كيف حبست “كورونا” أنفاس الجزيرة؟
20 يناير 2012
كان مشهد السيارة وهي تحمل مريضاً يستلقي على صندوقها الخلفي وسط ذويه مؤلماً، لكنه بدا عادياً لسكان مدينة ودمدني وسط السودان بعد إنهيار القطاع الصحي في الولاية بدخول الموجة الثانية من فايروس كورونا.
مدن وقرى ولاية الجزيرة تشهد منذ أشهر تفشى الموجة الثانية من المرض وسط أزمات صحية معقدة جعلت السكان يلجأون للمتاح لإنقاذ حياة ذويهم على اثر عجز حكومي بائن تقر به السلطات المحلية و تستنجد بالحكومة الاتحادية لمساعدتها في مواجهة الفايروس الذي يضرب بقوة.
انفاس متصاعدة
تتصاعد في مركز العزل الوسيط صغير الحجم وسط مدينة ود مدني، انفاس المرضى، وتجتهد ثلاث طبيبات بمعاونة كوادر طبية في تقديم الخدمة وتركيب انابيب الاوكسجين للمنومين من المرضى. وفقا لما رصدت جولة لـ(عاين) داخل المركز. مراكز العزل البالغ عددها اربعة مراكز، ثلاثة منها داخل مدينة ودمدني تعمل بأدوات متواضعة وكادر طبي محدود للغاية على حد قول د. تماضر الشيخ– طبيبة بمركز العزل الوسيط، وتضيف، ان المركز يستقبل حالات الاشتباه ويتم اجراء الفحوصات ويكون المريض منوم في المركز الى ان تظهر نتيجة الفحص ويبقى المريض اربعة وعشرون ساعة ثم يتم تحويله الى المراكز الأخرى.
“بعض الحالات المستقرة يتم تحويلها للعزل المنزلي بعد اخذ الادوية المناسبة لأن مراكز العزل ممتلئة بالمرضى” تقول د: تماضر لـ (عاين)، وتضيف، بان الموجة الثانية لفايروس كورونا التي تتصاعد فيها الإصابات على الرغم من ان هناك وعي تقول انه لا بأس به عن المرض لكنه ليس بالقدر المطلوب اذ لا يوجد تباعد إجتماعي في ظل إستمرار الأنشطة الحياتية اليومية بشكل طبيعي لذلك عدد الحالات الموجبة أكثر من الحالات السالبة وقد تصل الإصابات في اليوم الواحد إلى (7) حالات.
تتصاعد في مركز العزل الوسيط صغير الحجم وسط مدينة ود مدني، انفاس المرضى، وتجتهد ثلاث طبيبات بمعاونة كوادر طبية في تقديم الخدمة وتركيب انابيب الاوكسجين للمنومين من المرضى. وفقا لما رصدت جولة لـ(عاين) داخل المركز. |
مبنى مهجور
داخل مبنى مهجور متاخم للنيل في مدينة ودمدني كتبت عليه لافتته الرئيسية “دار اتحاد الأطباء” اخبرتنا لاحقاً مديرة احد مراكز العزل، د. ايلاف محمد في مقابلة مع (عاين)، انه سكن الطبيبات اذ يفتقر المكان لمقومات العيش، وتؤكد ان عدد الأطباء العاملين في ثلاث مراكز عزل بالمدينة لا يتجاوز العدد (15) طبيب وطبيبة وقد تمتد المناوبة الواحدة ما بين (24-36) ساعة.
لا ترى د. إيلاف ما يُرغب الأطباء للعمل في مراكز العزل التى تحتاج كحد ادنى الى (24) طبيب بعدد ثلاثة اطباء للمناوبة لكن الإستحقاقات المالية ضعيفة وغير كافية وهي سبب اساسي لنفور الأطباء من العمل فقط تتوفر بشكل منتظم وسائل حماية جيدة للأطباء داخل المراكز . ومن خلال مراقبتها للوضع العام لفايروس كورونا بولاية الجزيرة، تقول د. إيلاف “لاشيء يدلل على إنخفاض منحنى المرض بل لا يزال يتصاعد ولاتوجد سيطرة على المرض، في الموجة الأولى كنا نستقبل مريض واحد من الأسرة ولكن الموجة الثانية تفاقم الوضع بتواجد عائلات كاملة مصابة بالفايروس الذى امتد الى القرى ولنا ان نتصور مريض كورونا في قرية وخطورة ذلك”.
تقول د.ايلاف، على السلطات ان تعتبر ان كورونا مرض متوطن وتقوم بتوفير العلاج والدعم لمجابهة الجائحة، وهناك مشكلة تتعلق بالحصر اليومي للحالات وعدد المتوفين بالمرض.
ارقام وتشكيك
ووفقاً لوزير الصحة المكلف بالولاية، د.أحمد المصطفى شيخ ادريس، فان عدد المرضى حتى العاشر من يناير الجاري بلغ (699) مريضا وعدد الوفيات (133) حالة وفاة، و(262) حالة شفاء (175) منها عزل منزلي ولدينا حوالي (30) حالة في مراكز العزل. ويقول ادريس لـ(عاين)، ان محلية مدني الكبرى تسجل اعلى معدل حالات تليها محلية الحصاحيصا ثم محلية جنوب الجزيرة وتتدرج الى آخر محلية وهي 24 القرشي. ويضيف، ووصل متوسط عدد الحالات في اليوم حوالي (20) حالة فيما لا تتجاوز حالات المسافرين (2%) تزايدت خلال الأسابيع الفائتة الى (34%) ولكنها تراجعت مرة اخرى.
لكن مديرة مركز العزل الوسيط د، إيلاف محمد تشكك في الإحصائيات والأرقام المعلنة من قبل وزارة الصحة الولائية والاتحادية. وتقول لـ(عاين)، ” من ناحيتنا يتم تسليم تقرير مفصل بشكل يومي ولكن في الإحصائية الإتحادية تظهر معلومات غير مطابقة ولا يوجد موظف مختص من الوبائيات داخل مراكز العزل لرفع البيانات نقوم بهذه المهمة نحن كاطباء مع انها ليست وظيفتنا”. وتضيف في مرات كثيرة نرفع احصائية بموتى كورونا في ولاية الجزيرة لكنها لا تظهر في الاحصائية الرسمية للدولة”.
فراغ حكومي يسده متطوعين
يخشى المتطوع في دفن موتى كورونا بمدينة ود مدني، عابدين الرشيد، خطر نقل العدوى إلى أفراد عائلته لجهة عدم عمليات التجهيز الآمنة لجثامين الموتى من قبل وزارة الصحة الولائية، الأمر الذي بادر متطوعون بالشراكة مع الوزارة للقيام به. ويقول عابدين لـ(عاين)، ” يقوم اثنين من المتطوعين بغسل الموتى داخل مراكز العزل وآخرين متطوعين بنقل الجثامين ومجموعة تتولي أمر الدفن، واحياناً تأتينا جثامين بسيارات عادية “توك توك” وقليل ما تأتي بسيارة الإسعاف”.
الموجة الثانية من فايروس كورونا بالمدينة، فاقت قدرات السلطات الصحية بولاية الجزيرة، ويتحمل المسؤولية متطوعين بالمدينة فيما يخص دفن المتوفين بمراكز العزل اذ تقوم مجموعة من المتطوعين على مراحل مختلفة بمهام الطب العدلي الذي تقع تحت مسؤوليته دفن الموتى. يقول عز الدين احمد حسين (60) عاماً لـ(عاين)، “نحن متطوعين لحفر قبور الموتي في مدينة ود مدني وعند ظهور جائحة كورونا توجهنا والشباب نحو دفن موتى كورونا انقسمنا الى فريقين كبار السن يقومون بدفن حالات الوفاة العادية والشباب لأن لديهم مقاومة للفايروس توجهوا الى دفن موتى مراكز العزل ويحفرون ما بين (6-13) قبر يومياً”.
وفي الموجة الأولى من كوفيد19 كانت إجراءات الدفن لفقداء الفايروس- بحسب عزالدين، تسير بترتيب وتطلع السلطات الصحية في الولاية بدورها بمساعدة المتطوعين الذين تم تدريبهم ليتمكنوا من تكفين الموتى داخل مراكز العزل، لكن الموجة الثانية من الفايروس تواجه إهمالا كبيرا من الحكومة ولا توجد إسعافات لنقل الموتى وهذا الأمر خطير جداً وهي مسؤولية دولة يفترض ان تسيطر على هذا الوباء ومراكز العزل مثلها مثل الأسواق الشعبية، وتوجد أسرة للإيجار حول مراكز العزل للمرافقين وفي وتقديري هذا هو الإنتقال الحقيقي للعدوى.
تخلى عن الموتى
ووفقا للمتطوع عزالدين، فان الموجة الثانية بمجرد ان يموت المصاب بفايروس كورونا في مراكز العزل يتصلون بفريق المتطوعين للقيام بستر الموتى دون التزام من وزارة الصحة بإجراء الدفن ما ادى الى انتشار الفيروس في المدينة والأرياف.
ويقول عندما نتلقى إتصال من ذوي المتوفين بالفيروس نطلب منهم الإبتعاد ثم يذهب الشباب المتطوعين الى المكان ويقومون بتعقيم المكان وستر الفقيد بالطريقة السليمة حتى لا تنتقل العدوى، ويضيف “هناك اشخاص تخلوا عن موتاهم في مراكز العزل لعدم توفير السلطات الصحية ترحيل للجثامين في هذه الحالة نقوم بنقل الجثمان بعربة تقليدية “تكتك” وهذا أمر مخجل لوزارة الصحة بولاية الجزيرة.
واضاف عز الدين في مقابلة مع (عاين)، “انا اعتبر هذا غياب للمسؤولية وإعدام للناس بعد ثورة مجيدة مات فيها خيرة الشباب لأجل واقع افضل”. يجب ان تكون هناك إجراءات صارمة في مراكز العزل وتفرض فيها هيبة القانون لمنع إنتشار العدوى. “اضطررنا للعمل في دفن موتى كورونا لعدم وجود كوادر مؤهلة لإجراء الدفن”، هكذا تحدث لـ(عاين) الناشط المدني وعضو لجان المقاومة في المدينة عرابي النو الذي يقول ان “مراكز العزل بالمصابين وخرجت عن سيطرة حكومة الولاية وابواب مراكز العزل مفتوحة امام الجميع ويقوم ذوي المصابين بزيارتهم بشكل مستمر”.
ويؤكد عرابي انه في ظل غياب السلطات تقوم لجان المقاومة بالتوعية ولكن الإستجابة بسيطة وتغلب العادات والتقاليد الإجتماعية، وهناك من يقوم بنصب عزاء لمتوفى كورونا مع وجود إهمال حكومي واضح وعدم مبالاة من المواطنين، واضاف “مخلفات مراكز العزل تحرق بالقرب منها، ووزارة الصحة تترك ذوي المرضي يأخذون الجثماين مايعكس حجم الكارثة التى تعاني منها ولاية الجزيرة “.
غياب أجهزة مهمة
الطبيب بمركز عزل النبت د. مظفر سر الختم، يكشف لـ(عاين) وجود مشكلة تتعلق بانعدام اجهزة مهمة داخل مراكز العزل لم توفرها السلطات الصحية بالولاية بسبب العجز المالي، ومن الأجهزة المهمة شاشة قياس العلامات الحيوية لمتابعة حالة المريض الوضع الطبيعي أن تكون متوفرة لكل مصاب لكنها غير موجودة،كذلك الأجهزة المعملية وعدم توفر الأكسجين بشكل كافي ويوجد اسعافين فقط تتوقف احياناً لإنعدام الوقود، وفيما تنقص وحدتي العناية المكثفة و الوسيطة ادوية ضرورية وقد لا يتوفر مايكفي ليوم واحد من الادوية. وأضاف، “أشياء محزنة تحدث داخل مراكز العزل”.
ويقابل ما تحدث عنه طبيب مركز عزل النبت، اقرار حكومي برداءة عملية محاصرة كورونا طبيا، ويعترف مدير عام وزارة الصحة ولاية الجزيرة- الوزير المكلف- د.احمد المصطفى شيخ ادريس بعجز مالي كبير يحول دون تقديم خدمات علاجية مرضية وتوفير مقومات العمل المريحة للكادر الطبي بمراكز العزل، ويقول إدريس في مقابلة مع (عاين) نواجه الموجة الثانية من الفايروس التى بدأت اكتوبر الماضي ولازالت متواصلة باربعة مراكز عزل في الولاية ثلاثة بمحلية ود مدني وهي مركز سوقطرة بسعة (40) سرير، مركز النبت بسعة حوالي (40) سرير مركز العزل الوسيط يوجد به (23)سرير حالياً ، ومركز محلية المناقل (20) سرير.
وينوه إدريس إلى انه مؤخراً حدث تزايد في الحالات مع عدم وجود شواغر لجأنا لتوسيع العزل الوسيط المخصص لحالات الاشتباه بإضافة اكثر من (20) سريرا و خطتنا فتح مراكز جديدة . وبحسب شيخ إدريس توفير الأكسجين باعتباره علاج اساسي للكورونا من اكبر التحديات التى تواجه وزارته اذ يصل استهلاك الفرد في اليوم مابين (5-6) اسطوانات ويقدر الإستهلاك اليومي لمراكز العزل ما بين (150 – 200) اسطوانة ربما لا تتوفر وسيلة النقل التى يمكن ان تحمل هذه الكمية ، وقد يزيد الإستهلاك و نحتاج لإرسال أربعة عربات في اليوم في ظل ازمة الوقود التى تجتاح البلاد وعدم مولدات الأكسجين في الولاية الذي نعتمد على توفيره من الخرطوم ومصانع جياد.
واضاف “هذا نصنفه واحد من أكبر التحديات لإرتباطه بالميزانية والمالية بجانب مشكلة الترحيل التي ترتبط بتوفير عربات الترحيل والوقود. ويقول، ان هناك تحدي مالي كبير يتعلق بالميزانيات الأولية المرصودة اذ يصل حجم الحوجة الى مليون وخمسمائة جنيه سوداني للأكسجين حالياً زاد الرقم ويمكن ان تصل قيمة الترحيل الى ذات المبلغ ، ايضاً تحدي إطعام العاملين في المراكز والأشخاص المنومين فيها ، ومن المشكلات التى تواجهنا وان بدأت تفرج ايجاد مراكز جديدة للعزل وسكن الكادر الطبي العامل لدينا مقرين مقر نعاني فيه من ضيق ومن عدم التجهيز الكامل والكافي وهناك سكن سيخصص للكوادر العاملة في العزل تحت الصيانة .
توفير الأكسجين باعتباره علاج اساسي للكورونا من اكبر التحديات التى تواجه وزارته اذ يصل استهلاك الفرد في اليوم مابين (5-6) اسطوانات ويقدر الإستهلاك اليومي لمراكز العزل ما بين (150 – 200) اسطوانة ربما لا تتوفر وسيلة النقل التى يمكن ان تحمل هذه الكمية ، وقد يزيد الإستهلاك |
عادات سودانية سيئة
ويلفت ادريس، إلى انه واحدة من المشاكل الكبيرة جداً التي نواجهها مسألة العادات والتقاليد السودانية وعدم ترك المريض وحده ووجود المرافقين في مراكز العزل وهذا يدخلنا في اختلاف رؤئ مع المواطنين احياناً بعد تجهيز الجثمان يصر ذوي المتوفى على اخذه. وفي هذه الحالة نعطيهم المحاذير وهناك من يقوم بإعادة غسل الجثمان مرة اخرى.