(البرهان).. رفض الرباعية وتعويل على مبادرة السعودية

 عاين- 24 نوفمبر 2025

مع تراجع حظوظ دول الرباعية في الهيمنة على الملف السوداني برزت المبادرة السعودية التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان منذ منتصف نوفمبر الجاري إثر مناشدته للرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال قمة جمعتهما في واشنطن بإيلاء الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع “قدرا من الاهتمام” حال رغبته في صُنع السلام في المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة في خطوة تحدث لأول مرة منذ اندلاع القتال في هذا البلد.

طيلة الأشهر الماضية لم يكن الرئيس الأميركي دونالد ترمب منخرطا لوقف الحرب بين الأطراف العسكرية السودانية عن قرب، بل إنه أقر بتجاهله لوضعية السودان معتقدا أن هناك “حالة من الفوضى” تسود في هذا البلد لتظهر هذه التصريحات تحركات وصفها دبلوماسيون بـ”المتواضعة” إزاء وقف الصراع المسلح في هذا البلد منذ عامين ونصف، وأسفر عن مقتل 160 ألف من المدنيين ونزوح قرابة 14 مليون شخص والأعلى على مستوى العالم.

وقال الرئيس الأميركي على هامش المنتدى الأميركي السعودي للاستثمار في 18 نوفمبر الجاري إنه لم يكن يخطط للتدخل في الأزمة السودانية، لكن ولي العهد السعودي طلب منه ذلك. وتباهى الرئيس الأميركي في إشارة إلى أنه لا يود رفض طلب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أنه أوقف 8 حروب حول العالم، وبدأ فورا في وضع الملف السوداني ضمن اهتمامات الإدارة الأميركية.

بالمقابل رحب قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان بتصريحات دونالد ترمب، وسارع في ذات الليلة إلى نشر تغريدة على منصة (إكس) وردد عبارة “شكرا دونالد ترمب” ثم أردف”شكرا ولي العهد السعودي” فيما وصف دبلوماسيون تحدثوا لـ(عاين) تغريدة قائد الجيش السوداني بالخروج عن “التقاليد الدبلوماسية” المعروفة بين الدول إزاء التعامل مع تحركات المجتمع الدولي.

 ترحيب البرهان بتصريحات ترمب خرج فيه عن التقاليد الدبلوماسية وكأنه يريد منقذا من ضغوط الرباعية

دبلوماسي

ما هي ملامح المبادرة التي عرضها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على الرئيس الأميركي في 17 نوفمبر الجاري خلال مباحثات في واشنطن، والتي سارع قائد الجيش السوداني بِالتَرْحِيبِ بها؟.

تتضمن المبادرة السعودية التي عرضت على الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض التعامل بأولوية مع الملف السوداني ووقف الحرب من خلال مخاطبة مخاوف الجيش السوداني أولا بما في ذلك موقع الجنرال عبد الفتاح البرهان في مرحلة ما بعد الحرب. وترى الرياض أنه حليف لحماية أمن البحر الأحمر والممرات المائية-وفقا لما قاله الدبلوماسي محمد جبريل لـ(عاين). وتابع: إن “ترحيب البرهان بتصريحات الرئيس الأميركي ووساطة ولي العهد السعودي كان مبالغا وخرج عن التقاليد الدبلوماسية وكأنه يريد إنقاذ نفسه من ضغوط الرباعية”.

مصدر في حكومة بورتسودان: البرهان متحمس للتعامل وفق المبادرة السعودية، ويعتقد بأنها تناسب عملية وقف الحرب في السودان من منطلقات الحفاظ على مؤسسات الدولة بما في ذلك الأجهزة الأمنية والعسكرية

وزاد قائلا: “المبادرة السعودية تتشابه إلى حد ما مع خارطة الطريق التي قدمها البرهان للأمم المتحدة في فبراير 2025”. مضيفا: أن “قائد الجيش السوداني متحمس للتحركات السعودية مع واشنطن؛ لأنه يزيح عنه ضغوط الآلية الرباعية التي تتمسك بعملية سياسية وفق خارطة الطريق التي أصدرتها في 12 سبتمبر 2025”. وأردف الدبلوماسي محمد جبريل: “البرهان ضد عودة الأحزاب والقوى المدنية للانخراط في عملية سياسية ذات مصداقية كما تشدد الرباعية، ووضعتها بالنص على خارطة الطريق التي أصدرتها في سبتمبر الماضي”.

وعلى نحو مفاجئ، أعلن قائد الجيش السوداني في خطاب أمام كبار الضباط في أم درمان الأحد 23 نوفمبر الجاري رفض المقترحات التي قدمها مستشار الرئيس الأميركي مسعد بولس، ووصفها بـ”أسوأ ورقة” وشدد على أن الورقة اقترحت إنهاء الوضعية الراهنة للأجهزة الأمنية. وشدد على أنه لن يسمح بعودة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” إلى المشهد السوداني، وشن هجوم على الإمارات، وقال إنها تؤثر في حيادية واستقلالية الرباعية مشيرا إلى أن الإمارات غير مبرئة للذمة، ولن يحدث أي اختراق طالما كانت تتواجد فيها وفق تعبيره.

إيقاف التعامل مع الرباعية

وحول التصريحات المفاجئة للبرهان يؤكد مصدر في الحكومة التي يقودها الجيش من بورتسودان لـ(عاين): أن “البرهان متحمس للتعامل وفق المبادرة السعودية، ويعتقد بأنها تناسب عملية وقف الحرب في السودان من منطلقات الحفاظ على مؤسسات الدولة بما في ذلك الأجهزة الأمنية والعسكرية”.

ويقول المصدر الحكومي إن تصريحات البرهان التي صدرت الأحد 23 نوفمبر الجاري في أم درمان بمثابة نعي للآلية الرباعية التي تضم الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة.

ويعتقد المصدر الحكومي أن: “اجتماع قائد الجيش السوداني مع كبار الضباط في أم درمان اعتمد المبادرة السعودية لوقف الحرب في السودان وعمليا توقف تعامل الحكومة القائمة في بورتسودان مع الآلية الرباعية منذ الأحد 24 نوفمبر الجاري”. مشيرا إلى أن الخلافات محتدم بين الجيش السوداني والرباعية؛ لأن “ورقة مسعد بولس” طرحت الحفاظ على وضعية الدعم السريع في مرحلة ما بعد الحرب بينما القوات المسلحة ترفض هذا الأمر جملة وتفصيلا.

ويرهن الصحفي والمحلل السياسي خالد أحمد، نجاح التدخل الأميركي من أعلى المستويات في واشنطن بأهمية معرفة الولايات المتحدة التعقيدات في السودان وأن “الوصفة” التي نفذتها إدارة ترمب في مناطق أخرى أوقفت فيها الحرب لا تصلح للحالة السودانية التي تواجه انقسامات اجتماعية وأنماط واسعة من الجرائم والانتهاكات التي صاحبت الصراع المسلح.

ويرى الصحفي والمحلل السياسي خالد أحمد في مقابلة مع (عاين): إن “المستشار الأميركي مسعد بولس المنخرط في آلية الرباعية ليس على دراية بالتعقيدات في السودان ويحتاج إلى فهم أعمق للصراع في هذا البلد المترامي الأطراف والمليء بالأزمات.

وأضاف أحمد: “انتقل الملف السوداني إلى مستوى البيت الأبيض في واشنطن بطلب من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان منذ منتصف نوفمبر الجاري، لكن تدخل ترمب قد لا يضع حدا للحرب إذا لم تتخذ الولايات المتحدة استراتيجية فعالة في السودان بإنهاء أي مستقبل سياسي للأطراف العسكرية المتحاربة واستعادة مسار الانتقال المدني”.

استياء البرهان من مسعد بولس

عندما أجرى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب مباحثات مشتركة في واشنطن في 17 نوفمبر الجاري كان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان قد تحدث هاتفيا مع ولي العهد السعودي طالبا منه التأثير في الموقف الأميركي، ونقل “شكاوى رسمية” من تحركات غير مرحب بها للمستشار في آلية الرباعية مع أبوظبي متهما الأخير بالعمل بصورة لصيقة مع الإمارات وفق المحلل الدبلوماسي محمد جبريل.

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان

أما قوات الدعم السريع سارعت إلى الترحيب بتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب حسب بيان رسمي وقالت في بيان نشرته على منصتها في “تليغرام” في 19 نوفمبر الجاري إنها تتابع “باهتمام وتقدير بالغين، التحركات الدولية المكثفة بشأن الأوضاع في السودان” وأكدت أنها “تعلن استجابتها الكاملة والجادة لهذه المبادرات” واشترطت تكوين جيش مهني وإنهاء سيطرة الإسلاميين على مفاصل الدولة حسب وصف البيان.

يجب أن يتخذ قائد الجيش خطوات

ويعتقد العضو السابق لمجلس السيادة الانتقالي محمد الفكي سليمان ضمن التعليق على وعود الرئيس الأميركي بالتدخل في الأزمة السودانية إن نجاح مهمته ترتبط بمدى قدرة قائد الجيش السوداني على التخلص من “نفوذ الإسلاميين”.

ويقول الفكي وهو قيادي في تحالف “صمود”: إن “إيقاف الحرب في السودان يحتاج إلى تحرك عبد الفتاح البرهان باتخاذ خطوات جادة نحو الحلول السلمية بالتزامن مع المساعي الدولية.

المطلوب من البرهان التقدم خطوات والتخلص من نفوذ الإسلاميين

محمد الفكي

وكان قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان نفى بشدة وجود “نفوذ للإسلاميين” أو وجود عناصر من الحركة الإسلامية داخل القوات المسلحة وقال: “أين هم نحن لا نراهم” ضمن خطابه أمام كبار الضباط في أم درمان الأحد 23 نوفمبر الجاري.

ويقول المحلل الدبلوماسي والمستشار لدى المنظمات الدولية محمد جبريل لـ(عاين): إن “الرئيس الأميركي لن يتحرك في الملف السوداني بمعزل عن آلية الرباعية، ولا يمكن أن يحدث تقارب كبير بين واشنطن والرياض لتوجيه صفعة قوية لأبوظبي”. مشيرا إلى أن ترمب سيعمل على خلق توازن بين دول الرباعية، حتى يحقق اختراقا في الملف السوداني.

ويرى جبريل، أن ترمب سيتحرك لتوقف تدفق الأسلحة من الإمارات إلى قوات الدعم السريع، ويتوقع أن يردع الدول التي تشكل معبرا للشحنات وهما تشاد وليبيا في الوقت ذاته لن يترك الجيش يتعامل من منطلق أحادي.

ويردف جبريل: “يواجه قائد الجيش السوداني ضغوطا من الآلية الرباعية بالتخلص من كبار الضباط الإسلاميين وهيكلة جهاز المخابرات والشرطة لصالح دعم الانتقال المدني وإجراء إصلاحات ملموسة وهيكلية في القوات السودانية”. مضيفا أن المبادرة السعودية أو تدخل ترمب في الأزمة السودانية لن تبعد هذه الاشتراطات عن عبد الفتاح البرهان.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *