وليد على : إعلاميون تحت القصف الجوي
تقرير عاين : 5 ديسمبر 2018
في تلك البقعة البعيدة من أنظار العالم وعدسات مراسلي الإعلام العالمي يتعرض الصحافيون العاملون في “راديو كاودا للمجتمع المحلي” بمناطق سيطرة الحركة الشعبية قطاع الشمال بمناطق جبال النوبة ولاية جنوب كردفان لاستهداف مباشر لحياتهم من قبل القوات الحكومية التي ترتكب انتهاكات متتالية وممنهجة منذ اندلاع الحرب في تلك المنطقة في العام 2011.
ولم يتوقف استهداف الصحفيون في جبال النوبة بشكل خاص ومناطق النزاعات في السودان بشكل عام عن طريق الاعتقالات أو الرقابة كما يحدث في بقية انحاء السودان، بل يستهدف الارواح نفسها عن طريق القصف الجوي الذي يعد الأداة الأولى التي تستخدمها الحكومة ضد المدنيين في مناطق النزاعات لا سيما جبال النوبة.
وليد علي أبكر الصحفي في “راديو كاودا” أحد الناجين من محاولات القتل عن طريق قصف الطيران المتكرر للمدنيين، حيث تعرض منزله للقصف ثلاثة مرات متتالية خلال سنوات الحرب المتطاولة.
ورغم الاستهداف المتكرر، يعمل وليد وفريق العمل في “راديو كاودا” دون انقطاع في أداء رسالتهم العظيمة وتقديم المعلومات والخدمة الصحفية لجمهورهم في المنطقة المغلقة من قبل الحكومة السودانية أمام دخول الصحفيين ومنظمات الاغاثة وحتي عبور البضائع وغيره.
ويؤكد وليد تصميمه وزملاءه في “راديو كاودا” علي ربط تلك المناطق المعزولة من قبل الحكومة بالعالم وفضح الانتهاكات والجرائم الحكومية هناك رغم الاستهداف ومحاولات القتل وفقدان مصادر التمويل وغيرها من التحديات الجسام التي تواجههم دون مساعدة من أحد.
ماسي القصف
تمثل التحديات التي واجهها وليد الوجه الحقيقي لانعدام حرية التعبير وهي السمة الطاغية على كل العاملين بالحقل الإعلامي في مناطق النزاعات في السودان. ويقول وليد معلقاً على تكرار مأساة القصف الجوي المتكرر ونجاته من الموت ثلاثة مرات بالقول ” القصف الجوي أحال حياتي الى زوال ، الواطة بقت خلا والحرب الآن أصبحت تستهدف المناطق المأهولة بالسكان.”
ويقول وليد في مقابلته الخاصة مع (عاين) ان الحرب شكلت متغيرات تعتبر هي الأكبر في حياة الناس تشتمل هذه المتغيرات حتى حركة الناس، وتغيير نهج المعيشة الذي أصبح مرتبطاً بالحركة وفق خارطة القصف الجوي الذي يتطلب حس أمني عالي فضلاً عن متغيرات أخرى في الحياة الاجتماعية ومواكبة المتطلبات من تعليم وصحة… الخ
وتجربة التضحيات التي يقدمها وليد ورفاقه من الصحفيين وجه مستمر من وجوه التضحيات التي دأبت على تقديمها الأجيال المتعاقبة من أبناء جبال النوبة من أجل الحفاظ على حقوقهم في الحياة والأمان والعيش الكريم بالاضافة للحفاظ موروثاتهم وتاريخهم وثقافتهم من الطمس والاندثار، طوال سنوات الحرب التي شهدتها منطقة جنوب كردفان ” جبال النوبة” منذ 2011 م ومازالت مستمرة مع وقف الاقتتال بتمديد لوقف إطلاق النار.
وقد برز بشكل لافت للانظار مجموعة راديو كاودا أو راديو المجتمع الذي يتخذ من منطقة كاودا عاصمة المناطق المحررة مقراً لها، عن طريق تفانيهم في تغطية الأخبار وبث الثبات بين أفراد المجتمع رغم المصاعب والتحديات.
صحفيون من أجل الحياة
ضمن هذه الكوكبة برز الإذاعي وليد علي أبكر أحد إذاعيي راديو كاودا والمسئول الإداري فيها منذ عدة سنوات. غادر وليد العاصمة الخرطوم منذ العام 2005 عقب توقيع اتفاقية السلام بهدف المشاركة في بناء مجتمع يعي حقوقه من أجل ترسيخ السلام في جبال النوبة، ووجد نفسه بعد عدة سنوات أمام واقع تجدد الحرب التي بدأت بصورة شرسة مصحوبة بجرائم القصف الجوي للمدنين. واتخذ وليد قراره في تلك اللحظة المفصلية بالبقاء في كاودا والدفاع عن حقوق أهله في الحياة ودفع ثمنا ذلك محاولات متكررة للقتل اذ لم يسلم وليد كغيره من المواطنين من القصف الجوي والرعب المستمر حيث استهداف طيران سلاح الجو السوداني منزله عدة مرات ورغم ذلك لم تخر له عزيمة. فعزم على مواصلة مشواره الى يومنا هذا حيث ظل مثابراً في عمله رغم الصعاب التي واجهته.
يقدم وليد الذي تلقى تعليمه الاولى بشندي ثم عطبرة الثانوية نفسه عبر (عاين) قائلاً ” انا وليد علي ابكر مذيع بإذاعة صوت المجتمع كاودا بجبال النوبة اعمل مدير اداري للإذاعة”. بدء وليد عمله منذ العام 2005 كأحد الكوادر بالمنطقة للالتحاق بدفع ضريبة الوطن يرى وليد في كاودا أنها المدينة التاريخية لشعب الجبال لذلك آثر البقاء فيها لأنها تمثل بالنسبة له الكثير.
خدمة المجتمع
يعتبر وليد الذي يطل عليكم عبر شبكة ( عاين) في فيلم وثائقي هو أحد الشباب المتفاني بمنطقة جنوب كردفان ان فكرة راديو المجتمع تهدف بالاساس الى ملء الفراغ الإعلامي بجبال النوبة وتوفير حق المواطنين في الحصول على المعلومات والتثقيف والتنوير والترفيه وغيره من الخدمات الإعلامية مثله أسوة بالمواطنين في المناطق الأخرى من السودان. مشيرا الى تبني الاذاعة لقضايا السلام والحرية والعدالة وإبراز جوهر القيم الصحفية المجتمعية واعلاء صوت ” من لاصوت لهم” ، والدفاع عن المهمشين والمحرومين والفقراء وفضح انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب في الإقليم المنكوب.
ويقول وليد” قامت فكرة الراديو لبث رسائل السلام ونشد الديمقراطية، موضحاً أن الراديو مدعوم من بعض المنظمات طوعية . لكنها ترتكز بشكل أساسي على الدعم المجتمعي. ومن هنا نبعت فكرة الإذاعة لعكس أنشطة حياة الناس،العادات والتقاليد وعكس رؤى السلام محاربة القبلية.
ويمضي قائلاً: ” أن الإذاعة بدأت في العام 2005 ولكن البث تم في العام 2007 كـ(ضربة بداية) و بدأنا كمتعاونين من مناطق مختلفة في جبال النوبة لعكس اهمية السلام”. موضحاً ان الاذاعة فكرة مدنية ليست لها علاقة بالحكومة هدفها تجسير هواة التناحر القبلي بين الناس لخلق رباط قومي. وايضا لاتاحة فرص للمواطن لعكس تراث وقيم مجتمع جبال النوبة لاوسع نطاق ممكن. ويضيف قائلاً “اهتمامنا ينصب في بث الأخبار والأنشطة الاجتماعية على كافة الأصعدة لذا سميت باسم إذاعة صوت المجتمع” .
الهوية والتراث
ويمضي وليد في السرد قائلاً :” من خلال الاذاعة يتم تقديم برامج التعليم المدني والعمل على ترسيخ مفاهيم السلام والتنمية؛ من أجل تثقيف المواطنين ومساعدتهم في إعادة بناء مناطقهم بطريقة حديثة ويزيد “الاذاعة تعمل على التثقيف بالديمقراطية وتعريف الناس بالحقوق الأساسية وكذلك واجباتهم تجاه الدولة والبلد”. مبينا” ان جبال النوبة لها وضعها الثقافي المتميز، كما لها مناهجها التعليمية المختلفة. ” في جبال النوبة لنا منهج تعليمي يهتم باللغة الانجليزية وبرامج تعليمية كالصحة وغيرها، كما اننا نهتم بتشجيع المواطن ليطور الاذاعة بتاعتو.
ويدرك القائمون على الإذاعة أهمية الحفاظ على التراث المحلي وثقافة الناس في جبال النوبة ليس فقط ضد الهجمة الثقافية للمركز في الخرطوم، وإنما أيضا أهمية الحفاظ على الهوية أمام هجمة العولمة على الخصوصيات المحلية للثقافات المختلفة. كما تعمل الاذاعة على عكس الآراء والانشطة المختلفة وإقامة برامج لفرد مساحات لقواعد المجتمع وعكس أنشطتهم كما يشمل ذلك المنظمات.
ومن أهم الأدوار الإذاعية التي يقوم بها راديو المجتمع -حسب وليد:- هي الحفاظ وتطوير الثقافات واللغات المحلية في كافة مناطق جبال النوبة. ” هنالك برامج للتعريف بهوية المواطن عبر سلسلة برامج توثيقية مما يجعله متمسكاً بعاداته وتقاليده في عصر العولمة التي تبث أنواع مختلفة من البرامج الثقافات – نحن بنحاول نشبع الجيل بتاعنا بالتراث الموجود في جبال النوبة” .
خدمات متنوعة
ويقدم راديو المجتمع المحلي في كاودا خدماته لعشرات الآلاف من المواطنين في المنطقة على مدى لا يقل عن ثمانية ساعات يوميا بث صباحي ومسائي خلال اليوم. ويقول وليد ” أن الإذاعة تغطي أربع محليات في مساحة تقدر بـ75 كيلو مقسمه إلى ساعات بث مختلفة تبدأ من الساعة 8 الى 12 ظ وبعدها بنجمع أخبار من المجتمع بتاعنا، كما تسع الاذاعة 5 كادر وتعمل الإذاعة أربع ساعات في الفترة المسائية.وهي مستمرة منذ العام 2008 إلى يومنا هذا ولكننا بحاجة لإضافة عدد ساعات و التي تقلصت بسبب الحرب والقصف”.
لعبت الإذاعة دور كبير في التوعية أثناء الحرب رغم التحديات الكبيرة التي تواجه كادرها . لكن يضيف وليد ” تقلص دعم الاذاعة بعد كلام رئيس الجمهورية و المنظمات ما قادرة تصل عشان تقدم لينا خدمات حاولنا نمشي الامور رغم هذه الصعوبات وانعدام الوقود ،الأقلام والورق والشغل من غير رواتب لانو الإذاعة ما حكومية والمنظمات ما قدرت تجي عشان تساعدنا نحن شغالين في إطار ضيق جداً ما قادرين نغطي المنطقة كلها وكل هذه صعوبات في ظل الحرب.
وأوضح وليد أن الغاية الأساسية من الإذاعة هي إيصال رسالة مجتمع جبال النوبة وربطها بباقي السودان لكن ما قادرين نوصل مساحات كبيرة لأننا بحاجة لموجة طويلة لبث ما يجري أثناء الحرب من خلال هذا الإعلام.
ويمضي وليد في القول :” إن شعب جبال النوبة واجه فظائع الحكومة التي ارتكبتها في حقهم كما حدث في إقليم دارفور أيضاً. وقد تعرضوا لكوارث عديدة من فقدان الأسر والممتلكات لكن مازال الشعب صامد والبصبر حقه ما بروح نحن بس بنطلب منهم يلتزمو بالصبر والعمل على عكس القضية . كما نُناشدهم بعدم فقدان العزيمة من أجل تحرير أنفسهم ولابد من مواصلة نضال. ويضيف : ” فشل المجتمع الدولي في ايصال الاغاثة بسبب رفض الحكومة وده سبب أضرار كبيرة للمواطن خصوصاً في فصل الخريف الذي يبدأ فيه القصف”.
ويصف وليد الاوضاع في السودان قائلاً:” كافة أصقاع السودان بها مشاكل من اقصى الشمال لاقصى الجنوب وكذلك الشرق والغرب فلابد من توفير مطالب الشعب. ولكن الحكومة تعمل على تدمير الشعب عن طريق نهب كافة الأموال وصرفها على الحرب بدلاً على التنمية”. ويضيف “ومن أجل أي عملية للإصلاح لابد للحكومة من مراجعة نفسها بالرجوع إلى صوت العقل لتحقيق المساواة ، السلام العادل وتوفير التنمية والخدمات”. محذرا بأن ذات التصرفات التي تسبب فيها المركز أدت إلى انفصال الجنوب ومازالت الحرب قائمة في أقاليم كثيرة جداً. مطالباً الحكومة بالتنحي.