(أرض جرداء).. الحرب تقضي على ما تبقى من مشروع الجزيرة
عاين- 28 نوفمبر 2024
“الحرب تقضي على ما تبقى من مشروع الجزيرة والمناقل”، هذا ما يلخص به رئيس مجلس إدارة المشروع السابق، صديق عبد الهادي، حديثه لـ(عاين) حول مشروع الجزيرة أكبر المشاريع المروية في السودان بعد امتداد الحرب إلى ولاية الجزيرة .
ومنذ ديسمبر 2023 تتمدد قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش السوداني في ولاية الجزيرة الزراعية أواسط السودان وسط انتهاكات واسعة لهذه القوات لم تسلم منها ممتلكات وأصول المشروع بعد نهبها من قبل المسلحين وتدمير بعضها.
وبينما يتسبب اقتحام قوات الدعم السريع لقرى ولاية الجزيرة التي معظم سكانها مزارعون في المشروع، في نزوح جماعي للسكان تُركت آلاف الأفدنة الزراعية جرداء ونجاة الناس بأرواحهم من شدة البطش الذي يواجهونه من هذه القوات- بحسب مزارعين في المشروع قابلتهم (عاين).
فيما يؤكد مقرر تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل، عبد الرؤوف عمر، أن الحرب شردت عدداً غير قليل من المزارعين من قراهم وأراضيهم حيث شهدت الجزيرة موجات نزوح جماعي، وأوضح المساحات المزروعة بالجزيرة التي تقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع لا تتجاوز نسبة (5%) وفي امتداد المناقل التي تقع بعضها تحت سيطرة القوات المسلحة لا تتجاوز نسبة (13%) مشيرا لانعدام الوقود وارتفاع عمليات التحضير.
“الحديث عن الزراعة في ظل الحرب لا يستقيم؛ لأن عدداً من القرى هُجِّرَت تماما وأصول المشروع نهبت“. يقول المزراع عثمان عبد الله من مكتب فارس لـ(عاين). ويضيف: “ما حدث للشعب السوداني وإنسان ولاية الجزيرة بسبب الحرب فظيع.. تناقصت المساحات الزراعية بشكل كبير؛ بسبب نقص التمويل والتقاوي ونهب أصول المشروع”.
بينما يقول المزارع بالشروع عاصم كنون: “الحرب طالت كل شيء بالمشروع، وليس هناك موظف أو خفير فالمياه طمرت كل المساحات”. فيما يقول زميله المزارع الجيلي إبراهيم من مكتب عفان بامتداد المناقل لـ(عاين): “نحن كمزارعين نفتقد للأمان ولدينا أراضي كبيرة لم تُزْرَع”.
ومشروع الجزيرة والمناقل الذي تأسس في العام 1925 من أكبر المشاريع الزراعية المروية في القارة الأفريقية بمساحة 2.2 مليون فدان.
يمتد المشروع عبر ولايات وسط السودان الجزيرة والنيل الأبيض وسنار بطول 300 كيلو متر. ويروى رياً انسيابياً من خزان سنار.
ويضم المشروع أكثر من 130 الف مزارع موزعين على حوالي 3 الف قرية، وحوالي 2200 كمبو، ويعيش في المشروع حوالي أربعة مليون من المزارعين والعمال الموسميين، والدائميين الذين يحضرون إلى الجزيرة أثناء حصاد محاصيل القطن والقمح والذرة.
نهب ممنهج
رئيس مجلس إدارة مشروع الجزيرة السابق، صديق عبد الهادي، يشير إلى نهب 14 مخزناً ضخماً بإدارة المشروع بها تقاوي محسنة بجانب سرقة الجرارات الزراعية والسيارات التي يملكها المشروع والخاصة بالموظفين والمفتشين الزراعيين، وتدمير الورش والقرابيل وخطوط توصيل الكهرباء وتدمير دار الوثائق بالمشروع التي تحتوي على كتب وتاريخ المشروع وكذلك نهب مركز الأبحاث الزراعية.
صديق يشير إلى أن الحرب قضت على ما تبقى من المشروع من خلال نهب ممتلكاته ومكاتبه وغاباته وهجرة المزارعين وتدمير مركز البحوث، وأبادت محاصيل عمرها أكثر من خمسين عاماً فضلا عن تخريب منظومة الري بالكامل- حسب ما يقول لـ(عاين).
كذلك يأسف حاكم ولاية الجزيرة السابق، عبد الله الكنين، إلى ما آل إليه مشروع الجزيرة بعد امتداد الحرب إليه. ويقول في مقابلة مع (عاين): “قرى ومدن الجزيرة أصبحت تعاني مشاكل كبيرة، وتعطلت العملية الزراعية”.
اقتصاد وبيئة
الأضرار التي طالت المشروع لم تختصر على الأضرار الزراعية فقط، بل بيئة المنطقة، ويقول الخبير البيئي والأستاذ الجامعي، عرابي أحمد البشير لـ(عاين): “هناك أضرار عديدة بسبب الحرب مثل التلوث البيئي وتدمير القطاع النباتي والزراعي والخلل في التوازن البيئي وتدمير المراعي والغابات خاصة وأن 75% من مصادر الطاقة بالسودان من حطب الغابات”.
وينوه عرابي إلى أنه مع دخول قوات الدعم السريع إلى مدينة ود مدني التي تضم مكاتب إدارة المشروع ومؤسساته المختلفة، جرى نهب مخازن إدارة المشروع التي كان بها محصول قمح وضعت له مواد تمهيدا لتجهيزه إلى تقاوي محسنة، لكن هذا القمح نُهب من تلك المخازن، وتم طحنه وتوزيعه على الأفران والمواطنين أكلوا خبز ذلك القمح، وهذه مشكلة صحية”.
عرابي يشير إلى أن آثار الحرب على البيئية لن تظهر حاليا، بل تتكشف على المدى الطويل.
ويتابع عرابي: “ستكون هناك خسائر بيئية واقتصادية بجانب مشاكل الهجرات والنزوح، لا سيما هجرة المزارعين الذي تحولوا من منتجين إلى مستهلكين”.
اقتصادياً، يرى الخبير الزراعي ومدير جامعة الجزيرة الأسبق محمد طه، أن خروج مشروع الجزيرة من دائرة الإنتاج هذا يعني أن الاقتصاد السوداني سيكون فقيرا، وأن الأمن الغذائي سيكون في خطر.
ويقول طه في مقابلة مع (عاين): إن “الحرب على مشروع الجزيرة قديمة منذ السبعينات، غير أن حكومة الإسلاميين حطمت المشروع من خلال وضعها لقانون 2005م الذي كان بداية الخراب حيث تم نهب أصول المشروع والمحالج وبيع 1200 كيلو من السكة الحديد خاصة بالمشروع وغيرها من الأصول”.