السودان يخوض معركة استرداد الأموال المهربة للخارج
تقرير: عاين 1 نوفمبر 2019م
أعلنت الحكومة الانتقالية السودانية وعددا من المنظمات الحقوقية دخولها في مواجهة مباشرة مع جهات داخلية تتبع لنظام الرئيس المخلوع عمر البشير وجهات اقتصادية اقليمية ودولية كانت تقدم له المساعدات، من أجل استعادة الاموال السودانية المنهوبة أو التي أودعت في الخارج اضافة لمحاسبة كافة تلك الجهات على الانتهاكات الواسعة التي قامت بها الحكومة السابقة.وتشدد حكومة ما بعد الثورة السودانية ومنظمات حقوقية تعمل من داخل وخارج البلاد انهم سيتعقبون كل من شارك أو خطط او ساند الانتهاكات ضد حقوق الانسان والأموال التي تم تهريبها أو عن طريق غسيل الاموال أو غيره من الأساليب إلى خارج البلاد دون هوادة، من أجل استعادة الاموال ومحاسبة الأفراد والمؤسسات التي أسهمت في ذلك.
وكانت عدة بنوك دولية تعرضت لعقوبات قاسية من القضاء الأمريكي بسبب كسرها للحظر الأمريكي والدولي علي السودان وايران وكوبا وسوريا، فيما كشفت تقارير وتسريبات عن أموال تقدر بمليارات الدولارات تخص مسئولين سودانيين بينهم الرئيس المخلوع عمر البشير تم تهريبها الي الخارج.
الاموال والاصول المسروقة
وشدد وزير المالية السوداني والخبير السابق في البنك الدولي إبراهيم البدوي في هذا الاطار ان الحكومة الانتقالية لن تدخر جهدا في سبيل تعقب الاموال ومحاسبة كافة المتورطين وتقديمهم للمحاكمة الدولية والمحلية.وقال البدوي يوم الخميس الماضي لدى عودته من الاجتماع السنوي للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي انعقدت في واشنطن أنه حصل على تعهدات من مكتب الأمم المتحدة لمحاربة المخدرات والجريمة الدولية ومؤسسات دولية أخرى بالعمل المشترك مع حكومة السودان لتعقب كافة الاصول والاموال السودانية التي هربت الى خارج السودان.
ويعمل مكتب الأمم المتحدة لمحاربة المخدرات والجريمة الدولية بقدرات دولية كبيرة في تعقب الجرائم والأموال غير الشرعية، ويقدم الاستشارات والمعلومات للدول بالتعاون مع مؤسسات دولية كبرى مثل البنك الدولي، وله مكتب داخلي يختص بما يعرف ب “الاصول المسروقة” من الدول مثل الاثار وغيرها من الجرائم مثل محاربة غسيل الأموال او استقبال أموال غير شرعية بواسطة مؤسسات اقتصادية مثل البنوك
وبمبادرة من عدد من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، بدأت حملة حقوقية ضد عدد من البنوك الدولية التي ساعدت حكومة المخلوع عمر البشير، وقدمت لها ضمانات وتسهيلات بنكية سابقة أو استقبلت منها الأموال. وتتهم تلك المنظمات البنوك التي تعاونت مع النظام بالاشتراك الجنائي في الانتهاكات والمجازر التي تمت في مناطق مختلفة في السودان وعلي رأسها دارفور، وتطالبها بدفع تعويضات مالية كبيرة للضحايا.أحد تلك البنوك هو البنك ، الذي رفع ضده عدد من الضحايا السودانيون قضية أمام المحاكم الفرنسية واتهموه بالتورط في الابادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية التي وقعت في إقليم دارفور منذ العام 2002 وحتى 2008.
وكانت الحكومة السودانية السابقة ( النظام البائد) تحرص على اقامة علاقات غير رسمية مع بعض المؤسسات الإقليمية والدولية، لتوجد من خلالها منافذ اقتصادية لجلب العملات الصعبة، لشراء كافة التعاملات المحروم منها السودان عقب قرار المقاطعة الاقتصادية الذي تبنته الولايات المتحدة الأمريكية في تسعينيات القرن الماضي. ضمن هذه المؤسسات يأتي بنك (بي إن بي باربيا) الذي سبق وأن أدين في التعاملات البنكية مع إيران وكوبا في مقدمة هذه المؤسسات. وكانت الإدارة الأمريكية اتخذت إجراءات قانونية انتهت فيها المحكمة بغرامة دفعها بمبلغ (6.45 يورو). بمنحة الحكومة السودانية امكانية الوصول الى النظام المالي الأمريكي ومعالجة المليارات من الدولارات والصفقات المالية.
تواطؤ وتسهيلات
وقام المركز الأفريقي لحقوق الإنسان ودراسات العدالة والسلام بمساعدة المنظمة الدولية لحقوق الإنسان برفع قضية لدى محكمة باريس ضد البنك وطالبته بدفع تعويضات للضحايا. يقول المدير التنفيذي للمركز الافريقي مساعد علي في مقابلة خاصة مع شبكة (عاين) في الفترة ما بين العام 2002 وعام 2008 ، ارتكبت الحكومة السودانية السابقة عبر قواتها العسكرية والأمنية وميليشيات الجنجويد، انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان؛ أدت إلى مقتل أكثر من 300000 مواطن سوداني بإقليم دارفور. اضافة الى استهداف مناطق أخرى داخل السودان بالقتل الجماعي، التهجير القسري، العنف الجنسي، الاعتقال، التعذيب وغيره من أشكال المعاملة اللاإنسانية والمهينة. وزاد مساعد قائلاً “على الرغم من أن هذه الجرائم موثقة على نطاق واسع إلا أنها ظلت بلا عقاب”.
متهماً بنك( BNPP ) أنه ظل يقدم تسهيلات بنكية مكنت الحكومة السودانية السابقة من الوصول إلى النظام المالي الأمريكي. وتحويل مليارات الدولارات و المعاملات نيابة عن الحكومة السودانية المحظورة . واستطرد قائلاً : ” قدم بنك (BNPP )هذه الخدمات بينما كان السودان يخضع لعقوبات من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدة دول لارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد المدنيين السودانيين”.
مزيد من القضايا
في الحديث عن ضمانات كسب القضية وتعويض الضحايا، أم ماهية الفائدة المرتجاة من الدعوة؟. قال مساعد: نحن لسنا واثقين تماما من أننا سنربح القضية، ولا نستطيع ان نعد الضحايا بحتمية كسب هذه الدعوى بالرغم من أنه تمت مقاضاة BNPP في الولايات المتحدة بسبب تعاملها مع السودان وإيران وكوبا في انتهاك للعقوبات الأمريكية ، وقد اعترف( BNPP) بأنه يعمل كبنك أجنبي للسودان بين عامي 2002 و 2008. وزاد في قضيتنا / قضيتنا الجنائية الحالية ، إذا كان قضاة التحقيق في فرنسا يعتقدون أن هناك أدلة كافية أثناء التحقيق ، فسوف يقومون باستدعاء المشتبه بهم وتوجيه الاتهام إليهم. غير أنه عاد مرجحاً استمرارية القضية الى فترة زمنية طويلة بالقول : بالنظر إلى تعقيد القضية، من المتوقع أن يدوم أي تحقيق قضائي بضع سنوات. في نهاية مرحلة التحقيق ، سيصدر قضاة التحقيق أمرًا إما برفض القضية أو إرسال البنك أو أكثر من كبار المديرين التنفيذيين للمحاكمة لاتهامهم ببعض أو كل الجرائم قيد التحقيق. إلا أنه عاد وأكد أنه في حال عدم كسب القضية ستكون هناك إشارات تحذير قوية وجدية، تتبعها المزيد من الدعاوى القانونية إذا تمكنا من الحصول على أدلة كافية على أنهم كانوا يعملون مع حكومة السودان السابقة ومنحوا الحكومة السودانية فرص الوصول إلى النظام المالي والسوق العالمية من خلال المعاملات نيابة عن الحكومة السودانية التي تم فرض العقوبات عليها ، وخاصة العقوبات من الأمم المتحدة ، الاتحاد الأوروبي ، ودول أخرى لارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد المدنيين السودانيين
تورط دولي
ولا يعد البنك الفرنسي الوحيد ضمن المؤسسات المالية الدولية التي تورطت في التعامل مع الدول المحظورة دوليا وضمنها السودان، والذي كانت تحكمه منظومة الإسلاميين التي أدت إلى فرض عقوبات اقتصادية أمريكية ووضعها ضمن اللائحة الاميركية للدول الراعية للإرهاب. وكان موقع ويكيليكس كشف عن تهريب البشير بمبلغ تسعة مليار دولار لبنك part-nationalised Lloyds Banking Group، الأمر الذي نفاه البنك لاحقا. وفي العام 2010 قامت محكمة بريطانية بالحكم ضد بنك باركليز بدفع غرامة بحوالي 30 مليون دولار بسبب تعامله مع حكومات كوبا وإيران والسودان.وفي نوفمبر 2018 تعرض بنك Societe Generale S.A. (SG or the Bank) الفرنسي لعقوبات بسبب تعامله مع حكومة السودان وبعض دول الحظر أو التي تعرف بالدول المارقة.
رموز فاسدة
وداخليا أعلنت منظمة “زيرو فساد” -وهي مبادرة تأسست بعد عزل الرئيس البشير وتعمل علي محاربة الفساد وكشف تورط مسؤولي النظام السابق في الفساد-عن رفعها أكثر من 300 قضية فساد ضد مسئولين سابقين في حكومة البشير. ويقول مدير المنظمة نادر عبيد في حديث لـ (عاين) ان منظمته رفعت ما يزيد 300 قضية فساد أدت للقبض على عدد من رموز النظام السابق يخضع بعضهم للحبس والتحقيقات، مشيرا لامتلاكهم عشرات الادلة بتورط منسوبي ورموز النظام السابق في الفساد.
“رفعنا أكثر من 300 قضية فساد، ودفعنا السلطات للتحرك عن طريق القانون ما أدي للقبض النائب السابق لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه ، وزير الخارجية الاسبق مصطفي عثمان اسماعيل، وزير المالية الاسبق علي محمود وعدد آخر من رموز النظام ورجال الأعمال المقربين منه”.وبشأن الاموال السودانية في الخارج كشف عبيد عن اتصالات لتوقيع اتفاق مع شركة أمريكية أمنية متخصصة في تعقب الاموال المنهوبة والمسروقة والمهربة إلى خارج البلاد اضافة لقضايا غسيل الأموال.