“خوف وكوابيس”.. الحرب تقسو على أطفال السودان

15 مايو 202‪3
لم يعد السوداني “محمد عبد الكريم” يتحمل حالة الرعب التي تخيم على أطفاله مع كل دوي تصدره آلات القتال المحتدم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وهو يسعى جاهداً لمغادرة العاصمة الخرطوم الى وجهة آمنة، بعد أن برزت ملامح اضطرابات نفسية على صغاره.
وظل الصراخ والخوف المستمر، ملازماً لأطفال عبد الكريم الذي يسكن في ضاحية الثورة شمالي أمدرمان، طيلة الفترة التي أعقبت الحرب وتلاحقهم هذه الحالات حتى في منامهم بالليل رغم قلته، الأمر الذي أثار شفقته على صغاره ودفعه للانخراط في رحلة البحث عن الأمن رغم ضيق يده.
يقول عبد الكريم في مقابلة مع (عاين) “يعيش اطفالي في حالة من الهلع، فعندما يسمعون دوي الطائرات واصوات الرصاص يتسابقون الى داخل الغرف ويختبون تحت الأسِرة والكراسي. كما حرموا من النوم الطبيعي والأكل. لقد صرنا أكثر جدية في الخروج من العاصمة نحو إقليم كردفان رغم غلاء اسعار تذاكر البصات السفرية، لان البقاء هنا يعرض صحة أبنائي للخطر”.
وسبق محمد عبد الكريم آلاف العائلات في رحلة البحث عن الأمن بعد أن فرت بأطفالها من نيران الحرب المشتعلة في الخرطوم، والتي نال الصغار النصيب الأكبر من فاتورتها الباهظة، تشريد ورعب عاشه الأطفال في مختلف المناطق التي شهدت مواجهات مسلحة بين الجيش والدعم السريع.
وفي احصائية صادمة، تشير منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة “يونسيف” الى سقوط 7 أطفال كل ساعة بين قتيل وجريح جراء الصراع الدائر في السودان، لافتة الى تلقيها تقارير من شريك موثوق – لم تتحقق منه الأمم المتحدة بشكل مستقل بعد – يفيد بمقتل 190 طفلاً وجرح 1700 آخرين خلال الـ11 يوم الأولى من الصراع المسلح الذي اندلع في 15 ابريل الماضي.
وذكرت منظمة اليونسيف في تقرير اطلعت عليه (عاين) اليوم السبت، أن “نحو 450 ألف طفل في السودان أجبروا على الفرار من ديارهم بسبب القتال. نحو 368 ألف نزحوا بالداخل، فيما لجأ 82 ألف منهم الى خارج البلاد”.
ولم يشكل طريق النزوح نجاة لهؤلاء الأطفال من تداعيات الحرب بعد أن اصطدموا بواقع مأساوي في المناطق التي وصلوها فارين من نيران الصراع المشتعلة في العاصمة الخرطوم، من نقص في المأوى والغذاء، لينجو من رصاص الصراع ويهددهم شبح الموت بوباء سوء التغذية.
وقالت عوضية كوكو وهي أبرز المدافعات عن النساء بائعات الشاي والاطعمة في ولاية الخرطوم لـ(عاين) إن المنزل الذي اوت اليه في منطقة حنتوب بولاية الجزيرة بعد فرارها من الخرطوم، يضم 40 طفلاً نزحوا مع والداتهم وهم يعيشون أوضاعاً قاسية وهم بحاجة الى مساعدات عاجلة”.
وتضيف: “هؤلاء الأطفال يفتقدون للغذاء والرعاية الصحية، ويعتمدون فقط على جرعات محدودة من الحليب يأتي بها سكان المنطقة التي نقيم فيها”، وهي رواية تعكس حجم المأساة التي يواجهها الصغار في المناطق التي نزحوا اليها من شدة القتال الدائر في العاصمة الخرطوم.
كُلفة عالية
وتشير مدير مركز الارشاد النفسي بجامعة النيلين السودانية، د. أسماء محمد جمعة الى كلفة اجتماعية عالية لهذه الحرب والتي ستلقي بأثار نفسية كبيرة على شريحة الأطفال الذين يقعون ضحية للخوف والكوابيس والمعاناة النفسية مما يشكل مهدد بالغ على مستقبلهم وحياتهم ما لم يتم التعامل معهم بوعي مصحوب بإرشادات وعون نفسي من قبل العائلات.
وترى خلال مقابلة مع (عاين) ضرورة أن يكون الأشخاص الكبار خير قدوة للأطفال أثناء أحداث الحرب، بأن يتمسكوا بالصلابة والصمود وعدم اظهار الخوف والقلق أمام الصغار قدر الإمكان، وألا يتركونهم في المشاهد السيئة دون دعم نفسي، فيجب ان يتحدثوا إليهم باستمرار بالأمان وانهم لن يتخلوا عنهم.
ومن بين الأشياء الضرورية التي توصي بها د. أسماء جمعة هي السماح للأطفال بالبكاء ومراقبة المتغيرات التي تطرأ عليهم من نوبات القلق ومشكلات النوم والتبول غير الارادي وعرضهم الى مختصين نفسيين فوراً، مع ضرورة ان يترك الصغار للبقاء في مجموعات، والتحدث إليهم عن المسائل الإيجابية وفرص السلام وتحاشي التنبؤ بمستقبل سي للصراع.
وذكرت أن مركز الارشاد النفسي التابع لجامعة النيلين اعد حزمة نصائح وارشادات للمواطنين السودانيين تعينهم على تقديم الدعم النفسي اللازم للأطفال لتخطي محنة الحرب، وتم نشرها على المنصات الرسمية للمركز للراغبين في الاضطلاع عليها والاستفادة منها.