كيف تجاوزت الشرطة السودانية القانون في مقتل أحد ضباطها؟
27 يناير 2022
لا تزال تداعيات تعاطي الشرطة السودانية، مع قضية المتهمين بقتل أحد ضباطها، يوم الخميس قبل الماضي، محل إنتقاد في أوساط خبراء القانون، وفي أوساط الرأي العام أيضاَ، عقب بيانات وأقوال متضاربة من جهة، وعقد محاكمة إعلامية للمتهمين من جهة أخرى.
وأتى مقتل ضابط الشرطة بعد نحو ساعتين من بدء مليونية 13 يناير، بمنطقة شروني وسط العاصمة السودانية الخرطوم. وفي اليوم التالي، أصدرت الشرطة، بياناً ثانياً يفيد بإلقاء القبض على” قاتل العميد وجار قبض وتعقب بقية المتهمين”.
من جهتها، قالت هيئة الدفاع عن المقبوضين في بلاغ مقتل العميد، في بيان يوم الأحد الماضي، أن هناك تناقضاً في أقوال الشرطة في البيانين المذكورين.
وأشار بيان الهيئة، إلى أنه “طالما هناك جريمة قتل وبسكين وإرتكبها شخص واحد، فإن ممارسة الشرطة للقبض المفتوح للعديد من الأشخاص ومنهم الطفل محمد آدم (توباك) للإشتباه ليس من القانون”.
وإتهم البيان وقتها النائب العام، بالتخلي عمداً عن سلطاته والامتناع عن ممارسة سلطاته، الأمر الذي يقدح فيه كنائب عام مستقل.
وأكدت هيئة الدفاع عن المقبوضين في بلاغ مقتل العميد، أنها تحصلت على معلومات تفيد بأن بعض المقبوضين في البلاغ المذكور، تعرضوا للتعذيب والعنف المفرط ومنهم الطفل محمد آدم “توباك”، 17 سنة، الذي تم التركيز على تعذيبه في محبسه على قدمه المكسورة، والمقبوض محمد الفاتح عصام الذي ظهرت عليه علامات التعذيب الشديد ووجود إصابة خطرة في رأسه.
وحسب بيان هيئة الدفاع، فإن النائب العام أصدر أمراً بعدم مقابلة المقبوضين في بلاغ مقتل العميد. وأمس الأربعاء، طالبت الهيئة بوقف المحاكمات الإعلامية للمقبوض عليهم في بلاغ مقتل العميد شرطة بريمة.
وأعلنت الهيئة رفضها استمرار المحاكمات الإعلامية من قبل الشرطة عبر البيانات والإدانات من خلال وسائط التواصل الاجتماعي.
مذكرة للنائب العام
وأوضحت الهيئة، أنها تقدمت بمذكرة للنائب العام، الاثنين الماضي، طالبت فيها ضمن مطالب أخرى بإحالة البلاغ من نيابة التحقيقات الجنائية لأي نيابة أخرى، على أن تتولى النيابة العامة بنفسها التحري في البلاغ، بسبب مخالفة الشرطة لمقتضيات سلامة التحريات، وهي في البلاغ شاكية ومتحرية كما نصبت من نفسها محكمة تحاكم المقبوضين من خلال الوسائط.
وأكدت هيئة الدفاع، أنها ستلحق مذكرتها المودعة لدى النائب العام بتاريخ الرابع والعشرين من يناير الجاري بمذكرة أخرى إضافية.
وقالت الهيئة إنها تؤكد براءة موكليها مما ورد ببيان الشرطة، وستطالب النائب العام بالإيقاف الفوري للمحاكمات الإعلامية التي تجريها الشرطة على موكليها من خلال وسائل الإعلام.
والثلاثاء الماضي، قالت الشرطة، إن العميد تعرض لطعنات قاتلة في ساعد اليد اليسرى، وطعنة أخرى نافذة في الظهر أثناء مشاركته في تأمين الإحتجاجات التي نُظمت قرب القصر الرئاسي في 13 يناير الجاري.
وأشارت الشرطة في البيان الذي – سحبته وأعادت نشره بعد تعديله- إلى أن المتهمين اعترفوا بإرتكاب الجريمة التي جرى تمثيلها في مسرح الحادث، كما أوضحت أنها عقدت مواجهة بين المتهمين وأكدوا معرفتهم ببعضهم البعض.
تناقض الشرطة
لكن، عضو هيئة دفاع المقبوضين، الصادق علي حسن، قال في حديث لـ(عاين) إن الشرطة زعمت بأن العميد شرطة علي محمد حامد بريمة قتل أثناء محاولته تأمين التظاهرات، وفي مرة أخرى قالت إنه قتل أثناء التحدث مع الثوار.
وتساءل عضو الهيئة قائلاُ، إذا كان ما تقوله الشرطة صحيحاً فلماذا لم يتم القبض على المتهمين في مسرح الجريمة؟ وأين كان الجنود الذين رافقوا الضابط المغدور؟ ولماذا لم تطلق الشرطة ولو رصاصة واحدة عقب وقوع الجريمة؟. قبل أن يشير إلى أن هذه المزاعم ليست متماسكة نظرياً.
وأضاف “كيف لطفل يبلغ عمره (17) عاماً بعد إرتكابه الجريمة تجاوز الحواجز الشرطية واختفى حتى يتم القبض عليه كمشتبه؟ ليتم التعرف عليه من خلال طابور شخصية. وتابع “ما يمكن قوله أن رواية الشرطة متناقضة وكأن الشرطة إلتبست عليها الأمور وخالفت مقتضيات سلامة التحري وواجبات الشرطة المهنية”.
وأوضح حسن، أن الشرطة لم تلتزم بالمهنية والقت القبض على العديدين بحجة الاشتباه وأفرجت عن الكثيرين منهم، وأشار إلى أنهم في هيئة الدفاع تقدموا للنائب العام بمذكرة عن سبعة من المقبوضين وهنالك آخرين جار التحقق عنهم.
وتابع: “ظللنا نطالع في الوسائط بيانات منسوبة للشرطة، وهي الشاكية والمتحرية في البلاغ، لافتاَ أن الشرطة نصبت من نفسها محكمة لمحاكمة المقبوضين إعلامياً وادانتهم، الأمر الذي يُعد مخالفة للقانون الذي ينص على أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته أمام محكمة مختصة كما أن له الحق في أن يُحاكم على نحوٍ عادل”، موضحاً أن الشرطة لم تلتزم بالقانون الجنائي ولا بقانونها.
وقال الصادق، في أعقاب شطب التهمة في مواجهة خمسة من موكليهم، تمت ملاحقتهم بعد يوم من الإفراج عليهم والقبض على بعضهم مرة أخرى، كما فُتحت ضدهم مواد بمحكمة جرائم المعلوماتية، كما قُدمت ضدهم تهم جنائية أخرى لا أساس لها.
وبالنسبة لبيان الشرطة الأخير، يرى “حسن”، أن البيان كله تناقضات، لافتاً إلى أن الشرطة قامت بسحبه بعدما اطلع عليه الرأي العام، مشيراً إلى أنه صار مستنداً من مستندات الدفاع.
عضو هيئة الدفاع: المقبوض عليهم تعرضوا لانتهاكات جسيمة وما يحدث من وسائل في التعذيب جديدة وغير مألوفة في الممارسات السابقة.
من جانبه، اتهم هيئة الدفاع عن المقبوضين، عثمان البصري الشرطة بالإنحياز لجهة أنها الشاكية في البلاغ وهي التي تقوم بدور التحري، مشيراً إلى أن لها مصلحة في تجريم المتهمين.
وأكد البصري، في مقابلة مع (عاين) أن هيئة الدفاع عن المقبوضين وكل المحامين المهتمين بالقضية، طالبوا بأن تحال مهام التحري للنيابة العامة، لأنها صاحبة الحق الأصيل في التحري، كما أن مهمتها تقديم قضية اتهام عادلة.
واعتبر البصري، عدم السماح لهيئة الدفاع وأسر المقبوضين بقابلة المتهمين إنتهاكاً صارخاً للحقوق المتصلة بالحق في الإتصال بأسرهم ومحاميهم، مع تقديم ما يكفي من الطعام والمواد الثقافية، كما جاء في قواعد المحاكمة العادلة.
تستر وربكة
فيما قالت عضو فريق هيئة الدفاع عن المقبوضين في قضية مقتل العميد، رنا عبد الغفار، إنهم كمحامي دفاع تحصلوا بصعوبة على رقم البلاغ المفتوج ضد المقبوضين.
وأشارت عبد الغفار، إلى أنه بعد مقابلة النائب العام، تم إطلاق سراح خمسة من المقبوضين من بينهم سيدة رمز اليها بيان الشرطة بـ ” ز” لوجود قرار بشطب البلاغ في مواجهتها وإطلاق سراحها لعدم كفاية الأدلة. إلا أنها عادت وقالت، إن الشرطة وفي أعقاب إطلاق سراح ” ز” عادت والقت القبض عليها تحت المادة (107) “تستر” الأمر الذي استهجنته عبد الغفار باعتبار أن التهمة الأساسية الموجهة ضد المقبوض عليها تم شطبها.
ولفتت عبد الغفار، إلى استحالة تنفيذ الجريمة الموجهة ضد المقبوض عليهم وفقاً للحيثيات الموجودة، خاصة مع وجود قوات متعددة لحظة ارتكاب الجريمة.
وأشارت المحامية رنا، إلى أن عدد من المتظاهرين رافقوا المقبوض عليهم، أكدوا تعرض محمد آدم توباك للتعذيب. كما طالبت النيابة العامة التي تعدُّ السلطة الأصيلة تولي التحقيق بحسب المادتين (4) و (11) من قانون النيابة العامة، الذي يشير إلى أنها المسئولة عن حقوق الإنسان وتحقق العدالة، لافتة إلى أن أي انتهاك يحدث، فإنه يقع ضمن مسؤولية النيابة والنائب العام.
وأوضحت عبد الغفار، إلى أن المادة (83) من قانون الإجراءات الجنائية، تشير أن محامي المتهمين وأسرهم لهم الحق في مقابلتهم أثناء التحقيق.