السودان: كيف تعمل النيابة العامة في ظل قانون الطوارئ؟
28 فبراير 2022
شكا وكلاء نيابة في السودان من تغول بعض أجهزة الدولة والأجهزة الأمنية التي تعمل بشكل متعمد على حجب المعلومات عن النيابة العامة، الأمر الذي يعيق عملها لاسيما بعد تزايد قمع المتظاهرين السلميين المناوئين للانقلاب العسكري.
وقال مصدر بالنيابة العامة إن الأجهزة الأمنية تغولت على سلطات النيابة، عندما قامت بقمع المتظاهرين السلميين، دون إشراف وكلاء النيابة الأمر الذي يُعد مخالفة لقانون الإجراءات الجنائية. ولفت المصدر الذي طلب حجب إسمه في حديث لـ (عاين) إلى أن قانون الاجراءات الجنائية ينص على “أن يشرف وكلاء النيابة على التجمعات السلمية وإستخدام أقل قدر من القوة في مواجهة من يثبت تفلته”.
وأشار إلى أن إستخدام الأجهزة الأمنية لسلطة القبض والحبس دون أوامر صادرة من النيابة العامة يعتبر جريمة إعتقال غير مشروع بموجب القانون الجنائي.
إختصاصات النيابة:
وتختص النيابة العامة بممارسة سلطة التحري والتحقيق والاتهام ومباشرة الدعوى الجنائية واتخاذ جميع الإجراءات والتدابير المتعلقة بها أو أي إجراء سابق لها، بموجب المادة (11) من قانون النيابة العامة لسنة 2017.
كما منح القانون النيابة العامة عدة سلطات ممثلة في: الأمر بفتح الدعوى الجنائية وفقاً لأحكام القانون والتحري والتحقيق في الدعاوى الجنائية وتولي الإدعاء أمام المحاكم والطعن في الأحكام التي تصدر فيها والرقابة على أماكن الحبس التابعة للشرطة وشرطة السجون وجهاز الأمن والمخابرات الوطني وغيرها من أماكن الحبس وعلى الدور المخصصة للأحداث، وذلك بإجراء زيارات لها والإطلاع على دفاترها، و أوامر القبض والحبس، وتلقي شكاوى المحبوسين،والتحقيق فيها واتخاذ ما تراه مناسباً بشأنها، وذلك مع مراعاة اختصاصات الجهات الأخرى وحماية المصلحة العامة والتصرف بموضوعية والمراعاة الواجبة لموقف أطراف الدعوى الجنائية والاهتمام بكافة الظروف ذات الصلة سواء كانت لصالح المتهم أو ضده والقيام بالملاحقات القضائية المتصلة بالجرائم التي يرتكبها الموظفون العموميون، خاصة ما يتعلق بالفساد وإساءة إستخدام السلطة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى إتخاذ التدابير اللازمة لمنع وقوع الجريمة والحد من استمرارها من أجل حفظ الأمن والسلم الإجتماعي.
وتقول وكيلة نيابة لـ(عاين)، بعد أن طلبت حجب إسمها، إن هذه الاختصاصات تُقرأ مع ما ورد في قانون الإجراءات الجنائية فيما يتصل بسلطات النيابة العامة و ولايتها على المجتمع، مؤكدة على أن دور النيابة العامة يتمثل في تمثيل المجتمع وحماية حقوقه.
وقال أحد المقبوضين الذين مكثوا نحو شهر بسجن سوبا شرقي الخرطوم، بعد أن تم إلقاء القبض عليه وآخرين، من جوار منزله، وتم إطلاق سراحه مؤخراً: “إنه تعرض للإستجواب مرة واحدة” موضحاَ في حديث لـ(عاين) أن الذي إستجوبه كان شخصاً لم يستطيع تحديد الوحدة الأمنية التي ينتمي إليها.
خطورة قانون الطوارئ:
ويعمل قانون الطوارئ على تنظيم “حالة الطوارئ” لمواجهة ظرف استثنائي في الزمان والمكان المحددين.وأشارت وكيلة النيابة الى أن قانون الطوارئ تعلنه الحكومة لمواجهة ظروف طارئة وغير عادية تهدد البلاد أو جزءاً منها وذلك بتدابير مستعجلة وطرق غير عادية في شروط محددة ولحين زوال التهديد.
وأضحت أن خطورة قانون الطوارئ تتمثل في أنه يشكل خطراً على حرية المواطنين، لافتة إلى أن كل التشريعات الدولية أوردت نصوص حازمة لتقييد تطبيقه للحد من العسف الذي تمارسه السلطات في ظل قانون الطوارئ.
“وتكمن خطورة استمرار قانون الطوارئ في أنه يمنح الأجهزة الأمنية سلطات مطلقة في القبض على الأشخاص وتفتيش الأماكن، كما يمنح منفذي القانون سلطات واسعة وحصانات مطلقة الأمر الذي يُعد تغولاً على اختصاص النيابة العامة في الإشراف على القبض والتفتيش والرقابة على دور الاحتجاز وفق سلطاتها المنصوص عليها في القانون” تقول وكيلة النيابة، وتضيف: إلى جانب ذلك فإن الحصانات المطلقة تُساعد على الإفلات من العقاب حال حدوث أي انتهاكات لحقوق الانسان من قِبل الاجهزه الأمنية تحت ذريعة تطبيق قانون الطوارئ.
أهم الأسباب التي أدت لعدم قدرة النيابة العامة القيام بدورها المُناط بها، بحسب وكيلة النيابة هي تدخل السلطة السياسية في الدولة في أعمال النيابة بدءاً من تعيين النائب العام بواسطة مجلس السيادة.
ونصت الوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس 2019، على أن إعتماد تعيين النائب العام بعد ترشيحه من قبل المجلس الأعلى للنيابة العامة، ولحين إعادة تشكيل المجلس الأعلى للنيابة يُعين مجلس السيادة النائب العام.
كما يُشار إلى أنه وحتى الانقضاض على حكومة الفترة الانتقالية نهاية أكتوبر من العام الحالي، لم يتم إنشاء المجلس الأعلى للنيابة العامة.
“كانت سلطة تعيين وعزل النائب العام بيد مجلس السيادة” تقول وكيلة النيابة وتضيف:”لا نستطيع القول بأن هناك استقلالية في عمل النيابة العامة، الأمر الذي يقعدها عن القيام بدورها تجاه المجتمع.
وتشير إلى أنه في العام 2017 تم فصل عمل النائب العام عن وزارة العدل، الأمر الذي أدى لأن تعاني النيابة العامة من قلة الكادر البشري باعتبارها حديثة الإنشاء.
وتأسست النيابة العامة كسلطة مستقلة في الدولة في العام 2017 بكادر بشري لا يتجاوز عدده 500 وكيل نيابة في كافة ولايات السودان المختلفة الى جانب عدم التدريب والتأهيل الكافيين لهذه الكوادر من أجل القيام بدورها في التحري والتحقيق وفق المعايير المطلوبة لتحقيق العدالة الجنائية في الدولة.
ورداً على سؤال ما إذا كانت هناك جهات امنية أو غيرها تعمل على عرقلة عمل النيابة العامة، تقول وكيلة النيابة بأن هناك عوامل تؤثر على قيام النيابة بدورها تجاه المجتمع وحماية الحريات وحقوق الإنسان، على رأسها استمرار العمل وفق قانون الطوارئ.
وكيلة نيابة: اجهزة الدولة لا تتعاون مع النيابة العامة في قضايا شهداء الثورة وهناك تعطيل متعمد للتحري
وأوضحت بأن هناك عدم تعاون من بعض أجهزة الدولة فيما يتعلق بمد النيابة العامة بالمعلومات في الدعاوى المتعلقة بمقتل الشهداء أبان ثورة ديسمبر المجيدة.
وأشارت إلى أن النيابة العامة كانت تقوم بخاطبة جهازي الأمن والمخابرات العامة والشرطة من أجل مدها بمعلومات حول منسوبيها ، أو تسليمهم للنيابة لأغراض التحري؛ تقول وكيلة النيابة: “للأسف لم نكن نحصل على أي إفادات وفي بعض الأحيان نحصل إستجابة بطيئة بعد العديد من المخاطبات” وتضيف: لقد كان هذا الأمر يُعطل سير التحري، لافتة إلى أن ذلك كأن يختلف من إدارة لأخرى.
كما أشارت إلى أن بعض الاجهزة الحكومية ساهمت بشكل أو بآخر في تأخير سير التحري في بعض القضايا مثل قضايا الفساد عن طريق تأخير الإفادات والتقارير التي تطلبها النيابة كالمراجع القومي.
ومنذ إنطلاق التظاهرات صبيحة الخامس والعشرين من أكتوبر، رفضاً للإنقلاب العسكري، الذي قاده القائد العام للجيش السوداني، لا تزال آلة القمع مستمرة ضد المتظاهرين السلميين، وقتل منهم 83، فيما جُرح الآلاف.
وزار الخبير الأممي لحقوق الانسان أداما يونغ السودان في الفترة بين 20 إلى 24 فبراير الجاري بعد تأجيل لمدة شهر بطلب من الخرطوم العاصمة.
وإلتقت هيئة الدفاع عن المتأثرين بالاحتجاز غير المشروع وشهداء القتل الجزافي بالتضامن مع هيئة محامي دارفور وشركاؤها ضمن قوى المجتمع المدني بالخبير الأممي بمقر البعثة بالخرطوم العاصمة.
وقالت الهيئتان أنهما مدتا الخبير الأممي ببيانات حول المحتجزين والمحتجزات في كل من بسجن سوبا ودار التائبات أمدرمان والتحقيقات الجنائية بحري وأماكن الاحتجار الأخرى، كما قالتا أنهما مدتا الخبير الأممي ببيانات حول شهداء القتل الجزافي.
وفي بيان تزامناً مع زيارة الخبير الأممي قالت الهيئتان أنهما ينظران للبلاغات الجنائية التي فُتحت في مواجهة المحتجزين/ات بأنها “كيدية” وأن الإفراج عنهم بالضمان الغرض منه تقنين الإنتهاكات وتحاشي التدابير الدولية وتقرير الخبير الأممي.
إستمرار القتل
“لا أستطيع تفسير السبب وراء إستمرار وجود حالات قتل وعنف وانتهاكات على الرغم من خروج وكلاء النيابة في المواكب”. توضح وكيلة النيابة وتضيف: غير أن المسألة ربما تتعلق بتواجد قوات غير الشرطة في المواكب، الأمر الذي يصعب على النيابة السيطرة عليها، مشيرة إلى أن جهاز الشرطة هو الجهاز الوحيد الذي يعمل تحت إشراف النيابة وفقاً لقانون الإجراءات الجنائية.
وتعليقاً على الأعداد الكبيرة للمعتقلين السياسيين، الفترة الماضية تشير إلى أن النيابة لا تستطيع فرض رقابتها في عمليتي القبض والحبس إلا في إطار دعوى جنائية، موضحة أن المعتقلين يتم القبض عليهم وفقاً لقانون الطوارئ. وشددت على أن إستمرار حالة الطوارئ هو السبب في حدوث هذه التجاوزات.
وبالعودة إلى وكيل النيابة فإنه يرى أن وكلاء النيابة يقومون بأدوارهم على أكمل وجه، خاصة فيما يتعلق بالمعتقلين في حراسات الشرطة. لافتاً إلى أن وكلاء النيابة يحرصون على الوقوف على أحوال المقبوضين والإفراج عنهم بالضمان. ويضيف “في كثير من الأحيان يتم شطب البلاغات في مواجهتهم”.
ويتفق وكيل النيابة على إن الذي يعيق عمل النيابة العامة كمؤسسة في هذه المرحلة هو الإستخدام السيئ وبلا مشروعية لحالة الطوارئ والتوسع فيها من أجل قمع الأصوات التي تنادي بإسقاط الإنقلاب.
وسبق وقدم عشرات الأعضاء من النيابة العامة، مذكرة للنائب العام المكلف حول مجزرة السابع عشر من يناير العام الحالي، طالبوا فيها تشكيل لجنة تحقيق عليا حول كافة الانتهاكات التي وقعت منذ الخامس والعشرين من أكتوبر 2021، كما أكدوا على ضرورة أن تقوم النيابة العامة بدورها في حماية المجتمع في التعبير السلمي عن الرأي.
من جانبه قال المحامي والقانوني عبد الباسط الحاج في حديث لـ(عاين): “إن السلطات الأمنية السودانية درجت على التغول والتأثير على الجهاز العدلي بشكل مستمر. مشيراً إلى أن ذلك أدى إلى نتائج وخيمة من ضمنها عدم استقلالية الجهاز العدلي وعدم نزاهة القرارات.
وأوضح أن التدخلات الأمنية مردها أن لدى جهاز الأمن أو القطاعات الأمنية عموماً سلطات وصلاحيات واسعة تجبر النيابة أو القضاء على إصدار قرارات تكون من مصلحة السلطة السياسية الحاكمة بإستمرار.
ولفت الحاج، إلى أن هذه السياسات خُلقت من رحم الأنظمة السياسية الشمولية و الدكتاتورية للمحافظة على بقائها في السلطة.
من جانب آخر يرى الحاج إن النظام الشمولي يعتمد على تعيين قيادات عليا في المنظومة العدلية يلتزمون بالولاء لها و ينفذون قرارات أمنية بصبغة سياسية و ربما يصل الأمر أحياناً إلى مخالفة قواعد العدالة و مبادئ القانون.
وأوضح الحاج، أن هناك نماذج عديدة حدثت في الفترات التي تلت إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر مثل اعتقال المتظاهرين و الناشطين السياسيين بأوامر الطوارئ المخالفة للقانون وللدستور، الأمر الذي أسفر عن عدم قدرة النيابة العامة و الجهاز القضائي على التدخل لإيقاف حالات القتل المستمر التي تحدث أثناء قمع التظاهرات، بالإضافة إلى عدم قدرة النيابة العامة على مراقبة الحراسات و السجون و التحقق من أوضاع المساجين و النزلاء وطبيعة البلاغات و تسريعها من أجل البت فيها.
إعتقال بواسطة الاستخبارات العسكرية
وفي السابع من نوفمبر العام الماضي، أي بعد أيام من إنقلاب القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، اعتقلت قوات أمنية مدججة بالسلاح عدد من المعلمين والمعلمات أثناء وقفة إحتجاجية تندد بالانقلاب على الحكومة الانتقالية.
وإعتبر عثمان البصري وهو أحد أعضاء مبادرة محامو الطوارئ، أن اعتقال المعلمين في ذلك الوقت بالكيفية التي وقع الإعتقال يعتبر من أبرز أشكال تغول القوات الأمنية على عمل النيابة العامة.
وأشار إلى أن قوات الأمن إقتادت المعلمين والمعلمات إلى قسم شرطة المقرن الذي يتبع إشرافياً للنيابة العامة بالخرطوم العاصمة، لافتاً إلى الاستخبارات العسكرية وفقاً لقانون الطوارئ حرمت النيابة من ممارسة سلطتها الإشرافية على الأماكن التابعة لها، بإعتبار أن أي شخص يتم احتجازه بأقسام الشرطة فهو تحت رعاية وإشراف النيابة العامة بنص القانون.
ولفت إلى أن محامو الطوارئ عندما قاموا بمخاطبة النيابة العامة بخصوص المعلمين المعتقلين لمعرفة التهم التي وُجهت لهم أو للقيام بإجراءات الضمانة، أبلغتهم النيابة بعدم إمكانية ذلك باعتبار أن المعلمين تم إعتقالهم بواسطة الاستخبارات العسكرية.