«ضحايا مدنيون».. أهداف وراء تكثيف طرفي القتال القصف العشوائي

عاين- 9 يوليو 2023

في حي “أمبدة العاشرة” بمدينة أمدرمان غرب العاصمة السودانية وجد رجل ستيني منزله قد لحق به الدمار جراء القصف المدفعي، ولم يعرف مصدر القذيفة التي سقطت على منزله خلال اشتباكات بين الجيش والدعم السريع الثلاثاء الماضي وأحالته إلى ركام.

عندما وصلت قافلة الجيش قرب المنزل المُدمر أخبر الجنود صاحبه أن قوات الدعم السريع هي التي أطلقت القذيفة في خطوة تهدف الى إدانة قوات الجنرال محمد حمدان دقلو – بحسب ما أفاد عضو غرفة طوارئ أم درمان، أيمن أبو الليل (عاين).

ويتبادل طرفا القتال في السودان الاتهامات بشأن عمليات القصف العشوائي التي دائما ما يكون ضحاياها المدنيين. ويمتلك الجيش السوداني الطيران الحربي فيما تمتلك قوات الدعم السريع أسلحة ثقيلة، الأمر الذي يجعل من عمليات القصف العشوائي للأهداف غير العسكرية تكتيكا عسكرياً من شأنه إدانة كل طرف الآخر.

عندما سيطرت قوات الدعم السريع في 25 يونيو الشهر الماضي على رئاسة الاحتياطي المركزي جنوب العاصمة السودانية،  وصلت قوة من الدعم السريع في اليوم الثاني إلى “حي الإسكان” وهي منطقة تقع جنوب حي الكلاكلة شرق المتاخم لمقر الاحتياطي المركزي، أمرت هذه القوة مالك المنزل الذي يتكون من طابقين بالإخلاء الفوري ونصبت على السطح مدافع ثقيلة- حسب رواية خليل مالك المنزل لـ(عاين).

«ضحايا مدنيون».. أهداف وراء تكثيف طرفي القتال القصف العشوائي
الصورة- وكالة الاناضول

قبل ذلك، وفي مطلع شهر يونيو سيطرت قوات الدعم السريع على مصنع اليرموك ومع تحليق مكثف لسلاح الطيران نفذ ضربات جوية على المصنع ومحيطه بعض القنابل سقطت على منازل يقطنها مواطنون الأمر الذي اوقع ضحايا مدنيين -حسب ما ذكر عضو في غرفة طوارئ جنوب الحزام لـ(عاين).

عضو غرفة طوارئ مدينة أمدرمان أيمن أبو الليل يقول، إن “قوات الدعم السريع درجت على إطلاق قذائف عشوائية لوضع المسؤولية على الجيش هذا الأمر يأتي في إطار تبادل الاتهامات بين الجانبين خاصة قوات دلقو التي تحاول انتزاع إدانة دولية لسلاح الطيران التابع للجيش لذلك لا تتردد في اتهام القوات المسلحة برمي القنابل على منازل المواطنين أثناء المعارك العسكرية”.

في تقرير قدمه إلى مجلس الأمن الدولي خلال شهر مايو الماضي، قال مندوب السودان الذي يمثل جانب الجيش الحارث إدريس، إن “قوات الدعم السريع ارتكبت انتهاكات ونهبت عشرات المصانع والمصارف واقتحمت المنازل وروعت المدنيين”.

المعارك الدائرة في السودان منذ 15 أبريل 2023 تسبب في نزوح 2.5 مليون شخص بينهم نصف مليون لاجئ إلى دول الجوار ومقتل أكثر من 4 آلاف شخص وإصابة 6 آلاف شخص من المدنيين جراء القصف ووقوع قذائف في المنازل والشوارع في معارك دارت داخل الأحياء المأهولة بالسكان.

«ضحايا مدنيون».. أهداف وراء تكثيف طرفي القتال القصف العشوائي
التكتيكات العسكرية أيضا لم تخل من محاولات الجانبين الزج بالآخر في خانة ارتكاب الانتهاكات حتى يخسر المعركة من الناحية السياسية والدبلوماسية والشعبية. قوات الاحتياطي المركز

ويعتقد الخبير العسكري حسن إدريس، أن التكتيكات العسكرية أيضا لم تخل من محاولات الجانبين الزج بالآخر في خانة ارتكاب الانتهاكات حتى يخسر المعركة من الناحية السياسية والدبلوماسية والشعبية بمعنى أن ارتكاب مجازر بواسطة سلاح الطيران لم يكن بالنسبة للدعم السريع أكثر من كونه سلاحا لإدانة الجيش. ويقول إدريس في مقابلة مع (عاين)، “هذه الأمور من بين التكتيكات المستخدمة”.

ويوضح إدريس، أن طريقة قتال الطرفين متشابهة وهي من الطرق التقليدية التي تحصد في طريقها العديد من الانتهاكات، ويعتقد إدريس، أن الجيش تمكن من دفع الدعم السريع إلى خانة رد الفعل جراء الانتهاكات التي ارتكبها والتي ترقى إلى حدود جرائم الحرب وهذا التكتيك جاء من الجيش لخبرته المتراكمة في مثل هذه الأوضاع خاصة مع وجود مؤسسات في الدولة تعمل مع الجيش”.

حصد الدعم

فيما يقول المدافع الحقوقي أحمد عثمان لـ(عاين )، إن تكتيكات الجيش والدعم السريع في حرب السودان تقوم على “تكنولوجيا المعارك” التي تعتمد بقدر كبير على نشر مقاطع فيديو من الغرف الإعلامية للطرفين تهدف إلى حصد الدعم الشعبي والدولي

ويعتقد عثمان، أن هناك “عمليات واسعة للقصف العشوائي” حدثت في العاصمة السودانية ومدينة الجنينة ونيالا والفاشر من قبل الجيش والدعم السريع دون الالتزام بسلامة المدنيين. ولفت إلى أن هذه العمليات أسفرت عن وقوع ضحايا وسط المدنيين.

ويشير عثمان، إلى أن الاشتباكات التي تدور في الأحياء “قد ترتقي لجرائم الحرب” التي قد تدين الجانبين و تتصدرها قوات الدعم السريع التي تحتمي بالأحياء المأهولة بالسكان دون الوضع في الاعتبار سلامة المدنيين. ويرى أن خطة الدعم السريع تقتضي الانتشار في الأحياء حتى يتم الضغط دوليا على الجيش لإيقاف سلاح الطيران أو إقامة منطقة حظر طيران في الخرطوم. 

ويقول عثمان، إن “مبادرة الاتحاد الأفريقي التي تحدثت في بنودها عن تحويل العاصمة السودانية إلى منطقة منزوعة السلاح كانت بمثابة تحذيرات شديدة اللهجة من مجلس السلم والأمن الأفريقي حتى يتوقف طرفا القتال عن ارتكاب المزيد من جرائم الحرب لكنهما ما زالا يستمران في العمليات العسكرية واسعة النطاق ويحاول كل طرف دفع الآخر في ارتكاب المجازر بحق المدنيين”.

يرى عثمان، أن طبيعة النزاع المسلح  “نزاع على السلطة ” ويفضل الطرفان في العادة  توجيه الضربة القاضية عبر رمي الاتهامات على الآخر لذلك فإن تكتيك استخدام السلاح لإحداث خسائر وسط المدينين “وارد جدا ” خلال إدارة المعارك لكلاهما أعني الجيش والجنرال دقلو. 

بينما يؤكد الجيش أنه يعمل وفق التقديرات العسكرية للحفاظ على حياة مئات الآلاف من المدنيين العالقين في الأحياء بالعاصمة الخرطوم ومدن نيالا والفاشر والأبيض وهي المدن التي تشهد قتالا بين الجيش والدعم السريع لكن طبيعة المعارك العسكرية التي تدور في الأحياء السكنية، ما يعني أن حماية المدينين في “بعض الأوقات ” لا تكون أولوية لدى الطرفين- يقول المدافع الحقوقي أحمد عثمان. 

فيما يقول الخبير العسكري محمد هجو لـ(عاين) إن الجيش يضع مسؤولية حماية المدنيين نصب أعينه لأنه مسؤول عن حماية الشعب ورغم تصريحات قادة الدعم السريع بأنهم يقدمون الحماية المدنيين لا “توجد ضمانات” أن كلا الطرفين يحافظان على التعهدات خاصة بصيانة حقوق الإنسان عندما تشتد المعارك العسكرية.

ويضيف هجو :”تحاول قوات الدعم السريع تقديم نفسها كامتداد للمؤسسة لكن عندما تنظر  إلى الأوضاع على الأرض تختلف الأمور لأن الأسلحة الثقيلة التي يستخدمها الجنود لا تفرق بين المنازل وأرض المعركة من الصعب هنا أن تضمن وجود التزام بحماية المدنيين خاصة اذا كانت هذه الضربات ستحقق تقدما على الأرض تتحول قوات الدعم السريع إلى قوات وحشية لذلك لا توجد تكتيكات عسكرية في هذه الحرب بقدر ما أن هناك محاولة حصاد مواقع جديدة من الجانبين على حساب آلاف الضحايا من المدنيين وسط صمت دولي مريب ومخيف “.

«ضحايا مدنيون».. أهداف وراء تكثيف طرفي القتال القصف العشوائي

يقول عضو المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري الحقوقي عثمان البصري لـ(عاين)، إن مسائل تحديد جرائم الحرب تعتمد على بعثة تحقيق دولية لطبيعة المعارك العسكرية التي دارت على الأرض والتي حطمت “كل المعايير الخاصة بحماية حقوق الإنسان”.

ويقول البصري، إن الطرفين لا يعتمد على روايتهما في هذا النزاع المسلح لأنهما يركزان على “الدعاية الحربية ” لكسب الدعم الشعبي ومن المهم جدا أن تكون هذه الانتهاكات مرصودة بواسطة جهات مستقلة وهذا ما سيحدث لاحقا بعد توقف الحرب ستبدأ مرحلة جديدة من المعارك القانونية والدبلوماسية لأن الانتهاكات كبيرة وتأثر ملايين السودانيين بها سواء التصفية الجسدية أو التهجير القسري أو نهب المنقولات .

يرى عثمان البصري، أن الجيش والدعم السريع يلقيان باللوم على بعضهما البعض لكن من يحدد وقوع “جرائم حرب” وانتهاكات جهة مستقلة وقد تكون بعثة تحقيق دولية لأن المؤسسات القانونية المحلية لا تستطيع ذلك.

بالمقابل يعتقد الخبير العسكري حسن إدريس، أن الجيش والدعم السريع “يمسكان على الزناد ” وقلوبهم على طاولة التفاوض لذلك حتى التكتيكات العسكرية والدعاية الحربية تركز على إضعاف الطرف الثاني لكسب نقاط في المفاوضات التي ستأتي لاحقا سواء طالت الحرب أم لا.

ينوه هذا الخبير العسكري إلى أن التكتيكات العسكرية للجيش والدعم السريع تعتمد على “حرب المدن ” فإذا عدنا شهور إلى الوراء شاهدنا كيف جلب دقلو المدرعات والمقاتلين الى العاصمة السودانية لأن الخرطوم حددت مسبقا “مسرحا للحرب ” في صراع السلطة بين الجنرالين .

يصف الخبير العسكري حسن إدريس، الحرب في السودان بـ “المخيفة، لأنها تحمل جميع أنواع الانتهاكات وسط عالم لا يعبر عن إهتمامه الكافي بهذا الصراع المسلح لذلك فإن الجيش والدعم السريع بإمكانهم ارتكاب أنواع متعددة من الانتهاكات مع ضمان الإفلات من العدالة المحلية والدولية”.