الاضطرابات الأمنية تهدد الأمن الغذائي بولايات دارفور
5 يونيو 2022
يتسبب تجدد العنف المسلح بإقليم دارفور غربي السودان، في تدهور الظروف المعيشية لملايين السكان، وسط مخاوف بتأثير الصراع الأهلي على الموسم الزراعي، في وقت يتوجب على آلاف المزارعين فلاحة أراضيهم مع حلول الموسم الزراعي في ظل مؤشرات أزمة نقص الغذاء العالمية.
يشعر المزارع بدارفور، عيسى علي آدم، بأن الطريق مازال شاقاً لاستعادة سبل كسب عيشه إلى جانب الآلاف من السكان المحليين في الإقليم بعد أن دمرت الحرب وأعمال العنف الجارية مزارعهم، وبات مستحيلا الحصول على هذه الموارد بسبب تجدد النزاعات المسلحة خاصة بين المكونات الاجتماعية.
“لا نستطيع الوصول إلى مزارعنا لعدة أسباب منها عمليات العنف الممنهجة ضد المزارعين من قبل الرعاة”. يقول آدم لـ(عاين)، ويضيف: “آلاف المزارعين فقدوا أراضيهم ومحصولاتهم والثروة الحيوانية خلال فترة الحرب وأصبحوا غير قادرين على مواصلة عمل الزراعة خاصة بعد الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار الوقود التي انعكست على كل شيء الأمر الذي ضاعف أعداد المحتاجين الى الغذاء في المدن ومخيمات النزوح”.
ونهاية مارس المنصرم، حذرت كل من منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالم من أن التأثيرات المجتمعة الناجمة عن النزاع والأزمة الاقتصادية وضعف الحصاد تؤثر بشكل كبير على إمكانية حصول الناس على الغذاء ومن المرجح أن تضاعف عدد الأشخاص الذين يواجهون الجوع الحاد في السودان إلى أكثر من 18 مليون شخص بحلول سبتمبر 2022.
ويشير تقرير الوكالات الأممية إلى انه من المرجح أن يتضاعف عدد الأشخاص الذين يواجهون الجوع الحاد في السودان إلى أكثر من (18) مليون شخص بحلول سبتمبر 2022 أي ما يعادل 30% السودانيين وهو أعلى رقم يتم تسجيله.
وفي الأشهر الأخيرة شهدت ولايات دارفور تجدد أعمال عنف مميتة في مناطق متفرقة من الإقليم تسببت في موجة نزوح جديدة إلى المدن وأدى انعدام الأمن إلي تآكل سبل كسب العيش، مما ألحق أضراراً بالمزارع وزاد من انتشار معدلات البطالة من شأنه أن ينعكس سلباً على موسم الزراعي القادم.
ودفع النزاع المسلح آلاف المزارعين إلى ترك مهنتهم والبحث عن بدائل أخرى، الأمر الذي يزيد من إحتمالات تهدد أمنهم الغذائي ليس لسكان دارفور فحسب بل سينعكس على كل السودان.
ويقول المزارع عيسى علي آدم، “أن ثلاثة مزارعين تعرضوا للضرب والقتل ونهب آلياتهم الزراعية الاسبوع الماضي من قبل مسلحين جنوب مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور عندما كانوا يجهزون الأرض للزراعة، وعلى الرغم من تدوين بلاغات ضد المعتدين، إلا أن القوات الأمنية المسؤولة الحماية لم تقم بتوقيف الجناة الذين يرجع إنتماءهم إلى قوات عسكرية”.
وتنتج ولايات دارفور محصول الذرة والدخن الذي يعتبر مصدر غذاء رئيسي لنحو 70% من السكان وعلف للحيوانات، علاوة على إنتاج 85% من محصول الفول السوداني وسمسم اللذان يمثلان أهم الصادرات الزراعية الداعمة للميزان التجاري للدولة.
كيف ارتفعت أسعار الذرة
في فبراير ارتفعت أسعار الذرة والدخن غير المعتاد في الاقليم الى الضعف مقارنة بأسعار الموسم الماضي، ويعزو تاجر الغلال بسوق نيالا هارون إسحق ذلك الى أرتفاع أسعار القمح عالميا أجبرت الكثير من سكان المدن الاعتماد علي الذرة والدخن عوضاً عن القمح في الوجبات الرئيسية.
وأبان هارون، خلال استطلاع أجرته (عاين) بسوق نيالا أن أسعار الذرة بلغت (1300) جنيهاُ للملوة الواحدة، بدلاً من (700) جنيهاً، بينما بلغ سعر الدخن(1600) جنيهاً بدلا من (800) جنيه للملوة الواحدة.
وفي محاولة لسد نقص الغذاء المتوقع، أعلنت حكومة ولاية جنوب دارفور أحد أكبر الولايات المنتجة للذرة والدخن عن استكمال استعداداتها لاستزراع (15) مليون فدان وهذا يمثل ثلاثة أضعاف المساحة المزروعة خلال الموسم الماضي. الأمر الذي يقول عنه مدير عام وزارة الزراعة والثروة الحيوانية بالولاية، حماد موسى مطر، سيمثل مخزونا استراتيجيا يكفي حاجة سكان الولاية- حسبما أفاد (عاين).
إلا أن المسؤول الحكومي تخوف من تأثير النزاع بين الرعاة والمزارعين على الموارد، في تنفيذ الخطة والإستغلال الأمثل للمساحات الزراعية المقترحة، وأقر حماد بتحديات تتعلق بتوفير المدخلات الزراعية بسبب ارتفاع اسعار العملات الصعبة مقابل العملة المحلية وتحديات قدرة الحصول عليها.
صراع تقليدي يعيق تطور الزراعة
ويعزز الصراع القديم المتجدد بين الرعاة المزارعين في دارفور من ارتفاع احتمال المخاطر لدى المستثمرين في الزراعة، بجانب ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب الزيادة الكبيرة في أسعار الوقود إضافةً إلى ارتفاع معدلات التضخم إلى نسبة 359٪ في عام 2021، وفقًا للمكتب المركزي للإحصاء، وذلك ألقى بثقله على الفئات الأكثر استضعافاً مما إنعكس سلباً علي قدرة المزارعين علي الانتاج.
ويقول الأستاذ في كلية الزراعة بجامعة “زالنجي” في ولاية وسط دارفور، آدم محمد آدم، إن دارفور رغم أراضيها الخصبة الواسعة، إلا أنها تعاني من مشاكل الملكية الجماعية للأراضي أو مايعرف “الحاكورة” أي حيازة مجموعات سكانية محددة على الأراضي بنظام الإرث التقليدي دون أوراق رسمية.
وأضاف آدم في مقابلة مع (عاين)، بأن حيازة الأراضي بالنظام التقليدي سبب اساسي في الصراع الأهلي بين الرعاة والمزارعين وعائقاً لتطوير الزراعة، علاوة على تقليص قدرة الدولة على تطوير الزراعة وجلب الاستثمارات الكبير، مشددا على ضرورة تقنين الأراضي الزراعية بصورة رسمية تمكن المنتجين الاستفادة من المساحات الزراعية في الأمن الغذائي لدارفور وبقية ولايات السودان
عواقب وخيمة
بخصوص تداعيات الأوضاع الاقتصادية على الإنتاج الزراعي أضاف الأستاذ الزراعي “أن إرتفاع أسعار المواد الغذائية وندرة المدخلات الزراعية الأساسية مثل الأسمدة والبذور يعني أن المزارعين ليس لديهم خيارات اخرى سوى التخلي عن إنتاج الغذاء حال لم يتلقوا الدعم بصورة فورية”.
ومن المحتمل أن يكون لذلك عواقب وخيمة ليس فقط على أمنهم الغذائي، ولكن أيضًا على مدى توفر الغذاء في السودان وقد يؤدي في نهاية المطاف إلى مزيد من الصراع والنزوح.
وفي مارس الماضي عقدت حكومة ولاية جنوب دارفور موتمرا للقيادات الأهلية ناقش قضية فتح المسارات والمراحيل لتقليل الاحتكاكات بين الرعاة والمزارعين، لضمان إنجاح الموسم الزراعي
وأوصى المؤتمر بفتح عاجل للمسارات وموارد المياه، بجانب تفعيل القوانين المنظمة للرعي والزراعة، علاوة على إيجاد الدعم اللوجستي للجان والقوات العسكرية لتنفيذ عملية فتح المراحيل ومسارات الماشية
أما في ولاية شمال دارفور أظهرت نتيجة المسح الزراعي لما بعد حصاد الموسم الزراعي الماضي الذي أجرته وزارة الزراعة ومنظمة “الفاو” وجود عجز في إنتاج الحبوب الغذائية بنسبة بلغت (198.337.000) طن متري من إنتاج الموسم ما يمثل تحدياً وتفاقماً في الأمن الغذائي بالولاية.
وعزت المديرة العامة لوزارة الزراعة بولاية شمال دارفور، دكتور إنعام عبد الرحمن، النقص الى تأثر محليات الولاية الزراعية بالنزاع المسلح الذي أدى لعدم استقرار الموسم علاوة علي ارتفاع تكاليف المدخلات الزراعية وندرتها بجانب تأثر الولاية بالزحف الصحراوي والخروج المبكر لموسم الأمطار.
وقالت عبد الرحمن، لـ(عاين)، أن العجز أضاف عبئا ثقلاً وجديدا على الأثقال والأعباء الاقتصادية التي ظل يعاني منها المواطنين بشمال دارفور منذ اندلاع الحرب في دارفور في العام 2003.