وثائق تكشف روابط فاجنر الروسية مع الشركات العسكرية السودانية
9 نوفمبر 2022
اجتذب الغزو الروسي لأوكرانيا إدانة وعقوبات واهتمام إعلامي غير مسبوق ببعض أقوى الشخصيات داخل نظام فلاديمير بوتين. ومن بين هؤلاء الرجل المعروف باسم “طاهي بوتين”، يفغيني بريغوزين، وهو رجل أعمال و متعهد الطعام الذي اعترف أخيرًا في سبتمبر بتأسيس مجموعة مرتزقة فاجنر سيئة السمعة ، والتي تنتشر في مناطق الحروب حول العالم ، والتي غالبًا ما تقاتل في صفوف الفصائل المتحالفة مع الحكومة الروسية. اتُهم موظفو الشركة بارتكاب جرائم قتل وجرائم حرب في عمليات في إفريقيا وسوريا وأوكرانيا.
هذا العام، كشفت تقارير في بلومبرغ ونيويورك تايمز وسي إن إن دور شركة ميروي جولد المحدودة Meroe Gold Limited، وهي شركة سودانية داخل شبكة فاجنر Wagner، زاعمة أن فاجنر كانت تقدم الدعم والمشورة للنظام الديكتاتوري الوحشي في السودان من أجل الوصول إلى الذهب. والآن، حصلت OCCRP، التي تعمل بالشراكة مع صحيفة لوموند Le Monde، على وثائق مسربة، بما في ذلك العقود والرسائل والمذكرات الداخلية، التي توفر تفاصيل جديدة عن كيفية قيام الشركة الأم ، إم انفست M Invest لميروي Meroe المملوكة لبريغوزين – بدفع ملايين الدولارات لشركة تديرها المخابرات العسكرية السودانية. وفي المقابل، حصلت على تصاريح إقامة وأسلحة لموظفيها الروس. كما يبدو أن ميروي Meroe تلقت معاملة خاصة من الرئاسة السودانية .
تعتبر صفقة إم إنفست M Invest مع الجيش السوداني إشكالية بشكل خاص لأن الجيش معروف بأنه “فاسد بشكل عميق ومنهجي” ، فضلا عن كونه أنبوباً رئيسياً تمر عبره الأسلحة غير القانونية ، كما قال أندرو فاينشتاين ، خبير مكافحة الفساد ومؤلف كتاب “عالم الظل: داخل تجارة الأسلحة العالمية”.
وقال: “تستخدم إم إنفست بشكل فعال جيشاً من المجرمين للقيام بأنشطتها الإجرامية”.
ريتشارد ميسيك، كبير المختصين السابق في عمليات البنك الدولي والذي يقدم حالياً استشارات للمنظمات الدولية بشأن التطوير القانوني ومكافحة الفساد، قال أن فاجنر والجيش السوداني كانا “اثنين من أكثر الشخصيات السوداء سواداً في الاقتصاد العالمي”.
وقال ميسيك: “السؤال هو كيف تتم هذه المعاملات [بين فاجنر والشركات العسكرية السودانية]”. “هذان لاعبان سيئان حقا لا ينبغي السماح لهما بشراء الأسلحة في أي مكان. إذا كانت المدفوعات بالذهب، فيجب إيقافها. أما إذا كان ذلك من خلال النظام المالي الدولي، فيجب على سلطات العقوبات التأكد من أن الشركات والأفراد المرتبطين بهم لا يمكنهم إمتلاك أي حساب [مصرفي]”.
نفى بريغوزين مراراً وتكراراً وجود أي صلة له بميروي، أو في الواقع بفاجنر. وعلى مدى عدة سنوات، رفع دعوى قضائية ضد وسائل الإعلام التي ادعت أن فاجنر مملوكة له. ولم يعترف بريغوزين بأنه أسس الشركة إلا في سبتمبر بعد وقت قصير على نشر مقاطع على الانترت لفيديو له وهو يجند سجناء روس للقتال مع فاجنر في أوكرانيا.
على الرغم من أنه لم يعترف علنا بأنه يمتلك ميروي ، فقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الشركة في يوليو 2020 بسبب علاقاتها به. وقالت وزارة الخزانة إن شركة ميروي مملوكة لشركة تدعى إم إنفست يملكها أو يسيطر عليها بريغوزين. وقالت الولايات المتحدة إن إم إنفست وفرت غطاء لعمليات فاجنر داخل السودان أثناء حصولها على تراخيص تعدين الذهب.
رفض ميخائيل بوتيبكين، الذي يقود ميروي في السودان، الرد على أسئلة من OCCRP. كل الرسائل التي أرسلت إلى البريد الإلكتروني الخاص بميروي عادت باشعارات رفض.
كذلك رسائل البريد الإلكتروني التي ارسلت إلى وزارتي الدفاع والطاقة السودانيتين للحصول على تعليق ، عادت بإشعارات رفض لأن صناديق البريد الوارد الخاصة بالوزارتين كانت ممتلئة، ولم يرد أي من أرقام الهواتف المدرجة لأي من الوزارتين . ولم يتسن الوصول إلى أسوار للتعليق.
دفع ثمن “حسن النية” – والوصول إلى القواعد العسكرية
تأسست ميروي جولد Meroe Gold في السودان في صيف عام 2017 ، في وقت كانت فيه روسيا والسودان تعززان العلاقات وتوقعان اتفاقيات تعاون في العديد من القطاعات ، بما في ذلك التعدين. زار الرئيس السوداني آنذاك، عمر حسن أحمد البشير، روسيا في نوفمبر2017، ومنذ ذلك الحين انتشرت علامات الوجود الروسي في السودان. وظهرت صور ومقاطع فيديو لروس يرتدون زياً عسكرياً يدربون جنوداً سودانيين على الإنترنت، تلتها تقارير إعلامية تفيد بأن فاجنر كانت تعمل في السودان.
بعد وقت قصير من إنشائها، أبرمت الشركة الأم لميروي صفقة مدتها خمس سنوات مع شركة أمنية مرتبطة بالجيش مقرها في الخرطوم، ووافقت على دفع مبالغ ضخمة من المال مقابل مساعدتها في جلب موظفي إم إنفيست M Invest إلى البلاد ، ومقابل الحصول على خدمات “الأمن والسلامة”.
ويبدو أن الشركة، وهي شركة أسوار للأنشطة المتعددة المحدودة Aswar Multi Activity Co. Ltd. ، كانت خاضعة لسيطرة المخابرات العسكرية السودانية، وفقا للعقود والوثائق والمراسلات الداخلية. وكان مديرها العام محمد قريشي محمد الأمين، وهو عميد في الجيش السوداني. وتظهر الملفات الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي لموظفين سابقين أنهم تخرجوا من الكلية العسكرية السودانية.
في مقابل توفير الحماية والمساعدة في إجراءات الاقامة وخدمات الاستيراد لموظفي إم إنفيست و ميروي العاملين في السودان، كان من المقرر أن تحصل أسوار على 100،000 دولار شهرياً ، بالإضافة إلى 200،000 دولار مقدماً “كرسوم حسن نية” ، وفقًا لنسخة من عقدهم الذي تمت مشاركته مع OCCRP من قبل Dossier Center – وهي منظمة في المملكة المتحدة يدعمها ناقد بوتين المنفي ميخائيل خودوركوفسكي ووفقاً كذلك إلى المصادر المحلية. كما وافقت شركة إم إنفيست على دفع جميع الضرائب والرسوم ذات الصلة المستحقة على أسوار للحكومة ، بالإضافة إلى رواتب موظفي أسوار. علاوة على كل هذا ، ستدفع إم إنفيست أيضاً لشركة أسوار خمسمائة دولار عن كل فرد من موظفيها الذين ساعدت الشركة في جلبهم إلى السودان.
كما ألتزمت أسوار “بتوفير الأسلحة والمعدات اللازمة التي يحتاجها الطرفان من خلال وزارة الدفاع السودانية”. وأشار ملحق بالعقد إلى أن أسوار ستوفر مركبات مدرعة وأسلحة من العيار الكبير وطائرات بدون طيار ومعدات اتصالات، لكن العقد لم يحدد عدد الأسلحة المطلوبة، أو من أين ستأتي. كانت أسوار تقوم بتخزين ونقل وتخليص الأسلحة عبر الموانئ والمطارات.
تُظهر الوثائق أن أسوار عملت مع شركة الريادة، وهي شركة طيران محلية متعاقدة من الباطن مع شركة ميروي لتوفير النقل بين الخرطوم وجمهورية أفريقيا الوسطى، حيث تتمتع فاجنر أيضاً بوجود كبير. في بعض الحالات على الأقل ، تم إجراء الرحلات الجوية على متن طائرة أنتونوف AN-26 روسية الصنع مسجلة لدى الجيش السوداني.
ويشير خطاب من بوتيبكين عام 2018 إلى رئيس هيئة الاستخبارات السودانية إلى أنه بفضل أسوار، تمكنت الطائرات التي استأجرها ميروي أيضاً من الطيران بموجب رمز إشارة عسكري، مما يعني أن نقلها الجوي لم يكن ليسجل على أنظمة تتبع الطيران التجاري. ويشير بوتيبكين إلى اتفاق سابق بين أسوار والقوات الجوية قال إنه يجب أن يمنح ميروي إذناً بالهبوط في قاعدة عسكرية في الخرطوم واستخدام “رمز الإشارة الخاص بالقوات الجوية لغرض العمل داخلياً و خارجياً”.
وقال فاينشتاين إن العقد المبرم مع أسوار يظهر أن شركات بريغوزين متورطة بشدة مع الجيش السوداني.
“ذلك يخبرنا أن بريغوزين تدفع لشركة عسكرية خاصة تسيطرعليها الحكومة مقابل الحق في الاستعانة بمصادر خارجية للحصول على امتيازات سيادية ، بما في ذلك الأسلحة والمرور لأفرادها واستخدام الموانئ والقواعد الجوية”.
استمر اتفاق أسوار حتى بعد إجبار البشير على ترك منصبه في انقلاب عسكري عام 2019. حيث تقول مذكرة رسمية من أسوار في مايو 2019 – بعد شهر من الإطاحة بالبشير – إن “ضابطا” رافق وفداً روسياً من ميروي أثناء سفره من الخرطوم إلى ولاية نهر النيل، موقع مصنع ميروي.
هدية ذهبية
في السودان، يتعين على الشركات الأجنبية التي لديها تراخيص للتنقيب عن المعادن إنشاء شركة إنتاج لاستثمار أي موارد بعد اكتشافها. وتأخذ وزارة المعادن 30 في المائة من أسهم هذه الشركات بموجب القانون السوداني.
لكن في أغسطس 2018، منح مكتب البشير خدمة لافتة للنظر لميروي: فقد أمر الوزارة بالتنازل عن حصتها في عملية الذهب المستقبلية للشركة المملوكة لروسيا.
وبعد أقل من شهرين من تعليمات الرئاسة، منح وكيل وزارة المعادن شركة ميروي تراخيص إضافية مربحة للتعدين ومعالجة نفايات الذهب في ثلاث مناطق منتجة للذهب، متنازلاً مرة أخرى عن نسبة 30 في المائة. كما مُنحت الشركة حقوق التنقيب عن احتياطي آخر محتمل من الذهب.
وشكك ميسيك الخبير السابق في البنك الدولي حول الدافع الحقيقي لتنازل رئاسة البشير عن حق الحكومة في الحصول على 30 في المئة من رخصة ميروي لتعدين الذهب. حيث قال أن:
“في أي وقت تنحرف فيه عن قانون الاستثمار الأجنبي المعمول به ، عليك أن تسأل عما إذا كان ذلك بسبب أن المستثمر الأجنبي مهم للغاية وتسعى الحكومة جاهدة لإحضاره ، أو أن هناك سحابة تغطي على صفقة خاصة قد تكون مبلغ جانبي أو بعض المقايضات الأخرى، مثل القدرة على شراء الأسلحة للأشخاص الموجودين في السلطة”.
اعترضت الإدارة القانونية في وزارة المعادن السودانية على التنازل في حالة واحدة على الأقل، وفقا لوثائق داخلية حصلت عليها OCCRP، مشيرة إلى أنه لا يمكن إجراء التنازل نظرًا لأن التراخيص لم تمنح بعد ولم يتم إنشاء أي شركة إنتاج. ولكن بعد ما يزيد قليلاً عن شهر، أمرت الوزارة بإصدار الإعفاء، وهو ما فعلته في أواخر ديسمبر 2018.
وتكشف الوثائق الرسمية التي تحدد العلاقة بين ميروي ووزارة المعادن السودانية أن حصة الدولة في أول تراخيص معالجة الذهب هذه ستنتقل أولاً إلى حوزة شركة السودان لتجارة المعادن Sudan Mineral Trading – SMT، وهي شركة مملوكة للجيش السوداني، قبل أن يتم منحها في نهاية المطاف إلى ميروي.
يبدو كما لو أن SMT و Meroe يعملان كشركاء في ترخيص المعالجة الجديد. لكن التقدم لم يكن سريعاً : ففي رسالة رسمية إلى وزارة المعادن في أوائل عام 2020، بعد فترة طويلة من اعتقال البشير من قبل الجيش وإجباره على الخروج من السلطة، أشار بوتيبكين إلى أن الترتيب لم يتم الانتهاء منه بعد. وقال إن SMT لا تزال ملزمة في نهاية المطاف بتمرير التنازل عن حصة الحكومة البالغة 30 في المائة إلى مالكي Meroe. ومن غير الواضح ما إذا كان ذلك قد حدث.
قال فينشتاين ، مؤلف كتاب تجارة الأسلحة ، إن الشراكة مع SMT بشأن تراخيص الذهب كانت على الأرجح تكتيكًا لكسب الدعم لعمليات ميروي مع الجيش السوداني القوي.
وقال لـ OCCRP: “ميروي تتخذ أسلوباً مكرراً يتمثل في استخدام “الحوافز” العسكرية لتكون قادرة على استغلال حقوق التعدين”.
بحلول نهاية عام 2020، أصبح التدقيق على ميروي قد أصبح مكثفاً، خاصة بعد أن فرضت عليها عقوبات من قبل الولايات المتحدة. البشير، الذي كان في السلطة عندما تم تأسيس ميروي، و يواجه الآن المحاكمة لدوره في الانقلاب الذي أوصله إلى السلطة في السودان.
وفي هذا السياق الأكثر تحدياً، سلمت الشركة منشأة معالجة النفايات إلى شركة جديدة تماماً تسمى الصولج للتعدين المحدودة Al Sawlaj for Mining Ltd، والتي لا تملك أصولاً ولديها موظف واحد فقط، كان مديراً سابقاً لشركة ميروي جولد ومساهماً واحدا ً كبيراً فيها. وقالت مصادر مطلعة مقربة من الحكومة السودانية إن الصولج مجرد واجهة جديدة لأصحاب ميروي.
“تم إعداد هذا التقرير تعاون بين شبكة عاين، ومشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP) ولوموند.”