السودان: التطبيع مع إسرائيل يضع السُّلطة الانتقالية أمام عاصفة الانقسامات
24 أكتوبر 2020
أثارت خطوة الحكومة الانتقالية في السودان، بإصدار بيان مشترك مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، الجمعة 23 اكتوبر، أعلن بموجبه البدء في تطبيع العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب، الجدل سياسياً وشعبياً، حول أحقية امتلاك السلطة الانتقالية، التفويض في اتخاذ مثل هذا القرار من جهة، وما إذا كان هذا التوجه يُعد خرقاً للوثيقة الدستورية، في ظل تغييب المجلس التشريعي الانتقالي، من جهة أخرى. بالإضافة إلى دمج ملفي رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، واللذين شدد رئيس الوزراء الانتقالي، عبد الله حمدوك، في مناسبات عديدة، على أنهما لا يرتبطان مع بعضهما البعض.
لكن تطورات الجمعة، بددت موقفه الداعي لفصل الملفين، بالإضافة إلى محادثته الهاتفية مع وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، والتي أشاد فيها بومبيو، بجهود حمدوك لتعزيز العلاقات بين السودان وإسرائيل طبقاً لبيان أصدرته الخارجية الأمريكية يوم الجمعة.
ويبدو أن موقف رئيس الوزراء “دستورياً” ما زال هو نفسه، وفقاً لتصريحات وزير الخارجية عمر قمر الدين، الذي قال إن عبء إجازة الاتفاق يقع على عاتق المجلس التشريعي الانتقالي، ما يعني على الورق أن هذا الملف لم يحسم بعد، غير أنه بالاطلاع على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فإن تطبيع العلاقات أصبح حقيقة.
بداية:
وبدأت تطورات ملف العلاقات السودانية ـ الإسرائيلية، في الفترة الانتقالية، إثر لقاء غير معلن عنه مسبقاً جمع رئيس مجلس السيادة الانتقالي الحالي، عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو بمدينة عينتبي اليوغندية، في فبراير الماضي، ومنذها بدأت وتيرة درامية بلغت ذروتها بمحادثات سودانية، أمريكية إسرائيلية بالعاصمة الإماراتية أبو ظبي الشهر الماضي، أعقبت توقيع كل من الإمارات والبحرين اتفاق سلام مع إسرائيل بالعاصمة الأمريكية واشنطن، ذكرت تقارير إعلامية وقتها، أن المحادثات بين الطرفين فشلت، لكن بنهاية الأسبوع الماضي، كشفت تسريبات صحفية، عن زيارة سرية قام بها مسؤول إسرائيليون وأمريكيون إلى الخرطوم، يبدو أنها فتحت الطريق أمام البيان الثلاثي المشترك والذي صدر بعد مكالمة هاتفية جمعت قادة البلدان الثلاثة، عقب إخطار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الكونغرس رسمياً نيته شطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وقد اتفق ممثلو البلدان الثلاثة، على تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل وإنهاء حالة العداء بين بلديهما. فضلاً عن الاتفاق على بدء العلاقات الاقتصادية والتجارية، مع التركيز الأولي على الزراعة.
بدء التطبيع
وطبقاً للبيان المشترك الصادر أمس الجمعة، فإنه قد تم الاتفاق على بدء العلاقات الاقتصادية والتجارية، مع التركيز الأولي على الزراعة ومكافحة الإرهاب والتطرف، والاستفادة من إمكاناتهم الاقتصادية”، بالإضافة إلى اجتماع الوفود في الأسابيع المقبلة للتفاوض بشأن اتفاقيات التعاون في تلك المجالات وكذلك في مجال تكنولوجيا الزراعة والطيران وقضايا الهجرة وغيرها من المجالات لصالح الشعبين. كما عقد القادة العزم على العمل معًا لبناء مستقبل أفضل وتعزيز قضية السلام في المنطقة.
وأشار البيان إلى أنه بعد عقود من العيش في ظل ديكتاتورية وحشية، “في إشارة إلى النظام البائد”، تولى شعب السودان زمام الأمور أخيرًا. لقد أظهرت الحكومة الانتقالية السودانية شجاعتها والتزامها بمكافحة الإرهاب، وبناء مؤسساتها الديمقراطية، وتحسين علاقاتها مع جيرانها.
وأوضح، في ضوء هذا التقدم التاريخي، وبعد قرار الرئيس ترامب بإزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، اتفقت الولايات المتحدة وإسرائيل على الشراكة مع السودان في بدايته الجديدة وضمان اندماجه بالكامل في المجتمع الدولي. وأن الولايات المتحدة ستتخذ خطوات لاستعادة الحصانة السيادية للسودان وإشراك شركائها الدوليين لتقليل أعباء ديون السودان، بما في ذلك دفع المناقشات حول الإعفاء من الديون بما يتفق مع مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون. كما التزمت الولايات المتحدة وإسرائيل بالعمل مع شركائهما لدعم شعب السودان في تعزيز ديمقراطيته، وتحسين الأمن الغذائي ومكافحة الإرهاب والتطرف، والاستفادة من إمكاناتهم الاقتصادية. وأن هذه الخطوة ستعمل على تحسين الأمن الإقليمي وإطلاق فرص جديدة لشعب السودان وإسرائيل والشرق الأوسط وأفريقيا.
اتفاق ووليس تطبيع:
لكن وزر الخارجية السوداني، عمر قمر الدين، قال إن ما تم ليس تطبيعاً، وإنما هو اتفاق حول التطبيع وأن الموافقة بشأنها يقررها المجلس التشريعي بعد تشكيله، مشدداً على أن المجلس التشريعي هو من سيقرر الموافقة من عدمها على التطبيع مع إسرائيل وكل دول العالم، الإتفاقيات لا بد من المصادقة عليها من قبل البرلمان. وأشار قمر الدين إلى أن السودان بات خارج قائمة الدول الداعمة للإرهاب رسمياً، وما تبقى إجراءات قانونية فقط، موضحاً أن التطبيع ليس حدثا منقطعاً، بل عملية مستمرة وأنه حال المصادقة على الأمر، فستكون الفوائد التي يجنيها السودان جمة، لافتاً إلى أن هذا الاتفاق ينهي حالة العداء مع دولة إسرائيل وسيتبع ذلك كثير من العمل الدبلوماسي والسياسي والإقتصادي والإستثماري بعد المصادقة.
لكن قوى الإجماع الوطني، إحدى الكتل المشكلة لقوى إعلان قوى الحرية والتغيير، رفضت خطوة الحكومة الانتقالية، بتطبيع علاقات السودان مع إسرائيل.
وقالت قوى الإجماع في بيان أمس الجمعة، إن السلطة الانتقالية تتعمد انتهاك الوثيقة الدستورية وتمضي خطوات في اتجاه التطبيع مع “الكيان الصهيوني”، والخروج على ما وصفتها بثوابت ومآثر سودان اللاءات الثلاثة، في دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وأضاف البيان “نشير في هذا الصدد إلى المواقف التي عبر عنها رئيس الوزراء، برفض ربط التطبيع مع إسرائيل بالتطبيع مع الولايات المتحدة الأمريكية، ورهن التطبيع نفسه بالتفويض، والتي كان ينبغي التمسك بها في مواجهة الضغوط التي تتعرض لها الحكومة من أجل اتخاذ موقف يعزز فرص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الإنتخابية مقابل منافسه الديموقراطي جو بايدن.
وبحسب البيان، فإن تجاوز الوثيقة الدستورية فيما حددته من صلاحيات وسلطات، لأي من المجلسين، وتغول السيادي على سلطات الوزاري، والتقرير منفرداً في مسائل مختلف عليها، ليس بالأمر الجديد، فقد سبق لرئيس المجلس السيادي، أن التقى برئيس وزراء الكيان الصهيوني في يوغندا، مدشناً عملية التطبيع دون تفويض أو سند من الوثيقة الدستورية.
ووصف البيان هذه التوجهات التي تتبناها بعض مراكز السلطة بدفع خارجي للتطبيع مع إسرائيل، بأنها تتجاهل الرأي العام والموقف الشعبي، وتمثل استخفافا به، موضحاً بأن الشعب الذي يتم عزله وتهميشه، بطريقة منهجية، عبر الصفقات السرية، غير ملزم بما ينتهي إليه التطبيعيون من اتفاقيات، وأنه سيلتزم شعبنا بمواقفه التاريخية، ويعمل من خلال جبهة عريضة لمقاومة التطبيع ودعم الشعب الفلسطيني من أجل الحصول على كامل حقوقه المشروعة.
وجدد البيان، الدعوة للإسراع في تكوين المجلس التشريعي، كجهة رقابية وتشريعية، معنية بالتقرير في كافة القضايا التي نصت عليها الوثيقة الدستورية، مؤكداً رفضه لأي قرار يعنى بالتطبيع يتم بدون تفويض من مجلس تشريعي منتخب، خاصة في ظل تغييب تام للشعب ولقواه الحية.
احتجاج:
وكان زعيم حزب الأمة القوم، الصادق المهدي، قال إنه سيسحب تأييده للحكومة الانتقالية، حال أقدمت على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، قبل أن يعلن انسحابه من مؤتمر لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف يُعقد بالخرطوم، احتجاجاً على توجه الحكومة الانتقالية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، مطالباً بسحب اسمه وورقته من أعمال المؤتمر.
لكن، للمواطن السوداني، أنس برعي، 30 عاماً، يدير مطعماً بوسط العاصمة الخرطوم رأي، آخر، إذ يقول إنه مع التطبيع، ليس هناك ما يمنع، لماذا لا نطبع؟.
ويضيف برعي، في حديث لـ(عاين) أنه قد لا يجني السودان فائدة معينة ولكنه لن يخسر شيئاً مقابل ذلك، “نريد أن نكون جزءاً من السلام والعالمي والمجتمع الدولي، ليس هناك ما يمنع دينياً من التعامل مع الإسرائيليين، لقد حدث هذا التعامل في التاريخ الإسلامي، ونحن لسنا استثناء.
وفي وقت سابق، ذكر مركز السلام الأمريكي البحثي، ومقره واشنطن، أن محاولة ربط الإدارة الأمريكية، ملف رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب بالتطبيع مع إسرائيل يهدد بنسف الفترة الانتقالية، والمصالح الأمريكية في المنطقة.