سيول وفيضانات (أبوحمد) تجلب سموم تعدين الذهب للسكان
عاين- 8 أغسطس 2024
الأضرار الناجمة عن السيول والأمطار الغزيرة في محلية أبو حمد شمال السودان لم تكن مقتصرة على سقوط ضحايا وتدمير آلاف المنازل مع ارتفاع مستوى التحذيرات من تحول البلدة المنتجة للذهب إلى “أحواض مائية من الزئبق والسيانيد“.
وشهدت مدينة أبو حمد ليل الاثنين وحتى فجر الثلاثاء، أمطار غزيرة تحولت إلى فيضانات من نهر النيل الذي يمر عبر المنطقة، وتسببت في انهيار 11.5 ألف منزل حسب وزارة البنى التحتية السودانية ومقتل سبعة أشخاص وتوقف جميع الخدمات الأساسية بما في ذلك خدمات الكهرباء والمياه ومحطات الوقود.
مياه السيول والأمطار غمرت سوق الطواحين الذي يحوي أطنان من الزئبق والسيانيد
وغمرة مياه السيول والأمطار سوق “الطواحين” الرئيسي والذي يحوي أطنان من الزئبق والسيانيد.
وتعتبر محلية أبو حمد من المناطق الغنية بإنتاج الذهب شمال السودان وتبعا لعمليات التعدين في الصحراء جلب المعدنين الأهليين والشركات المنقبة العاملة في المنطقة أطنان من “السيانيد والزئبق” لاستخلاص الذهب من الصخور والتربة وهي عمليات فنية تجري بمعزل عن الرقابة الحكومية- وفق ما يقول ناشطو البيئة.
في صحراء أبو حمد شمال المنطقة تقع مصانع التعدين ومقر الشركات وأسواق معدنين ومطاحن الصخور والتربة ينتشر آلاف القرويين بحثا عن المعدن الأصفر من أشهر المواقع المنتجة “صحراء قبقبة” و”وادي العشار” واشتدت هذه العمليات منذ العام 2013 عندما فقد السودان مورد النفط منذ استقلال جنوب السودان في العام 2011.
رحلات آلاف المزارعين والعمال من القرى إلى مناطق التعدين بحثا عن الذهب حولت مناطق زراعية ومساحات طبيعية إلى كتلة كبيرة من السموم والمواد الكيميائية
خبير بيئي
يقول خبير البيئة محمد المعز في حديث لـ(عاين)، إن “رحلات آلاف المزارعين والعمال من القرى إلى مناطق التعدين بحثا عن الذهب حولت مناطق زراعية ومساحات طبيعية إلى كتلة كبيرة من السموم والمواد الكيميائية وأبرزها منطقة قبقبة شمال البلاد في محلية أبو حمد مع تشجيع حكومي لرفع إنتاج الذهب لتمويل الميزانية دون الوضع في الاعتبار العوامل الطبيعية التي قد تنقل المواد الخطرة إلى المدن والقرى المأهولة بالسكان.
وجراء السيول التي ضربت محلية أبو حمد الثلاثاء جرت تحذيرات من خبراء في البيئة من اختلاط الزئبق مع التربة والمياه في نهر النيل والمناطق السكنية وهو ما يؤدي إلى كارثة بيئية.
تنتشر آلاف الأطنان من مخلفات التعدين في أسواق الطواحين بمناطق قبقبة الأكثر إنتاجا للذهب في المحلية ومع ذلك فإن الخبراء في مجال البيئة لا يملكون أي ثقة عما إذا كانت أجهزة الرقابة الحكومية تفعل المطلوب منها.
تنفيذ البروتوكولات
يقول محمد المعز خبير البيئة والسلامة والمهتم بقضايا المناخ والتربة إن “مناطق شمال السودان في ولاية نهر النيل لا سيما في منطقة صحراء قبقبة والأسواق الملحقة بالتعدين تشهد تدهورا كبيرا في البيئة جراء انتشار السيانيد ومخلفات التعدين، ولا توجد رقابة حكومة بالمعنى المباشر سوى عمل بيروقراطي لا يقدم أي خدمات للتخلص من الملوثات المدمرة لحياة الإنسان والحيوانات والطيور”.
ويدفع الخبير في مجال البيئة البروفيسور كمال الطيب يس، بمقترحات أكثر صرامة، ويدعو إلى منع استخدام الزئبق في مناطق التعدين وفق موجهات الصحة والسلامة البيئية وكذلك منع الزئبق والعمل بالمواد المشابهة وفق البروتوكولات المعروفة عالميا من حيث الكميات ومناطق الاستخدام.
المواد السامة المستخدمة في تعدين الذهب بمنطقة أبوحمد تشكل خطراً على السكان كلما اقتربت من مصادر المياه ومجاري السيول القادمة من مناطق التعدين
خبير بيئي
ويقول الطيب لـ(عاين): إن “خطورة الزئبق على المناطق السكنية ومصادر المياه في محلية أبو حمد تعتمد على مجرى السيول والأودية والخيران، وتشكل خطورة كلما وقعت مصادر المياه والمناطق السكنية والمساحات الزراعية على مجرى السيول القادمة من مناطق التعدين”.
وأضاف يس: “مادة السيانيد تسبب للإنسان التسمم الحاد، ويشمل هذا الضرر الصحي الحيوانات والطيور، وتتفاعل ببطء وتسبب أمراض أكثر خطورة مثل السرطان وتهدد الأجنة قبل الولادة للنساء الحوامل، وفي محلية أبو حمد ظهرت بعض المخاطر السنوات السابقة في منطقة غسيل الذهب على النيل”.
ويقول الطيب: إن “التخلص من الزئبق والسيانيد من مناطق التعدين يحتاج إلى طرق نقل آمنة بالمعالجة الكيميائية والجغرافية بعيدا عن مصادر المياه والحيوانات والطيور والمناطق المأهولة بالسكان وعدم تشغيل الأطفال في مناطق التعدين ومعالجة ظاهرة التسرب من المدارس والتوعوية”.
صمت حكومي
ولم تصدر الشركة السودانية للموارد المعدنية ووزارة المعادن من مقرهما بمدينة بورتسودان أي تحديثات بشأن الكارثة البيئية المتوقعة في محلية أبو حمد التي تعد أكبر منطقة منتجة للذهب في السودان.
ويرى الخبير في مجال البيئة والسلامة محمد المعز، إن الرقابة الحكومية غير فعالة في مناطق التعدين خاصة مع الصراع بين الشركة الحكومية ووزارة المعادن حول الصلاحيات إلى جانب تعيين المسؤولين على أساس القبيلة والمحاصصة السياسية.
وأضاف: “في محلية أبو حمد يدافع المواطنون بشكل منفرد عن المناطق من التغلغل الذي تتبعه شركات التعدين والمعدنين الأهليين ونقل كميات من الزئبق والسيانيد إلى مناطق تقع قرب النيل ومصادر المياه والسكن”.
وأردف: “جرت العادة أن تتحالف وزارة المعادن والشركة السودانية مع شركات التعدين؛ لأن الحكومة تركز على الإيرادات المالية، ولا تريد إنفاق 10% من عائدات التعدين على صحة البيئة والمسؤولية الاجتماعية”.
ويقول المعز: إن “إيرادات الذهب سنويا تصل إلى 1.2 مليار دولار ينبغي أن تخصص الحكومة نحو 120 مليون دولار لتفعيل الرقابة وتعيين فريق عمل على الأرض في مناطق التعدين ونشر برامج التوعية وفرض الغرامة على الشركات المخالفة”.