عقوبات أوروبية ضد “عبد الرحيم دقلو”.. أداة رمزية أم ضغط فعّال؟

عاين- 1 ديسمبر 2025

فرض الاتحاد الأوروبي مؤخراً، عقوبات على قائد ثاني قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو أثار جدلاً حول فعاليتها وأهدافها. وفيما يُعتقد أن هذه الإجراءات تمثل خطوة نحو المساءلة، لكنها تواجه قيودًا عملية وسياسية.

يقول المستشار قانوني بمركز راؤول والنبيرغ لحقوق الإنسان، معتصم أبو البشر علي إن العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على عبد الرحيم دقلو تستند إلى الإطار القانوني العام الذي يستخدمه الاتحاد في تدابيرِه المقيّدة، وهي تعديلات على اللوائح السابقة التي شملت فاعلين سودانيين، من شركات وأفراد تابعين للدعم السريع والقوات المسلحة. ويشير إلى أن هذه التدابير لا تُنشئ نظاماً جديداً، بل تُحدّث قوائم قائمة بالفعل، وتُلزم جميع الدول الأعضاء في الاتحاد بتنفيذها بحكم صفتها القرارية.

ويضيف في حديثه لـ(عاين): أن “الجانب المختلف هذه المرة هو خروج الاتحاد الأوروبي عن نمطه التقليدي في فرض العقوبات بالتساوي على الأطراف المتحاربة. فالاتحاد درج سابقاً على استهداف شركات وأفراد من الجانبين بالعدد نفسه، باعتبار أن طرفَي الحرب مسؤولان عن انتهاكات واسعة. لكن في حالة عبد الرحيم دقلو، اختار الاتحاد الأوروبي استهدافه منفرداً، مستنداً إلى تقارير تشير إلى دوره المباشر في العمليات العسكرية والانتهاكات واسعة النطاق في الفاشر ومحيطها.”

العقوبات جاءت لدور عبد الرحيم المباشر في الانتهاكات واسعة النطاق في الفاشر

مستشار قانوني بمركز راؤول والنبيرغ لحقوق الإنسان

ويؤكد أبو البشر، أن الاتحاد الأوروبي استند في تبرير القرار إلى أن عبد الرحيم دقلو يتحمل مسؤولية قيادية في تلك العمليات، وأن وجوده في مسرح الأحداث أو إشرافه عليها يرتّب عليه مسؤولية فردية بموجب المعايير التي يعتمدها الاتحاد في تحديد الأشخاص الخاضعين للعقوبات. كما يلفت إلى أن العقوبات تشمل قيود السفر وتجميد الأصول، وهي إجراءات تهدف عملياً إلى تعطيل قدرة الشخص المستهدف على الوصول إلى مصادر التمويل أو الحركة عبر الدول الأوروبية.

أهمية العقوبات ومحدوديتها

يرى أبو البشر أن هذه العقوبات تمثل خطوة مهمة باتجاه المساءلة، لأنها تؤكد مبدأ عدم إفلات مرتكبي الانتهاكات من العواقب حتى إن كانوا خارج نطاق ولايات الاتحاد الأوروبي. ويشبّهها بأنظمة العقوبات الفردية التي يعتمدها مجلس الأمن في بعض الحالات، رغم أن عقوبات الاتحاد ليست ملزمة دولياً خارج حدوده. لكنه يضيف أنها تسهم في تعزيز منطق المحاسبة، خاصة حين تترافق مع إجراءات مشابهة من دول أخرى.

ويشير إلى أن الواقعية في تنفيذ العقوبات تعتمد على أن الاتحاد الأوروبي ملزم بالكامل بمنع دخول الأشخاص المدرجين إلى أراضيه ومنع تعاملهم مع أي مؤسسات مالية داخل نطاقه. غير أن فعالية العقوبات قد تبقى محدودة إذا كان الشخص المستهدف لا يسافر ولا يملك أصولاً ظاهرة في أوروبا. لذلك يعتبرها خطوة مهمة لكنها غير كافية، وتحتاج إلى أدوات أخرى مكمّلة، خصوصاً في حالة اقتصاد حرب مثل السودان يعتمد على الذهب والتهريب وشبكات إقليمية خارج الأطر المالية الرسمية.

نائب قائد قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو في حفل توقيع الاتفاق الاطاري- ارشيف

ويؤكد أن هذا النوع من العقوبات يصبح أكثر تأثيراً حين يكون جزءاً من جهد دولي أوسع. فعبد الرحيم دقلو معاقب بالفعل من الولايات المتحدة وكندا، وهناك نقاش في المملكة المتحدة حول اتخاذ خطوات مشابهة. ويرى أن تراكم العقوبات من عدة دول      (“multilateral pressure”)  يزيد من قوتها الرمزية والعملية، ويحدّ من قدرة الشخص أو الكيان المعاقَب على الحركة والتمويل، ويفتح الباب أمام تنسيق دولي أكبر.

العقوبات وعلاقتها بالانتهاكات

يعتبر أبو البشر أن العقوبات الأوروبية الأخيرة مرتبطة بتصاعد الانتهاكات، خصوصاً في الفاشر، وما أثارته من قلق دولي انعكس في بيانات مجموعة السبع، ووزراء خارجية الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة ودول أوروبية وأستراليا. ويرى في ذلك مؤشراً على استعداد دولي متزايد للدخول في مسار أكثر تنسيقاً تجاه ملف الانتهاكات في السودان.

لكن بالرغم من ذلك، يؤكد أن العقوبات وحدها غير كافية لتغيير سلوك قيادة الدعم السريع، لأنها لا تستهدف فقط الأفراد، بل يجب أن تطال شبكات التمويل والشركات والدول التي تمكّن استمرار الحرب. ويرى أن تجفيف مصادر التمويل هو الخطوة الأكثر تأثيراً، لأن الحرب في السودان تستند إلى بنية اقتصادية كبيرة ومعقدة تتجاوز الأسماء الفردية.

العقوبات وحدها غير كافية لتغيير سلوك قيادة الدعم السريع

 مستشار قانوني بمركز راؤول والنبيرغ لحقوق الإنسان

وفي تقييمه لإمكانية أن تغيّر العقوبات سلوك القيادة، يشدد أبو البشر على أنها تمثل أداة مهمة ضمن أدوات الضغط، وقد تتراكم آثارها بمرور الوقت، لكنها تحتاج إلى أن تُستكمل بإجراءات أخرى سياسية وقانونية واقتصادية. ويضيف أن الاستهداف لا ينبغي أن يقتصر على الدعم السريع وحده، بل يجب أن يشمل كل من يثبت تورطه في الانتهاكات مهما كان موقعه، بما في ذلك عناصر من القوات المسلحة الذين طالتهم عقوبات مشابهة سابقاً، وحتى قادة مثل البرهان وحميدتي الذين فرضت عليهم واشنطن بالفعل إجراءات عقابية.

الجانب السياسي للعقوبات

قالت المحللة السياسية السودانية والمديرة المؤسسة لمركز “كونفلونس أدفايزوري، خلود خير “، إنّ العقوبات الأوروبية تأتي في سياق محاولة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إظهار قدر من الجدية في التعاطي مع الملف السوداني، بعد اجتماعات متكررة تناولت الحرب والانتهاكات.

وأشارت في حديثها لـ(عاين) إلى أنّ واشنطن تحديدًا تحاول إعادة ترسيخ نفسها كطرف فاعل في بيئة دولية متغيّرة، رغم أنها لم تكن تاريخياً الأكثر التزاماً بملفات حقوق الإنسان.

وأضافت خير أنّ عبد الرحيم دقلو نفسه خضع لعقوبات أمريكية في أوقات سابقة، وأن فرض عقوبات جديدة عليه ليس حدثاً كبيراً من ناحية الأثر المالي المباشر، لأن ممتلكاته في الولايات المتحدة محدودة. لكنها شددت على أن أهمية الخطوة تكمن في كونها إشارة سياسية تُظهر أن واشنطن وبروكسل مستمران في بناء ملف قانوني وسياسي ضد قادة الدعم السريع، وأن هذه الإجراءات جزء من عملية أوسع تتدرج ببطء شديد بسبب المتطلبات القانونية المعقدة داخل الولايات المتحدة.

جنود من الدعم السريع في الفاشر- الصورة مواقع التواصل الاجتماعي

وأوضحت خلود خير أن عبد الرحيم قادر على الالتفاف على العقوبات الأمريكية، مشيرةً إلى أن أمواله وشبكات تمويل الدعم السريع ليست متمركزة في الولايات المتحدة، بل في الخليج – خصوصاً الإمارات – وبعض المناطق الأخرى. لذلك، لا تتوقع أن تكون للعقوبات تأثيرات مالية كبيرة عليه أو على تمويل الميليشيا.

وقالت خير إن القيمة الحقيقية للعقوبات سياسية بالدرجة الأولى، لأن عبد الرحيم يسعى إلى ترسيخ نفسه كقائد سياسي بعد الحرب، لا كقائد ميليشيا فقط. ولذلك فإنّ تراكم الإجراءات ضده ينتقص من شرعيته ويحد من محاولاته تقديم نفسه كشخصية يمكن التعامل معها إقليمياً ودولياً. وترى أن العقوبات تُستخدم هنا كأداة رمزية تُضعف موقعه في مفاوضات المستقبل، أكثر من كونها تضرب شبكاته المالية بشكل مباشر.

تأثير العقوبات على الموقف الدولي

وبيّنت خلود خير أن الضغط الحقيقي لا يتولد من العقوبات وحدها، بل من ما تعكسه هذه العقوبات من تحولات في الموقف الدولي. وقالت إن العقوبات تُعد مؤشرًا على أين تقف الإرادة الدولية الآن، لا مجرد إجراء تقني.

وأشارت خير إلى أن تقديم الأدلة على الانتهاكات التي ارتكبها الدعم السريع خلق أرضية سياسية دفعت ليس فقط الاتحاد الأوروبي، بل أطرافًا أخرى مثل السعودية، إلى مطالبة واشنطن باتخاذ خطوات أوسع ضمن “العقوبات الثانوية”.

وأضافت أنّ عدداً من الفاعلين الدوليين باتوا يرون أن نفوذ الرياض داخل الدعم السريع أقل مما كان يُعتقد، وأن واشنطن هي التي تمتلك القدرة على فرض أثمان حقيقية. لكنها ترى أن الغرب لا يزال متردداً في فرض عقوبات قوّية تشمل قطاعات اقتصادية أوسع، بسبب مصالحه التجارية والسياسية مع دول الخليج.

وقالت خير إن الدعم السريع يمتلك القدرة على الالتفاف الفني على العقوبات، سواء عبر نقل الشركات والأصول إلى أسماء بديلة أو عبر شبكات تعتمد على بنى اقتصادية معقدة. ومع كون هذه الممارسات ممكنة، إلا أنّ التأثير الأساسي للعقوبات يظل سياسيًا ومعنويًا، لأنه يقيّد قدرة قيادة الدعم السريع على تقديم نفسها كفاعل مقبول أو شرعي أمام المجتمع الدولي. وأوضحت أن العقوبات، حتى لو لم تمنع التمويل مباشرة، تمنح خصوم الدعم السريع في الداخل والخارج مادة سياسية قوية، وتؤثر على مكانة عبد الرحيم داخل شبكته الإقليمية وعلاقاته مع القوى التي كانت تتعامل معه كقائد يمكن الرهان عليه في مرحلة ما بعد الحرب.

الدعم السريع يمتلك القدرة على الالتفاف الفني على العقوبات

المديرة المؤسسة لمركز “كونفلونس أدفايزوري، خلود خير

وأكدت خير أن العقوبات الأخيرة لا تبدو إجراءً معزولًا، بل تأتي ضمن تنسيق دولي آخذ في الاتساع عقب موجة الانتهاكات في الفاشر ومناطق أخرى. واستشهدت ببيانات مجموعة السبع، وبيان مشترك صدر مؤخراً عن وزراء خارجية الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة ودول أوروبية وأستراليا، وكلها حملت لغة شديدة تجاه الانتهاكات الواسعة. وقالت خير إن هذا التنسيق يشير إلى تحرك أكبر نحو بناء موقف دولي مشترك، لكنّ العقوبات وحدها ليست كافية، لأن كثيراً من مرتكبي الانتهاكات لا يسافرون ولا يمتلكون أصولاً خارجية أصلاً. لذلك ترى أن العقوبات تحتاج إلى أدوات إضافية، أهمها استهداف مصادر التمويل التي تغذي استمرار الحرب. وأضافت أن الاستهداف ينبغي ألا يقتصر على الدعم السريع وحده، مشيرة إلى عقوبات طالت عناصر من القوات المسلحة أيضاً، بما في ذلك ضباط متهمون بانتهاكات في الجزيرة ومناطق أخرى. وفي تقديرها، فإنّ العقوبات مهمة ويجب أن تستمر، لكن فعاليتها تعتمد على دمجها مع أدوات تضغط على شبكات التمويل والجهات الإقليمية الداعمة للقتال.

محدودية الأثر الفعلي

قال الخبير والمحلل السياسي الأمريكي المتخصص في الشؤون الأفريقية وخاصة منطقة القرن الأفريقي والسودان، كاميرون هدسون، إنّ العقوبات الأوروبية الأخيرة لا تحمل أي قدرة حقيقية على التأثير في مسار الحرب في السودان، معتبراً أنها أقرب إلى موقف رمزي أكثر من كونها أداة ضغط فعّالة.

رحلات نزوح من الفاشر إلى طويلة

وأوضح هدسون في حيث مع (عاين) أنه لا توجد أي طريقة يمكن من خلالها اعتبار عقوبات الاتحاد الأوروبّي أكثر من مجرد استعراضٍ أخلاقي من قِبل منظمة ليست لديها أي أدوات ضغط يمكن أن تؤثّر على مسار الصراع في السودان. فهي، بحسب قوله، تعبّر عن رسالة سياسية بحتة مفادها أنّ الأوروبيّين ضد الحرب والجرائم المروّعة التي ترتكبها قوات الدعم السريع.

العقوبات الأوروبية لن تؤثر في مسار الحرب في السودان أنها موقف رمزي

الخبير الأمريكي المتخصص في الشؤون الأفريقية كاميرون هدسون

وأضاف أنّ الولايات المتحدة كانت قد فرضت عقوبات على عبد الرحيم دقلو قبل أكثر من عامين، لكن ذلك لم يُسهم في تغيير سلوكه أو مسار الصراع.

ويرى هدسون أنّ دقلو لا يقضي صيفه في إيبيزا ولا شتاءه في التزلّج في شاموني، وبالتالي فإنّ العقوبات من هذا النوع لا تؤثّر على أسلوب حياته أو مصادر موارده بأي شكل.

وأشار إلى أنه لا يوجد حالياً أي تنسيق بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبّي بشأن سياسة السودان – على حدّ علمه. فتركيز واشنطن، كما قال، منصبّ بالكامل على الدول الإقليمية التي تلعب دوراً مباشراً في الصراع ولديها مستوى من التأثير على الأطراف، بينما لا يمتلك الاتحاد الأوروبّي أي نفوذ من هذا النوع. وبحسب هدسون، يُشاع أنّ مسعد بولس لا يرد حتى على مكالمات نظرائه الأوروبّيّين الذين يحاولون التحدّث إليه.

وقال إنّ قوات الدعم السريع تخوض معركة وجود، وفي ظلّ هذا الظرف يرى أنّ من الصعب تخيّل أن تؤثّر أي عقوبة ثنائية في حساباتها أو قراراتها. ويعزّز هذا، بحسب هدسون، استمرار الحماية المالية والسياسية التي تحصل عليها قوات الدعم السريع من الإمارات. ويرى أنّ العقوبات الوحيدة التي يمكن أن تُحدِث أثرًا هي تلك التي تستهدف الصلة بين الإمارات وقوات الدعم السريع.

“وبالنظر إلى قوات الدعم السريع كمنظمة مافيا تُدار عائليًا يساعد على فهم محدودية أثر هذه العقوبات، إذ إنّ عائلة دقلو هي التي تُدير قوات الدعم السريع، ولذلك فإنّ العقوبات المفروضة على عبد الرحيم لن تغيّر شيئًا في بنية القيادة أو أسلوب عملها”، وفقا لهدسون.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *