مع اشتداد الرقابة ..الصحف السودانية تحتضر
تقرير: عاين 12 مارس 2019م
تنازع الصحف السودانية من أجل البقاء، لا سيما عقب اندلاع التظاهرات التي هزت أركان البلاد منذ حوالي الثلاثة أشهر، اذ تعاني من الرقابة والمنع والمصادرة وفرض الخسائر الاقتصادية إلى جانب مطاردة الصحفيين أنفسهم واعتقالهم وتهديدهم وضربهم في حملة عنف غير مسبوقة منذ قدوم الانقاذ الى السلطة. وقد تم اعتقال حوالي 90 صحفيا منذ اندلاع الاحتجاجات- حسب شبكة الصحفيين السودانيين- بالاضافة للمصادرة المستمرة والاستهداف للصحف الحزبية والمستقلة وعلى رأسها صحف الجريدة، التيار، الميدان، اخبار الوطن والبعث، بالاضافة لمضايقة معظم الصحف الأخري.
وحسب استطلاع واسع أجرته (عاين) وسط عدد من الصحفيين العاملين في الصحف اليومية، فإن الصحافة الورقية في البلاد ربما تلفظ أنفاسها الاخيرة وتغيب عن السوق بشكل نهائي في حال استمرار الوضع الراهن والحملة الأمنية الشرسة على الصحف. ويقطع هؤلاء بأن الخسائر الاقتصادية التي تتعرض لها الصحف لا سيما المصادرة بعد الطبع وخسران المصداقية أمام الجمهور اضافة لارتفاع أسعار الصحف تبعا لارتفاع تكلفة الانتاج في ظل انهيار سعر الجنيه أمام الدولار قد أنهكت الصحف وخنقت قدرتها على التنافس والاستمرار في السوق.
جريدة الجريدة ….. استهداف غير مسبوق
جريدة الجريدة تعد الأكثر استهدافا وحظا من المصادرة والمنع خلال أشهر التظاهرات الثلاث، ويقول رئيس تحريرها أشرف عبدالعزيز أنها منعت من الصدور أربعة وستون مرة بأمر جهاز الأمن والمخابرات منذ اندلاع التظاهرات فى ديسمبر الماضي ، بعد عودة الرقابة القبلية عقب انطلاق الإحتجاجات والتي مازالت مستمرة حتى الآن.
ويقول عبدالعزيز لـ(عاين) “الإجراءات الأمنية تؤثر على المحررين فتغطياتهم للأحداث لا تنشر، موادهم الصحفية تتعرض للحذف من قبل الرقيب الذي فى الغالب تقديراته تعمل على حجبها وتشويشها”. ويضيف عبدالعزيز ان “كل مايتمناه الصحفي هو أن تصل مادته التي يكتبها في أي قالب من القوالب الصحفية الى القارئ، ومن المؤكد عدم مطالعة “القارئ للحقيقة يصيب الصحفي بإحباط ويؤثر على أدائه
أما صحيفة الميدان الناطقة بإسم الحزب الشيوعي السوداني ، فلم تكن بمنأى عن الإجراءات التعسفية التي تمارسها السلطات الأمنية ، ووفقاً لحديث الصحفي بالميدان كمال كرار لـ(عاين) “ان الميدان مصادرة منذ بداية العام 2019 ، أي بعد حوالي أسبوعين من بدء التظاهرات ، ويضيف كرار “ حتى الآن منع 24 عددا من الصدور الورقي واستمرت الميدان بالصدور إلكترونياً ، ويصف كرارالخسائربالفادحة بمقياس التوزيع والبيع فإن خسارة العدد الواحد تعادل (40) ألف جنيه ، تشمل نفقات الطباعة والتوزيع والتسيير والبيع وتساوي جملة الخسارة (960) ألف حتى الآن.
صورة قاتمة
حظ صحيفة التيار السودانية لم يكن افضل حالا من رفيقاتها إذ تعرضت، لحجب الصدور عشرة مرات وتم مصادرتها مرتين، يقول المحرر بالصحيفة ،على ميرغني ، لـ(عاين) ان الخسائر المباشرة للمصادرة تصل الى اثني عشر الف جنيه لطباعة العدد الواحد ، فيما تتراوح الخسائر غير المباشرة جراء ضياع عائدات الإعلانات في الإعداد المصادرة والمحجوبة، هذا فضلاً عن إمكانية فقدان بعض القراء نتيجة الغياب القسري. ويمضي ميرغني للقول “مؤخرا “لم تصدر التيار لأكثر من ثلاثة عشر يوماً لأسباب مختلفة لا تتعلق فقط بالرقابة القبلية.
ويواصل ميرغني في تحليله للتحديات التي تواجه الصحافة الورقية مبينا أن التدهور الاقتصادي العام في البلاد انعكس بصورة سلبية جدا عليها. “الصحافة الورقية تواجه تحديات متعددة معظمها يرتبط بالوضع الراهن ، اولاً الأزمة الإقتصادية وتدهور العملة المحلية بقصد او بلا قصد جعلت أسعار الطباعة تواصل الإرتفاع بصورة شهرية تقريباً حتى أصبحت أكثر من تسعة جنيهات للنسخة بالتالي أصبح سعر الصحيفة للقارئ خمسة عشر جنيها، بينما القارئ نفسه يمر بأزمة مالية يضاف اليها شح السيولة لذلك بعد أن كانت الصحيفة الأعلى توزيعاً تطبع قرابة (90) ألف نسخة أصبحت تطبع فقط (13) ألف نسخة يعني انخفض المطبوع بنسبة (80)% .
التحدي الثاني في تقدير علي ميرغني ، يتعلق بالحكومة من حيث الرقابة القبلية وإسقاطات حالة الطوارئ الحالية على ما تتناوله الصحف وهذا العامل افقد الصحف جاذبيتها وطرد معظم القراء للوسائط الإعلامية الأخرى خاصة مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرا ايضاً إلى صعوبة الحصول والوصول للمعلومة بسبب التعتيم الحكومي، اضافة لتحديات السرعة والانية في نشر المعلومات التي تمتلكها المواقع الالكترونية والفضائيات في ظل ضعف القدرة التنافسية للصحيفة الورقية.
، ويخلص ميرغني إلى احتمال تساقط معظم الصحف الورقية بما في ذلك الموالية للحزب الحاكم، متوقعا أن تتوقف معظم الصحف ذات الموثوقية خلال فترة قريبة، ويتشرد مئات الصحفيين الأحرار ممن لا يسامون على موقفهم الداعم لمطالب الشعب فى الحرية والسلام والعدالة والكرامة قبل كل ذلك .
تصفية
ومنذ اندلاع التظاهرات وضعت الاجهزة الامنية صحيفة اخبار الوطن ، الناطقة بإسم حزب المؤتمر السوداني ، كانت أيضا ضمن قائمة الصحف الحزبية التي تعرضت للمصادرة مرتين ومنعت من الصدور ست مرات وبلغ حجم خسائرها المالية (70) الف جنيه بحسب رئيسة تحريرها هنادي الصديق التي تحدثت لـ(عاين) عبر الوسائط، ذلك فيما قال رئيس تحرير صحيفة البعث الناطقة بإسم حزب البعث العربي الإشتراكي لـ(عاين)، ان الصحيفة تمت مصادرتها مرتين ومنعت من الصدور تسع مرات ، وقدر حجم الخسائر المالية مابين (50-60) الف جنيه سوداني .
الصحفي، ماجد محمد علي يرى أن ما يواجه الصحف منذ إندلاع ثورة الشعب السوداني في ديسمبر 2018 فصلا متقدم من عملية إستهداف الصحف والصحفيين الأحرار وتصفيتهم تماما ليس إلا ، ويمضي علي قائلا لـ (عاين) “ان ما تواجهه صحيفة الجريدة على سبيل المثال خطة تصفية بكل ما تعني الكلمة من معنى وليس عملية تضييق اخرى والحال كذلك ينطبق على التيار ورئيس تحريرها المعتقل عثمان ، وصحف الميدان ، البعث ،واخبار الوطن ، وإصرار الصحافة وشبابها على وجه التحديد على أداء دورها في كشف تلك السياسات الحكومية التخريبية وعراها تماما”. ويضيف أن الصحافة تواجه فصولًا جديدة من العسف الحكومي بأدوات ووسائل مختلفة من أبرزها تجفيف مصادر الصحف المالية عبر وسائل ممنهجة ، سيما أن السلطات الأمنية تمنع عن الصحف المصادر المالية التي تغذيها ماليا مثل الإعلان الحكومي ، الإعلان الخاص بالشركات الكبرى وكذلك تساهم في رفع أسعار مدخلات الطباعة من ورق وأحبار وتساوم من أجل دفع الصحف للاندماج حتى يسهل السيطرة عليها
موت سريري
ناشر صحيفة الجريدة السودانية ، عوض يوسف ، يقول إن صحيفته محتجبة حاليا اعتراضا على القمع والمنع والاستهداف الذي تعرضت له من قبل جهاز الامن والمخابرات الوطني. ويضيف يوسف في تصريح لـ (عاين) ان جهاز الأمن والمخابرات السوداني طلب ان نذهب اليه يومياً فى مكانه ويعدل الصحيفة ثم نعيدها له بعد التعديل الى المكاتب فضلاً عن عدم نشر الموضوعات الممنوعة فى مواقعنا وصفحاتنا على منصات التواصل الإجتماعي ، قبل أن يضيف محتجا “هذا تعدي سافر على حرية التعبير والرأي ومهنية الصحافة وشرفها ، ومن منطلق قناعتنا ان الحل لوطننا العزيز يكمن فى دولة المؤسسات ويجب على الصحافة ان لا تعترف إلا بالمجلس القومي للصحافة والمطبوعات والقضاء ، وان ترفض التدخلات الامنية.
يصف يوسف حجم الخسائر المالية بالكبير جداً ، مضيفا أن الضرر طال شركات الطباعة والتوزيع والإعلان والعاملين في الصحف، بما يعني أن صناعة الصحافة تموت بشكل ، تدريجي في البلاد. ويقدر يوسف حجم خسارة صحيفته يوميا ب (80 ) الف جنيه بسبب المصادرة المتعمدة بعد الطبع لإيقاع خسائر أكبر من قبل جهاز الامن. ويضيف “المسألة تعدت لغة الأرقام وصلنا الى مرحلة البقاء أم لا فى بلاط الصحافة ، ونحن لا نقبل بالشروط الحالية حتى اذا أدي ذلك توقفنا الأفضل ان نقف بكرامتنا ، غير ذلك سنفقد مصداقيتنا ليس لدينا إعلان حكومي ولم ندخل الصحافة كتجار “ .
ويدق ناقوس الخطر، مبينا ان بعض المطابع بدأت بالإنسحاب من السوق وبعضها مملوك للحكومة معروضة للبيع ولايمكن ان تباع داخل السودان لأنه لأحد يرغب فى الدخول الى عالم الطباعة ، بالإضافة إلى أن عدد الصحف فى إنحسار وعدد المطبوع قل جداً ويمكن تقدير حاجة السوق للمطابع الان باثنين فقط ، قبل ان يخلص الى ان اول الآثار الجانبية للأزمة تتجلى في إغلاق الصحف والمطابع لأن القراء ينسحبون ويقل الإقبال ” لا يمكن ان نطلب من القراء أن يشتروا صحيفة بسعر عالي فى ظل الظروف الإقتصادية التي يعيشها الناس ، وانخفاض الجنيه السوداني مقابل سعر العملات الأجنبية” .