إغراق أرض الأجداد
رفض شعبي واسع وإصرار حكومي لبناء السدود
– شبكة عاين – ٢٨ مارس ٢٠١٦ –
النوبيون في السودان لديهم إرتباط وثيق بالأرض، رغم التهجير القسري الأول الذي حدث لهم في العام ١٩٠٦ عند بناء سد (أسوان) جنوب مصر، حيث غمرت المياه الأراضي خلف السد في مصر والسودان، ثم التهجير الثاني لهم عند بناء السد العالي في العام ١٩٦٤، وأيضاً غمرت المياه اراضي منطقة وادي حلفا. وقد أدى بناء السدين إلى تقسيم النوبيين على جانبي البلدين في السودان و بمصر، ويعد هذا التهجير هو االأكبر الذي شهده التاريخ البشري في العصر الحديث، وبسبب هذا السد فقدت ثلاثة أجيال إرثاً ثقافياً. ويرى مراقبون أن هذا التهجير القسري محاولة لإنهاء الشعوب الاصيلة في المنطقة.
ويقول الناشط النوبي المصري رامي يحيى لـ(عاين) أن النوبيين اكثر الشعوب التي شهدت التهجير القسري على مستوى العالم، وقد خلفت هجراتهم آثاراً مادية عنيفة لأنهم تعرضوا إلى محاولة إلغاءهم كشعب،بتجفيف مصادر الحياة ليبدأوا من جديد. ويضيف (الانسان الذي يعيش على الزراعة والصيد ويجد نفسه يعيش على الصحراء بعد ان تحول الى مهاجر بحثاً عن الرزق وبذلك فإن تعداد النوبيين المهاجرين داخل مصر وخارجها بحثاً عن الرزق يفوق عدد من يعيشون في القرى الصحراوية الطاردة والتي اطلق عليها أسم قرى النوبة).
سد مروي : تجربة فاشلة ونفايات سامة
لم تتعظ الحكومات من أزمة بناء السد العالي التي مازالت آثارها ماثلة، ولم يجد المتضريين مساعدة من قبل الحكومة رغم القروض الإستثمارية، ومع ذلك حصلت الحكومة السودانية على قرض بقيمة (٢.٩٤٥) مليار دولار أمريكي من الصناديق العربية والحكومة الصينية مقابل قبول السودان بدفن (٤٠) حاوية للمخلفات النووية وفق إتهامات من قبل السكان في منطقة مروي، الذين يعتقدون أن (سد مروي) الذي تم انشاءه قبل أكثر من عامين لم يحقق النهضة الزراعية المزعومة بالولاية بل أن سد مروي فشل تماماً.
وقد تم تهجير بطون قبيلة (المناصير) من اراضى (الهويد، السهيب، ساني، العرفا، مشروع الحويلة ومشروع العال الزراعي). وتعرضت حوالي (٢٠٠) اسرة لأوضاع مأساوية بعد ان فقدت مقومات الحياة الأساسية بسبب التهجير وما زالت هنالك (١٥) ألف أسرة مهددة بالغرق منذ العام ٢٠٠٨. وقد نزح عدد كبير من هذه الأسر في الأعوام الماضية للبحث عن اماكن آمنة لهم. وفي المقابل ما زالت الحكومة السودانية تواصل في تنفيذ بناء المزيد من السدود بالقوة المفرطة في ظل مقاومة السكان السلمية، حيث قررت انشاء سدود في كجبار، دال و الشريك.
وقد شهد العام ٢٠٠٧ عمليات عنف من قبل النظام الذي لم يتواني في اطلاق الرصاص على المتظاهرين في كجبار، وقد قتل (٤) مواطنين بإطلاق الشرطة الرصاص الحي حسب التقرير الطبي وقتها.
تضامن شعبي وإعتقالات واسعة
وفي العام (٢٠١٥) جددت الحكومة السودانية محاولتها لإنفاذ مشروع إقامة السدود في كل من دال وكجبار والشريك على مجرى النيل وسط رفض من المواطنين من تلك المناطق وحملات التضامن الواسعة من قبل السودانيين في الخارج، آخرها وقفة الاحتجاج التي نظمها الناشطون أمام فندق (السلام روتانا) في الخرطوم عند توقيع الحكومة اتفاق مع الممولين العرب وفي مقدمتهم السعودية لتنفيذ بناء السدود،وقد ابدى عدد من النوبيين المصريين تضامنهم في مناهضة تنفيذ سدي دال كجبار.
تصعيد الرفض في مناهضة بناء السدود
ويرى مناهضو السدود (دال، كجبار والشريك) أن بناءها ستترتب عليه آثاراً سلبية، خاصة أن هناك تاريخ سيء مع السدود في المناطق النوبية في شمال السودان والتي غمرت الآثار النوبية، ودمرت المشاريع الزراعية، مع غياب تام للتنمية في تلك المناطق، وتظل قضية الأرض هي في المقدمة بالنسبة لسكان تلك المناطق.
ويشهد السودان حرباً ضروساً، منذ إستقلاله الى يومنا هذا، وتعود جذور الأزمة المتطاولة إلى التنمية غير المتوازنة بين اقاليم السودان واستحواذ المركز على الحظوة الأكبر، وإستخدام الموارد من قبل اقلية حاكمة، وهذا ما دفع شعوب الهامش في الجنوب والغرب والشرق لحمل السلاح ضد مركز السلطة والاقلية الحاكمة في الأنظمة العسكرية والديموقراطية الهشة، بل أن تغيير الانظمة العسكرية في غالبها تمت عبر الانتفاضة السلمية التي اسقطت نظامي إبراهيم عبود (١٩٥٨-١٩٦٤) في ثورة أكتوبر الشعبية ١٩٦٤، وكان عبود وراء بناء السد العالي بإتفاقه مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، ثم اسقط الشعب السوداني نظام جعفر نميري (١٩٦٩-١٩٨٥) في إنتفاضة أبريل ١٩٨٥.
والوعي الجماهيري في المناطق النوبية أخذ يتنامى فيه عوامل المقاومة بكافة الوسائل المتاحة حسب المتحدثين في منابر مناهضة سدي دال و كجبار رغم اصرار السلطات على تنفيذ المشروعات دون الاكتراث لمعارضة أهل المنطقة ومستقبل الأجيال القادمة.