هل يتحول السودان إلى مسرح صراع إقليمي مفتوح؟

عاين- 22 ديسمبر 2025

بعد ما يقارب الثلاث سنوات من الحرب المدمرة في السودان، باتت البلاد أمام احتمال التحول إلى ساحة مواجهة عسكرية مباشرة بين قوى إقليمية ودولية، كانت تدير الصراع بالوكالة عبر أطراف القتال في الداخل السوداني، وهو السيناريو الأخطر في مجريات الحرب لكونه يطيل أمدها، في الوقت الذي يتطلع فيه سكان هذا البلد إلى عودة الاستقرار.

تلك التحولات بدأت ملامحها مع تلويح مصر – أحد أبرز داعمي الجيش السوداني في المنطقة، بالتدخل المباشر في القتال بالسودان، حال تم تجاوز ما أسمته بالخطوط الحمراء، المتصلة بأمنها القومي، وذلك من خلال اتفاقية دفاع مشترك وقعتها مع الجيش في وقت سابق، الأمر الذي يفتح في المقابل الباب أمام داعمي قوات الدعم السريع بالتدخل لمساندته.

ورغم الشكوك التي تحوم حول قدرة مصر على تنفيذ تهديداتها بالتدخل العسكري في السودان، إلا أن تصعيدها الذي يعتبر الأول من نوعه، يوحي بتباعد مواقف الدول الإقليمية الداعمة لكل من الجيش وقوات الدعم السريع حول خطة التسوية السلمية التي طرحتها الولايات المتحدة الأمريكية ومجموعة الرباعية، مما يقود إلى مزيد من تطاول أمد الصراع.

وتكشف التهديدات المصرية عن خيوط متشابكة مع الموقف السعودي، فهي جاءت عقب زيارة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان إلى المملكة العربية السعودية، والقاهرة، فضلا عن تزامنها مع تحولات في موقف الرياض من المساندة المتحفظة للجيش إلى الدعم العلني، إذ تحدثت تقارير هذا الشهر عن تمويل المملكة السعودية صفقة سلاح من باكستان لصالح الجيش السوداني، وهو ولم تؤكده أو تنفيه السلطات السعودية.

ولم يعد خافياً تأثر الصراع في السودان، بالتباينات وسط الدول الإقليمية المساندة للجيش، مصر وتركيا وقطر والسعودية، ومساندي قوات الدعم السريع وهي الإمارات وليبيا – حفتر، وإثيوبيا، وبعض الدول الإفريقية، حيث يوجد خلاف سعودي إماراتي حول الوضع في جنوب اليمن، بينما تتصارع مصر وإثيوبيا في ملف سد النهضة، وهي تقاطعات تلقي بظلالها على الأزمة في السودان.

ساحة تقاطعات

قرار وقف الحرب لم يعد بيد أطراف المحليين، بل بات مرهوناً بإرادات إقليمية ودولية تعامل مع السودان كساحة نفوذ لا كدولة ذات شعب وحقوق

 محلل سياسي

هذه الافتراضات، يدعمها المحلل السياسي فؤاد عثمان، والذي يرى أن “ما يجري في السودان لم يعد مجرد صراع داخلي أو حرب وكالة بالمعنى التقليدي، بل تحوّل، مع تطاول أمده، إلى حرب ذات طابع انقسامي عميق، وبامتدادات إقليمية ودولية واضحة. الأرض السودانية أصبحت ساحة لتقاطع مصالح خارجية متعددة، بينما يدفع المدنيون وحدهم ثمن هذا الانسداد السياسي والعسكري”، فالأخطر في هذه المعادلة –حسب تقديره- أن قرار وقف الحرب لم يعد بيد أطرافها المحليين فقط، بل بات مرهونًا بإرادات إقليمية ودولية لا تزال تتعامل مع السودان كساحة نفوذ لا كدولة ذات شعب وحقوق.

ويقول عثمان في مقابلة مع (عاين): إن “التصريحات المصرية الأخيرة، وما صاحبها من تلويح بالتدخل العسكري، ينبغي قراءتها في إطار الضغط السياسي وإعادة التموضع الإقليمي، أكثر من كونها استعدادًا فعليًا لحرب مباشرة. فالتجربة تؤكد أن منطق الخطوط الحمراء غالبًا ما يُستخدم لإرسال رسائل ردع، لا لفتح جبهات جديدة، خاصة في ساحة معقدة ومفتوحة مثل السودان، حيث لا يوجد حسم عسكري ممكن دون كلفة باهظة وتداعيات إقليمية خطيرة”.

ويرى، أن أي تصعيد لفظي أو تلويح بالتدخل من طرف إقليمي، يفتح الباب أمام تدخلات مضادة من أطراف أخرى داعمة لأطراف الحرب، وهو ما ينذر بتحويل السودان إلى مسرح صراع إقليمي مفتوح، لا رابح فيه سوى تجار الحروب، فيما تتضاعف المأساة الإنسانية ويتعمق تفكك الدولة والمجتمع.

فيما يتعلق بملف هيكلة الجيش، يبدو أن المقاربة الإقليمية، بما فيها المصرية، تنطلق من هاجس “الاستقرار” بمعناه الأمني الضيق، لا من معالجة جذور الأزمة السودانية. أي هيكلة تُختزل في إعادة ترتيب موازين القوة داخل المؤسسة العسكرية، دون ربطها بمشروع سياسي مدني ديمقراطي، لن تُنهي الحرب، بل ستعيد إنتاجها في صورة أخرى، بحسب فؤاد عثمان.

مخرج الأزمة

وتابع فؤاد عثمان “الخروج من هذا المأزق لا يكون بمزيد من العسكرة أو التهديد باستخدام القوة، بل بإعادة الاعتبار للسياسة كأداة لحل النزاعات، وبوقف الحرب فورًا، وتجفيف منابع دعمها الإقليمي، وإطلاق عملية سياسية شاملة تضع مصلحة السودانيين وكرامتهم الإنسانية في المقام الأول. السودان لا يحتمل أن يكون ساحة لحروب الآخرين، ولا يمكن إنقاذه إلا بإرادة سلام حقيقية، داخلية ومدعومة إقليميًا ودولي”.

وخلال أكثر من 10 سنوات، ظلت مصر تهدد بتنفيذ عمليات عسكرية على سد النهضة الإثيوبي الذي تعارض بناءه على مجرى النيل الأزرق خشة على أمنها المائي، وهو ما عده البعض كمؤشر على أن ما تقوم به القاهرة مجرد تهديدات لتحقيق ضغط سياسي، لكن ثمة من يعتقد أن الوضع مع السودان مختلف عن إثيوبيا، مما يجعل التدخل فيه أمراً وارداً.

حرب مصر على إثيوبيا كانت مرفوضة من القيادة السياسية لأسباب عديدة من بينها دعم دول عظمى لمشروع سد النهضة، لكنها تدخلها في السودان سيكون بضوء أخضر وهو سيناريو راجح

 خبير عسكري

ويشير الخبير العسكري المصري، اللواء محمد عبد الواحد، إلى أن الحرب العسكرية على إثيوبيا كانت مرفوضة من القيادة السياسية في مصر لأسباب عديدة أتوقع أنها متعلقة بطبيعة النظام الدولي وجهود من دول عظمى كانت تدعم سد النهضة، ففي السودان يمكنها التدخل بضوء أخضر، حتى يكون هناك مبرر للتدخل في شؤون داخلية، وهو سيناريو مرجح – حسب تقديره.

وقال في مقابلة مع (عاين): إن “مصر تملك القدرة على التدخل العسكري في السودان إذا تعرض أمنها القومي للخطر، وحمل البيان الصادر من وزارة الخارجية هذا التلميح ووضع خطوط حمراء حال تجاوزها يكون من حق القاهرة تتدخل وفق القانون الدولي الذي يسمح بذلك، حيث تتحدث المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة عن حق الدول في الدفاع عن نفسها، لافتاً إلى أن الأمن القومي المصري مرتبط بالأمن القومي السودان، فلا تسمح بإضعاف الجيش والدولة، لتأثير ذلك على أمنها القومي، حدودي أو مائي، بالإضافة إلى ذلك هناك اتفاقية دفاع مشترك لوحت مصر بتفعيلها، وهي تم توقيعها في 2021، وتم تحديثها في نوفمبر الماضي.

وفي المقابل، فإن الدول الحليفة لقوات الدعم السريع غير قادرة على التدخل المباشر لمواجهة مصر حال دخلت، لكن يمكنهم التوسع في تغذية الدعم السريع بالمرتزقة، كذلك تمكينه من الضرب بالمسيرات داخل الأراضي المصرية، ومحاولة جر الجيش المصري لهذا النوع من الصراع، لكنه يعتبر أقوى الجيوش في المنطقة، ويمكنه التعامل مع ذلك، بحسب محمد عبد الواحد.

تقويض الطموحات

ويعتقد عبد الواحد، أن الحرب في السودان نتاج صراع جيوسياسي بين الولايات المتحدة الأمريكية والغرب من جهة، وروسيا والصين وإيران من جهة أخرى، وهذا الأمر واضح، فواشنطن تدير الصراع من على البعد وعبر وكلاء لها في المنطقة، وهي تهدف من ذلك تقليل التواجد الروسي ومنع فكرة إنشاء مواني وقواعد روسية في بورتسودان، وتقويض الطموحات الصينية في الاستثمارات.

وشدد أن الصراع تحركه دول إقليمية منذ بدايته بما في ذلك ليبيا، تشاد، إثيوبيا والإمارات تساعد الدعم السريع، في مقابل دول منها مصر، تركيا تساند الجيش وفق ضوابط معينة، حتى لا يحسب أنه تدخل في الشؤون الداخلية للسودان.

وفي ظل هذه التحركات، تمارس الولايات المتحدة الأمريكية ضغوطاً مكثفة لوقف إطلاق نار في السودان كمدخل لإنهاء الحرب في البلاد. وقال وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، الجمعة الماضي، إن الهدف الرئيسي والفوري لواشنطن في السودان هو التوصل إلى وقف للأعمال العدائية مع بداية العام الجديد، بما يتيح للمنظمات الإنسانية إيصال المساعدات إلى المتضررين.

خيارات مفتوحة

وتقرأ الأكاديمية السودانية، د. رجاء شوكت التهديدات المصرية في سياق الصراع مع دول إقليمية، فهي تخاطب الجوار الإقليمي أكثر من الداخل السوداني، وفي المقابل نقل العلاقات مع النظام السوداني إلى اتجاه مختلف عن ما كانت عليه في السابق، وتشير إلى أن تغير لغة الخطاب المصري بعد مضي نحو 3 سنوات من الحرب، قد يقود صراحة إلى تشكيل خطة دفاع مشترك مع السودان.

كل الخيارات مفتوحة أمام المعركة القادمة في السودان، ويحدد المسار تقاطعات ومصالح الدول الإقليمية ونتائج المعارك العسكرية على الأرض

 أكاديمية

وتعتقد شوكت خلال مقابلة مع (عاين) أن مصر تملك القدرة على التدخل العسكري في السودان، لكن يظل هو الخيار الأخير الذي ستلجأ إليه، كما أنه لا يوجد شبه بين تهديداتها السابقة لإثيوبيا في سياق الصراع المائي مع الحالة السودانية، فلا توجد عناصر مشتركة – حسب تقديرها.

وتقول: “لا توجد علاقة مباشرة بين التحرك المصري والخلاف السعودي الإماراتي، وربما الزيارة المتتالية للبرهان تعبر عن سرعة التحرك لحل الأزمة، والتحرك المصري سابق لخارطة الرباعية لحل الأزمة، وليس نتاجاً لها”.

بالنسبة لـ شوكت، فإنه من الصعب التنبؤ بشكل المعركة القادمة في السودان الذي عاش بالفعل أحد أكثر الصراعات تدميراً وعنفاً، كما يصعب معرفة ما تحمله رياح الأدوار الإقليمية وتقاطعات مصالحها مع تقلبات نتائج المعارك العسكرية على أرض الواقع، فالمستقبل مفتوح أمام كافة الاحتمالات والخيارات.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *