أي الخيارات أمام “إخوان السودان” لمواجهة قرارات (واشنطون)؟

عاين- 8 ديسمبر 2025

يبحث الإسلاميون في السودان عن كيفية التعامل مع التطورات حال إجازة الكونغرس الأميركي مسودة قانون يصنف جماعات إسلامية كمنظمات إرهابية، ومن بين الخيارات المطروحة دفع النظام الحاكم بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان إلى التعاون الوثيق مع واشنطن في الملف الاستخباراتي والأمني.

في 25 نوفمبر 2025 أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترمب أوامر تنفيذية بتصنيف الجماعات الإسلامية في الأردن ومصر والمملكة العربية السعودية كمنظمات إرهابية في خطوة قد تمتد تأثيرها إلى الجماعات الإسلامية في السودان.

أُحِيلَت الأوامر التنفيذية التي صادق عليها دونالد ترمب إلى لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي، وتتضمن القائمة فروع “الإخوان المسلمين” في مصر والأردن والسعودية، بينما تتضارب الروايات عما إذا القانون حال إجازته سيؤثر في الإسلاميين في السودان.

ويعول إسلاميو السودان على تعاون استخباراتي جرى بين واشنطن والخرطوم خلال حقبة الرئيس المعزول عمر البشير، والذي ألمح إليه قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في مقال نشره في صحيفة “وول ستريت جورنال” نهاية الشهر الماضي مُذكرًا إدارة ترمب بأن المصالح الأميركية ستكون محمية من الجانب السوداني حال الوصول إلى صفقة مناسبة بشأن وضعية الدعم السريع في مرحلة ما بعد الحرب.

هل يمكن توسيع نفوذ القانون المقترح؟

ويتوقع أن يصوت نواب الكونغرس الأميركي على مسودة قانون يصنف الجماعات الإسلامية وفروعها بالمملكة العربية السعودية ومصر والأردن كمنظمات إرهابية ما يعني شل قدراتها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية في هذه البلدان وحول العالم بشكل كامل.

ويقول المحلل السياسي والكاتب الصحفي ماهر أبو الجوخ لـ(عاين): إن “الإجراءات الأميركية بشأن تصنيف الجماعات الإسلامية في الشرق الأوسط تمتد إلى الإسلاميين في السودان وفق النصوص الموجودة في مسودة القانون الموضوعة أمام نواب الكونغرس في الوقت الراهن بعد أن أُجيزت عبر لجنة العلاقات الخارجية في الثالث من ديسمبر الجاري”.

ويعتقد أبو الجوخ في حال أن القانون إذا أصبح ساريا بتصنيف الجماعات الإسلامية بمصر والأردن والمملكة العربية السعودية كمنظمات إرهابية سيمتد الإجراء مباشرة إلى الإسلاميين في السودان بشكل مباشر.

 ويؤكد أبو الجوخ، أن غالبية النواب في لجنتي العلاقات الخارجية بالكونغرس ومجلس الشيوخ أيدوا تصنيف الجماعات الإسلامية كمنظمات إرهابية.

وتابع: “القانون حال الإجازة فإنه سيكون موسعا في التعريفات الواردة بشأن الجماعات الإسلامية في الشرق الأوسط وأفريقيا ولن يكون السودان مستثنيا”.

وأضاف أبو الجوخ: “الإشارة  وردت في بيان الرباعية في 12 سبتمبر 2025، والذي نص على عدم مشاركة الإسلاميين في مرحلة ما بعد الحرب في السودان وهذه المؤشرات تتسق مع السياقات الأميركية في عزل جميع حركات الإسلام السياسي عن المشهد القادم”.

ويقول ماهر أبو الجوخ: إن “الإسلاميين في السودان بعد أن شعروا بالتوجس مع اقتراب إجازة القانون الأميركي يزعمون أن المؤتمر الوطني المحلول لا يحمل اسم الحركة الاسلامية بالتالي القانون لا يشملهم”.

 وزاد قائلا: “القانون الأميركي في مسودته الأولية الموضوعة أمام الكونغرس يصف بدقة الجماعات الإسلامية وتوجهاتها ولا يتقيد بأسماء الكيانات إنما يتعامل وفق التوجهات”.

مؤشرات عزل الإسلاميين في السودان بدأت من الرباعية

محلل سياسي

ويتابع ماهر أبو الجوخ بالقول: “مؤشرات عزل الإسلاميين بدأت من بيان دول الرباعية التي تضم الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات في 12 سبتمبر 2025 والذي نص على عدم إشراك الإسلاميين في مرحلة ما بعد الحرب في السودان”.

التصنيف الشامل قد يمتد إلى السودان

يقول الخبير في العلاقات الأميركية السودانية سليمان بلدو لـ(عاين) إن التصنيف الموضوع أمام نواب الكونغرس الأميركي ينص على التصنيف الشامل لحركة الإخوان المسلمين وكافة أفرعها بما فيها فرع السودان المعروف باسم فرع “الحركة الإسلامية السودانية”.

وأضاف بلدو: “القانون لم يجاز بعد، وينتظر مراحل عديدة في المؤسسات الأميركية من الكونغرس إلى الحكومة التنفيذية ليكون قانونا ساريا وملزما للعمل به”.

وسيطر الإسلاميون في السودان على السلطة بانقلاب عسكري منذ 1989، وبعد احتجاجات شعبية واسعة تُوجت باعتصام سلمي قرب القيادة العامة في أبريل 2019 أعلن الجيش السوداني تنحي الرئيس عمر البشير عن السلطة ومع ذلك تقول المعارضة المدنية إن الإسلاميين عادوا إلى المشهد بعد انقلاب قائد الجيش الحالي على الحكومة الانتقالية في أكتوبر 2012، وخلال الحرب المستمرة حاليا بين القوات المسلحة والدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023.

السودان.. حقبة طويلة مع الجهاديين

ويرى المستشار الإعلامي السابق لمكتب رئيس الوزراء السوداني فائز الشيخ السليك في مقابلة مع (عاين) إن الإسلاميين في السودان لا تربطهم علاقة عضوية مع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، لكنهم ذات توجهات فكرية موحدة.

وتابع: “الحركة الاسلامية في السودان على تماس مباشر مع توجهات حركات الإسلام السياسي في الشرق الأوسط والعالم مثل الاشتراك في محاولة اغتيال الرئيس المصري الراحل حسني مبارك في العام 1992 في أديس أبابا بواسطة عناصر سودانية أمنية على صلة بالتنظيم الإسلامي الذي صعد إلى السلطة في السودان في ذلك الوقت”.

ويشير الشيخ إلى أن الإسلاميين مروا بسلسلة من التعاون مع التنظيمات الإرهابية في العالم أبرزها استضافة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في تسعينيات القرن الماضي.

وأردف: “من المؤكد أنه حال تصنيف المؤسسات التشريعية الأميركية للحركات الاسلامية حول العالم كمنظمات إرهابية ستحدث ارتدادات داخل السودان لأن الإسلاميين يؤثرون في الصومال مع حركة الشباب، وفي غرب أفريقيا مع جماعة بوكو حرام”.

 حال إجازة القانون الأميركي سيتعرض إسلاميو السودان إلى عزلة إقليمية ودولية

فائز السليك

ويرجح فائز الشيخ السليك تعرض الإسلاميين في السودان إلى حصار إقليمي ودولي، ومن مؤشرات هذه العزلة موقف المبادرة الرباعية وإعلان واشنطن أن وجود الإسلاميين في الجيش أو أي معادلة بعد وقف الحرب بمثابة خط أحمر.

ودرج الأمين العام للحركة الإسلامية في السودان علي كرتي، والذي تولى وزارة الخارجية خلال حقبة البشير على إصدار بيانات مؤيدة للجيش السوداني في الحرب ضد قوات الدعم السريع.

وتقول قوى مدنية مناهضة للحرب إن علي كرتي على صلة بالجيش السوداني ولديه نفوذ داخل المؤسسة العسكرية، بينما نفى قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي هذه الاتهامات أكثر من مرة آخرها في خطاب مطلع هذا الشهر مطالبا بعدم الحديث عن وجود الإسلاميين داخل الجيش السوداني.

الإسلاميون يبحثون التطورات

ويرى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية في السودان محمد أحمد عبد الحميد في حديث لـ(عاين) أن أي محاولة أميركية لعزل الإسلاميين عن المشهد السياسي وتأثير ذلك على السودان قد يجعل الإسلاميين يلجأون إلى العمل على غرار الفترة الأولى لنظام البشير عندما تم وضع السودان على لائحة الدول الراعية للإرهاب من 1997، حتى شُطِب اسمه بواسطة حكومة حمدوك في العام 2020 عقب الإطاحة بنظام البشير.

وأضاف: “المتوقع أن يدفع الإسلاميون الحكومة السودانية على إبرام صفقة مع الولايات المتحدة تتركز على التعاون الأمني مقابل استمرارهم في المشهد السياسي حتى ولو كانت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين على قطيعة مستدامة مثل ما فعل نظام البشير الذي تعاون في الملفات الأمنية والاستخباراتية مع واشنطن مقابل البقاء في السلطة لسنوات طويلة بالتغلغل وسط الجماعات الجهادية في العمق الأفريقي”.

ويقول الباحث في شؤون الجماعات: إن “الإسلاميين في السودان يحاولون وضع استراتيجية لمقابل أي تطورات حال وضع الجماعات الإسلامية على مستوى العالم على قائمة المنظمات الإرهابية مع تسارع إجراءات الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترمب وإحالة الأوامر التنفيذية منذ 3 ديسمبر 2025 إلى الكونغرس الذي أجاز المسودة الأولية على مستوى لجنة العلاقات الخارجية”.

واشنطن تضع التعاون الأمني مع السودان ضمن الأولويات

باحث في شؤون الجماعات الدينية

ويشير عبد الحميد، إلى أن الإدارة الأميركية لا تركز على وضع الإسلاميين في السودان على لائحة المنظمات الإرهابية، وقد تتغاضى عن هذه القضية عندما يتعلق الوضع بالسودان لأسباب متعددة أبرزها وجود سجل حافل من التعاون الأمني بين البلدين خلال حقبة تولي الإسلاميين للسلطة في الخرطوم.

 ولم تصدر الحركة الإسلامية أي رد فعل على التحركات الأميركية لتصنيف الجماعات الإسلامية في ثلاثة بلدان بالشرق الأوسط كمنظمات إرهابية، بينما رفض متحدث باسم الحركة الإسلامية الرد على استفسارات من مراسل (عاين) على هذه التطورات.

السودان خارج التصنيف

ويوضح الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية أبو ذر الأمين في حديث لـ(عاين): أن “حركات الإسلام السياسي في العالم تختلف من منطقة إلى أخرى وهي غير ثابتة في المظهر والجوهر لذلك من الصعب الادعاء أن القانون الأميركي حال صدوره سيمتد تأثيره إلى الإسلاميين في السودان.

ويضيف الأمين قائلًا: “حركات الإسلام السياسي يختلف وضعها وظروفها من بلد إلى آخر وبعض السياسيين يعتقدون أن واشنطن ستقدم هذه الخدمة على طبق من ذهب”.

ويقول أبو ذر الأمين: “سبق أن صنفت واشنطن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) كمنظمة إرهابية ومع ذلك لم تنفصل عن الواقع في قطاع غزة، وهذه النماذج توضح لنا كيف أن هذه الإجراءات تكون غير فعالة على الأرض”.

واشنطن لن تضع الإسلاميين في السودان ضمن دائرة التصنيف

خبير في شؤون الجماعات الإسلامية

ويضيف الأمين: “واشنطن لن تضع الإسلاميين في السودان ضمن دائرة المنظمات المستهدفة بالتصنيف الذي يجري حاليًا لأنها تعلم حجم التعامل الاستخباراتي بين السودان والولايات المتحدة خلال السنوات الماضية”.

ويعتقد أبو ذر الأمين أن السبب الجوهري أيضا في عدم وضع الجماعات الإسلامية في السودان ضمن اللائحة الأميركية المتوقعة خلال الأيام القادمة عدم قدرة القوى السياسية على “تقديم البديل الأمثل” في السودان بمعنى أن البديل غير موجود بالنسبة لواشنطن كقوى سياسية جاهزة مثل الإسلاميين من ناحية التنظيم والقدرة على إدارة الأمور- يقول الأمين.

ويعزو الأمين، صعود التيار المتبني لدعوات تصنيف الجماعات الإسلامية كمنظمات إرهابية من قبل المؤسسات الأميركية لقمع بروز بعض المسؤولين والنواب في الكونغرس وحاكم نيويورك زهران ممداني ذات التوجهات الإسلامية.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *