كيف يرى سكان العاصمة السودانية السابقون منازلهم محتلة ومنهوبة؟
عاين- 20 سبتمبر 2023
كان “محمد” يتصفح المنشورات على موقع التواصل الإجتماعي “فيسبوك” عندما شاهد منزله في العاصمة السودانية و هو مُحتل بواسطة جنود في مقطع فيديو نشرته قوات الدعم السريع.
“عندما خرجت من المنزل، رأيت سياراتهم تحت شجرة أمام المنزل”، يقول محمد. “كان الأمر محزنًا حقًا لأننا عندما غادرنا منزلنا تركنا كل شيء خلفنا. كنا نظن أن الأمر سيستغرق يومين أو ما شابه و ينتهي.”، لكن الفيديو كان صادماً و محزنًا، كما أنه أكّد لمحمد مخاوفه. حيث كان الجنود قد دخلوا منزله و بيوت جيرانه، وكانوا يستخدمون أغراضه كأنها ممتلكاتهم.
ويضيف في مقابلة مع (عاين): “أصبح الحي أشبه بالثكنة العسكرية، حيث أنهم احتلّوا المنازل الفارغة”. “حتى فراش السرير (الذي ينامون عليه) كان من بيتنا.”
منذ منتصف أبريل، اندلعت حرب حول السلطة ما بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في السودان، و شهدت الخرطوم بعضاً من أعنف المعارك، مما أدى إلى نزوح جماعي خارج العاصمة (الولايات الأخرى ودول الجوار).
“محمد” واحد من مئات الأشخاص الذين اضطروا لترك بيوتهم، ليكتشفوا لاحقاً أنه مع سيطرة قوات الدعم السريع على أجزاء من الخرطوم، دخل الجنود منازل المواطنين احتلوها ونهبوا امتعتها. وحتى بعد فرار الملايين، لا يزال هناك المزيد من الأشخاص عالقين وسط القتال، إما لعدم قدرتهم على النزوح أو لعدم رغبتهم في الرحيل. وفي بعض الحالات، أُجبر سكان الخرطوم على العيش وسط الجنود.
وقد لجأ العديد من الأشخاص إلى وسائل التواصل الاجتماعي لمشاركة قصصهم، ونشروا مقاطع فيديو للجنود (داخل منازلهم) تحت هاشتاج #الدعم السريع يستبيح بيوتنا (RSF_loots_houses#)
العشرات من مقاطع الفيديو المشابهة، والتي يظهر ببعضها أشخاص يبدو أنهم جنود من قوات الدعم السريع، وهم يسترخون بإرتياح على الأرائك حاملين أسلحة. تم تصوير العديد من مقاطع الفيديو الأخرى من قبل سكان الحي وهم يسيرون في الشوارع أو المنازل ويظهرون الأضرار التي لحقت بالمباني مشيرين لكيفية دخول الجنود عبر الأبواب أو النوافذ المكسورة.
في العديد من تلك المقاطع، يبدو أن البيوت قد نُهبت، كما تم إلقاء الكتب والممتلكات في جميع أنحاء المنازل، وأخرجت الملابس من الخزانات، وتم سحب الأدراج، و رفع الأفرشة عن الأسرّة. و عادة ما يشير الشخص الذي يقوم بالتصوير إلى الأضرار، ويوضح الأماكن التي من المحتمل أن يكون شيء ما قد سُرق منها، كما يذكر أسماء أصحاب كل مسكن.
يعتقد الكثيرون أن الجنود في بعض الحالات يتعمدون تخويف الناس وإجبارهم على الفرار. ويزعم تقرير للأمم المتحدة صدر في أغسطس أن قوات الدعم السريع “أصدرت تحذيرا للمجتمعات المحلية بإخلاء المناطق المجاورة لقوات المدرعات. كما يتواصل الإبلاغ عن عمليات النهب والاحتلال والهجمات على المؤسسات العامة والمساكن الخاصة”. وقال محمد إن الجنود عندما دخلوا الحي الذي يقيم فيه، كانوا يطلقون النار دون سبب، مما أثار الفزع و دفع الناس إلى المغادرة. مضيفا أنه الآن استقرّ في دولة مصر ويشك في وجود أي فرصة للعودة.
عودة مستحيلة
من جهة أخرى، العديد من الناس يرغبون في العودة. لا يزال “إبراهيم” في السودان، ويقيم بمدينة مجاورة نزح إليها مع عائلته. وهو يأمل في العودة إلى الخرطوم عندما يكون ذلك ممكناً، و يبقى في انتظار الأخبار من الجيران القلائل الذين ظلّوا هناك، ويطلب من بعض أقاربه أن يتحققوا من منزله بين الحين والآخر عندما يكون ذلك آمنا. لكنه لا يعرف ما إذا سيجد أي شيء (من ممتلكاته) عندما يتمكن من العودة.
يقول إبراهيم في مقابلة مع (عاين) : “عندما تطورت الأمور إلى غارات جوية وقذائف، بدأ الناس بالمغادرة. أصبح الحي الذي أعيش فيه خاليا تقريبا – بقي شخصان فقط عند مدخل الحي، وعدد قليل من الناس في الطرف الآخر”.
حاول والد إبراهيم العودة لتفقُد المنزل، لكنّه لم يتمكن من الدخول بسبب إغلاق الطريق بمركبات الدعم السريع وجنودها.
وفي وقت لاحق، تمكن أحد الجيران من الدخول والتحقق من البيوت على طول الشارع، وشارك مقطع فيديو مع مجموعة الجيران على تطبيق المراسلة “وتس آب” يظهر به رجل يسير من منزل إلى منزل في حي إبراهيم، موضحاً كيف تم اقتحام البيوت: أبوابٌ مكسورة، وبواباتٌ منحنية حتى يتمكنوا من الزحف تحتها، وممتلكات أصحاب المنازل متناثرة على الأرض. لكن الجار سار على طول الطريق فقط (ولم يدخل إلى المساكن) ، ولذلك العديد من قاطني الحيّ – بما في ذلك إبراهيم – لم يتمكنوا بعد من معرفة كمية الأشياء التي تم أخذها من الداخل.
وقال إبراهيم: “أعتقد أنهم كانوا يبحثون عن شيء خفيف، مثل النقود أو الذهب (والمجوهرات) أو أي شيء يمكن حمله ونقله بسهولة”، مضيفا “نحن نتهم قوات الدعم السريع بسرقة ونهب منزلنا لأنهم كانوا الوحيدين في الحي.”
وفي الأشهر الأربعة التي تلت تصاعد الصراع في ولاية الخرطوم، أفادت الأمم المتحدة أن أكثر من 2.5 مليون نازح غادروا العاصمة – أي أكثر من ربع سكانها البالغ عددهم 9.4 مليون نسمة – حسبما ورد في ملف للأمم المتحدة لمارس 2023 . ومثلما حدث في حي إبراهيم. تُركت العديد من المنازل في جميع أنحاء المدن مهجورة وخالية وسط الانفجارات (والقصف).
أخذوا كل شيء من منزلنا
يعتقد “مصطفى” أن عمليات النهب كانت تتبعه، حيث أنها تكررت في جميع الأحياء التي انتقل إليها. فرّ أولاً من منزله في حي المهندسين بأُم درمان لأنه كان قريباً جداً من المنطقة المستهدفة ولرغبته في أن تبقى عائلته في مكان أكثر أماناً. لذلك انتقلوا إلى منزل عمته في بيت المال. وعندما بدأ الجيش بالتجمع في تلك المنطقة وبالقرب من الجسر، انتقلت عمته ووالده إلى حي الدوحة، بعدها غادر مصطفى المدينة مع عائلته.
وقال مصطفى: “بعد ذلك دخلت الميليشيات الحي وأقامت في منازل الناس، وكان منزل عمتي أحد المنازل التي سكنوا فيها”. وكان العديد من الجيران يراقبون المنازل ويسألونهم عن سبب دخولهم. “طلبت قوات الدعم السريع من عمتي أن تغادر وأخبروها أنه يمكن للجميع أن يأخذوا معهم أي شيء يريدونه”، قال مصطفى، مضيفا أن ذلك بحسب ما سمعه، “حيث أنه لم يتمكن أحد من الوصول إلى المنزل. أخذوا كل شيء من منزلنا”.
وفي وقت لاحق، أفاد جار آخر، أن جنود قوات الدعم السريع أحضروا أدوات وسرقوا سيارة والده – تويوتا هيلوكس – من المنزل. وكانت العائلة قد تركت المركبة وراءهم خوفًا من أن تجعلهم هدفًا (للجنود) نظرًا لارتفاع الطلب على نوع السيارة. وقال الجار انها تم نقلها الى آخر الشارع، حيث يّشتبه في أنهم يقومون بإصلاح المركبات بأجزاء مسروقة (من سيارات المواطنين).
وقال مصطفى في مقابلة مع (عاين): “لقد أخذوا كل ما يريدون وسمحوا للصوص بالسرقة أيضاً … نسأل الله أن يعوضنا ما فقدناه”.
يقول مصطفى، إذا عادت العائلة يوما ما، فإنهم لا يعرفون ما الذي سيجدونه. ما زالوا لا يعرفون مقدار ما تم الاستيلاء عليه أو حجم الضرر، لكن الجيران يبلغون عن العناصر المفقودة عندما يستطيعون ذلك.
في وقت يسوده عدم اليقين وتبقى العديد من التساؤلات بلا إجابة؛ و بينما لا يزال من الصعب التنبؤ بمستقبل العديد من الأسر السودانية النازحة، فإن الأضرار التي لحقت بمنازلهم ليست سوى أمر مجهول آخر يضاف للقائمة.
الأسماء الواردة في التقرير مستعارة لحماية المصادر