(ابوحمد).. مدينة تطاردها لعنة الموارد  

25 يناير 2022

يقاوم السكان المحليون بمدينة ابوحمد في ولاية نهر النيل شمالي السودان، تحولات كبيرة طرأت على المدينة وقراها المجاورة بعد أن تحولت المدينة إلى مركز  اقتصادي ضخم نتيجة لعمليات التنقيب عن الذهب عبر الوسائل التقليدية والحديثة في أرياف وصحاري المنطقة.

مدينة ثانية بدأت تتشكل ملامحها منذ العام 2008 بتوافد الآلاف من معدني الذهب إلى المنطقة وانتشارهم في اودية وصحاري قريبة من المدينة التي عرف سكانها تعدين الذهب مع الوافدين وكان جل نشاط السكان المحليين يقتصر على الزراعة في مساحات محدودة تتميز بزراعة النخيل والمحصولات الشتوية. 

       

الواقع الاقتصادي الذي فرض على السكان المحليين غير المنخرطين في النشاط الاقتصادي الجديد المرتبط بالذهب جاء متزامنا مع الانهيار الكبير في القطاع الزراعي الذي يعتمدون عليه بعد الارتفاع الكبير في مدخلات الإنتاج والوقود.

“المدينة التي ألفناها تتبدل تحت ناظرينا تماما”، يقول شاذلي عبد السلام وهو أحد سكان مدينة أبوحمد ويضيف لـ(عاين)، التحولات التي أعنيها في مجالات عديدة وكثيرة، أبرزها الجانب الاقتصادي والاجتماعي”.

 من يتحرك في شوارع المدينة تتكشف له ملامح مدينتين، الأولى المدينة التاريخية بمبانيها التقليدية العتيقة، واحياء أخرى انتصبت فيها اعمدة الاسمنت وتطاول فيها البنيان.

السوق الوحيد والتاريخي لمدينة ابوحمد صار اسمه “السوق القديم”، وجاءت هذه التسمية بعد استيعاب السوق الجديد المعروف بـ “سوق الجمارك” النشاط التجارى الضخم المصاحب لعمليات التعدين التقليدية وشركات الأمتياز وغيرها من الشركات العاملة في مجال تعدين الذهب.

لا يشكو سكان المدينة المحليين من غلاء الاسعار الناجم عن الحركة الاقتصادية النشطة في المنطقة إثر عمليات التعدين فقط، بل انسحب هذا الغلاء على كل مجالات الحياة.

“ابو حمد ماعادت المدينة التي نعرفها، ولم تستوعب الحركة الكبيرة التي أحدثها التعدين وانعكس النشاط الاقتصادي الكبير في معيشة الناس سلبا برفع أسعار المنتجات والعقارات والمواصلات لأن المعدنين يمكنهم دفع اي مبلغ في الأسواق مقابل ضرورات يتشارك مه فيها السكان المحليين غير المعدنين”. يقول الأستاذ في المدارس الثانوية وأحد سكان المدينة، الحاج بابكر.

ويضيف لـ(عاين)، “اصبحنا نتفرج، نحن نعيش واقع اقتصادي متناقض، مثلا الجازولين في المنطقة يستهلك في التعدين أكتر من الزراعة، ومرتبات الموظفين القليلين في المؤسسات الحكومية يمكن أن تصرفها على عائلتك في أسبوع واحد”.

ينشط حوالي 2 مليون سوداني قدموا من ولايات مختلفة وهذا العدد أكبر من سكان محلية أبوحمد ونواجه مشكلات في تحصيل الموارد وليست لدينا احصائية دقيقة بشركات الامتياز ومن يملكها- المدير التنفيذي لمحلية أبوحمد، بدر الدين إبراهيم.  

يقول “ود المدني الأمين حاج أحمد” أحد سكان المدنية، لـ(عاين)، “هناك تغيير كبير طرأ على المدينة لكنه يرى من الضروري النظر إليه بعين إيجابية، وحدثت قفزات اقتصادية واجتماعية للمدينة وجاء إليها الناس من كل انحاء السودان بعد ان كانت تنحصر في مكونات اهلية معينة، وحدث تمازج ونتجت عنه حركة تجارية”.

أعداد كبيرة من الذين وفدوا إلى منطقة أبوحمد استقبلتهم المدينة بحفاوة، بحسب الناشط المدني في المنطقة التاج أحمد عيسى، الذي يلوم السلطات المحلية والولائية والمركزية على تجاهلها للمنطقة وعدم تقديم أي خدمات اضافية لهذه الاعداد الكبيرة من السودانيين الذين لجأوا للمنطقة على الرغم مما توفره من أموال طائلة لخزينة الدولة بحسب قوله.

وبحسب المدير التنفيذي لمحلية أبوحمد، بدر الدين ابراهيم ابراهيم، فأن النشاط الغالب في السابق كان يعتمد على الزراعة ومن ثم تحول إلى التعدين عن الذهب وتعدن في المنطقة أكثر من (13) شركة تعدين “شركات امتياز”.

 وتضم ايضا بحسب إبراهيم، اكبر سوق للتعدين (سوق الطواحين)، ويشير إلى أن التعدين انعكس على الخدمات بشكل واضح، وأشار  إلى أن الشركات تورد للمحلية العوائد الجليلة حوالى (30-40) مليار شهرياً- قبل نحو 9 اشهر-  وهي غير مرضية لأن انتاج التعدين الأهلي اكبر من الشركات وقد يصل الى (80%) الشركات تورد عن طريق الشركة السودانية للموارد المعدنية العوائد الجليلة والمسؤولية المجتمعية والاخيرة لا تاتي بصورة واضحة وكانت هناك خلافات بين الولاية والشركة السودانية حولها.

تسرب من المدارس

لعنة مورد الذهب تلاحق سكان مدينة ابوحمد في تعليم ابنائهم. ويقول مدير المدرسة الثاوية في المدينة الحاج إبراهيم لـ(عاين) بأسى، ” اشطر طالب في المدرسة غاب هذا العام بسبب ذهابه للعمل في التعدين بعد ان استفحلت الأزمة الاقتصادية في البلاد”.

وفي كثير من حالات التسرب يساعد أولياء الأمور ابنائه في مغادرة فصول المدارس واخذهم لمناطق التعدين-بحسب إبراهيم –الذي يقول ان المعلمين أيضا يذهبون الى التعدين في فترة مراقبة الامتحانات.

ووفقا للمعلم، الحاج ابراهيم،  فان الاعداد الكبيرة من الوافدين إلى المدينة بعد نشاط التعدين تسببوا في زيادة أكثر من النصف في الفصول دون إجراء عمليات توسعة في المدارس.

ويأتي المدير التنفيذي لمحلية أبوحمد بأسباب أخرى يقول انها ساهمت في تردي التعليم في المنطقة ويقول لـ(عاين)، ” يعتبر الكثير من المعلمين مدينة ابوحمد واحدة من مدن الهامش السوداني، ولا يرغبون في العمل بها لجهة تردي البيئة المدرسية والعائد المادي لاسيما المدارس الثانوية لان ادارتها مركزية ولا تقوم المحلية بتمويلها. ويضيف ليس هناك شيئا ملموسا انعكس من مورد الذهب على التعليم.

قطاع الصحة يشتكي

صحياً، تشكو الكوادر الطبية في المدينة من الضغط العالي على الخدمات الطبية في المدينة. ويقول المدير الطبي لمستشفى ابوحمد،  محمد معتصم مختار لـ(عاين)، “الضغط اصبح عالى المستشفى بعد دخول التعدين، تردد المرضى ما بين (300- 500) مريض خلال اليوم (90%) منهم معدنين، ويلاحظ ذلك في عنبر الرجال يكون ممتلئ دائماَ بعكس عنبر النساء والأطفال”.

ويشير مختار، إلى استقبال المستشفى يومياً (8-10) حالة اصابة بمرض الحصبة وسط المعدنين من الطواحين ومنطقة قبقبة. وأشار إلى قيام  وزارة الصحة بحملة تحصين في الطواحين وقبقبة “نوعاً ما بدأت تقل الحالات”.  وقال “ايضاً تأتي إلينا حالات تسمم بمادة السيانيد والزيبق المستخدمتين في تخليص الذهب ولكنها ليست كثيرة وهناك أمراض جلدية بدأت تظهر هذه الأكثر شيوعاً”.

وبدأ مختار عاتبا على عدم دعم الصحة في مدينته الغنية بموارد الذهب، ويقول  هناك مساهمات لكن ليست بالحجم المطلوب، وزاد “يمكنني القول بأن قطاع الصحة هو المتضرر الأول من عمليات التعدين ولدينا نواقص كثيرة في المشفى اهمها غرفة العظام لأن الإصابات الناجمة عن انهيار آبار التنقيب كبيرة”.