حرب كردفان.. أعنف خطوط المواجهة وتعزيز النفوذ
عاين-24 نوفمبر 2025
تتصاعد المعارك العسكرية بين الجيش وقوات الدعم السريع في كردفان يوماً تلو الآخر، وينخرط الطرفان في ما يشبه السباق للسيطرة على الإقليم الاستراتيجي الذي يضم حقول النفط السودانية الرئيسية، ويشكل منطقة فاصلة بين دارفور وشرق البلاد، مما أثار المخاوف من مواجهات عنيفة تفاقم تدهور الوضع الإنساني في المنطقة.
يخوض الجيش معركة كردفان بدافع بسط النفوذ والسيادة على الإقليم الغني بالنفط، والذي يشكل مورداً رئيسياً للاقتصاد السوداني، ومن ثم يتخذه كمدخل للتوغل نحو إقليم دارفور الذي يخضع حالياً إلى سيطرة قوات الدعم السريع، بينما تقاتل قوات الدعم السريع في كردفان بدافع ما تسميه حماية الحواضن الاجتماعية لمعظم مسلحيها الذين يقيمون في المنقطة، فالوضع بالنسبة لها أصبح مسألة “حياة أو موت”، وفق ما أفاد به مقربون من الطرفين (عاين).
التطورات في الأجندة الحربية للطرفين، وما صاحب الفترة القليلة الماضية من تحالفات، لا سيما حلف قوات الدعم السريع مع الحركة الشعبية – شمال قيادة عبد العزيز الحلو التي تسيطر مسبقاً على مناطق واسعة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، ربما تفرض واقعاً مغايراً للحرب في إقليم كردفان، قد تكون أكثر عنفاً من المراحل السابقة من اندلاع هذا القتال.
ووفق متابعات (عاين) لم تتغير خارطة السيطرة الميدانية كثيرا في كردفان منذ انتقال المعارك إليها فعلياً في مايو الماضي، لكن المنطقة شهدت معارك عنيفة أظهرت تفوقاً عسكرياً لصالح قوات الدعم السريع التي استطاعت المحافظة على مواقع سيطرتها في مواجهة هجمات الجيش المتواصلة في سبيل التقدم غرباً، غير أن المعطيات على الأرض تنبئ بتحولات ميدانية خلال المرحلة المقبلة، من واقع حشد الطرفين لمسلحيهم بشكل كثيف في الإقليم.
انتهاكات مزدوجة
ووسط معادلات القتال وحسابات الطرفين وطموحهما المتصاعد لكسب معركة كردفان، يوجد مئات الآلاف من النازحين فروا من مناطقهم بعدما تحولت إلى بؤر صراع ساخنة، ومسرح لعمليات عسكرية متواصلة بين الجيش وقوات الدعم السريع وحلفائهما، ولم يعد بمقدورهم العودة إلى منازلهم في المدى القريب؛ مما يؤدي إلى استمرار معاناتهم، وفق ما أفاد به الأمين العام للشبكة الشبابية للمراقبة المدنية في السودان أحمد توم (عاين).
كردفان منطقة منبسطة ومفتوحة، وستكون السيطرة على مدنها متبادلة وأي طرف يدخل إلى مدينة أو منطقة يرتكب انتهاكات واسعة بحق المواطنين العالقين بتهمة التعاون أو التخابر مع الطرف الآخر
عضو بالشبكة الشبابية للمراقبة المدنية
ويقول توم: إن “كردفان تحولت إلى منطقة صراع رئيسية ومنذ سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر، شهدت تحشيد واسعاً للطرفين فيها، مما ينذر بمزيد من المعارك ذات الآثار المدمرة في الإقليم، وستضاعف الأزمة الإنسانية”، لافتاً إلى أن كردفان منطقة منبسطة ومفتوحة، وستكون السيطرة على مدنها متبادلة بين الطرفين وليست ثابتة، وفي كل مرة يدخل فيها طرف إلى مدينة أو منطقة يرتكب انتهاكات واسعة بحق المواطنين العالقين بتهمة التعاون أو التخابر مع الطرف الآخر، وهنا يمكن الخطر الأكبر لهذا الصراع، حسب تقديره.
ويضيف: “نتوقع مزيداً من تدهور الأوضاع الإنسانية في كردفان مع اشتداد الأعمال القتالية، وعدم وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية للمتأثرين بهذا الصراع. كان الأمل في نجاح مقترح الهدنة الإنسانية الذي قدمته المجموعة الرباعية الدولية، نحن نناشد أطراف الصراع للموافقة عليها ووقف إطلاق النار، فهي خطوة مثالية لدخول الإغاثة ووقف تدهور الأوضاع الإنسانية في كردفان”.
ويشير إلى أن كردفان تشهد ضعفاً في المناصرة الإعلامية، وصارت بؤرة مظلمة، تحاصر المآسي الإنسانية سكانها، خاصة النازحين الذين تعتبر مدينة الأبيض أكبر تجمع لهم، حيث يفتقدون أبسط مقومات الحياة في مكان إقامتهم بالمدارس والداخليات الطلابية، وبعضهم يقيمون في العراء، ومن المنتظر أن تزداد معاناتهم بسبب سلوك أطراف النزاع الرافض لأي مساعي للتسوية السلمية، والتحشيد لقتال جديد عوضاً عن وقف الحرب.
مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان أكبر تجمع للفارين من الحرب واستقبلت أكثر من مليون نازح
متطوع
وتعتبر الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان أكبر تجمع للفارين من الحرب حيث استقبلت أكثر من مليون نازح ونازحة وفق متطوع من المدينة تحدث مع (عاين)، جاءوا إليها من مناطق الصراع في بارا والقرى المحيطة بها، وكازقيل والحمادي والدبيات وهبيلا في جنوب كردفان، والخوي والنهود والبان جديد بولاية غرب كردفان.
ويتركز النازحون بسبب القتال في ولاية جنوب كردفان، في مدن الدلنج وكادوقلي، والعباسية والتضامن شرقي الولاية، ويقدر متطوع تحدث مع (عاين) بنحو 200 الف نازح ونازحة، يعتمدون في معاشهم على جهود متطوعي غرف الطوارئ، وتدخلات محدودة من بعض المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة.

وفي ولاية غرب كردفان، فإن أكبر تجمع للنازحين يوجد في مناطق المجلد وأم جاك، والفولة وكدام، معظمهم من مدينة بانبوسة التي نزح سكانها وعددهم نحو 177 الف شخص، بشكل جماعي منذ اندلاع المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع في المدينة في يناير 2024م، وفق ما أعلنته غرف طوارئ بابنوسة في تعميم صحفي مطلع نوفمبر الجاري.
ويوجد آلاف النازحين في مدينة أبوزبد والمناطق المحيطة بها في ولاية غرب كردفان، وصلوها بعد تصاعد المعارك في الدبيبات والحمادي في ولاية جنوب كردفان، وجميعهم يواجهون ظروفاً إنسانية سيئة بعدما فقدوا ممتلكاتهم ومصادر كسبهم المعيشي.
وتحت ظروف إنسانية بالغة السوء، يواصل طرفي الصراع حشد قواتهما مع احتدام المعارك بالفعل في شمال كردفان، ومدينة بابنوسة في ولاية غرب كردفان، إضافة إلى محيط الدلنج والجزء الشمالي الشرقي من ولاية جنوب كردفان، دون حدوث تغيرات جوهرية في خارطة السيطرة الميدانية للجيش وقوات الدعم السريع في المنطقة.
خارطة السيطرة والحشد المتبادل
وبحسب مصدر عسكري تحدث لـ(عاين) فإن الجيش حشد آلاف المقاتلين في الأبيض التي حولها إلى مركز لوجستي وتحكم لمعاركه في إقليم كردفان، ويوجَد عناصر الجيش الأساسيين في مجمع قيادة الفرقة الخامسة الهجانة في الجزء الجنوبي الشرقي للمدينة، ويجاورها المطار ومجمع الأسواق والمستشفيات، والخدمات الرئيسية، بينما أسندت للقوة المشتركة للحركات المسلحة والمستنفرين مهمة التمركز في الجزء الغربي والشمالي للمدينة، وبالتحديد حي الـ13 على أن تقود مناورات من وقت لآخر نحو بارا والعيارة وجبل أبو سنون والرياش وكازقيل جنوباً، والتي تتواجد فيها قوات الدعم السريع.
ويحتشد مسلحون من قوات درع السودان وقوات العمل الخاص وكتائب البراء الإسلامية المتحالفة مع الجيش، في مدينة الدويم ومنطقة العلقة في ولاية النيل الأبيض، ووضع الجيش كذلك تعزيزات عسكرية في مدينتي تندلتي والرهد أبو دكنة، ومنطقة أم بشار غرب الرهد وهي متاخمة لمنطقة علوبة جنوب شرق الأبيض الخاضعة إلى سيطرة قوات الدعم السريع، وفق المصدر.
وأصبحت مناطق الجنوب الغربي من بارا مثل جبل أبو سنون وجبل عيسى وجبل هشابة وأم عردة والعيارة، وصولاً إلى الرياش وكازقيل، ومناطق جنوب شرق بارا كأم دم حاج أحمد، وزريبة الشيخ عبد الرحيم البرعي، ميادين لعمليات ساخنة بين الجيش وقوات الدعم السريع، ولم يقم فيها أي طرف ارتكازات عسكرية، وشهدت ما يشبه النزوح الجماعي لسكانها، حسب مصادر محلية.

في ولاية شمال كردفان يسيطر الجيش على 4 مدن رئيسية، هي الأبيض، أم روابة، الرهد أبو دكنة، ود عشانة، وجميها تقع على طريق الأسفلت المؤدي إلى كوستي في ولاية النيل الأبيض. ويسيطر على جميع رئاسات المحليات والمدن الكبرى باستثناء هبيلا في ولاية جنوب كردفان، بينما تبقت منطقتان فقط تحت سيطرة الجيش في ولاية غرب كردفان، هما رئاسة الفرقة 22 بابنوسة، واللواء 90 هجليج.
أما قوات الدعم السريع بحسب مصدر مقرب منها تحدث مع (عاين) تحشد قوات ضخمة حول مدينة بابنوسة والمجلد، وفي الجزء الشمالي الشرقي من ولاية غرب كردفان، خاصة مناطق أم كريدم سودري والمزروب والحمرا، وعززت انتشارها في الصحراء حتى ولاية شمال دارفور ومثلث عوينات الحدودي.
وتسيطر قوات الدعم السريع على ولاية غرب كردفان التي تضم حقول النفط الرئيسية للسودان، باستثناء الفرقة 22 بابنوسة واللواء 90 هجليج اللذين ما يزال الجيش يحتفظ بسيطرته عليهما. وفي ولاية شمال كردفان تسيطر الدعم السريع فعليا على بارا وجبرة الشيخ وأم قرفة وأم سيالة في الجزء الشمالي الشرقي من الولاية.
وفي جنوب كردفان، تسيطر قوات الدعم السريع على محلية القوز بما في ذلك مدينتا الدبيبات والحمادي ومثلث طيبة الاستراتيجية، وتحاصر في عمليات مشتركة مع حليفتها الحركة الشعبية – شمال قيادة عبد العزيز الحلو، الدلنج ثاني أكبر مدن الولاية، ويسيطرا كذلك على منطقة هبيلا، ويحيطان ببعض المحليات الشرقية مثل أبو كرشولا ودلامي وغيرها.
حلم الحسم
ويرى الضابط السابق في الجيش د. أمين مجذوب إسماعيل أن قوات الدعم السريع تقود معارك تعطيلية في كردفان، الغرض منها تأخير وصول القوات المسلحة إلى إقليم دارفور، وليست الهدف منها السيطرة على كردفان وإن حققت تقدماً، فإنه سيكون مؤقتاً سرعان ما ينقض عليها الجيش في معركة يرتب لقيادتها خلال المرحلة المقبلة.
ويقول لـ(عاين): “المعركة في كردفان مختلفة عن غيرها التي كانت في المدن، فهي مسرح مفتوح، وستجد قوات الدعم السريع نفسها في خطوط متباعدة ستواجه مصاعب في الإمداد من دارفور إلى كردفان نسبة إلى بعد المسافة، كذلك سيكون طيران الجيش سلاحاً فعالا وحاسماً في المعارك البرية الصحراوية المكشوفة، ومع عامل الوقت لن تصمد قوات الدعم السريع”.
من جهته، قال القائد الميداني في قوات الدعم السريع عبد الله حقار لـ(عاين) إن “الوضع العسكري في كردفان يشهد تحشيد غير مسبوق من الجيش وحلفائه، وقوات الدعم السريع أو تأسيس، لكن ستتفوق قوات الدعم السريع ميدانياً، نسبة لاختلاف الميدان الحالي عن المعارك التي كانت تدور في المدن، فالقتال في الأرض المفتوحة والتضاريس يتفوق فيه الدعم السريع، بخلاف الجيش الذي يجيد الخندقة، بالإضافة إلى عامل الجغرافيا لكون 85 بالمئة من مجتمعات كردفان تدعم قوات الدعم السريع”.
وشدد أن كردفان تعني الكثير بالنسبة لقوات الدعم السريع، وكسب معركتها تمثل كسباً للمعركة في كل السودان، فهي تمثل انطلاقاً للقوة البشرية سواء للجيش أو الدعم السريع ومورد اقتصادي هام، ولن يساوم الدعم السريع فيها، لأنها تخوض حربا لتحرير كل السودان ولن تتخلى عن شبر منه، والانسحاب السابق من الجزيرة وسنار والعاصمة الخرطوم لم يكن تخلياً، بل بغرض ترتيب الصفوف والانقضاض مرة أخرى- حسب وصفه.
وذكر أن “كردفان غنية بالنفط والمنتجات الزراعية والحيوانية وجميع هذه الموارد كانت بمثابة شريان يرفد الجماعات الإسلامية والجيش المؤدلج بالمال، الذي يستغلونه لشراء الأسلحة وقتالنا بها، فمن المهم السيطرة على الإقليم الذي يمثل مدخلاً لتطهير البلاد من جماعة الهوس الديني”.
الحرب وانتاج النفط
ستقود سيطرة قوات الدعم السريع على حقول النفط إلى توقفها؛ لأن الشركات تعمل فيها بموجب اتفاقيات مع الحكومة التي يقودها الجيش، فلن يكون هناك أي نشاط إلا إذا حدثت ترتيبات وتفاهمات جديدة بين الأطراف تضمن ممارسة المهندسين والعاملين عملهم في بيئة آمنة، وذلك وفق ما أفاد به مصدر في قطاع النفط (عاين)، لافتا إلى أن جميع الحقوق التي اجتاحتها قوات الدعم السريع، في بليلة وسفيان وزرق توقفت بالكامل، كما خرج آخر حقل كان يعمل في هجليج عن الخدمة الأسبوع الماضي، بعد استهدافه بطائرة مسيرة من الدعم السريع. قبل ان يعود للخدمة مؤخرا واستئناف تصدير نفط جنوب السودان.

من جهته، قال الخبير الاقتصادي د. هيثم فتحي لـ(عاين) إن الحرب الجارية في كردفان أثرت في قطاع النفط بشكل كبير، فقد تذبذب الإنتاج والتصدير، وتوقفت معظم الحقول عن العمل بسبب التدهور الأمني، حيث تضطر الشركات إلى دفع مبالغ مالية للمليشيات المسلحة في المنطقة لحمايتها. ويشير إلى أن تداعيات القتال الحالي، تأتي في وقت وضع فيه السودان منذ سنوات آماله على زيادة إنتاج النفط لدعم الإيرادات وحل عجز الميزانية والتغلب على مشاكل الطاقة، معتمداً في ذلك على إنتاج النفط وتصدير نفط دولة جنوب السودان، والآن ربما فقد كل شيء.



























