الحرب في النيل الازرق … سياسة الارض المحروقة
27يونيو2014
لم تدخل منطقة النيل الازرق في يونيو من العام 2011 الى الحرب مباشرة في اعقاب اندلاعها في جنوب كردفان في الخامس من ذات الشهر ، على الرغم من ان خطاب رئيس هيئة الاركان المشتركة للقوات المسلحة الفريق عصمت عبد الرحمن ( الذي تم تعيينه وزيراً للداخلية مؤخراً ) قد وجهه الى الجيش الشعبي في ولايتي النيل الازرق وجنوب كردفان ، لكن الخرطوم بدأت حربها في جنوب كردفان في بادئ الامر ، ثم وقعت الحكومة السودانية اتفاقاً مع الحركة الشعبية في اديس ابابا في الثامن والعشرين من يونيو 2011 والذي عرف باتفاق ( نافع – عقار ) ، غير ان الاتفاق تم تمزيقه بواسطة الرئيس عمر البشير بعد اسبوع واحد من توقيعه ، ومنها امتدت الحرب من ولاية النيل الازرق في الجنوب الشرقي للبلاد الى اقصى غربها في دارفور ، وعلى امتداد اطول حدود بين السودان وجنوب السودان .
من الاحتقان الى الإنفجار
كانت ارهاصات الحرب في النيل الازرق قد بد بدأت بعد اعلان استقلال دولة جنوب السودان في التاسع من يوليو 2011 ، حيث بدأت الجيش السوداني في حشد قواته في عاصمة الولاية الدمازين ، تزامنت معها حرب الكلام بين الطرفين وقال والي النيل الازرق الذي تمت اقالته بعد الحرب ( اذا سقطت صفيحة هنا في النيل الازرق ستندلع الحرب ) وقد سبقه البشير بقرار حظر بموجبه نشاط الحركة الشعبية، ثم اردفه بقرار آخر عندما اندلعت الحرب بعزل والي النيل الازرق ، معلناً عن حالة طوارئ في الولاية.
ويقول القائد الميداني جوزيف لشبكة ( عاين) ان كل الدلائل كانت تشير الى أن الحرب اصبحت قاب قوسين او ادنى بعد أن دخل الجيش الشعبي في جبال النوبة في معركة شرسة مع القوات الحكومية ، ويضيف ( من جانبنا كنا نترقب الموقف وفي انتظار القرار السياسي بعد إتفاق اديس ابابا بين نافع وعقار ، ولكن الحشود العسكرية التي جهزتها الخرطوم جعلتنا نتحسب لكل شي) ، ويقول ان الجيش الحكومي بادر باطلاق النار بشكل عشوائي ثم استولى على بعض المؤسسات ، كما قامت القوات الحكومية بتدمير مركز ( مالك عقار الثقافي ) واحراق السيارات التابعة للحركة وتدمير منازل قياداتها الى جانب حملة اعتقالات واسعة وسط كوادر الحركة في عدد من مناطق الولاية ، ويتابع ( كان ذلك ايذانا ببدء الحرب في الولاية)
إستراتيجية النظام …سياسة الارض المحروقة
يقول الناشط في المجتمع المدني في المجموعة السودانية للديمقراطية اولاً الشكري احمد لشبكة ( عاين ) إن طريق النظام لضرب الحركة الشعبية كان عبر إشعال القتنة العرقية والدينية بين مكونات الولاية بما يسميه النظام ( مكافحة التمرد) ، ويضيف ( لذلك يبرر النظام عنفه اللأمتناهي لتفريق الولاية من السكان والسيطرة على الموارد وهذا ايضاً طريق لضرب الحركة الشعبية في مقتل بإتباع سياسة الارض المحروقة) ، ويشير الى أن ولاية النيل الأزرق شهدت ولأول مرة حرب إبادة جماعية ، ويقول ان النظام اتبع سياسة الارض المحروقة في النيل الازرق مثلما فعل ذلك في دارفور منذ العام 2003 الى الوقت الحاضر ، ويضيف ( ان الطريقة التي يتبعها النظام في حربه في النيل الازرق وغيرها من مناطق الحرب هي اخلاء اي منطقة من سكانها الاصليين واحلال آخرين غيرهم من قبائل اخرى لتغيير الجغرافية السكانية ) ، ويرى ان ذلك ادى الى تعرض عدد من القبائل المتهمة بانتماء ابناءها الى الحركة الشعبية كقبائل ( الانقسنا والبرتا والادوك الى عمليات عنف ممنهج من قبل النظام ).
تسليح المليشيات القبلية على غرار حرب دارفور
نقلت الحكومة السودانية تجربتها في حربها ضد الحركات المسلحة في دارفور الى النيل الازرق ، وذلك عبر تشكيل مليشيات تعرف ( بالكونجي ) والتي تتكون من قدامى المحاربين في الجيش والشرطة ، ويقول مواطن من الدمازين طلب عدم الكشف عن هويته لشبكة ( عاين ) للظروف الامنية التي تشهدها الولاية بسبب الحرب ، ان هذه المليشيات مستقرة في منطقة ( سنجة نبك الى جانب اخرى تسمى مليشيا ( كورا ) يقودا اسماعيل كورا والتي تم تشكليها بعد اندلاع الحرب في نوفمبر من العام 2011 وعناصرها من قبيلة الفلاتة ) ، ويضيف ان مليشيا كورا تمارس نشاطها في محليات ( باو ، قيسان والكرمك ) وقد تخصصت في القتل ونهب الابقار واغتصاب النساء ، ويشير الى ان السكان قاموا بفتح بلاغات في العام 2012 ضد اسماعيل كورا قائد هذه المليشيات بعد ارتكابه جرائم ضد السكان ، ولكن جهاز الامن تدخل وقام بسحب البلاغ وطي الملف .
ويقول المصدر ان المليشيا الأخطر في ولاية النيل الازرق هى مليشيا (زيدان) بقيادة زيدان ياسين، قوامها مقاتلي الحركات المسلحة الذين أنضموا الى الحكومة وقد قام النظام بتنظيمهم في شكل قوات لتحارب الى جانب القوات المسلحة ، وتم تشكيل هذه المليشيا على أساس قبلي ، حيث ان اغلبها من سكان المنطقة، ويضيف ( في العام 2011 ومع بدء الحرب في الولاية مباشرةً قامت هذه المليشيات بحرق قرى ( فازوغلى ،ام درفة ، بكوري ، خرطوم باليل ، مرمز الديم، المان ، وقيسان) وهي القرى التي ذبحت فيها المليشيات عدد من الموطنين ) ، ويشير الى ان ذلكادى الى ارتباط قائد المليشيا زيدان ياسين الذي عُين نائباً للمك بفازوغلي بالأعمال الوحشية ، ويوضح ذات المصدر ” إن هذه المنطقة شهدت عمليات التعذيب التصفيات الجسدية وسط المواطنين الذين يتهمون بالانتماء الى الحركة الشعبية وكان اخر هذه العمليات اغتيال الشاب الصادق ادم الحسن الذي اتهم بمساعدة الحركة الشعبية”.
اللاجئون يواجهون ظروفاً قاسية
وفي الجانب الانساني خلال سنوات الحرب ، يقول مراسل شبكة (عاين) في النيل الازرق إن المخاطر التى تواجه المدنيين في كل من معسكرات ( المابان، يوسف باتل، دورو، وجندراسة ) لاحصر لها منذ إندلاع الحرب وحتى الأن ، ويضيف ولكن ان هذا العام اصبحت المشكلة متفاقمة بعد التدهور الأمني الذي شهدته هذه المعسكرات بسبب الصراعات الداخلية بين المواطنين انفسهم وإزياد حالة الوفيات المختلفة خاصة الاطفال ، وكانت منظمة أطباء بلاء حدود قد ذكرت في تقرير لها العام الماضي ( إن نسبة وفيات الأطفال قد تتجاوز خمسة أضعاف حالة الطواري بسبب الأمراض المتفشية مالم يتم تدخل سريع وعاجل لانقاذ اطفال المعسكرات ) ، ويضيف التقرير ( للحد من معدلات سوء التغذية فان اسواء الاحتمالات ستظل واردة كما حدث في خريف 2012 الذى وصلت فيه وفيات الاطفال فى معسكر يوسف بطال الى خمسة اضعاف معدل الطوارى ). وهذا ما أكده احمد الشكري من المجموعة السودانية للديموقراطية اولاً في حديثه لشبكة (عاين) والذي وصف معسكرات اللاجئين في دولة جنوب السودان التي اقيمت للاجىء النيل الازرق الفارين من الحرب ( بشبه جزيرة محاطة بالحرب من كل النواحي ) ، في اشارة للحرب في جنوب السودان لا سيما في ولاية اعالي النيل ، والحرب الاخرى داخل السودان بين الحكومة والحركة الشعبية ، ويقول ( ثالثة الاثافي هي النزاعات الداخلية في المعسكرات بين اللاجئين وسكان المابان الاصليين ) .
واتهم الشكري السلطات السودانية بتأجيج الصراع بين السكان ، حيث قامت الحكومة بتحريض مليشيا (أبطال المابان) التابعة لشخص يدعى كمال لو التي قامت بدورها بإثارة الفتنة عن طريق تحريض اهالي المابان ضد اللاجئيين مما تسبب في نشوب صراع ادي الى فرار حوالي ( 40 الف ) لاجىء فروا الى خارج المعسكر، وعودة حوالي ( 5000 ) لاجىء آخر الى مناطق النيل الارزق الواقعة تحت سيطرة الحركة الشعبية تحت القصف الجوي وتبادل إطلاق النار.
كارثة في الطريق تهدد اكثر من (45 ) الف لاجىء
كان هنالك عدد كبير من سكان النيل الازرق فضلوا النزوح الى دولة اثيوبيا المجاورة بعد إندلاع الحرب مباشرة في 2011 ، وقد إستقروا في معسكرات (تنقو ) اكثر من ( 14 ) الف لاجىء ، وفي معسكر( بنداشي ) نحو (16 ) الف ، اما معسكر (كبري خمسة ) فقد ضم ( 10 ) الف ومعسكر كبرى اربعة ( اشوره) يسكن فيه حوالي ( 5 ) الف لاجىء .
ويقول مصدر من داخل احدى هذه المعسكرات لشبكة عاين (عاين) ان اعداد النازحيين هذه تم حصرها من كشوفات الدخول التى يسجل فيها اى فرد دخل الى المعسكر بغرض التسكين ، ويشير الى ان الاوضاع الإنسانية في المعسكرات متردية خاصة بعد إنتشار مرض العمى الذي أصاب عدد كبير من اللاجئين مع عدم توفر الأمصال الطبية الخاصة بالعيون ، ويضيف أن هنالك مرض اخر يبدأ بالتشنج في الاقدام ويتطور سريعاً الى شلل كامل عن الحركة ، ويقول ان هذا المرض ادى الى وفيات عديدة اخرها وفاة مواطنة في معسكر ( تنقو ) .
لقد خلفت حرب الثلاث سنوات المئات من القتلى وعشرات الالاف من المشردين الذين يواجهون خطر الموت بسبب الجوع والامراض والنزاعات داخل المعسكرات ، الى جانب منع الحكومة السودانية طوال هذه السنوات وصول المساعدات الانسانية ودخول المنظمات الدولية للنازحين في المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية ، وفوق كل ذلك فشل المفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية في الوصول الى سلام شامل وعادل ونهائي .