مصير قوات الدعم السريع.. سؤال لا يملك أحد اجابته
23 مايو 2022
في نهاية أبريل الماضي وجه مسؤولون أوروبيون وأمريكيون زاروا العاصمة السودانية سؤالا لأعضاء قوى الحرية والتغيير “الائتلاف الحاكم” الذي أطاح به انقلاب قائد الجيش في أكتوبر الماضي عن كيفية التعامل مع قوات الدعم السريع مستقبلا. سؤال لم يجاوب عليه المدنيين.
تثير هذه القوات جدلا في السودان خاصة مع تمددها في البلاد بعد سقوط نظام المخلوع في أبريل 2019 وتوسع طموحات قائدها الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ حميدتي بالاستيلاء على السلطة.
ثروة الدعم السريع
وتشير معلومات أدلى بها الناشط في المنظمات الحقوقية أحمد عثمان، يقدر الأصول والاستثمارات غير المنظورة لهذه القوات بـ 14 مليار دولار إلى جانب مبالغ مالية مودعة في حسابات خارجية بأسماء شركات وهمية.
تدفع هذه الأموال الطائلة قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ حميدتي والمولود في 1973 إلى تبني طموحات للوصول إلى السلطة إذ أن عسكريين كبار في الجيش السوداني كانوا قد حذروا الرئيس المخلوع عمر البشير من تبعية هذه القوات لرئاسة الجمهورية عوضا عن إدراجها في وحدات الجيش لتفادي طموحات قائدها.
ويقول المستشار الإعلامي السابق في حكومة حمدوك – فائز السليك إن “فلسفة الانتقال” لم تكن موجودة وسط القوى المدنية خلال الفترة الانتقالية قبل الانقلاب العسكري بالتالي لم تكن هناك خطط في كيفية التعامل مع قوات الدعم السريع وهي قوات نواتها عشائرية وقبلية وتشكل خطورة بالغة على الوضع الأمني واستقرار البلاد.
ويحذر السليك في تصريحات لـ(عاين)، من دفع الجيش السوداني إلى محاولة تفكيك هذه القوات ورأى أن هذه التفكير قد يؤدي إلى استفزاز هذه القوات والدخول في مواجهة عسكرية مفتوحة و حرب أهلية.
وينصح السليك بالعمل على وضع “تصورات كبيرة ” حول الفترة الانتقالية وأن تكون قوات الدعم السريع ومصيرها ضمن هذه الخطط العليا التي يجب أن يتبناها المدنيين المهتمين بإنجاح الانتقال.
ويضيف السليك قائلا : “الحوار السياسي العميق والواسع هو الذي قد يجلب قوات الدعم السريع للاندماج في الجيش والتسريح من الخدمة لمن لا يرغب في الاستمرار في وحدات الجيش على أن تكون هناك تنمية اقتصادية تُنهي دفع الشباب لتشكيل قوات موازية للجيش لأن البطالة والفقر هي التي تدفع إلى نشأة القوات ذات الطابع العشائري لتكون أذرعا عسكرية موازية للجيش”.
ويرى السليك أن ملف الدعم السريع كان من “المسكوت عنه” طوال فترة الانتقالية التي تقلد فيها المدنيون الحكومة ولم تجر نقاشات جدية بشأن مصير هذه القوات.
إغراءات حرب اليمن
وتقدر إحصائيات غير رسمية قوات الدعم السريع في أقصى حدودها بـ 30 ألف مقاتل بينما هناك تقديرات غير رسمية قللت من هذا العدد وقالت إن هناك الآلاف غادروا الخدمة العسكرية في هذه الميلشيات في العامين الأخيرين لأن طموحاتهم كانت تتعلق بالسفر إلى اليمن وجني ما يقارب الـ 30 ألف دولار أمريكي ما يعادل نحو 19 مليون جنيه سوداني.
ويقول أحمد عابدين وهو ناشط في منظمات المجتمع المدني لـ(عاين)، أن الانخراط في قوات الدعم السريع تزايد عقب فتح باب السفر للقتال في اليمن ضمن قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية منذ العام 2015 ومؤخرا انخفضت الرغبة السعودية في القوات المطلوبة هناك مع مؤشرات قوية لإنهاء القتال.
ويؤكد عابدين أن قوات الدعم السريع فقدت ما لايقل عن 10 آلاف مقاتل في العامين الأخيرين إما بالهروب من الخدمة أو الاستقالة او مغادرة البلاد دون اخطارها.
ويتوقع عابدين أن السيناريو المرسوم لقائد قوات الدعم السريع هو خوض الانتخابات على أن يخلفه شقيقه عبد الرحيم دلقو في قيادة هذه القوات ويوحي دقلو للرأي العام المحلي والمجتمع الدولي بأنه مستقل عن هذه القوات وهذا غير ممكن طبعا- يقول عابدين.
ولم يطرح الجيش السوداني علنا عملية إدماج قوات الدعم السريع سوى في محافل قليلة تحدث فيها قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان بشكل غير مفصل ودقيق قائلا إن مصير هذه القوات الدمج في القوات المسلحة وذلك في العام 2021 في قاعدة عسكرية في مدينة أم درمان غرب العاصمة السودانية.
البرهان هل يحقق المشروع؟
ويعتقد الناشط في المنظمات الحقوقية أحمد عثمان، أن البرهان ليس هو الشخص الأنسب ليكون صاحب العملية العسكرية والسياسية لدمج هذه القوات وتذويبها في الجيش السوداني لأنه لا يملك قدرات لتحقيق هذا المشروع السياسي والعسكري أو حتى السماح به.
ولا يزال المجتمع الدولي غير موحدا في التعامل مع قوات الدعم السريع فبينما يعتقد دبلوماسيون في الاتحاد الأوروبي أن هذه القوات تحد من الهجرات نحو هذه القارة عبر قوارب المهربين في البحر المتوسط تقف الولايات المتحدة الأميركية بمعزل عن هذا الموقف خاصة وأن ادارة الرئيس جو بايدن تناهض الحرب السعودية في اليمن وبالتالي تسعى الادارة الأميركية منابع وصول القوات الى هذا البلد الذي مزقته الحرب.
ويؤكد المحلل السياسي بكري الجاك في حديث لـ(عاين)، أن المجتمع الدولي منقسم في كيفية التعامل مع قوات الدعم السريع إذ يرى الاتحاد الأوروبي أنه يمكن استخدامها في مكافحة الهجرة مشيرا إلى أن مشاركتها في حرب اليمن منحت نفوذا اقليميا ودوليا لهذه القوات في ظل “تجاهل الولايات المتحدة الأميركية” لخطورة هذه القوات وتوسعاتها.
ويرجح الجاك حدوث “سيناريوهات تذويب” قوات الدعم السريع في الجيش برعاية غربية خاصة مع رغبة المجتمع الدولي في إنهاء الحرب في اليمن إلى جانب نشوب الحرب الروسية في أوكرانيا وميول قائد الدعم السريع الجنرال دقلو إلى موسكو.
وأضاف الجاك : “بعض المسؤوليين الغربيين لديهم اعتقاد أن إذابة الدعم السريع تكون عبر عملية اصلاح المنظومة العسكرية كليا في السودان تلقائيا ستنتهي هذه القوات إذا حدثت إصلاحات شاملة في المؤسسة العسكرية السودانية”.
يتخوف المدنيون المهتمون بالتحول الديمقراطي في هذا البلد الذي يحكمه العسكريون بقلب نظام الحكم الذي كان مناصفة بين المدنيين وقادة الجيش منذ ثمانية أشهر من “تقهقر دور القوات النظامية” وصعود قوة الدعم السريع.
خطة ” المجلس المركزي”
وأفاد المتحدث الرسمي باسم قوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي” شهاب الطيب أن وفد مجموعة الترويكا الذي زار العاصمة السودانية نهاية أبريل الماضي طرح أسئلة عن كيفية تخطيط قوى الحرية والتغيير للتعامل مع قوات الدعم السريع مستقبلا باعتبارها تهدد عملية الانتقال ويجب التعامل معها وفق خطط موضوعة وعملية سياسية واسعة.
ويوضح الطيب لـ(عاين)، أن قوى الحرية والتغيير بصدد مناقشة ورقة أعدها كبار الضباط المتقاعدين من الجيش السوداني في كيفية تكوين آليات لإدماج قوات الدعم السريع في الجيش وتسريح آلاف العناصر غير الراغبين في الاستمرار بالخدمة العسكرية.
وتثير زيارات سرية يجريها قائد قوات الدعم السريع وشقيقه عبد الرحيم إلى الامارات مخاوف السودانيين من اتساع نطاق هذه القوات المدعومة عشائريا ولديها سجل حافل من الانتهاكات بحسب مدافعين عن حقوق الإنسان وتقارير منظمة العفو الدولية.
ويقول المحلل السياسي بكري الجاك، إن بعض دول الخليج لديها علاقات استراتيجية مع الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي ولذلك تمتعت هذه القوات بالتمدد السريع.
تمدد في البحر الأحمر
وأثارت هذه القوات جدلا واسعا في ولاية البحر الأحمر في أعقاب منحها أراض شاسعة قريبة من الساحل البحر بواسطة الوالي المقرب من حميدتي لبناء قاعدة عسكرية.
وفي مارس الماضي عين قائد الجيش السوداني مسؤولا عن الجرف البحري في مسعى لايقاف تمدد قوات الدعم السريع في البحر الأحمر بحسب مايقول أحمد عابدين الناشط في منظمات المجتمع المدني والذي يحذر من خطورة هذه القوات وتمددها دوليا لدرجة التخطيط لاقامة مهابط ومدرجات وموانئ والتعامل بشكل مطلق مع روسيا وشركاتها مثل “فاغنر” التي تثير الريبة في السودان واتهامات بالوقوف وراء مساندة الانقلاب العسكري تقنيا ولوجستيا.
وفي شهر سبتمبر الماضي ذكر شهود عيان ان قوة من الدعم السريع كانت في مقدمة حافلات تحمل على متنها عناصر روسية يرجح أنها من “مجموعة فاغنر” وذلك في طريق رئيسي قرب بورتسودان وبعد ذلك بأيام قليلة نفذ قائد الجيش الانقلاب على الحكومة المدنية.
آلية الإدماج في الجيش
ويقول المحلل العسكري حسن إدريس إن عملية ادماج قوات الدعم السريع في الجيش تتطلب عملية سياسية وعسكرية واسعة ومسؤولة ويجب أن تكون على ثلاثة مراحل.
ويضيف إدريس : “المرحلة الأولى إدماج وتسريح 30% من هذه القوات وصولا إلى المرحلة الثالثة بتسريح 90% من عدد القوات وتبقى 10% يشكلون الضباط الكبار والمقربون من قائد الدعم السريع وهو نواة الجنجويد التي ارتكبت الانتهاكات في اقليم دارفور وهذه العملية ترتبط بالمصالحة والعدالة الانتقالية على أن يجرد دقلو من رتبته العسكرية ويتحول إلى شخص مدني”.
ويقول قائد الدعم السريع والذي يشغل نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي في ذات الوقت الفريق أول محمد حمدان أن قوات الدعم السريع أنشئت بموجب قانون أجازه البرلمان في عهد النظام المخلوع ولا يمكن إلغاء دورها.
وفي هذا الصدد يدعو الخبير في منظمات الأمم المتحدة عيسى حمودة في حديث لـ(عاين)، إلى إلغاء قانون قوات الدعم السريع عبر عملية سياسية واسعة وأن يعمل البرلمان الانتقالي على إلغاء هذا القانون وهذا يتطلب أن تكون هذه الإجراءات مسبوقة بعملية سياسية تضع المصالحة والعدالة الانتقالية للتعامل مع ملف الدعم السريع.
ويعزو حمودة نشأة الدعم السريع إلى طرائق المؤسسة العسكرية السودانية التي تعمل على تكوين مليشيات للقتال في مناطق النزاعات المسلحة بالوكالة عن الجيش.
ويرى حمودة أن إيقاف الحرب وتوقيع سلام حقيقي يعني تجفيف رغبة الجيش في بناء المليشيات التي تقاتل نيابة عنه ولفت إلى أن هذه العملية ليست صعبة و تتطلب ارادة سياسية.