«اضطرابات ومتاعب نفسية».. الحرب تضع السودانيين تحت الصدمة

 23 مايو 2023

وهم يعانون اضطرابات مختلفة يشيع ظهورها في حالة الحرب، كـ”الصدمة، والمخاوف، والاكتئاب والقلق”، يلتف عشرات الناجين بينهم أطفال مقيمين في مركز إيواء بمدينة ود مدني في ولاية الجزيرة أواسط السودان حول منصة قدمت فيها برامج ترفيهية وأخرى لتقديم الدعم النفسي للفارين من حرب العاصمة السودانية.

يلاحظ المتطوع عرابي النو، والذي استقبل مركز الإيواء الذي يديره مع آخرين بود مدني واستقبل المئات من الفارين بعد يوم 15 أبريل الذي اندلع فيها قتال بين الجيش السوداني والدعم السريع حالات الاضطراب النفسي التي أتى بها الفارين على المركز وسط المدينة.

” كان ملاحظاً لكل العاملين المتطوعين في المركز حالات الاضطرابات النفسية والصدمة التي حضر بها العشرات إلى المركز خاصة وسط الأطفال الذين لم يتوقف بكائهم لاسيما وانهم يخلدون إلى النوم على الأرض من دون وسائد وتحت سقوف فصول المدارس كحال كل مراكز الإيواء التي استضافتها مدراس مدينة ودمدني”. يقول النو لـ(عاين). ويضيف: ” بالتأكيد قد لا يعلم بعض هؤلاء الأطفال انهم فارين من حرب وربما تصعب عودتهم لمنازلهم في وقت قريب”. وتابع “لم يكن امامنا الا استدعاء من نعرف من معالجين واخصائيين نفسيين لتقديم ما يلزم”.

وفرّ آلاف السودانيين والاجانب من العاصمة الخرطوم عقب اندلاع المواجهات العسكرية بين الجيش وقوات الدعم السريع في الخامس عشر من أبريل واستقرت أعداد كبيرة منهم في مدينة ود مدني وعدد من المدن السودانية الأخرى وغادر الآلاف خارج السودان.

الصورة من محاضرات الدعم النفسي بمراكز الإيواء ( مدرستي المك نمر والسلمابي)- جامعة الجزيرة

ويدير متطوعون في المدينة أكثر من 20 مقرا لايواء النازحين انشأت في المدارس وبعض المرافق الخدمية في المدينة، ويقدم المتطوعون وجبات غذائية يقومون بإعدادها في منازلهم وتوزيعها على المراكز.

صدمة نفسية

بحسب خبراء نفسيون فان الحالة التي  يمر بها الشعب السوداني بسبب الحرب  في الخرطوم والولايات، تصنف بـ”الصدمة النفسية- وهي عبارة حدث غير متوقع”. وتقول المعالجة النفسية د.مروة بابكر، ان السودانيين  في واقع  يهدد حياتهم بالموت الفعلي ومعرضون للأذى الجسدي، والاحساس بالخطر على سلامتهم، بجانب شعور قوي جدا بالخوف والعجز.

“الحدث الصادم  ليس لديه شكل معين ولانستطيع التحكم به ما يجعلنا عرضة للاصابة النفسية والإحساس بالهلع وتردد سماع صوت الرصاص ورؤية الجثث هذه كلها أشياء تدل على اننا مصابين بإضطراب مابعد الصدمة، واخطر مافي الأمر ان  الحدث الصادم يخترق جهاز المناعة والجهاز العصبي ويحدث اضطراب واهتزاز مايتسبب في تغيير حياة الفرد والمجتمعات بصورة كاملة وتغييرات في الشخصية من ناحية السلوك والأفكار وأمراض عضوية مثل الضغط والسكر ومشاكل صحية اخرى”. تقول مروة في مقابلة مع (عاين).

وتشير إلى أن ردود الافعال ليست واحدة تجاه الحدث الصادم، وربما يعاني البعض من مشكلة التركيز ولا يتذكرون الحدث، وتصيبهم حالة من السكوت، ولا تكون لديهم القدرة على الاختيار والتمييز، ومن الممكن أن يتحولوا إلى أشخاص عنيفين ولديهم صعوبة في التواصل، بالاضافة الى عدم الاكل او العكس والانفعال السريع، وتتباين الأعراض الجسدية ما بين الشعور بألم  في البطن والصداع ونوبات البكاء وعدم القدرة على التعبير عن المشاعر واضطراب النوم والكوابيس، والانفصال عن الواقع والدخول في حالة اكتئاب وفقدان الأمل، وربما يزيد الجانب الروحي الإيماني اكثر من المعتاد أو يقل.

رصد

من جهتها، رصدت منظمة شباب الاعمار والتغيير المهتمة بتقديم الدعم النفسي للمتأثرين نفسيا بالحرب عدد من حالات الاصابة النفسية بالخرطوم، ويؤكد عضو المنظمة والاختصاصي النفسي، احمد التلب أشرف خلال الايام الأولى للحرب على رصد حالات مرضية نفسية عموما، والكثير جدا من حالات الخوف ونوبات الهلع غالبيتها من  الأطفال.. كما أن هنالك حالات  إغماء.

الاختصاصي النفسي، احمد التلب: الحرب الدائرة ساهمت في تأزم الكثيرين نفسيا

ويعتبر التلب في مقابلة مع (عاين)، ان الحرب الدائرة ساهمت في تأزم الكثيرين نفسيا بسبب الوضع  اليومي الذي يعيشون فيه وسبب لهم  صدمة كبيرة بفقد احبابهم  بالإضافة إلى رؤية عدد كبير من القتلى في الشوارع وعدم دفنها لزمن طويل والمفقودين والذين فقدوا حياتهم رميا بالرصاص في سياراتهم تسيبوا في حالات من الهلع والخوف من المستقبل في ظل استمرار الحرب.

ويؤكد التلب، إنتكاس بعض الحالات المتأثرة بمجزرة فض اعتصام القيادة العامة يونيو 2019.

ويقول التلب لا يمكن ان ننفي وجود حالات متأثرة نفسيا جراء إغتصابات وأنه رصد حالات قليلة بواسطة ذويهم لان الضحايا تحت الصدمة ولم يفصحوا بعد عن تفاصيل ماحدث معهم ومن اي جهة، غير أن أغلب الحالات يتم إجراء المقابلة معها عبر التطبيقات الرقمية لصعوبة الوصول إليها ميدانيا، وعلى حسب درجة الحالة يتم تحويلها للطبيب نفسي للعلاج ووصف الدواء المناسب وبعد أن تستقر الحالة يتم تحويلها الأخصائي نفسي للمتابعة.

عجز تام 

على الجانب الرسمي، تواجه المؤسسات الحكومية المختصة مشكلات معقدة تحول دون تمكنها من تقديم الخدمات والدعم، وتؤكد مديرة وحدة العنف ضد المرأة والطفل د. سليمى إسحق، أن أولويات التدخل في الطوارئ غير متوفرة في الوقت الحالي ولم تسعفنا الدروس التي تعلمناها أثناء جائحة كورونا خاصة وأنها غير مجدية في حالة الحرب التي نعيشها الآن، لأن الوضع مختلف تماما ويتعلق الأمر بالجاهزية.

وتقول سليمى، “لدينا أخطاء كثيرة في البنية التحتية والمؤسسية في التنسيق والتواصل وفي الحرب بات الوضع أسوأ وستتسع الهوة، ويشمل ذلك التطبيقات الرقمية التي تعاني من خلل أساسي، هذا بدوره ينعكس على الخدمات.. الآن عاد جزء من الخدمة  لكننا لم نتمكن من الوصول للإمدادات والحصول على معينات”.

على الجانب الرسمي، تواجه المؤسسات الحكومية المختصة مشكلات معقدة تحول دون تمكنها من تقديم الخدمات والدعم

وتوضح سليمى في مقابلة مع (عاين)، انهم “لايقدمون خدمات مباشرة ولكن يتم التنسيق مع الآخرين في الجهات ذات الصلة، حاليا طوارئ الخرطوم تعمل ولكن لا توجد خدمات بالمعني المعروف، والاستجابة في الطوارئ أمر خطر جدا نحتاج على الأقل سلامة الوصول ومسألة الإمداد خطرة جدا لأنها معرضة لخطر القصف أو النهب هذا كله يعرض الخدمات للخطر”.

وضع غير آمن 

تصف المسؤولة الحكومية هذا الوضع بـ “غير الآمن للنساء والأطفال وللجميع” وتقول: “غياب الخدمات يجعلنا غير قادرين على الرصد لأنه متعلق بالخدمات بشكل مباشر .. عموما عادت بعض المستشفيات للخدمة ونحاول أن نعطي بعض التوجيهات لأن يستجيبوا بالحد الأدني أو أقل من ذلك والمتاح فقط والذي نستطيع الوصول اليه بطريقة آمنة وسالمة”.

وبما ان الأطفال هم الشريحة الاكثر حساسية في ظروف الحرب وعدم وعيهم بها، تقول المعالجة النفسية د. مروة، انهم معرضون للاصابة باكتئاب ما بعد الصدمة وحالات هلع في النوم والتبول اللاإرادي والبكاء المستمر والكوابيس وتعرق غير طبيعي وفقدان الشهية، ويُنصح ان يكونوا بالقرب من ذويهم وشرح مايحدث واللعب معهم ومساعدتهم للقيام بتمارين التنفس.

وتنصح المعالجة النفسية، الاشخاص بمراقبة انفسهم حتى لا تتطور الاعراض وعليهم القيام بتمارين التنفس، ومن المهم جدا ممارسة الاشياء الايجابية والأكل والشرب والقيام بتمارين رياضية وتقييم اذا كان بحاجة للاستعانة بالطبيب النفسي”.