اغلاق شمال السودان يخنق اقتصاد مصر ويربك حكم العسكريين
26 يناير 2022
تتجه قوى الثورة السودانية، لإغلاق كامل لشمال السودان بعد غلق معابر رئيسية على الطريق الحيوي الذي يربط السودان مع مصر منذ 18 يناير الماضي، فيما تم اغلاق طريق الخرطوم بورتسودان في مدينة عطبرة أمس الثلاثاء.
وتاأتي عملية الاغلاق وحجز مئات الشاحنات المصرية على طول الطريق في اعقاب زيادة حكومة الانقلاب العسكري تعرفة الكهرباء بنسبة 600% الأمر الذي ادى إلى تذمر مزارعين في الولاية الشمالية وعبروا عن احتجاجهم باغلاق الطريق في اكثر من منطقة، قبل ان تصعد قوى الثورة من عملية الاغلاق بعد ارتكاب العسكريين مجزرة 17 يناير ضد المتظاهرين في العاصمة الخرطوم.
ويغلق المتظاهرون شمال السودان الطريق في مناطق حفير مشو غربي نهر النيل ومحلية دلقو ومحلية البرقيق وامتد الاغلاق الى شرق وغرب النيل وهي إغلاقات جزئية تمنع مئات الشاحنات المصرية المحملة بالصادرات السودانية من العبور.
تكدس الشاحنات المصرية
ويقول قادة التظاهرات شمال السودان إن مصر تستحوذ على الصادرات السودانية دون فوائد اقتصادية تعود على بلدهم مثل تصدير السمسم والماشية والقطن والفول السوداني والكركدي والتبلدي.
ويرى حمزة سليمان، وهو أحد قادة الحراك شمالي السودان، أن مئات الشاحنات المحملة بالصادرات السودانية تعبر إلى مصر يوميا ومع ذلك لا فوائد اقتصادية تعود إلى السودانيين لأن المصدرين يشترونها بالعملة المحلية ولا تعود حصائل الصادر إلى البنوك المحلية، “لذلك قررنا اغلاق الطريق” يقول حمزة لـ(عاين).
ويضيف حمزة : “مصر حليفة للانقلابيين في السودان هذا الشعور عزز لدى الرأي العام المحلي بالولاية الشمالية لمساندة مطالب الشارع بالحكم المدني والسيطرة على مواردنا المصدرة بدلا من تصديرها بهذه الطرق”.
لم يضع المحتجون سقفا زمنيا لانهاء إغلاق الطريق الحيوي الرابط بين البلدين.
وعلى الرغم من الاحتجاجات التي تؤيد اغلاق الطريق الحيوي بين السودان ومصر شمالي البلاد إلا أن بعض المتعاملين في الموانئ يحذرون من أن الصادرات السودانية التي سلكت طريقها إلى الموانئ المصرية قد تتضرر من هذا الاغلاق.
يؤكد فائز حسن وهو متعامل في التخليص الجمركي بالعاصمة السودانية، في تصريح لـ(عاين)، أن الصادرات السودانية عقب الاغلاقات التي طالت موانئ بورتسودان في اكتوبر الماضي تحولت الغالبية إلى الموانئ المصرية.
وأضاف حسن : “الصادرات السودانية الجزء الأكبر منها تصدر عن طريق رجال أعمال سودانيين عن طريق الموانئ المصرية لأنهم فقدوا الثقة في الموانئ السودانية عقب الاغلاقات الأخيرة في سبتمبر وأكتوبر الماضي شرقي السودان”.
إغلاق كامل بالتدرج
ويوضح عضو سكرتارية تجمع المهنيين السودانيين بالولاية الشمالية الخطيب محمد سالم في حديث لـ(عاين)، أن إغلاق الطريق الرابط بين السودان ومصر جاء احتجاجًا على مجزرة 17 يناير في العاصمة وبعض المدن عقب مقتل متظاهرين برصاص القوات الأمنية.
وقال سالم، إن الإغلاق جزئي في منطقة “دلقو المحس” 50كيلومترا من مدينة دنقلا وكذلك اغلاق يستمر الفترة الصباحية بمنطقة حفير مشو غربي نهر النيل واغلاق جزئي في البرقيق.
ويؤكد عضو سكرتارية تجمع المهنيين بالولاية الشمالية الخطيب محمد سالم، أن الإغلاق شمال السودان كبد السوق المصري خسائر كبيرة لان الاحصائيات التي أجريت بعد الاغلاق على شاحنات قدرت مرور حوالي مائة شاحنة غربي النيل ومائة شاحنة لمحاصيل السمسم يوميا تعبر من السودان إلى مصر.
يرى سالم أن المصدرين يركزون على صادرات السمسم والماشية ولا أثر لقيمة هذه الصادرات على الاقتصاد السوداني الذي يعاني من تدني العملة الوطنية وتلاشي احتياطات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي.
ولم تعلق حكومة الولاية الشمالية على الإغلاق الذي طال الطرق الحيوية الرابطة بين السودان ومصر ولفت مصدر حكومي في تصريح لـ(عاين)، إلى أن الإغلاقات يصعب التعامل معها لأنها قد ترتفع إلى عدة اغلاقات على طول هذا الطريق البالغ طوله 600 كيلومترا من الولاية الشمالية وحتى معبر أرقين الحدودي مع مصر وحوالي 900 كيلومتر بين العاصمة السودانية ومعبر أرقين الحدودي مع مصر.
اغلاق جزئي
يسمح قادة الاحتجاجات بمرور البصات السفرية التي تحمل المسافرين بين البلدين ومرور الشاحنات السودانية المحملة بالخضروات والفواكه في بعض الأحيان كما أن عدم انتظام الإغلاق طوال ساعات اليوم يسمح بمرور الشاحنات المصرية.
ويقول المحلل الاقتصادي محمد إبراهيم في حديث لـ(عاين)، إن السلطات السودانية مضطربة في التعامل مع الاحتجاجات الشعبية التي أدت إلى إغلاق الطرق شمالي البلاد لأنها لم تتعامل مع احتجاجات شرق السودان عندما أغلقت الموانئ والطرق وحاولت خنق الحكومة الانتقالية قبل الانقلاب.
فيديو عن اغلاق موانئ السودان نشر بشبكة (عاين) 28 سبتمبر 2021
ويعتقد إبراهيم، أن الصادرات السودانية إلى مصر بدأت في التزايد منذ ستة اعوام عقب بناء الطريق بين مصر والسودان في العام 2014 في عهد المخلوع عمر البشير الذي كان يقدم تنازلات مهولة للجانب المصري لتثبيت نظامه المترنح بفعل الأزمة الاقتصادية.
وتابع: “نظام المخلوع أهمل الصادرات السودانية التي كانت يمكن أن تحسن اقتصاد البلاد وتفك عزلته. والعسكريون في السلطة حاليا ذهبوا إلى ذات المنحى بوتيرة أسرع”.
ويقول إبراهيم أن السلطات السودانية لم تتمكن من التعامل مع احتجاجات شرق السودان التي اغلقت الموانئ بين شهري سبتمبر وأكتوبر بهدف إسقاط حكومة عبد الله حمدوك بالتالي انتقلت شرارة إغلاق الطرق إلى شمال السودان لكن هذه المرة ضد العسكريين وهي نفس الكروت التي استخدمت بواسطة جنرالات الجيش ضد المدنيين قبل الانقلاب.
حصائل مفقودة
وبحسب تصريح لوكالة السودان للأنباء – حكومية – أوضح الملحق التجاري المصري بالسفارة المصرية بالسودان أن التبادل التجاري بين البلدين يبلغ نحو 800 مليون دولار سنويا ويشتري السودانيون منتجات مصرية بقيمة 450 مليون دولار سنويا بينما تستورد مصر من السودان بقيمة 300 مليون دولار سنويا.
يرى المحلل الاقتصادي، محمد إبراهيم أن الاحصائيات الواردة من الملحق التجاري المصري في السودان لا تتناسب مع حجم الصادرات السودانية اليومية إلى مصر.
وذكر إبراهيم، أن ثمة إخفاء لحصائل الصادر للمنتجات السودانية وثروات الماشية لا يزال مستمرا بعيدا عن القنوات الرسمية مثل المصارف السودانية التي يجب أن تنتعش من عائدات تصدير المحاصيل والماشية إلى مصر وهذا لا يحدث. ويضيف : “لكن من الناحية الاستراتيجية تعد الموانئ المصرية منفذا للصادرات السودانية لان الموانئ في بورتسودان تعاني من الاضطرابات وفقدت ثقة المصدرين ورجال الأعمال”.
وفي شهر ديسمبر الماضي انخفض طن السمسم في السوق السوداني إلى أدنى مستوى له سيما في مناطق الإنتاج شرق البلاد بولاية القضارف مسجلا نحو ألف دولار للطن فيما ارتفع في يناير في البورصات العالمية إلى 1450 دولار لطن السمسم السوداني خلف السمسم الهندي الذي بلغ 1570 دولار أمريكي.
يقول عضو سكرتارية تجمع المهنيين السودانيين بالولاية الشمالية الخطيب محمد سالم إن مصر تستورد نحو مائة شاحنة سمسم يوميا عبر المعابر الحدودية شمالي البلاد مضيفا أن التركيز المصري على السمسم السوداني مثير للقلق لأنه يباع محليا بأسعار غير مجزية للمزارعين وترتفع خارج الحدود إلى اضعاف السعر المحلي عشرة مرات في بعض الأحيان للطن.
ارقام غير واقعية
فيما يعتقد المحلل في العلاقات السودانية المصرية عادل إبراهيم في تصريحات لـ(عاين)، أن الأرقام الواردة عن الصادرات السودانية ضخمة وغير واقعية تغذيها منصات إجتماعية لبعض الدول المعادية لمصر على مدار الساعة لتأليب الرأي العام السوداني ضد مصر.
ويرى إبراهيم، أن الاقتصاد المصري لن يتضرر من إغلاق الطرق شمالي البلاد لأن اقتصاد يقوم على بدائل. وقال إن قادة البلدين بحاجة إلى بناء علاقة قائمة على الندية والمصالح الحيوية. ويشير إبراهيم، إلى أن الحدود بين البلدين من الحدود الآمنة والمرنة لذلك تسلط عليها الأضواء وتتحول إلى قضية رأي عام.
وتابع: “مصر مطالبة بالتعامل مع الملف السوداني عبر قادة رأي عام لهم تأثير أكبر وعلى دراية بالجانب السوداني”.