معابر مُغلقة تخنق الحياة غربي السودان

عاين- 1 ديسمبر 2025

على نحو متزامن مع إغلاق الجيش والقوة المشتركة المتحالفة معه معبر الطينة الحدودي مع تشاد، أصدر والي الولاية الشمالية الفريق الركن عبد الرحمن عبد الحميد، أمر طوارئ يقضي بحظر نقل السلع والبضائع والأشياء من ولايته إلى مناطق سيطرة قوات الدعم السريع في إقليمي كردفان ودارفور، وهو ما يضع المواطنين في المنطقة أمام حرب اقتصادية، ومصاعب في الوصول إلى المواد الغذائية.

ويشمل أمر الطوارئ الصادر في 26 نوفمبر الماضي، جميع المعابر والطرق المؤدية من الولاية الشمالية إلى المناطق المحددة في إقليم كردفان ودارفور، ووضع عقوبات صارمة على المخالفين تصل السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، والغرامة لا تقل عن 10 ملايين جنيه، وفي حال عدم الدفع، السجن ستة أشهر إضافية، مع مصادرة السلع ووسائل النقل وأي مواد ذات صلة.

شح وغلاء

ورغم قصر المدة الزمنية، برزت آثار سالبة لقرار والي الشمالية، في المناطق الواقعة في الجزء الشمالي الغربي من ولاية غرب كردفان، حيث ارتفعت أسعار السلع الأساسية، السكر، دقيق القمح والأرز والبصل وملح الطعام بنسب متفاوتة تجاوزت الـ10 بالمئة، بينما انعدمت بعض السلع مثل العدس بشكل كامل وفق ما أفاد به أحمد الطيب، صاحب محل تجاري بمنطقة فوجا (عاين).

بينما تسبب إغلاق معبر الطينة، في شلل شبه تام في الحركة التجارية والإمداد السلعي، في المناطق الواقعة في شمال غرب ولاية شمال دارفور مثل كبكابية وكتم وسرف عمرة وكورما، لكن ولايات غرب وجنوب دارفور لم تتأثر نسبة لقربها الجغرافي من معبر أدري الحدودي، والذي تنساب عبره السلع بشكل طبيعي، بحسب متابعات (عاين).

قرار والي الشمالية كارثي، وأدى إلى شح وغلاء في مجمل المواد الغذائية، ونتوقع مزيدا من التدهور نسبة لعدم وجود منافذ بديلة للبضائع

 تاجر من غرب كردفان

وقال أحمد الطيب، وهو تاجر من منطقة فوجا بولاية غرب كردفان إن سعر جوال السكر في منطقته ارتفع من 200 الف جنيه إلى 225 الف بعد قرار والي الشمالية، وارتفع سعر جوال العدس من 95 الف إلى 120 الف ومع ذلك أصبح غير متوفر، ويشهد ندرة شديدة، كما ارتفع سعر جوال دقيق القمح زنة 25 كيلو غرام 70 الف إلى 80 الف جنيه، وشهد سعر جوال البصل ارتفاعاً شديداً من 300 الف إلى 400 الف جنيه سوداني.

وشدد: “قرار والي الشمالية كارثي، وأدى إلى شح في المواد الغذائية، ونتوقع مزيداً من ندرة وغلاء المواد الغذائية، لعدم وجود أي منافذ أخرى يمكن أن تزود المنطقة بالسلع حيث كان اعتمادها كلياً على منفذ الدبة بالولاية الشمالية”، وأضاف: “السلع ربما تصل إلى المنطقة بشكل أو بآخر عبر مهربين، لكن الكلفة ستكون مرتفعة عن السابق، مما يجعل الأسعار مرتفعة وصعبة على المواطنين”.

طوال الفترة التي أعقبت اندلاع الحرب الحالية، ظلت المناطق الواقعة في الجزء الشمالي الغربي من ولاية غرب كردفان، والجزء الشمالي الشرقي ولاية شمال دارفور تعتمد بشكل أساسي على المواد الغذائية القادمة عبر مسار الدبة في الولاية الشمالية

وطوال الفترة التي أعقبت اندلاع الحرب الحالية، ظلت المناطق الواقعة في الجزء الشمالي الغربي من ولاية غرب كردفان، والجزء الشمالي الشرقي ولاية شمال دارفور تعتمد بشكل أساسي على المواد الغذائية القادمة عبر مسار الدبة في الولاية الشمالية، وبعد إغلاق هذا المسار تبدو خياراتها في الوصول إلى السلع صعبة للغاية نسبة لبعدها من معبر أدرى مع تشاد، وسوق النعام على الحدود مع دولة جنوب السودان.

وامتدت تداعيات إجراءات والي الشمالية، إلى المناطق الواقعة في الجزء الشرقي والأوسط من ولاية غرب كردفان، وشمال غرب ولاية شمال كردفان، وهي تعتمد بشكل أساسي على المواد الغذائية القادمة من مدينة الدبة، لا سيما بعد التصعيد الأخير في المعارك العسكرية بين الجيش وقوات الدعم السريع، حيث تسببت في توقف تام لانسياب السلع من الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان.

وقال مصدر محلي لـ(عاين): إن “قوات الدعم السريع أوقفت حركة المركبات من مناطق سيطرتها في غرب وجنوب كردفان، إلى الأبيض، كما لا تسمح بأي حركة مرور من الأبيض ومتجهة غرباً منذ يونيو الماضي، مما أدى إلى توقف تام للسلع والأدوية التي كانت تصل من عاصمة ولاية شمال كردفان، وأصبح الاعتماد كليا على المنتجات الغذائية القادمة عبر مسار الدبة”.

ارتفاع التكاليف

تاجر مواد غذائية من محلية أبوز بد في ولاية غرب كردفان، مالك محمد إبراهيم،  يكشف عن زيادات طرأت خلال اليومين الماضيين على أسعار السكر ودقيق القمح والصابون والبصل وملح الطعام بنسب متفاوتة تصل 6 بالمئة عن الفترة السابقة، مع استقرار سعر زيت الطعام المنتج محليا، ويعود السبب إلى تعثر انسياب البضائع بعد قرارات والي الولاية الشمالية.

وقال إبراهيم في حديثه لـ(عاين): إن “البضائع تصل إلى بلدته عبر الدراجات النارية -توكتوك- من المناطق الشمالية لولاية غرب كردفان، والتي بدورها تجلبها من الدبة في الولاية الشمالية، كما يوجد مسار آخر من سوق النعام في الحدود مع دولة جنوب السودان، لكن البضائع التي تأتي من هناك أسعارها مرتفعة للغاية مقارنة ببضائع الدبة”.

وذكر أن منطقته لن تشهد شحاً في المواد الغذائية مهما كانت الظروف، فمسار سوق النعام متاح في كل الظروف لأن جميع المناطق والمسارات المؤدية إليه خاضعة إلى سيطرة قوات الدعم السريع، لكن السلع ستصل بتكلفة مرتفعة؛ مما يرفع الأسعار بشكل جنوني، يفوق مقدرة المواطنين المتأثرين بالحرب، كما أن الموسم الزراعي الماضي فشل تماماً وأسعار المحصول متدنية.

يقابل ارتفاع أسعار المواد الغذائية تدني في أسعار المحصول في كردفان، حيث يحتاج المواطن بيع 14 قنطاراً ما فوق من أجل شراء جوال سكر

 تاجر

ويقول إبراهيم: إن “سعر قنطار الفول السوداني يبلغ 20 الف جنيه فقط، والكركدي 30 الف جنيه، وهي أسعار متدنية للغاية مقارنة بتكلفة المعيشة وأسعار السلع الغذائية، حيث يحتاج المواطن بيع 14 قنطار فول من أجل شراء جوال سكر زنة 50 كيلوغراماً، ويعكس ذلك معادلة قاسية، وقد يتفاقم الأمر كثيراً بعد تقييد وصول البضائع من الدبة”.

ويعتمد سكان كردفان ودارفور على الزراعة والرعي بشكل أساسي في معاشهم، ومع قلة الإنتاج التي صاحبت موسم الخريف الماضي بسبب تقلص المساحات المزروعة لتدهور الأوضاع، تشهد أسعار المحاصيل الزراعية تدنياً مريع، وذلك نتيجة لقرار اتخذته قوات الدعم السريع منذ العام الماضي، يقضي بمنع نقل المنتجات الزراعية والحيوانية، إلى شمال وشرق السودان، كما تدمرت الأسواق المحلية في كردفان ودارفور جراء الصراع.

أفضل حالاً

وبدت الأوضاع أحسن حالاً في المناطق الواقعة في الاتجاه الغربي والجنوبي من ولاية غرب كردفان، وولاية شرق دارفور، حيث لم تطرأ أي زيادات على أسعار البضائع حتى الآن نسبة إلى انسياب المواد الغذائية من دولة جنوب السودان، ونيالا في ولاية جنوب دارفور، وذلك وفق ما نقله عماد محمد علي وهو تاجر من محلية غبيش لـ(عاين).

جانب من سوق النعام بولاية غرب كردفان على حدود دولتي السودان وجنوب السودان

وقال: إن “محلية غبيش كانت تتلقى المواد الغذائية عبر مسار الدبة، وكذلك من ولاية شرق دارفور التي تستقبل بدورها البضائع من دولة جنوب السودان، مما يجعل تأثير قرار والي الشمالية القاضي بحظر نقل السلع إلى كردفان ودارفور، محدوداً على منطقته، نسبة إلى وجود مسارات بديلة تصل عبرها المواد الغذائية والأدوية، وربما تكون الأسعار مرتفعة قليلاً”.

ويشير إلى وجود بدائل لبعض السلع الغذائية مثل زيت الطعام الذي يُنْتَج محلياً، كذلك البصل الذي أصبح يُنْتَج بكميات كبيرة في إقليم دارفور، ويصل إلى كردفان بأسعار معقولة، كما يمكن تعويض دقيق القمح، بدقيق الذرة المنتج محلياً، لكن ستكون المشكلة الأساسية، في سلع مثل السكر وملح الطعام، وبعض الأدوية.

معظم الأدوية القادمة إلى كردفان من جنوب السودان مغشوشة ومنتهية الصلاحية، لذلك نعتمد على الأدوية القادمة من شمال وشرق السودان عبر الدبة نسبة لفعاليتها

 معاون طبي

من جهته، أوضح معاون طبي في ولاية غرب كردفان لـ(عاين)، أن معظم الأدوية التي تأتي عبر مسار دولة جنوب السودان، مغشوشة ومنتهية الصلاحية، وليست لها فعالية في علاج الكثير من الأمراض المنتشرة في المنطقة، خاصة الملاريا والالتهابات، بخلاف الأدوية القادمة من شمال السودان فهي جيدة وذات فعالية علاجية، وهنا تكمن خطورة قرار والي الشمالية.

وقال: إن “معظم المناطق في ولاية غرب دارفور تشهد انقطاعاً تاماً في ملح الطعام المزود باليود، وهو سلعة ضرورية لصحة السكان ومرتبطة بطبيعة المنطقة، حيث يساعدهم على مقاومة نقص اليود، وتعزيز سلامة الغدة الدرقية، مما يجعل قرار والي الشمالية، كارثياً على الأوضاع الصحية في كردفان، وربما تشهد دارفور ظروفاً مماثلة”.

حرب الغذاء

وفي يوم 26 نوفمبر الماضي، منعت الاستخبارات العسكرية للجيش والقوة المشتركة شاحنات البضائع القادمة من تشاد عبر معبر الطينية الحدودي الذي ما يزال يخضع إلى سيطرتها، من العبور إلى مناطق في ولاية شمال دارفور، وأبلغت أصحاب المركبات بإغلاق المعبر تماماً، وذلك كرد فعل على قصف قوات الدعم السريع بالطائرات المسيرة، مواقع في أمبرو وكرنوي الخاضعة لسيطرة القوة المشتركة.

وفي يوم 26 نوفمبر الماضي، منعت الاستخبارات العسكرية للجيش والقوة المشتركة شاحنات البضائع القادمة من تشاد عبر معبر الطينية الحدودي

وتسبب وقف انسياب البضائع، في ارتفاع سريع في أسعار السلع الغذائية في مناطق كبكابية وسرف عمرة وكتم وكورما، كما تأثرت منطقة طويلة التي تضم آلاف النازحين، وذلك بحسب ما نقلته مواطنة من كبكابية لـ(عاين).

وقالت المواطنة التي فضلت عدم ذكر اسمها إن زيادات طرأت على السكر الذي بلغ 6 آلاف جنيه للكيلوغرام والعدس الذي تجاوز 8 آلاف جنيه للكيلوغرام بجانب زيادات طفيفة في أسعار دقيق القمح، وشمل الارتفاع معظم السلع الغذائية باستثناء زيت الطعام والبصل التي ما تزال أسعارها مستقرة، لكن متوقع زيادتها إذا استمر إغلاق معبر الطينية.

وذكرت أن منطقتهم ظلت طوال فترة الحرب تعتمد على البضائع الليبية والتشادية القادمة عبر معبر الطينية، باتت السلع متوفرة إلى حد كبير مع استقرار في الأسعار، لكن من المتوقع أن تشهد ندرة وغلاء في السلع الأساسية خلال الفترة القادمة، فليس هناك خيارات بديلة لجلب البضائع، بخلاف معبر الطينة الحدودي، بينما وصول الغذاء عبر معبر أدري إلى مناطقهم أمر صعب للغاية نسبة لبعد المسافة ووعورة الطرق.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *