السودان: انتهاكات جسيمة بحق المعتقلين في سجون الإنقلاب
24 أبريل 2022
إلى جانب القمع المباشر الذي تواجه به الحكومة العسكرية في السودان الحراك الثوري المناهض للانقلاب العسكري، عمدت الأجهزة الأمنية لمداهمات واعتقالات واسعة بين الفاعلين في المقاومة وأعضاء لجان المقاومة السودانية التي تقود الاحتجاجات.
الاعتقالات التي لجأت إليها سلطات الإنقلاب افتقرت الحجج والاسانيد القانونية بحسب بما يقول محامون لـ(عاين)، وإلى جانب بشاعة العمليات التي يتم بها الاعتقال جرى التحفظ على العديد من المعتقلين في حراسات الشرطة والمعتقلات والسجون دون تقديم مسوغات قانونية تبرر التوقيف.
ويتظاهر السودانيون منذ الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي ضد الانقلاب العسكري الذي نفذه قائد الجيش وأطاح بشركائه المدنيين منقلبا على الوثيقة الدستورية التي حكمت الفترة الانتقالية التي تلت الاطاحة بحكم الرئيس المعزول عمر البشير.
وطالت الاعتقالات السياسية قادة لجان المقاومة والقادة السياسيين، بعضهم تم توقيفهم أثناء التظاهرات المناهضة للانقلاب والبعض الآخر جرت مداهمة منازلهم وتم تدوين بلاغات في عدد منهم بينهم اعضاء نافذون في الحكومة المُنقلب عليها ومسؤولون في لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 واسترداد الأموال العامة إلى جانب تهم يواجهها معتقلون على ذمة قضية مقتل ضابط في الشرطة السودانية أثناء الاحتجاجات.
وتقدر هيئة محامي دارفور وشركاؤها، اعداد المعتقلين بنحو 300 ثائر بحراسات الشرطة والسجون، وتصف استمرار الاعتقال بأنه “عبث بالحقوق والحريات وإهدار الكرامة الإنسانية”. واطلقت سلطات سجني سوبا ودبك سراح مجموعة من المعتقلين فيما جدد قاضي المحكمة الجنائية العليا، طيب الأسماء عبد الله، السبت، حبس 9 من أعضاء لجنة التفكيك المعتقلين لمدة 72 ساعة.
اعتقال مُهين
تصف السيدة زينب عبد الله ابراهيم، والدة المعتقلان، معتصم وعقبة محمد، طريقة اعتقال ابنيها بـ”السيئة والمهينة جداً”، وتقول لـ(عاين)، “كنت اتواجد بالمنزل لحظة اعتقالهما حوالي الساعة الثانية ظهراً في يوم 12 أبريل الجاري، وبعد بضعة دقائق من مغادرة والدهم المنزل حضرت قوة امنية وقامت بضرب الابواب بصورة جنونية ومرعبة قبل أن يهجموا على المنزل ويقفزوا عبر سوار منزل الجيران”.
وتضيف زينب، “تم اعتقال عقبة ومعتصم وهم يرتدون ملابس منزلية وعندما بدات اصرخ واستنجد بالجيران، قاموا برفع السلاح في وجهي (مسدس) وأطلقوا الرصاص والغاز المسيل للدموع داخل وخارج المنزل.. احدى الرصاصات استقرت بمدخل الصالون، وضعوا كل واحد من ابنائي في عربة منفصلة وغادروا”. وتؤكد، أن القوة التى اعتقلت ولديها كانت كبيرة جداً ولم تتمكن من رؤية وجه احد لانهم ملثمين .
وتعتقل سلطات الانقلاب 10 من أبناء حي الديوم الشرقية وسط الخرطوم، وتقول السلطات بحسب المحامي شمس الدين صالح، انهم يواجهون تهمة الاشتراك الجنائي في قضية مقتل ضابط الشرطة علي بريمة 13 يناير الماضي.
وكانت النيابة وجهت تهمة القتل العمد إلى اربعة من المعتقلين في ذات القضية وهم محمد آدم (توباك)، وأحمد الفاتح (الننة)، ومحمد الفاتح (ترهاقا) ومصعب الشريف، ونقل محامون عن النيابة الاسبوع الماضي انها أنهت تحقيقاتها مع المعتقلين ووجهت إليهم تهما جنائية تحت المواد 120/130 من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991، وأحالت البلاغ إلى المحكمة للفصل فيه بعد مضي فترة الاستئناف الرسمية.
أكثر من عشرة أيام أمضاها “عقبة ومعتصم محمد ” في المعتقل لم يتمكن والديهما من رؤيتهما الا مرة واحدة تطلبت منهم الكثير من الإجراءات والجهد وبعد الحصول على إذن لم يتمكنوا من الدخول للحراسات بسهولة.
“والوضع سيء جدا داخل الحراسات يتم تفتيش الملابس والأكل الذي يأخذونه إليهم غير أن المكان سيء للغاية وعبارة عن مخازن”. تقول السيدة زينب لـ(عاين)، وتضيف ان “ابني معتصم تعرض للضرب الشديد ولم يسمحوا لي البقاء معهم لفترة كافية لكني عرفت أنهم معتقلين في وضع سيئ للغاية والمكان مغلق ولا توجد به تهوية”. وتتابع السيدة زينب، “هذه معاناة جسدية ونفسية في غاية الصعوبة لا يمكن تحملها”.
وعلى الرغم، الأوضاع السيئة التي يعيشها ابنائها داخل المعتقل تفاخر والدتهما السيدة زينب بهما، وتقول “انا لم امنع ابنائي يوما من الخروج للتعبير عن مطالبهم ولم يفعلوا ما اخجل منه بل افاخر بهم ، هم الآن معتقلين من أجل قضيتهم التى يؤمنون بها وينادوا بالتغيير، ولكن أرفض الطريقة التى تم اعتقالهم والتى تسببت لي في أذى نفسي جسيم”. تقول والدة المعتقل حمزة صالح تهاني محمد اسماعيل، انه تم اعتقال ابنها بالقرب من نادي الحرية في منطقة الديوم الشرقية بواسطة عربة ملاكي وتم تقييد يديه واقتياده.
وتشير تهاني في مقابلة مع (عاين)، إلى أن والده تمكن من الوصول الى مكان احتجازه بالتحقيقات الفيدرالية في مدينة الخرطوم بحري، وبعد معاناة تمكن من الجلوس معه لزمن قصير. وتقول واسماعيل، ان نجلها حمزة وتوأمه العباس اعتادا على الخروج الى المواكب، وتعتبر أن الاحتجاز غير قانوني، وأن ابنهم لم يرتكب جرماً بخروجه الى الشارع محتجا على الانقلاب العسكري، ونحن لا نستطيع منعهم عن التعبير عن رأيهم والمطالبة بحقوقهم كغيرهم من أبناء جيلهم.
يقول المحامي إسلام شمس الدين صالح، عضو المكتب القانوني للجان مقاومة الديوم الشرقية، أن عدد المعتقلين من منطقة الديوم الشرقية عشرة شباب أغلبهم من لجان المقاومة تم اعتقالهم بطريقة غير قانونية ودوّن في مواجهتهم بلاغ بالرقم (11-52) تحت المادة (21-130) الاشتراك الجنائي في القتل العمد في قضية مقتل ضابط الشرطة علي بريمة، ولم توجه لهم تهم ولا يزال التحري مستمر.
ويفيد شمس الدين (عاين)، بأنهم قدموا أكثر من طلب بينها طلب لمعالجة المعتقل مؤمن وبالفعل تمت الاستجابة، مع تقديم طلب آخر بشطب البلاغ لعدم وجود بينة او تقديم المتهمين للمحاكمة ولكن تم رفضه، وبعدها طلب إستئناف، وطالبوا بإحالة الملف للنيابة باعتبار أن الشرطة طرف أصيل في البلاغ ولم يرد عليه حتى الآن، وتم رفض ستة طلبات بمقابلة المتهمين مع أنه من حقوق المقبوض عليهم ولا زلنا ننتظر.
ويرفض شمس الدين، الطريقة غير القانونية التي تم بها الاعتقال وعدم الاستناد على القوانين، وبحسب قانون الإجراءات الجنائية يتم القبض بإذن من النيابة وهذا ما لم يتم . فيما تقول عضو هيئة الدفاع في قضية محمد آدم “توباك”، المحامية، ايمان حسن، أن محاميي الطوارئ يواجهون صعوبة وتعقيدات لمعرفة مكان المعتقلين والمتهمين ولا يسمح لهم بمقابلتهم والتحدث معهم، ويسمح بمعرفة المكان فقط.
وتقول إيمان لـ(عاين)، ان احتجاز المعتقلين غير قانوني، وبدون علم النيابة التى تم ابعادها على الرغم من انها صاحبة الصلاحيات الاساسية ولديها حق الرقابة على التحريات والاجراءات ومتابعة الحراسات يومياً، واصبحت الشرطة صاحبة اليد العليا والنيابة صاحبة اليد السفلى بعد أن رفعت يدها و تخلت عن مسؤولياتها القانونية.
ردة
ما تفيد به عائلات المعتقلين من أوضاع سيئة داخل الحراسات، وعمليات التعذيب الذي ذكرتها عائلات من سبقوهم في التوقيف على ذمة هذه القضية، يرى المحامي والقانوني معز حضرة انا ما تقوم به السلطات العدلية ” ردة كبيرة في اوضاع حقوق الانسان والعدالة”. ويقول المعز لـ(عاين)، “لا يمكن ان تكون الشرطة الخصم والحكم في القضية والخلل أن تقوم بذلك”. وينوه حضرة، إلى مطالبات عديدة بأن تقوم النيابة بالتحقيق في البلاغ لكنها رفضت حتى عرض المعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب على الأطباء”.
ويشدد المحامي المعزة حضرة على أن انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، ردة كبيرة في اوضاع حقوق الانسان والعدالة ومايحدث الآن يفوق ماحدث في عهد المخلوع البشير بالذات أمر الطوارئ رقم (3) الذي اعطى القوات النظامية الصلاحيات الكاملة لفعل مايريدون دون مساءلة وارتكاب جرائم القتل والنهب والسلب دون محاسبة ولا تستطيع جهة ما تقديمهم للمحاسبة ” .
الدرك الأسفل
مع تصاعد الحراك الجماهيري المقاوم للانقلاب في ايامه الأولى اعتقلت سلطات الانقلاب اعتقلت اعضاء لجنة التفكيك والسياسيين اعتقالا امنيا. وبحسب المحامي المعز حضرة، أنه بعد عملية الاعتقال قامت السلطات بفتح بلاغات كيدية تحت المادة (177) فقرة (2) خيانة الأمانة رغم انها لاتنطبق عليهم لأنهم ليس موظفين عامين.
ويقول حضرة أن عدد البلاغات المفتوحة في أعضاء لجنة التمكين ومعاونيها وصل الى (206) بلاغا. ويعتبر المعز أن هذه البلاغات لا تقوم على أساس قانوني لأن أي بلاغ ضد موظف عام يجب أن يكون هناك تقرير من المراجع العام ولكن لم يتم ذلك.
ويضيف حضرة وهو عضو هيئة الدفاع عن معتقلي لجنة ازالة التمكين لـ(عاين)، “لا توجد مبررات قانونية للقبض على اعضاء لجنة التفكيك ولا يتوفر تقرير من المراجع م العام وليس هناك بينات ولم تحدد المبالغ استلمها أعضاء اللجنة. ويتابع ” البلاغ كيدي القصد منه بقائهم في السجون وطلبنا تقديمهم لمحاكمات ولكن هناك مماطلة واضحة، غير أن اوضاع المتهمين في المعتقل سيئة والنيابة تمنع مقابلة المتهمين للمحامين وتشترط أن تتم تحت مرأى ومسمع الشرطة وهذا مخالف للقانون لأن المقابلات يجب أن تتم على مرأى وليس على مسمع”.
ويتابع حضرة، “تمنع النيابة أعضاء لجنة التمكين من الاستشفاء عند أطبائهم أو في المستشفيات العامة وترفض ادارة سجن سوبا وتدعي انه ليس لديها حراس كافين لمرافقة هؤلاء المعتقلين وهذه حجج يتم تبادلها بين الاجهزة في وقت شاهدنا فيه الرئيس المخلوع يتلقى العلاج ويظهر في صالات الرياضة”. ويشير المحامي حضرة، إلى أنه مؤخرا رفضت النيابة إحضار أوراق المتهمين أمام قاضي الجنايات الذي يقوم بالتجديد للمتهمين وهذا يوضح أننا وصلنا الدرك الأسفل في العدالة”.