهي معسكري سوق أم دولو، وأقيري ببيام “نقوربان” التي تأوي حتى الآن عدد 10525 الف نازح، ومعسكر أنبل الذي يأوي 17190 نازحاً، وفق مصدر تحدث مع (عاين).

مسارات النجاة

واختارت أم خيال بدر التوجه من كادوقلي إلى تنقلي؛ ومن ثم منطقة أم دولو بدلاً عن كادوا بعدما أبلغها أقاربها أن إجراءات العبور ستكون أسهل من كاودا التي اتسمت بالصعوبة، حيث مكثت أسبوعين هناك، قبل أن تتمكن من الوصول إلى مخيم إبدا للاجئين في دولة جنوب السودان والانتقال إلى العاصمة جوبا، إذ حصلت على المساعدة من منظمات إنسانية عاملة في المنطقة.

تجمع مواطنون في أحدى مناطق جنوب كردفان

وتقول أم خيال في مقابلة مع (عاين) إنها كانت محظوظة بالوصول إلى جوبا غضون شهر، وقد تركت خلفها آلاف النازحين في مناطق سيطرة الحركة الشعبية، وهم يقضون شهورا في انتظار الحصول على أوراق تمكنهم من السفر إلى دولة جنوب السودان، في الوقت الذي لا يواجه فيه الراغبون في الاستقرار بمناطق سيطرة الحركة الشعبية أي عقبات، بخلاف تدهور الأوضاع الإنسانية، حيث تُقدم بعض المساعدات مثل الخيام والسلال الغذائية.

وتكشف مصادر محلية لـ(عاين) صعوبات كبيرة تواجه السكان الراغبين في مغادرة مدينتي الدلنج وكادوقلي في ولاية جنوب كردفان، وسط مسارات محدودة للخروج؛ بسبب الحصار المُحكم الذي تفرضه الحركة الشعبية – شمال، وحليفها في تحالف السودان التأسيسي، قوات الدعم السريع، وما يصاحب ذلك من مآسي إنسانية.

وبحسب المصادر، فإنه توجد ثلاثة مسارات لخروج السكان من كادوقلي، وهي التوجه إلى منطقة سرف الضي، ومنها إلى أم دولو، والمسار الثاني هو طريق توبو بمقاطعة البرام، بينما يذهب المسار الثالث من كادوقلي إلى حجر الجواد، ومنها إلى تنقلي بمقاطعة دلامي في الجزء الجنوبي الشرقي من ولاية جنوب كردفان.

أما الخروج من الدلنج فهو الأصعب لمحدودية الخيارات مقارنة بالوضع في كادوقلي، حيث تقطع قوات الدعم السريع الطريق الشرقي المؤدي إلى هبيلا، والمسار الشمالي المؤدي إلى الأبيض في ولاية شمال كردفان، وتبقى لهم المسار الغربي الذي يمكن التسلل عبره سيراً على الأقدام حتى الوصول إلى منطقة النيتل الخاضعة إلى سيطرة الحركة الشعبية- شمال، كذلك توجد بعض الطرق الفرعية، لكنها تتطلب معرفة شديدة قبل سلكها، بالتوجه إلى الكرقل، ومنها إلى كركندي أو الرجول والسير على الأقدام مسافة تبلغ 4 ساعات على الأقل.

ووفق شهادات جمعها مراسل (عاين) أن معظم النازحين من جنوب كردفان يصلون إلى مناطق البرام وأم دولو وكاودا وهي كُبرى المدن الخاضعة إلى سيطرة الحركة الشعبية، لكن سكان الدلنج يمكنهم الوصول إلى منطقة تنقلي بمقاطعة دلامي ليستخرجوا منها استخراج الأوراق التي تمكنهم من العبور إلى كادوا وأم دولو التي يبدأ منها السفر إلى معسكر إبدا للاجئين في دولة جنوب السودان.

أزمة الوثائق

وبعد رحلات فرار قاسية، يصطدم النازحون من جنوب كردفان بعقبة أن الجواز السوداني غير معترف به في مناطق سيطرة الحركة الشعبية – شمال، وعلى كل من يرغب في العبور إلى داخل دولة جنوب السودان، يستوجب عليهم الحصول على أوراق سفر من سلطات الحركة الشعبية، ويلزموا بالتخلص من وثائقهم السودانية بما في ذلك الجواز والرقم الوطني.

وبحسب نازح تحدث مع (عاين) فإن الوثيقة التي تستخرجها سلطات الحركة الشعبية – شمال بعد إجراءات ووقت طويل، تمكن النازح من الوصول إلى مخيم إيدا فقط، ولا تتيح له السفر إلى جوبا، ومن إيدا تبدأ معاناة جديدة في الحصول على وثائق تمكنهم من السفر، بينما يستطيع البعض استخدام جوازات سفرهم السودانية حال استطاعوا الاحتفاظ بها، بينما يُسمح للنازحين المنتمين إلى النوبة بالعبور إلى جوبا عبر “وثيقة شعب النوبة” التي تستخرج من معسكر إبدا بمبلغ 20 دولاراً وهي نتاج اتفاق بين سلطات الحركة الشعبية – شمال، ودولة جنوب السودان.

جانب من مدينة الدلنج

وتروي النازحة مريم عبد النبي قصة خروجها من كادوقلي مطلع هذا الشهر مع زوجها وأبنائها الاثنين، حيث تمكنت من الوصول إلى سرف الضي، ومنها إلى أم دولو وصولا إلى مخيم إيدا في دولة جنوب السودان.

وتقول لـ(عاين): “لقد فقدنا جوازات سفرنا، وكانت الإجراءات الخاصة بالوصول إلى أم دولو معقدة، كما أن استخراج تصاريح المرور ووثائق السفر من أم دولو يستغرق وقتا طويلاً، وعند وصولنا إلى مخيم إيدا واجهتنا مشكلة الوثائق التي تمكننا من السفر إلى جوبا، ليس وحدنا فهناك كثير من الناس أخذت منهم جوازات سفرهم وأرقامهم الوطنية في مناطق الحركة الشعبية”.

وتضيف: “نحن نخطط للوصول إلى أوغندا حيث تقيم أسرتنا الكبيرة في مخيم بيالي للاجئين، وفي معسكر إيدا من الصعب الحصول على وثائق سفر إلى النازحين من غير أهلية النوبة، التي يسمح لها بالسفر بموجب وثيقة شعب النوبة، حيث يُطرح سؤال القبيلة ضمن الإجراءات”.

وبحسب شهادات رصدتها (عاين) فإن معظم الفارين من مدينتي الدلنج وكادوقلي عائلات لديهم طلاب في مختلف المراحل الدراسية بما في ذلك الجامعة والمتوسطة، ويضطر غالبيتهم الاستقرار في مناطق سيطرة الحركة الشعبية –شمال، نسبة إلى أوضاعهم المالية التي لا تسمح لهم بالسفر إلى الخارج.

تُهم التخابر

وعاش الفارون من الدلنج وكادوقلي تجارب متفاوتة في رحلة النزوح، فبعضهم كانوا محظوظين، ووصلوا إلى وجهاتهم خلال فترة قصيرة، وآخرون قضوا أشهر في تكملة الإجراءات والحصول على وثائق سفر. ويقول رجب – اسم مستعار لنازح من أبوجبيهة، إنه “قضى 37 يوماَ في تنقلي بغرض تكملة إجراءاته للوصول إلى معسكر إلى إيداء في دولة جنوب السودان”.

وقال رجب لـ(عاين): “يخضع الشباب الفارين من جنوب كردفان، ويرغبون في العبور إلى جنوب السودان إلى تفتيش شديد، وتوجه إلى بعضهم اتهامات بالانتماء إلى الأجهزة الأمنية السودانية، ومحاولة التسلل إلى مناطق الحركة الشعبية لتقديم خدمات استخباراتية، وعلى الدوام يسألونهم: لماذا تريدون الذهاب، لماذا لا تريدون البقاء هنا؟ في مناطق سيطرة الحركة”.

ويشير رجب إلى أن الحركة الشعبية – شمال ترغب أن يظل النازحون داخل مناطق سيطرتها دون العبور إلى معسكرات اللجوء في دولة جنوب السودان، حتى تتمكن من إعادتهم سريعاً إلى كادوقلي والدلنج لتعيرهما حال تمكنت من السيطرة عليهما. لافتاً إلى أنه لا يذهب كل الفارين إلى جنوب السودان، وإنما ينزح بعضهم إلى ولاية النيل الأبيض عبر السير من تنقلي إلى كرتالا بالجبال الستة، بينما يستقر آخرون في مناطق سيطرة الحركة رغم صعوبة الأوضاع الإنسانية.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *