“تلويحة عنف”.. كيف يتربص الإسلاميين بالانتقال الديمقراطي السوداني؟

28 مارس 2023

مع قرب التوصل لاتفاق نهائي يعيد مسار الانتقال الديمقراطي في السودان، ارتفعت أصوات عناصر نظام الإخوان المسلمين المخلوع ملوّحة بالعنف كوسيلة للعودة إلى المشهد السياسي وقلب موازين اللعبة السياسية لصالحهم، وتزامن هذا الحراك مع ظهور الأمين العام المكلف للحركة الاسلامية، علي كرتي، لأول مرة منذ عزل نظامه بثورة شعبية قبل أربع سنوات.

وينخرط عناصر التنظيم المحلول، في نشاط علني وسري لترتيب صفوفهم بغرض العودة للساحة السياسية بعد سنوات من العزلة، وبدا أنهم يسابقون الوقت في سبيل تحقيق مسعاهم وهو ما قاله علي كرتي خلال كلمة مصورة في ظهوره الأخير “لن ننتظر طويلاً بعد الآن”.

نبرة التهديد الذي تحدث كرتي بها وما تبعها من تهديدات خلال إفطار رمضاني أقامه ما يسمى بالتيار الإسلامي العريض – أحد واجهات الحركة الإسلامية – مطلع الأسبوع الحالي، تطرح تساؤلات عدة بشأن مصدر قوة التنظيم المحلول التي جعلت عناصره يظهرون هذا الوجه العدائي وإعلان المواجهة على الرغم من أنه يعيش عزلة وسخط محلي ودولي.

خيار مجرب

“في ظل العزلة الجماهيرية للحركة الإسلامية، فإنه لم يعد أمام هذا التنظيم خيار غير اللجوء لوسائل مجربة في الصعود الى السلطة وهي القوة العسكرية والعنف، فمن الواضح أن عناصر الفلول تراهن على نفوذ التنظيم داخل الجيش ووحدة الاستخبارات العسكرية على وجه الخصوص”، يقول المحلل السياسي أحمد حمدان في مقابلة مع (عاين).

لكن حمدان، يشير الى أن البيئة لم تعد مواتية لنجاح أي عمل عسكري قد يقوم به الإخوان المسلمين نظراً لغياب الحاضنة الشعبية لهذا التنظيم، الى جانب الرفض الدولي للانقلابات العسكرية فلن يجد أي نظام يأتي بالعنف أي اعتراف، فأي تفكير لاستخدام هذا الخيار سيكون بمثابة مغامرة.

وفي نفس السياق يذهب الخبير العسكري خليل محمد سليمان، إلى إن “الجيش حتى الآن مثلما تركه الرئيس المعزول عمر البشير، ما تزال كل مفاصله تحت إمرة الحركة الإسلامية وباستطاعتها تنفيذ انقلاب كل يوم وليلة، ولكنها تدرك خطورة هذا العمل، فـ الفلول يوقنون أن الشعب السوداني لن يسمح لهم بالعودة عبر الجيش الذي صار معلوما أنه وكرا للإسلاميين فأي انقلاب سيكون مكشوف الهوية”.

محلل سياسي: البيئة لم تعد مواتية لنجاح أي عمل عسكري قد يقوم به الإخوان المسلمين نظراً لغياب الحاضنة الشعبية لهذا التنظيم.

“كان الإسلاميون يراهنون على مماطلة وتسويف قائد الإنقلاب عبد الفتاح البرهان وقادة اللجنة الأمنية وبقاياهم في مفاصل الدولة وتسيير الأمور حسب رغباتهم، لكنهم اصطدموا بالبند السادس الذي لا يمكن أن يتجمد في حال تعثر الانتقال الديمقراطي، فهم يدركون أن الأمر يتجه الى حصارهم والمواجهة مع المجتمع الدولي” يضيف خليل في مقابلة مع (عاين).

وحسب تقدير خليل، فإن التحركات الأخيرة لعناصر النظام البائد لا تهدف الى الاستيلاء على السلطة عبر عمل عسكري، ولكن يريدون من خلالها خلط الأوراق والتحرك بحرية لتنفيذ مخططاتهم، فهم يسعون الى فك الحصار عنهم والمحافظة على الأموال التي حصلوا عليها خلال حكمهم وما كان انقلاب البرهان الأخير إلا لهذا الغرض”.

ويتابع الخبير العسكري: “ما يمارسه عناصر التنظيم المعزول من تهديد هو بمثابة فرفرة مذبوح المراد بها تخويف المجتمع الدولي وإيجاد مكان في المعادلة القادمة، على اقل تقدير الإفلات من المساءلة والعقاب على الجرائم التي ارتكبوها من قتل وفساد وغيره”.

عودة هيئة العمليات

ووفقاً لمصادر عسكرية مقربة تحدثت لـ(عاين) فإن الاستخبارات العسكرية بدأت عمليا في استعادة هيئة العمليات بجهاز المخابرات المحلولة قبل نحو عامين ويدين عناصرها بالولاء الشديد للحركة الإسلامية، وكانت تستخدم في قمع المظاهرات السلمية، كما بدأ استنفار لعناصر الدفاع الشعبي والكتائب الطلابية الموالية للتنظيم.

وتعتبر هيئة العمليات التي أسسها مدير مخابرات نظام الحركة الاسلامية صلاح قوش، واحدة من أدوات العنف التي استخدمها النظام المخلوع في مواجهة خصومه السياسيين، وهي متهمة بإرتكاب مجزرة ضد المتظاهرين المدنيين في سبتمبر 2013م، وقتل المتظاهرين خلال ثورة ديسمبر والضلوع في مجزرة فض الاعتصام، فهي مدربة بشكل دقيق على هذه الوحشية.

تمرد قوة مسلحة يثير الرعب في شوارع الخرطوم
ووفقاً لمصادر عسكرية مقربة تحدثت لـ(عاين) فإن الاستخبارات العسكرية بدأت عمليا في استعادة هيئة العمليات بجهاز المخابرات

ويرى المحلل السياسي أحمد حمدان، أن اللجوء للتحشيد والتعبئة العسكرية يعطي مؤشر قوي لنية الحركة الإسلامية في العودة الى المشهد عن طريق العنف، ولكن بموجب المعطيات الماثلة فإن الرهان على الخيار العسكري يبقى خاسراً، نظراً لوجود جيوش ومليشيات أخرى في الساحة ليست لها ولاء للكيزان ويمكنها مقاومة أي عمل مسلح قد يلجأ له فلول النظام المعزول.

“رغم دراية الإخوان المسلمين بخطورة العمل العسكري عليهم، لكن ليس لهم أي خيار خلافه وربما يفكرون فيه مجددا حال نجحت العملية السياسية الجارية في التوصل لاتفاق نهائي وتشكيل مؤسسات السلطة الانتقالية، مثلما فعلوا في 25 أكتوبر 2021 بتعطيل مسار الانتقال الذي لا يرغبون في الوصول لنهاياته” يضيف حمدان لـ(عاين).

تأثير ضعيف

وعلى النقيض، يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية البروفسيور صلاح الدومة خلال مقابلة مع (عاين) أن الإخوان المسلمين لديهم وجود كبير داخل المؤسسة العسكرية ولكن غير مؤثر، وهو مجرد فزاعة يستخدمونها لتخويف الناس، فإن كانوا بذات القوة التي يتحدثون بها لما سقط حكمهم.

“يعتمد عناصر النظام البائد على قائد الجيش الذي تمكنوا عبره من خلق كل هذا الفراغ الدستوري وغياب المؤسسات وتحويل البلاد إلى حالة اللا دولة بغرض تنفيذ أجندتهم ومخططاتهم، ليس هناك انقلاب قادم فقد فشل هذا الخيار عند الإسلاميين”. يقول الدومة.

ويضيف: “يعتمد هذا التنظيم على الخداع والكذب، فقد تحدثوا في وقت سابق عن كتائب الظل وهددوا المحتجين بالقتل ومع ذلك لم يستطيعوا تخويف الناس، فسقط حكمهم وليس لهم أي مستقبل سياسي في هذا البلد”.

وفي نفس السياق، يقول المحلل السياسي فتحي مادبو إن علي كرتي أنهى فترة طويلة من التخفي وتحدث بلغة وتلميحات يفهم منها تبدل جوهري في موقف الحركة الإسلامية وأنها ربما تلجأ الى العنف كوسيلة للعمل السياسي بديلا للعمل المدني السلمي، لكن واقع الامر يؤكد أن الحركة سقطت وانتهى مشروعها السياسي بثورة شعبية عارمة تكامل فيها الذاتي والموضوعي.

ويرى خلال مقابلة مع (عاين) أن حالة الفشل في إدارة الفترة الانتقالية وما وصلت إليه الأوضاع في البلاد الآن هو من أغرى جماعة الاخوان المسلمين للعودة الى المشهد السياسي والخروج العلني والتحدث بهذه اللغة في الفضاء العام، وليس بسبب نفوذ داخل القوات النظامية.

“ظهور كرتي ورفاقه جزء من سيناريو العودة، ففي حالة التباين بين القوى السياسية وإقصاء بعضها من المشاركة في العملية السياسية الجارية، ربما يذهب الإسلاميين ابعد من ذلك ويبحثوا عن تحالفات سياسية مع القوى التي تم اقصائها وهو أمر متوقع الحدوث طالما حالة الانسداد السياسي مستمرة”.

فرفرة مذبوح

وليس ببعيد عن هذا، يقول المحلل السياسي الدكتور حاج حمد محمد خير في مقابلة مع (عاين) إن “علي كرتي يحاول تقمص دور القائد في هذه المرحلة وهو يستلهم خلفيته العسكرية كمنسق للدفاع الشعبي، ولكن ليس جميع من تعلو أصواتهم من الفلول يدينون له بالولاء، فجماعة الإسلام السياسي نفسها أصبحت منقسمة، فالتيار الإسلامي العريض تكتل يتبع للسلفيين وليس للحركة الإسلامية”.

محلل سياسي: يتحرك فلول الكيزان في الوقت الراهن بسبب الأخطاء التاريخية التي ارتكبتها الحرية والتغيير

“للحركة الاسلامية نفوذ داخل الجيش وكل مفاصل الدولة ولكن لا تستطيع تحريك هذا النفوذ او الاستفادة منه بشكل مباشر، وقد تستخدم واجهات غير رسمية مثل حركة الصوارمي خالد سعد ودرع السودان وغير من الكيانات الموالية ولكن النتائج ستكون صفرية نظرا لأن هذه الواجهات ستصطدم بالعمل القوي للجان المقاومة والفعاليات الثورية في المركز والولايات فبالتالي لا يعول عليهم كثيراً”، يضيف خير.

وتابع “يتحرك فلول الكيزان في الوقت الراهن بسبب الأخطاء التاريخية التي ارتكبتها الحرية والتغيير بعد تسلمها مقاليد الحكم في الفترة الانتقالية فلم يهتموا بتفكيك قانوني لعناصر الحركة الاسلامية في مفاصل الدولة، و جنحوا لأساليب الاستعراض مثل مقولة صامولة صامولة، عوضا عن محاسبة قانونية ناجزة للفاسدين”.

ويرى أن ما يحدث نتاج طبيعي لفشل ادارة المرحلة الانتقالية في السودان، مع ذلك فإن تحركات الفلول لن تحقق مبتغاها وهي مجرد فرفرة مذبوح، ولن يستطيع الجيش خدمتهم في شيء لأنه مقيد بتحالفات دولية في مجالات مكافحة الارهاب وغيره، فلا تملك معظم الاجهزة النظامية في السودان الارادة الكاملة والجرأة لتقدم خدمة سياسية لنظام الحركة الاسلامية المخلوع.