السودان: سيطرة مطلقة للعسكر.. أي فعل ينتظر القوى المدنية؟
عاين- 9 فبراير 2025
في وقت يقترب الجيش السوداني من تشكيل حكومة تكنوقراط في المناطق الخاضعة لسيطرته، تستعد قوات الدعم السريع قوات الدعم السريع بمعاونة حركات مسلحة وقوى مدنية لتشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرتها، وإزاء هذه التطورات السياسية تقف القوى المدنية الداعية للديمقراطية، والتي قادت مجتمعة ثورة ديسمبر الشعبية 2019 ضد حكم الإسلاميين في البلاد وإسقاط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، تقف هذه القوى في مفترق طرق.
وبينما استقطب طرفا الصراع بعض هذه القوى عبر تحالفاتها المعروفة، ما يعمق حالة الانقسام السياسي الحاد في ظل استمرار الحرب، الأمر الذي يدفع بسؤال جوهري حول العمل المرتجى من هذه القوى المدنية السياسية التي تقف على الحياد إزاء سؤال وقف الحرب وما هي أدواتها وآلياتها لاستعادة المسار الديمقراطي الذي انقض عليه طرفا الحرب عبر انقلابهما على حكومة الفترة الانتقالية في 25 أكتوبر 2021.
في هذا التقرير تحاول شبكة (عاين) الوقف على كل وجهات نظر القوى المدنية والسياسية إزاء التطورات المتسارعة، أسبابها ومقترحاتها للحلول واجبة التنفيذ تجنبا لشبح انقسام البلاد الذي يلوح في الأفق.
لجان مقاومة.. وجهتا نظر
“مسألة وجود حكومتين مختلفتين يمثل تراجعًا لخطاب الوحدة في السودان، وتقليلًا لفرص وجود سودان موحد بعد الحرب، ونحن نعمل لمنع هذا الأمر”. يقول القيادي في ميثاق تأسيس سلطة الشعب محمد طاهر في مقابلة مع (عاين). ويضيف: “وجود حكومة واحدة دكتاتورية أفضل ألف مرة من وجود حكومتين بنفس الدكتاتورية وعلاقات سيطرة وسلطة.. يمكن التعامل مع الوضع الأول، ولكن في حالة وجود حكومة ثانية، فإنهم لن يعترفوا بالحكومة الأولى”.
أما الناطق باسم لجان مقاومة أحياء بحري مصطفى عبد الله يقول لـ(عاين): أن “انقلاب 25 أكتوبر لم يتمكن من تشكيل حكومة لرفض الشعب له، فتشكيل الحكومة يتطلب أسبابًا ذاتية وموضوعية غير متوفرة للانقلابيين. ونحن نعتبر مشروع حكومتين بمثابة خدمة لأجندة الانفصاليين لتقسيم البلاد، وموقفنا من هذا الأمر واضح، ورفضناه في بيانات عديدة. وكل من يسعى لتشكيل حكومة موازية في مناطق الدعم السريع هو انفصالي، ويجب على جميع المؤمنين بوحدة البلاد أن يقفوا ضد هذا المشروع”.
وللخروج من الأزمة الحالية يشدد القيادي في ميثاق تأسيس سلطة الشعب محمد طاهر، على ضرورة توافق وطني شامل على ثلاثة مرتكزات رئيسية، السيادة الوطنية والوقوف ضد التدخل الخارجي، وحل المليشيات بكل تفاصيلها، وعدم تسييس القوات المسلحة وضمان خروج المؤسسة العسكرية من السياسة والاقتصاد”.

ويرى طاهر أن هذا التوافق لا بد أن يتم على المستوى الاجتماعي أو السياسي بمعالجة مسألة الانتهاكات التي حدثت وما زالت تحدث، وكيفية الوصول إلى تفاهم مشترك لتجاوزها، مما يقود إلى مخرج من الأزمة “. ويضيف: “بمجرد الوصول إلى تفاهمات حول الانتهاكات، وبالتالي تحقيق توافق حول المرتكزات الثلاثة، يمكن أن ينفتح أفق حوار مشترك حول القضايا الوطنية الكبيرة ومستقبل السودان”.
ويعيب طاهر على القوى المدنية نظرتها إلى المشكلة، وسعيها إلى السلطة وتبرير كل الأفعال من خلال هذا السعي “. وأشار إلى مشكلة أخرى تواجه قوى الثورة، وهي “عدم التعامل مع الأزمة الحالية كأزمة تضر بكل السودانيين، والاكتفاء بالتعامل معها كأزمة تضر بالثورة فقط”.
وأوضح أن “كل مجموعة من القوى تتعامل مع الأزمة من منطلق كيفية معالجتها للوصول إلى السلطة، أو من منطلق أنها أزمة شخصية تستهدفها، وكيفية النجاة منها، بدلًا من التركيز على كيفية نجاة السودان من الأزمة”. وأشار إلى أن هذا الأمر” يؤدي إلى الانقسامات والاختلافات.
وبخصوص التواصل مع الأطراف الأخرى، أكد طاهر أن لديهم “تواصلًا مع جميع الأطراف، سواء كانت سياسية أو عسكرية، وأن قنوات الاتصال مفتوحة مع القوات العسكرية، وهناك تواصل مباشر حول كيفية الخروج من الأزمة”.
عدم الاعتبار من تجارب التحالفات السابقة، أول عقبة أمام القوى المدنية السودانية كمال يقول الناطق باسم لجان مقاومة أحياء بحري مصطفى عبد الله. ويضيف:”عند اندلاع الحرب، كانت هناك جهود لتشكيل كتلة مدنية تعمل على وقف الحرب وتهتم بالمساعدات الإنسانية، وتُوِّجت هذه الجهود بتكوين الجبهة المدنية لإيقاف الحرب، التي ضمت لجان مقاومة وقوى سياسية ونقابات وشخصيات عامة. لكننا لم نستمر في هذه الجبهة، وأعلنا انسحابنا منها؛ لعدة أسباب، منها عدم الاعتبار من تجارب التحالفات السابقة، ورفض مقترحاتنا دون مناقشتها. وإذا كانت القوى المدنية جادة في تغيير الواقع ووقف الحرب، فعليها أن تُعالج سلبيات التحالفات السابقة، وأن تلتزم بأهداف ووسائل واضحة تستند فيها على الشعب السوداني، وليس على الخارج، فالخارج عنصر مساند، وليس أساسيًا في التغيير”.
تحالفات سياسية..
“بعد ستة أعوام على اندلاع الثورة، فإن الأحداث والتطورات انعكست على القوى المدنية، فتميزت صفوفها، وتغيرت المواقع، ونشأت تحالفات واصطفافات جديدة، واستقطاب هنا وهناك تزايدت حدته بعد الحرب”. يقول القيادي بتحالف قوى التغيير الجذري كمال كرار لـ(عاين). ويتابع : “الحديث عن وحدة القوى المدنية على إطلاقه يقفز على الحقائق الموجودة على الأرض دون الإشارة إلى انخراط بعض القوى في الحرب قولًا أو فعلًا، وقوى أخرى دعمت وساندت انقلاب البرهان، ولا تزال تطرح الشراكة مع العسكر، وقوى تنساق وراء أجندة دول ومنظومات عالمية تعمل نيابة عنها”.
ويشير كرار، لضرورة استيعاب “الدروس المريرة”، ويؤكد أن “الحديث عن وحدة القوى المدنية لا بد أن ينطلق من محطة وحدة قوى الثورة التي لا تزال متمسكة بأهدافها، وتسعى لاستردادها وهزيمة التآمر على الثورة، والحرب نفسها مؤامرة”. ويشير إلى وجود قوى ثورية “بمختلف المسميات: لجان مقاومة، لجان طوارئ، نقابات، أحزاب سياسية، لجان مطلبية، تجمع مهنيين، تغيير جذري، مزارعون وعمال وخلافهم”، ويؤكد أن “خطوات هذه الوحدة تتقدم للأمام في وجهه وقف الحرب واسترداد الثورة”.
ويتابع كرار : “من أشعل الحرب لا يمكن أن يجلب السلام”، ويشير إلى أن “طرفي الحرب كانا ولا يزالان رأس رمح الثورة المضادة المعادية لثورة ديسمبر، وارتكبا من الجرائم ما يفوق الخيال، وبالتالي لا اتصال معهما ولا تفاهمات”. ويؤكد أن “موعدهم مع حساب الشعب العسير قريبًا جدًا”. ويشدد على أن “حل أزمة السودان بالداخل وليس الخارج، وجهود المجتمع الدولي يمكن أن تكون فقط عاملًا مساعدًا، وليس حاسمًا”. ويشير إلى أن “المجتمع الدولي والإقليمي متورط بشكل أو بآخر في هذه الحرب، بإمدادات السلاح وبالدعم المادي والسياسي”، ويؤكد أن”القرار النهائي بيد الشعب الذي يتوق لوقف الحرب والسلام وعودة الحياة إلى طبيعتها”.

من جهته، يرى القيادي في تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية “تقدم” شهاب الطيب، اعتقاد البعض بأن تشكيل حكومة منفى “موازية” يوفر بديلاً سياسيًا للسلطات الحالية، مما يمنح القوى السياسية والمدنية منصة أوسع للتعبير عن آرائها وتنظيم صفوفها، هو “موقف سياسي غير موفق على الإطلاق”.
ويقول الطيب في مقابلة مع (عاين): “هناك من يرى أن هذه الخطوة ستزيد حالة الانقسام السياسي وتوسع التباين السياسي أكثر مما فعلته الحرب في قوى الثورة والتغيير، وعلى المجتمعات السودانية من حالة اصطفاف على أساس الانتماء الجغرافي والاجتماعي وحالة انقسام رأسي عمومًا في الدولة.
وحذر من أن تشكيل حكومة منفى أو حكومة في مناطق سيطرة الدعم السريع سينعكس ويساهم في عدم القدرة على حشد الدعم الدولي وتوحيده لقضية إيقاف الحرب، يمكن أن تتحول الحرب في السودان حينها من إطار التفاهمات إلى حرب تحالفات إقليمية ودولية، وتظهر تناقضات المصالح بين الأطراف الدولية من خلال الملفات المرتبطة بقضايا إقليمية أخرى. وأوضح أن ذلك سيؤدي إلى حالة من تعبئة المجتمع الدولي والإقليمي لدعم كل سلطة من سلطات الأمر الواقع في السودان، وهو مدخل لتحالفات إقليمية ودولية تزيد تعقيد الحرب.
قوى مهنية
تنسيقية الأجسام المهنية والنقابية بتحالف القوى المدنية الديمقراطية “تقدم”، ترى أن واجب المرحلة الحالية هي ضرورة توحد القوى المدنية للعمل من أجل مصلحة السودان. وتقول القيادية في التنسيقية بلقيس فيصل لـ(عاين):” الحل يكمن في توسيع قاعدة القوى المدنية المناهضة للحرب، وتوحيدها في إطار تنظيمي واحد يعمل على وقف القتال. ويرى التجمع أن الحرب تمثل تحديًا كبيرًا للقوى المدنية، حيث أدت إلى تشظي المجتمع وتمزيق النسيج الاجتماعي.
من جانبه، يشدد الناطق باسم تجمع المهنيين السودانيين- عضو تحالف قوى التغيير الجذري- الوليد علي، على ضرورة الضغط على حملة السلاح لإيقاف إطلاق النار من أوْجب مهام القوى السياسية والمجتمع المدني أولًا، وبمساعدة المجتمع الدولي، مع التأكد على ضمان الحفاظ على السيادة الوطنية وعدم فرض أجندات خارجية.
ويقول علي في مقابلة مع (عاين): أن “العمل على توحيد الرؤى بين القوى المدنية وبناء تحالفات فعالة يعتبر أمرًا محوريًا”، ويشير إلى أن تجمع المهنيين سيواصل مع قوى التغيير الجذري “مجهودات تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية العمل النقابي والمدني ودوره في بناء السودان الجديد”.
ويرى علي، أن “وضوح الأهداف بيد الجماهير هو المفتاح الرئيسي للحلول المستدامة”، ويتمثل ذلك في “الإصرار على مطالب الناس الأساسية في الأمان والتعليم والصحة المجانيين وبسط الحريات”. ويؤكد أن هذه الأهداف “لا يمكن الوصول إليها بدون محاسبة المجرمين وضمان السيادة على موارد ومقدرات البلاد”.