اضطراب اقتصادي في السودان يصيب الأسواق بالركود ويُشعل الأسعار

12 مارس 2023

يجد “حسين علي”، 51 عاماً، صعوبة بالغة في توفير الوجبة المدرسية لأطفاله الثلاثة بعد تدهور أوضاعه الاقتصادية والتوقف شبه التام لعمله في المقاولات وأعمال البناء. “منذ نحو عام لم يعد أحد يستطيع بناء منزل فأسعار مواد البناء مرتفعة جداً بالإضافة إلى تكلفة العمالة”، يشرح “حسين” واقعاً اقتصادياً متردياً يعيشه السودانيون انسحب على واقعه الشخصي.

حسين الذي ينشط في أعماله بجميع المناطق المحيطة بقريته شمال العاصمة السودانية الخرطوم، يقول لـ(عاين)، ان التردي الاقتصادي اوصل أصحاب الأعمال لعجز اقتصادي تام. ويتابع:”لدينا أموال لدى البعض أصحاب العمل لم يسددوها لنا منذ ما يقارب تسعة أشهر ، عندما نلاحقهم بالمساءلة يأتي ردهم بأنهم عاجزون مالياً ، ليس لديهم نقود تسديد مديونياتهم”.

“نسيبة عبدالله” موظفة حكومية في الدرجة السابعة تقاضى راتباً شهرياً  يبلغ (٨٤ ) ألف جنيه حوالي 140 دولار . تلجأ ( نسيبة ) للاقتراض لتوفير احتياجاتها الشخصية الى حين صرف راتبها بداية كل شهر ، كما عملت على تقليص عدد الأيام التي تداوم فيها في العمل لعدم توفر قيمة تعرفة المواصلات اليومية.

موظفة حكومية بالدرجة السابعة: اتجه إلى ترك الوظيفة والعمل بصناعة المخبوزات 

” فكرت كثيراً في ترك الوظيفة رغم أني لا أملك أي مصدر دخل آخر، لكنني اشعر  بأن تمسكي بوظيفة لا عائد من ورائها يقيدني و يعيقني من التفكير في البدائل.. لكن لا وقت أنا الآن أعمل على دراسة جدوى مشروع متعلق بصناعة المخبوزات التي اتقنها. “تقول نسيبة لـ(عاين).

اضطراب اقتصادي في السودان يصيب الأسواق بالركود ويُشعل الأسعار

أسواق مُشتعلة

يُصنف تقرير صادر عن البنك الدولي في نهاية يناير الماضي، السودان ضمن الدول ذات الدخل المنخفض والتي تعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية والقروض حيث يبلغ  دخل الفرد ٥٩٠ دولار  في العام.

جولة شبكة (عاين) في الأسواق السودانية، تكشف عن وفرة في السلع بشقيها المحلي والمستورد، إلا أن القدرة على الشراء شبه معدومة. واضطر تجار لعرض بضائعهم بالأسعار التي اشتروها بها من المصانع ومحلات البيع بالجملة.

صاحب محل: يلجأ الكثير من التجار للبيع بالخسارة لتسديد ديون المصانع وتجار الجُملة  

يقول إسماعيل عوض، وهو صاحب محل تجاري لبيع المواد الغذائية بضاحية جبرة جنوب الخرطوم: “الكثير من التجار يعرضون بضاعتهم للبيع بأقل من سعر الشراء في سبيل تعويض جزء من الخسائر أو في سبيل تسديد قيمة الشيكات المصرفية آجلة السداد”.  ويضيف في مقابلة مع (عاين): “هذه العملية تضر بالتجار لأن المواطن يتجه لشراء البضاعة منخفضة السعر ويعتقد أن هذا سعرها الحقيقي”.

يجد “إسماعيل” العذر للمواطنين الذين ارهقتهم أعباء الحياة خاصة قطاع الموظفين الذين يلجأون إلى الاستدانة من المتجر لحين صرف الرواتب ولكن على العديد منهم يعجزون عن سداد مديونياته. ويشير “إسماعيل” هنا  إلى دفتر أمامه حيث يدون فيه ما له على المستدينين، ويقول “هذه القوائم عجز اصحابها جميعاً عن السداد”.

الأسواق السودانية تُغرق بالبضائع في ظل عدم قدرة على الشراء، هذا الوضع يُعرفه الاقتصاديين بـ(الكساد)، غير أن ما يحدث في السودان هو كساد من نوع فريد -حسب وصف المحلل الاقتصادي صدقي كبلو الذي يقول أن الكساد هو انخفاض الطلب العام للسلع والخدمات ما يؤدي الى اغلاق المصانع وتوقف بيع الخدمات المعروضة. ويعزي كبلو السبب المباشر في حالة الكساد التي تمر بها البلاد إلى توفر السلع سواء عبر الاستيراد أو الإنتاج المحلي دون قوة شرائية مرتبطة بقدرة الفرد على شراء كمية السلع والخدمات بواسطة دخله.

وزير المالية السابق تجاني الطيب يصف ما يمر به الاقتصاد السوداني بـ”التضخم التراكمي” ما أدى إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض القوة الشرائية لدى الطبقتين المتوسطة والضعيفة

وزير المالية الأسبق والخبير الاقتصادي التجاني الطيب، يصف ما يمر به الاقتصاد السوداني بـ”التضخم التراكمي” الأمر الذي أدى الى ارتفاع الأسعار وبالتالي انخفضت القوة الشرائية لدى الطبقتين المتوسطة والضعيفة.

ويقول الطيب في مقابلة مع (عاين)، “خلال العامين الماضيين تمكن بنك السودان من توفير احتياطي نقدي أدى الى وقف مؤقت لتدهور سعر العملة، لكن البنك مع قلة الإيرادات بدأ يتصرف في الاحتياط إذ لا يوجد تمويل لمشاريع التنمية ولا واردات في خزينة الدولة”.

ويشير وزير المالية الأسبق إلى أنه ورغم حالة الكساد وقلة القوة الشرائية إلا أن سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الجنيه السوداني بدأ يتحرك خلال الفترة الماضية.ومنذ نحو ثلاثة أسابيع بدأ سعر الدولار الأمريكي في الصعود المتدرج مقابل الجنيه السوداني، ووصل سعر الدولار الواحد في السوق الموازي إلى 600 جنيها.  

ووفقا لأرقام حكومية رسمية بلغ عجز الميزان التجاري ( ٦) مليار جنيه وهو رقم لم يسبق أن وصل إليه الاقتصاد السوداني -بحسب التجاني الطيب-  الذي يقول انه توقع عجزاً  في الميزان التجاري  يصل إلى  ( ٣ ) مليار جنيه لكن أن يبلغ العجز ( ٦)  مليار فهذا وضع خطير والحكومة لا تدرك حجم المشكلة. ويضيف: “كنت أتوقع أن تدخل الحكومة في حالة استثنائية بعد الكشف عن هذا العجز واتخاذ معالجات في الصادرات وفي الواردات رغم عدم الطلب”.

واستغرب الطيب الزيادات التي تفرضها وزارة المالية على الخدمات الضرورية مع عدم زيادة في الرواتب التي مهما تمت زيادتها سيبتلعها التضخم فكل ذلك خلق وضع شاذ. وأشار إلى أن رفع معدلات التضخم تقلل معدلات النمو وخلق فرص العمالة خاصة لفئة الشباب، وكلما تفرض الحكومة زيادات في أسعار الخدمات لزيادة إيرادات الدولة سيحدث العكس،  ستؤدي الزيادة في الأسعار الى قلة الطلب وبالتالي  الإيرادات ستقل”. وزاد “التضخم وصل معدلات لم تحدث من قبل في المنطقة”.

اضطراب اقتصادي في السودان يصيب الأسواق بالركود ويُشعل الأسعار

خفض التضخم.. زيادة الأسعار

الحكومة السودانية وعبر – جهاز الإحصاء- تقول إن معدل التضخم في السودان تراجع في شهر يناير 2023، ليسجل (83%)، ويشير وزير المالية، جبريل إبراهيم، إلى أن الجهود التي تقوم بها الحكومة قللت من مستويات التضخم التي تجاوزت 300% في العام الماضي.

محلل اقتصادي: الحديث عن انخفاض مستوى التضخم لا يهم المواطن الذي يواجه ارتفاع مستمر في الأسعار.

حديث الحكومة عن انخفاض معدلات التضخم  لا معنى له لدى المحلل الاقتصادي صدقي كبلو ، الذي يقول لـ(عاين)،  أن مصلحة الإحصاء غيرت شرطاً اساسياً في حساب ارقام المعيشة، حيث تحسب كل عام  منفصلا من شهر يناير وهي بالتالي لا تضع حساب تراكمي للتضخم لانها تحسب على قاعدة متحركة وليس على حساب أساس السنة كما كانت تحسب في السابق.

ويضيف كبلو : “الحديث عن انخفاض مستوى التضخم لا يهم المواطن الذي يواجه ارتفاع مستمر في الأسعار”. وزاد “أسعار السلع في زيادة تصاعدية مهما انخفضت معدلات التضخم”.

ووفقا لتقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، إن أسعار المواد الغذائية –خاصةً القمح والمواد الغذائية الرئيسية– ارتفعت في السودان على الرغم من انخفاض نسبة التضخم.

وأبان التقرير، أن معدل التضخم الإجمالي –الذي يقاس بمؤشر أسعار المستهلك– انخفض في جميع أنحاء السودان طوال العام 2022، ومع ذلك ارتفعت أسعار المواد الغذائية الرئيسية مثل الذرة والقمح وبعض المواد الغذائية الأخرى بنسب تتراوح بين (32%) و(182%).

اضطراب اقتصادي في السودان يصيب الأسواق بالركود ويُشعل الأسعار

زيادة جمركية

وفي 26 فبراير المنصرم، نفذت هيئة الجمارك زيادات في الرسوم الجمركية على 103 سلعة، من بينها البنزين والجازولين والقمح، وذلك لسد العجز المتوقع في موازنة العام الحالي.

غير أن زيادة الجمارك والضرائب للسلع المستوردة  وفقا لـ صدقي كبلو ، إيجابية لأنها تؤدي الى حماية الصناعة السودانية،  لكن لابد في المقابل أن تدعم الحكومة الصناعة وتذلل  مشاكل الإنتاج .لكنه يعود ويقول: “الحكومة القائمة تنفذ إجراءات دون سياسة اقتصادية هدفها زيادة الإيرادات “.

ويرى المحلل الاقتصادي صدقي كبلو، أن “زيادة الضرائب هي سياسة اقتصادية قبل زيادة الإيرادات، ويجب أن تتم وفق دراسة اقتصادية لدراسة الآثار الاقتصادية المترتبة عليها”.