إسلاميو السودان.. عودة سياسية محفوفة بالمخاطر
8 مايو 2021
بعد نحو عامين من سقوط حكم الإسلاميين في السودان، تحاول مجموعات منسوبة لهذا التيار الظهور سياسياً وفي العلن على الرغم من قرار السلطة الانتقالية القائمة في البلاد بحل حزب المؤتمر الوطني وحظر نشاطه عبر لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989.
ونشط أنصار الحزب المخلوع مؤخرا في استغلال مناسبات دينية اسلامية وتنظيم إفطارات جماعية رمضانية في عدد من المدن السودانية وخاطبتها قيادات وسطية في الحزب المحلول وأخرى تنتمي لأحزاب دينية، وواجهت الشرطة بعضها بإطلاق الغاز المسيل للدموع كإفطار الإسلاميين في حدائق عامة شرقي مطار الخرطوم، ولم تواجه افطارات مماثلة في مدن أخرى.
هذا الظهور العلني للإسلاميين في المشهد السياسي السوداني، فتح العديد من الأسئلة لجهة عودتهم مجددا وترتيب صفوفهم والدعوة لإسقاط الحكم الانتقالي القائم في البلاد.
– اكتساب ثقة
عدم خسران أعضاء التنظيم الإسلامي مواقعهم الاجتماعية والاقتصادية في البلاد ربما يجعلهم اكثر جرأة، بحسب الاستاذ الجامعي، بكرى الجاك المدني، والذي يضيف بان الاسلاميين رغم خسارتهم للسلطة لم يعاقبوا من قبل الحكومة الحالية.
ويستبعد المدني، بان المجتمع الدولي والإقليمي لن يسمح بعودة الاسلاميين إلى السلطة، ويعتقد ان عودتهم تتطلب مراجعات في عدد من الجوانب الفكرية والسياسية والتعلم من تجربتهم السابقة.
ويقول “بعد سنوات يمكن أن يكون لهم وجود في الحياة السياسية، لكن حتى الآن ليست لهم القدرة على ذلك، ولا القدرة على مراجعة الذات، فقط يعتقدون أن لهم قدرة الرجوع لمواصلة نهب موارد الدولة”.
ويقطع المدني، بانه في الوضع الراهن والتحركات التي قاموا بها ناتجة عن ضعف مؤسسة الدولة، وهم ينتفعون من هذا الوضع، ومصالحهم الاقتصادية والاجتماعية مستمرة، لكن السلطة السياسية بعيدة عنهم، ولا يوجد خوف من الإسلاميين، حتى لو سقطت الحكومة الحالية يستحيل عودة المؤتمر الوطني لأنه ببساطة ليس لهم أي قبول اجتماعي.
وعلى اثر تحركات مجموعات الاسلاميين مؤخرا، دارت حوارات عديدة بتهاون السلطة الحاكمة في التعامل الحاسم مع الإسلاميين وهي بيدها القانون، ويقول في هذا الاتجاه، المحلل السياسي عبدالله آدم خاطر، أن أداء حكومة الفترة الانتقالية محل نقد بكل تأكيد.
ويضيف لـ(عاين)، “لكن وجودها يساعد في استمرار الانتقال الديمقراطي، ولا احد ينكر انها حسنت علاقات السودان مع المجتمع الدولي، واستعادة العلاقات الاقتصادية مع الشركاء الدوليين وان القوى السياسية التي حكمت البلاد قرابة الثلاث عقود يستحيل أن تعود الى كرسي السلطة، وهذا حلم بعيد المنال في هذا الوقت”.
ويعتقد خاطر، أن الفترة التي حكم فيها الإسلاميين، كانت مسيئة ومذلة للشعب السوداني، وما ظهر من نشاط للإسلاميين في الأيام الأخيرة، ليس له علاقة بالنشاط السياسي، بل هو استثمار لأحداث دينية واجتماعية، وهذا يعني انهم يعملون على هامش المشهد السياسي، وأصبحوا غير مرغوب فيهم، واعطى مثالا في ذلك، إذا بدأ الحجر في التدحرج من أعلى الجبل، سوف يستمر في السقوط إلى القاع، مشيرا إلى أنهم ليسوا مؤهلين لحكم السودان.
– شوشرة
ولا تعقد المحاضرة بمركز الدراسات الدبلوماسية في جامعة الخرطوم، تماضر الطيب، أن الإسلاميين اكتسبوا ثقة، بل هي صدمة بالنسبة لهم، بعد أن زال نظامهم، واغلب قياداتهم في السجن، والبعض الآخر خارج البلاد، وآخر على قناعة أن هذه التجربة قد فشلت.
وتشير تماضر، إلى أن هناك فئة موجودة تزعم أن لها إمكانية العودة إلى الحكم، وتضيف أن الإفطارات الجماعية والمناوشات لن تساعدهم في شيء، هؤلاء سقطوا، وكان معهم الجيش، وكتائب الظل، وهذه مجموعة صغيرة من الإسلاميين تحاول خلق نوع من عدم الاستقرار (الشوشرة)، والاستفادة من مسألة التهاون في التعامل معهم، وتعتبر ذلك فرفرة مذبوح، من أفراد لا يقرأون الأحداث بصورة صحيحة.
وترى الطيب، بان الاسلاميين اذا ارادوا العودة للمشهد السياسي عليهم ان تأسيس حزب سياسي مقبول للسودانيين، لكن الآن ووفقا للقانون يفترض أن لا يمارس الاسلاميين انصار حزب المؤتمر الوطني المخلوع أي شكل من أشكال النشاط بحكم الوثيقة الدستورية، وهم أنفسهم يعلمون.
تشير تماضر في مقابلة مع (عاين)، إلى وجود تهاون من قبل حكومة الفترة الانتقالية، ولهذه الأسباب تمادى وتحرك الاسلاميين بهذا الشكل، ويريدون الاستفادة من الحريات، وتتساءل تماضر أي حريات يستفيدوا منها، “حرموا الناس حتى من حرية الصحافة”.
– تجفيف التمويل
في ذات السياق يقول عضو هيئة محامي دارفور عبد الباسط الحاج، أن تيار الإسلام السياسي في السودان اتيحت له الفرصة ليتحرك بكل سهولة بعد نجاح الثورة ومنذ ايام حكم المجلس العسكري الإنتقالي، ويشير عبدالباسط لـ(عاين)، الى انه في تلك الفترة استطاع هذا التيار التأثير على مواقف كثيرة اتخذها المجلس العسكري، عن طريق عناصر التيار الإسلامي داخل المؤسسة العسكرية، ما جعل ثقتهم تزداد، و في تلك الفترة استطاعوا الحشد، واتخاذ مواقف كثيرة وتحركات خدمت ثم عززت موقف المجلس العسكري المتمسك بالسلطة.
ومن جانب آخر يرى عبد الباسط، غياب البرنامج السياسي الموحد للفترة الإنتقالية، وضعف الخطاب السياسي لدى الحاضنة السياسية للحكومة منح الاسلامين فرصة ترتيب أوضاعهم الداخلية وتنظيم صفوفهم، وتعبئة الشارع ضد الحكومة في حالات كثيرة ظهرت هذه النتائج.
وينوه عبدالباسط، الى أن التيار الإسلامي ليست لديه رؤية للتغيير على الأقل في الوقت الحالي، هذا التيار أتيحت له الفرصة أن يحكم ثلاثون عاماً، ولم يقدم شيئاً سوى الفساد والاستبداد والقتل الجماعي والتنكيل، ويعتقد انه اذا اتيحت له فرصة اخرى لن يقدم شيئا، وهذه التحركات كلها عبارة عن آثار الصدمة من الثورة التي قام بها الشباب والشعب السوداني ضدهم، فهم الآن يلعبون على تأليب الشارع عن طريق دغدغة المشاعر الدينية، وتشويه صورة الحكومة الانتقالية عمداً.
ويتفق عبد الباسط مع آخرين، بأن هناك تهاون في محاسبة رموز النظام السابق وتقديم المجرمين للعدالة، باعتبارها واحدة من أسباب سخرية الإسلامية من ضعف حكومة الفترة الانتقالية، ويوضح لو شرعت الحكومة من عملية العدالة والمحاسبة، وسلمت المجرمين المطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية، و جففت منابع تمويل التيار الإسلامي، و نظفت المؤسسات الحكومية من عناصر النظام السابق، بكل تأكيد ستتراجع تحركاتهم.